الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس ..الى اين ؟

زهرة بن عبدالله

2021 / 8 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


تونس الى أين ؟
زهرة بن عبدالله.. تونس
تعيش تونس هذه الأيام على وقع أحداث متتالية، فارقة، حركت مياها راكدة منذ عقود..أحداث لم يسبق ان شهدتها في ما مضى ،وقائع فريدة في خصوصيتها وفي المنعرجات التي اتخذتها .تصاعد تأزمها وبشكل ملحوظ خاصة في هذه العشرية منذ انتفاضة 2011 لتبلغ منتهاها يوم 25 جويلية 2021 إذ خرج الشعب التونسي محتجا ،رافضا الاستكانة وحاملا مجموعة من المطالب المحددة الواضحة..
★أسباب الازمة
عرف زمن بن علي مايشبه حالة التعتيم مما يوحي بالرفاه والأمن وسجلت العديد من الأرقام الصادرة عن مؤسسات الحكم مؤشرات على النمو والرفاه الاقتصادي..تضخم الاسعار مثلا شهد تراجعا من 5،1%سنة 2008 الى 3،9% سنة 2009 ..اما العجز التجاري فقد تقلص من 4،2%سنة 2008 الى 2،9%سنة 2009..في حين سجلت نسبة البطالة سنة 2009 13،3% وواصلت في الارتفاع لتبلغ سنة 2012 18،1%..
لم يكن نموا حقيقيا بل كانت العائلات المتنفذة هي فقط من تمتعت بالامتيازات ونمو مداخيلها..منذ الانفتاح الاقتصادي الذي نحاه نظام بن علي وما تبعه من إجراءات في الاقتصاد والتعليم وسوق الشغل حيث وقع التفريط تدريجيا في جزء من القطاع العمومي لصالح القطاع الخاص، فضربت الجودة وزاد جيش البطالين ، وانطلقت الشركات الناهبة توغل في قوت المواطن وتتلاعب بمستقبله..حيث وجد نفسه وجها لوجه مع هذه المؤسسات الرأسمالية وتخلت الدولة عن أدوارها المعهودة الاجتماعية او الاقتصادية في التعليم والصحة والتشغيل..
واعتبارا للوعي النسبي الذي يتحلى به المجتمع التونسي لإرث سابق متأصل في شخصيته ،او لموقعه الذي مكنه من أن يكون همزة وصل بين الشرق والغرب تلاقت فيه الحضارات ولا زال يتفاعل مع متغيرات العالم فأحدثت فيه المفارقة التونسية المتفردة..
هذه الميزة مع عوامل أخرى عدة جعلت منه شعبا متحركا صعب المراس غير مستكين ،قاد في زمن بورقيبة عديد الانتفاضات لعل أشهرها انتفاضة الخبز جانفي 1984 التي انطلقت من دوز بالجنوب التونسي بعد الترفيع في سعر الخبز ورفع الدعم ثم انتشرت كالنار في الهشيم في كامل الجهات مما اضطر الساسة إلى التراجع..اما اهم انتفاضة شهدها عهد بن علي فهي انتفاضة الحوض المنجمي 2008 ...حتى أن البعض رٱها مقدمة لما تتالى من أحداث دليلا واضحا على مقاومة هذا الشعب للظلم والحيف الاجتماعي ..
انطلقت كل الانتفاضات من المناطق الداخلية المهمشة والمقصية عن برامج النمو والتشغيل رغم ما تقدمه هذه الجهات من خيرات : ڨفصة " الفسفاط" ڨبلي" التمور" سيدي بوزيد" الانتاج الفلاحي المتنوع" ...
كانت اذا صفعة البوعزيزي ثم احتراقه بمثابة القادح للأحداث ومشعلا لانتفاضة شبابها الذي رفع شعارا واضحا" التشغيل استحقاق يا عصابة السراق"..
غير ان المجريات بعد هروب رأس النظام في 14 جانفي 2011 جاءت مخالفة لتطلعات الكثير فقد رُمّم النظام وأعاد هيكلة نفسه واستطاع تجاوز غليان الشارع وامتصاص غضبه بمجموعة من الإجراءات التجميلية : مجلس تأسيسي ، تأشيرات لأحزاب من كل لون ..
انتخابات تبدو ديمقراطية ولكنها أظهرت عقمها فقسمت المجتمع وحرفت بوصلته من استحقاقات اجتماعية الى عراك ايديولوجي هووي استطاع من خلاله الإسلام السياسي بالاتفاق مع بارونات المال والفساد التحكم في المشهد وتعطيل الحياة السياسية لصالحهم عاش خلالها التونسي نادما متحسرا حينا، رافضا مقاوما أحيانا كثيرة ، فسنة 2021 شهدت منذ أولها احتجاجات كبرى قوبلت بالقمع والصلف والتشويه..ظهر فيها التونسي عاريا مقموعا مسحولا في الشارع..مما زاد إصرار الناس على إسقاط هذه المنظومة وإبعاد هذه الوجوه التي حولت الحياة الى مستنقع ٱسن ..
★انتفاضة 25 جويلية 2021
لا زالت مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دورا مهما إذا ما أحكم استغلالها ،فقد انتظم الشباب في مجموعات تنادي بالخروج لإسقاط الإخوان بعد أن خرج أحد قادتهم مهددا الدولة إن لم تدفع التعويضات قبل يوم 25 جويلية بأن شباب النهضة" سيأكل الأخضر واليابس" ضاربين عرض الحائط ٱلام الشعب وهو يشيع ما يقارب ال 200 ضحية يوميا من ضحايا كوفيد 19 وقد وصلت حصيلة هذا الوباء زهاء 20 الف ضحية..
فالإخوان ، وقد كانوا الممسكين بدواليب الدولة ،قد أطلقوا أيادي المتهربين ضريبيا والمحتكرين والفساد بانواعه لمزيد من الاستغلال والنهب والسلب حتى فقّرت المستشفيات العمومية وتوفي الكثير من إطارها الطبي، وبيعت قوارير الأكسيجين في السوق السوداء ونهشت المصحات الخاصة لحم المواطنين..وانتشرت بؤر العدوى في كل مكان حتى صرنا لا نشتم سوى رائحة الموت المتنقل على كل الساحات..وكأن تونس الحب والخضار تحولت الى مقبرة كبرى..
انتظموا وخرجوا يوم 25 جويلية وخرجت معهم الالاف المؤلفة رافعين شعارات 17 ديسمبر 2010 واتجهوا رأسا الى مقرات الحزب الحاكم وأحرقوه واتلفوا محتوياته..حددوا عدوهم وطالبوا برحيله..
★قرارات سعيد واستجابة الرئاسة
كان سعيد يعيش صراعا مع مؤسستي رئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان اللتين كانتا تحت سيطرة الاخوان .كانت سلطاته محدودة لتحجيم مدهم غير انه استطاع بذكاء شديد التصدي لهم وبالدستور الذي أخاطوه على قياسهم.. أصبح التراشق بينهم فصلا بفصل..وهذا ميدانه فعطل حكومتهم التي احتوت لصوصا وفسادا..
كانت الأغلبية تنتظر فعلا حقيقيا لسعيد نحو التغيير خاصة مع المطالبات أينما حل" بحل البرلمان" مربط الفساد ومحضنة الإرهاب، فكان ان التقط اللحظةويبدو أنه كان يعد لها،فكانت قراراته ليلة 25 من جويلية استجابة لتلك المطالب :
تجميد عمل البرلمان/ رفع الحصانة عن النواب/ إقالة الحكومة..
واعدا بأنه سيحقق "الانفجار الثوري من داخل المنظومة" وان" صواريخه على منصاتها جاهزة للإطلاق" ..وثقت الأغلبية به وخرجت للشوارع محتفلة ،امتلأت الشوارع رقصا وغناء ،ولبست الخضراء وشاحا من الأمل ..
تونس الى أين؟
لم يكن يخفى علينا بأن معركة الفساد و الاخوان ليست بهينة وقد توغلوا في كل مفاصل الدولة متحالفين مع بارونات الفساد ..سيناورون ويغيرون المواقع ،سينقسمون الى أخيار وأشرار ..سيقدم الاخيار تنازلات واقتراحات لانقاذ اشرارهم..
ولكن كلمة سعيد كانت ثابتة يرددها " لا عودة الى الوراء مطلقا" وردد الناس معه" المحاسبة المحاسبة ولا غيرها"
تحركت ماكينة الاخوان شرقا وغربا فكان اولها محاولة تاليب الغنوشي لأوروبا وتخويفهم من القادم بل وهددهم ب500 الف مهاجر غير شرعي..وهذا الملف يخيف دول شمال المتوسط غير ان ذلك لم يجد نفعا..فعادوا الى " اللوبيينغ" للتأثير في الراي العالمي والساسة في الغرب للضغط على القرار السيادي التونسي..وفشلوا وبانت عوراتهم..حين افتضح أمرهم مضوا الى العنف المنظم حيث اشتعلت النيران في مساحات شاسعة في الجزائر عقابا لها على وقوفها الى جانب تونس .كما حركوا المجاميع الارهابية في غرب ليبيا لإرباك الوضع في تونس ..أما عن محاولة اغتيال الرئيس فمازالت الخيوط تتكشف شيئا فشيئا تحمل بعض الاشارات عن ضلوع بعض عناصر من حماس فيها..
خلاصة
تعيش بلادنا مخاضا عسيرا يختلط فيه المحلي بالاقليمي بالدولي، يعول فيه الكثير على الرئيس وفريقه مع درايته بزواريب الدستور ،خاصة مع غياب تنظيم ثوري متجذر ملتحم بفئاته الشعبية يحمل مشروعا وطنيا لقيادة التغيير ، هذا الالتفاف مبعثه ايضا الاطمئنان الى ان مؤسستين كبيرتين العسكرية والامنية تساندان الرئيس ..
اليوم وبعد شهر من التجميد وما أثاره من ردود فعل متباينة لدى الطبقة السياسية بين مرحب متطلع لغد أفضل وبين شاجب مستفيد من الوضع ما قبل 25 جويلية ،هاهو يمضي الى التمديد في الاجراءات الاستثنائية حتى إشعار ٱخر نفهم من خلاله اننا قرأنا على روح البرلمان الفاتحة الى الابد..
هل ينجح سعيد بعد هذه الخطوات في تثبيت سلطة الشعب كما وعد؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جهود مصرية لتحقيق الهدنة ووقف التصعيد في رفح الفلسطينية | #م


.. فصائل فلسطينية تؤكد رفضها لفرض أي وصاية على معبر رفح




.. دمار واسع في أغلب مدن غزة بعد 7 أشهر من الحرب


.. مخصصة لغوث أهالي غزة.. إبحار سفينة تركية قطرية من ميناء مرسي




.. الجيش الإسرائيلي يستهدف الطوابق العلوية للمباني السكنية بمدي