الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمبريالية الأمريكية بين كابول وسايجون

رضي السماك

2021 / 8 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


على الرغم من مضي أزيد من عشرة أيام على غزوة ميليشيا طالبان الأرهابية لكابول وإحكام سيطرتها الحديدية على العاصمة الأفغانية وما تبع ذلك من قيامها بفرض ثقافتها الظلامية الواحدة على أهالي المدينة عبر سلسلة من الأجراءات التي مازالت تتوالى، ليس أقلها فرض البرقع على النساء ومسح كل صور المرأة من واجهات الصالونات النسائية والأعلانات التجارية والحبل على الجرار ، إلا أن الولايات المتحدة وحلفاءها الاُوربيين ما زالوا عبثاً يعولون على وعود هلامية مخاتلة تصدرها طالبان توهم الغرب بها والعالم بأن ثمة تغييرات طرأت على مواقفها المعهودة من حقوق المرأة ومنحها الحق في التعليم، وأنها أصدرت ضمانات بأن لا تكون الأراضي الأفغانية منطلقاً لأي أعمال عدائية أو أرهابية ضد الغرب وسائر أعضاء الأسرة الدولية، وكذلك ضمان أمن وحماية حرمة السفارات والبعثات الدبلوماسية والبيوت، وتأمل طالبان من هذه الوعود الكاذبة في الحصول على أعتراف سريع من قِبل المجتمع الدولي بها، وهذا كله بطبيعة الحال محض هراء، بل على خلاف الوجه القبيح والأنياب التي كشرت عنها الحركة في كل أجراءتها حتى يومنا . وبموازاة ذلك تقوم العاصمة القطرية الحاضن الخليجي والراعي الأول لطالبان عبر "جزيرتها" بأخطر عملية تضليل إعلامي من خلال شبكة مراسليها في كابول الذين كانوا على رأس طلائع الإعلاميين الذين رافقوا غزوة طالبان للعاصمة، وأخذت تبث تغطيات ميدانية موسعة على مدار ساعات اليوم عما حققته من أنتصارات . ولعل واحداً من أكثر تقاريرها الإعلامية مدعاة للأشمئزاز ما أدلى به أحد مراسليها محتفياً بمشهد إقلاع الطائرة العسكرية الأميركية التي تشبث بها الأفغانيون والذين سرعان ما تساقطوا قتلى على الأرض وهي في الجو مشبها هذا المشهد بمشهد تاريخي لآخر طائرة أميركية أقلعت من سايجون عام 1975 من على سطح سفارتها في تلك الهزيمة التاريخية المدوية التي مُنيت بها أميركا على يد الشعب الفيتنامي وهو واحد من أبسط وأفقر شعوب شرق آسيا لكنه من أشجعها، وكانت الأسلحة التي يقاوم بها الأحتلال الأميركي معظمها تقليدية، فيما جربت معه الأمبريالية الأميركية لتخنيعه معظم أسلحة الإبادة الجماعية، بما في ذلك النابالم والعامل البرتقالي المبيد للغابات باستثناء السلاح النووي، ولو أن هذا السلاح كان حكراً عليها حينئذ- كما كان الحال نهاية الحرب العالمية الثانية حيث أبادت مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين بكل القاطنين فيهما حرقاً بالاشعاع النووي في بضع ثوان - لما تورعت عن أستخدامه في فيتنام. على عكس ما يدعيه محلل الدوحة دكتور العلوم السياسية علي الهيل الذي زعم في حوار مع فرانس 24 بأن الولايات المتحدة جربت مع حركة طالبان كل الأسلحة الجماعية المحرمة "ما عدا السلاح النووي"! ويُلفت النظر في هذه العبارة أنهها جاءت بعد يومين من أستخدامنا التعبير نفسه في مقال قصير لنا نُشر في صحيفة بحرينية أزاء ما أرتكبته الأمبريالية الأميركية من جرائم حرب بحق الشعب الفيتنامي على نحو ما بيناه سلفاً .
ولئن كانت الأمبريالية الأميركية في المشهد الفيتنامي التاريخي هي المسحوقة كرامةً، فإن الشعب الأفغاني في مشهد الطائرة الأميركية المقلعة دون أكتراث بحياة المتعلقين بها هو المسحوقة كرامته، وإن كان المشهد ذاته قد عرىٰ بامتياز أخلاق تلك الأمبريالية وحلفاءها الغربيين، وحتى اللحظة لم يصدر لا من هذه الأخيرة التي أعتادت التباكي على حقوق الإنسان المهدورة في العالم ولا من منظمات حقوق الإنسان الغربية أي موقف أزاء جريمة قبطان الطائرة الذي أقلع بها من المطار وهو يعلم جيداً بوجود بشر بالعشرات ممسكين بها من الخارج !
لكن مشهد حشود الأفغانيين بالآلاف في المطار للفرار من وطنهم ومشهد إقلاع تلك الطائرة الأميركية كلاهما لا يخلو من مغزى عميق، فالولايات المتحدة إذ تركت الشعب الأفغاني وحيداً يوجه مصيره بنفسه تحت رحمة طالبان بلا حماية بعد 20 عاما من الوجود العسكري لها وللناتو على أرضه بحجة مكافحة الارهاب وإقامة نظام ديمقراطي له، فيما لم تشيّد سوى نظام فاسد هش، فإن رهانهم على تطمينات كلامية أصدرها قادة طالبان إثر دخولهم العاصمة كشف بدوره عن ريائهم وانتهازية الدوحة وأنقرة وموسكو وبكين لتهافت كل منها على الفوز بقصب السبق في العلاقات مع النظام الجديد،وهل يمكن الوثوق في تطمينات سلطة يحاول أن يفر منها شعبها منها بالآلاف من المطار فور دخولها كابول ولاتعبأ بدلالات ذلك؟ فماذا أستجد لكي تقنع طالبان الغرب والعالم بتغير جلدها ؟ وهل الغرب بحاجة لوقت يتيح فيه لطالبان فرصة ثانية لامتحان وعودها على الأرض وسلوكها قط تجلى في شوارع العاصمة وفي مطارها منذ الأيام الأولى من أقتحامها المدينة، عدا تجليه طوال حكمها في التسعينيات وأحتضانها حينذاك الزعيم الأرهابي السعودي اسامة بن لادن ؟ أليست هي التي نسفت تماثيل بوذا التاريخية بالديناميت في بانيان في العام نفسه الذي جردت فيه واشنطن حملة عسكرية على إماراتها لإسقاطها في 2001؟ و بالتالي ليس من تفسير إذن لمواقف واشنطن الرخوة والعواصم الغربية من طالبان سوى أنه يعكس خذلانهم للشعب الأفغاني الجريح وأجترار مواقفها المعتادة في مثل هذه المنعطفات التاريخية من حياة الشعوب التي اُبتليت بتدخلاتها العسكرية خدمة لمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية الكونية بالدرجة الأولى تحت شعارات مكافحة الأرهاب ومساعدة الشعوب المنكوبة بتدخلاتها على تخليصها من الارهاب ولبناء أنظمة ديمقراطية جديد. مزعومة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو