الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مطار كابل ورحلة الألف ميل

نوفل شاكر

2021 / 8 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


صورة الجنود الأميركان، وهم يغرزون علمهم على سواحل النورماندي، في الحرب العالمية الثانية، إيذاناً ببدء عمليات تحرير أوربا من الاحتلال النازي… هذه الصورة أصبحت أشهر أيقونة أميركية. تحولت إلى وثيقة تاريخية، توثق هذه اللحظة الفارقة، لقد كانت هذه هي بداية صنع التاريخ عن طريق ثقافة الصورة.

صناعة الرأي العام، و كسب الحرب الناعمة، تحسمها المشاهد التي تلعب على العواطف؛ فالصورة تغني عن ألف تعليق. سخرية " طالبان" السياسية من هذه الأيقونة الأميركية، عن طريق تقليدها حرفياً مع استبدال علم اميركا بعلم الحركة هي ليست الصورة الوحيدة في هذه الحرب الناعمة.

هناك في مطار كابل، ثمة صور أخرى، صور تنتمي ل " مسرح اللامعقول" توسعت حدقات ملايين الناس حول العالم أمام هولها.. مشاهد فيلم مطار كابل المليئة بالرعب، والفشل، والإحباط، مشاهد سقوط الأفغان من الطائرات الأميركية المغادرة؛ هي الأخرى توثيق للحظة فارقة في تاريخ أميركا العسكري، مشاهد حقيقية، جسّدت " مسرح العبث" الذي أخرجه الأميركان في هذه البلاد، مشاهد تحولت أزاءها سلسلة أفلام " رامبو" التي أنتجتها هولويود في الثمانينات، إلى دعاية ساذجة فنياً.

مشاهد مطار كابل، تفتح باب الأسئلة، حول تراجع الدور الأميركي في قيادة العالم على مصراعيه؛ ياترى كيف يتابع سيد الكرملين هذه المشاهد؟

في سنة 1989 كان جنرالات الجيش الأميركي، ومعهم زملاءهم في "حلف شمال الأطلسي"يشاهدون ببهجة عارمة، جحافل "الجيش الأحمر"، وهي تنسحب من أفغانستان. توقع الجنرالات بأنّ هذه المشاهد، ستمحو مشهداً للجيش الأميركي عام 1975وهو يفر من سايغون.

بعد ثلاثة عقود من هذا المشهد، وبعد عقدين من حملة بوش " الصليبية" على أفغانستان، ها هم جنود العم سام يعيدون تكرار مشهد سايغون المأساوي، وبفوضوية أكثر، وتخبط واضح، وإحراج دفع سيد البيت الأبيض إلى الظهور إعلامياً، خمس مرات في أسبوعٍ واحد، وهو ما لم يحدث في تاريخ أميركا حتى في الحرب العالمية الثانية!

أين ذهب النظام الذي أشرفت الولايات المتحدة الأميركية على بنائه في أفغانستان طيلة عشرين سنة من الاحتلال؟ أين تبخر الجيش الأفغاني، الذي تقول أميركا بأنها أنفقت عليه 88 مليار دولار؟
أين ذهبت الترليوني دولار التي أنفقتها أميركا في أفغانستان؟ بماذا يشعر الجنرالات الروس الآن و ماذا يتخيلون؟ لعلهم يضحكون بشماتة ويتبادلون أنخاب الڤودكا.

كيف يتابع " شي جينبنغ" هذه المشاهد؟ بماذا يفكر يا ترى؟ هل أميركا المغادرة اليوم، هي نفسها أميركا المدافعة عن استقلال " تايوان" وعن " الحريات في هونغ كونغ"؟

ينقل الصحفي اللبناني غسان شربل عن الدكتور أحمد الچلبي قوله: " أميركا ليس لديها الصبر اللازم؛ لإنقاذ ما استثمرته في البلدان التي تتدخل فيها.. المخاوف التي تشل القرار الأميركي غير موجودة لدى صانع القرار الصيني؛ فالبرلمان برلمانه، والإعلام إعلامه". وبناءً على هذا الاقتباس المهم، فهل سيكون الباب في أفغانستان، مفتوحاً على مصراعيه أمام الصين؟

مستغلين غرق أميركا في مشاكل العراق و أفغانستان؛ تفرّغ " ورثة ماو" لمضاعفة الإنتاج في " مصنع العالم" ليحققوا نمواً اقتصادياً هو الأعلى عالمياً، منافسين بذلك الاقتصاد الأميركي بفارق ضئيل، الاقتصاد الأميركي يئن من الاستنزاف البشري والمالي بسبب الحروب، ثم جاء ڤايروس كورونا ليضيف عبئاُ آخر.

هل نصدق ما يقوله " محللو الفيس بوك" من أن أفغانستان ستكون طعماً أمريكياً للصين؟ من يفهم الصين جيداً يقول خلاف ذلك، فالصين تفضل التوسع الاقتصادي في علاقاتها مع العالم، العقلية الصينية غير معنية بتغيير ثقافات الشعوب، واحتلالها عسكرياً ل" نشر الديموقراطية، وتحرير المرأة"، التعامل الصيني يركز على الاستثمار في البلدان، بصرف النظر عن طبيعة النظام الحاكم.

في تموز الماضي _ و أثناء لقائه بوزير الخارجية الصيني _ وعد الملا عبد الغني برادار ( نائب رئيس حركة طالبان) بألاّ تسمح " طالبان" لأي جماعة باستخدام الأراضي الأفغانية في شن هجمات على الصين.

إنّ أفغانستان منطقة حيوية لمرور طريق " الحزام والطريق"، فإذا تمكنت الصين من مد هذا المشروع من باكستان عبر أفغانستان عن طريق محور: بيشاور _ كابل السريع؛ فإنها بذلك ستفتح طريقاً برياً أقصر للوصول إلى أسواق الشرق. وحين تدخل الباكستان في أجواء " المطبخ الصيني" فإنّ الهند لن تتوانى في محاولة المشاركة في تقاسم هذه الطبخة، بعد أن تضيف عليها ما تملكه من توابل ومطيبات، حينذاك فإنّ النفخ في الجمر الأفغاني لن يتأخر.

فضلاً عما تقدم، تتمتع الشركات الصينية بسمعة الاستثمار في الدول غير المستقرة، ومشهد مطار كابل سيكون أول خطوة في " رحلة الألف ميل" للمسيرة الماوية؛ فالفرصة متاحة في بناء البنية التحتية والصناعة، فضلاً عن مخزون الثروة المعدنية غير المستخرجة، والمُقدرة بترليون دولار، والتي تشمل معادن كالليثيوم، والحديد، والنحاس، والكوبالت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح