الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عميد القصة القصيرة د.محمود بلعيد : لو ترجمت رواياتي الى لغات اجنبية لتحصّلت على جوائز هامّة

عواطف عبد الرحمان

2021 / 8 / 26
الادب والفن


لقّبه بعض النقّاد بعميد القصّة القصيرة بعد البشير خريّف. نهل من الأدبين الغربي والعربي وشحذ موهبته وخياله الثريّ من "حومة" باب الخضراء بالعاصمة أين ترعرع. محمود بلعيد المتخرج من كلية طب الأسنان بباريس عايش عن قرب الحراك الفكري في تونس منذ ستينات القرن الماضي ونهل الكثير من مكتبات الحاضرة ومقهى "المغرب" بشارع باب البحر، أين تعرّف على الأديب البشير خريف، ربطته صداقة متينة بالكاتب المسرحي عز الدين المدني، ومحمد العروسي المطوي. نحت شخوص قصصه بدقّة وحرص على أن تكون طريفة فكانت "الذخامة والرّيشة" وأجواء المدينة حاضرة باستمرار في كتاباته رغم معرفته الدقيقة بربوع الوطن.. في رصيده 8 أعمال كلّلت معظمها بجوائز هامّة.. "الشارع المغاربي التقى الرّجل للحديث عن كل هذه الأعمال وذكرياته مع نجوم الأدب التونسي على غرار الراحلين البشير خريّف وتوفيق بكار.

يلقبونك بعميد القصة القصيرة في تونس وفي رصيدك 8 أعمال فقط ؟
"من يقول ذلك.. بارك الله فيه .. انا لا أتحدّث عن نفسي".. ولكن لدي أعمال تستحق فعلا هذه القيمة لأنها قيمة استمدّها من صلب الكتابة .. أنا اعتز بما يقول النقاد عنّي كما لا اهتز الاهتزاز الأكبر لهذا اللقب.. أنا قمت بواجبي الأدبي فقط.. وحتى روايتي المسرحيّة الاخيرة "لوز عَشّاق" الحاصلة على جائزة "كومار" كتبتها باعتزاز وشعرت أن لها قيمة وحضورا لنفسي وليس لغيري..

رواية مسرحية حاصلة على جائزة الكومار ومع ذلك لم تلفت انتباه المسرحيين لتحويلها إلى عمل مسرحي؟
المسرحيون التونسيون يكتبون أعمالهم المسرحية بمفردهم أو يقتبسونها من كتابات أجنبية أو من تأليفهم ... ربما "لُوز عَشّاق" صعبتْ عْليهم لأنها بالدارجة التونسية من البداية إلى النهاية يكفي انها لفتت انتباه الكاتب الكبير توفيق بكّار رحمه الله لأنه كان يعشق الكتابة بالعاميّة التونسية وأُبهر بها وقال لي حرفيا "لُوز عَشاق مْتاعك تعطي درس في معنى الكلام التونسي وجو المدينة .. رايعة".. واقترح عليّ الاتفاق مع الإذاعة والتلفزة لتحويلها إلى مسرحية ولكني رفضت خوفا من تحريفها... أعتقد أن سبب فشل تحويل الرواية التونسية إلى عمل سينمائي أو مسرحي هو عدم اهتمام المخرجين بالأدب التونسي ... "مَا يقْراوش وهذا شي يحزّن" أنا أكتب لنفسي ولا انتظر من المخرجين تحويل أعمالي إلى مسرحيات وأفلام..
تذكّرنا هذه العلاقة بعلاقة البشيرين بن سلامة وخريّف عندما اقترح الاول تحويل رواية "الدّقلة في عراجينها" إلى مسرحية إذاعية..
فعلا.. قال عدد من النقاد والكتّاب والقصّاصين إن محمود بلعيد يأتي في المرتبة الثانية بعد البشير الخريف في مجال القصة القصيرة..

لو تحدّثنا عن صداقتك بالبشير خريّف وبعض ذكرياتك معه؟
تعرّفت على البشير خريّف في مقهى "المغرب" بباب البحر بالعاصمة وكانت عيادتي آنذاك قريبة من المقهى كنا نهرول لملاقاته وحين نصل نجده كعادته متأنّقا بجبّته التونسيّة وقد تجمّع حوله حارس السيارات وملمّع الأحذية والفيلسوف "المتكتك" وغيرهم من عامة الشعب. كان شعبيا ومتواضعا جدا وإنسانا رائعا وبوصولنا يرتفع مستوى النقاش كان يقرأ أعمالي وينقدها ويشيد بجمالها... ذات مرّة كتبت قصّة عنوانها "في المقهى" ونشرتها في مجلة "الفكر" وإذا بخريّف يزورني في عيادتي ومعه 3 أوراق دوّن عليها ملاحظاته وقال لي "هذه لك.. قرأت قصّتك الأخيرة وأعجبتني جدّا" كتب يومها كلاما جميلا عن قصّتي... لم يكن خريّف يحبّ كثيرا زيارة الأشخاص والأصدقاء ولكننا تبادلنا الزيارات.. اذكر أنني عندما زرته في منزله بنفطة اهتز فرحا.

هل كان خريّف يقبل النقد من اصدقائه النقاد والكتّاب وهل كان يقدّم نصائح للكتاب؟
أنا لم أكن يوما تلميذا لخريّف.. ولم ينصحني أبدا... كنّا أصدقاء نقرأ أعمال بعضنا.. كانت ثقافتي قوية جدا وكنت أقرأ الروايات الفرنسية والإنقليزية والروسية في حين كانت ثقافة خريّف مختلفة. كان له اتجاهه وفنّه وكان يكتب بالعاميّة أيضا أذكر انه عندما قدّم لي رواية "حبّك درباني" اقترحت عليه تغيير كلمة بأخرى قريبة إلى اللغة العربية حتى تكون واضحة أكثر ولكنّه قال لي "والله كلمتك باهية ولكن آنا نخيّر الكلمة متاعي".. كان فنّانا و"تْكَارِّي من غير تَكْرُورِي" وكانت شخصيته قوية جدّا... لم يغيّر يومها كلمة واحدة من روايته..

وماذا عن علاقتك بالراحل توفيق بكّار؟
كان إنسانا طيبا جدا .. تعرّفت عليه في عيادتي عندما جاءني للكشف عن أسنانه.. شأنه شأن عدد كبير من المثقفين... وأصبح قارئا وفيا لي ومعجبا بما أكتب وخاصة "لوز عشاق" و"شكرا أيها اللص الكريم".

فتحنا منذ مدة ملفا عن مكانة الرواية التونسية من "دقلة" البشير خريّف وما إن كان خريف أب الرواية التونسية ولكنّنا فوجئنا بانتقاد البعض واتهامنا بجلد الذات والتشبث بالماضي.. بصفتك صديق خريّف ما تعليقك؟
بداية الأدب التونسي انطلق قبل البشير خريّف مع أدباء "جماعة تحت السور" وكان الجميع يمجّد علي الدوعاجي ويلقّبه بأب القصّة القصيرة في تونس ولكنّ ما لا يعرفه الناس أن أعمال الدوعاجي ضعيفة جدّا رغم اجتهاده. كان ضعيفا على مستوى الابداع لغته "تعدّي روحها" كان يقرأ بالعربية والفرنسية ... اعلم جيّدا أن النقاد والاكاديميين سيقولون عني أنني مخطئ في ما يتعلّق بالدوعاجي ولكن هذا رأيي.. ما يحسب لعلي الدوعاجي حضوره فهو أول من جاء بالقصّة التونسية وبمواضيع حيّة من صلب تونس ولكنّه لم يتناول هذه المواضيع كما ينبغي.. احيانا يكتب قصة بأربعة صفحات والحال أنها تتطلب مساحة أكبر ولكن هناك نقطة اخرى تنقص الدوعاجي في قصصه هي النهاية أو نقطة قوة القصّة. اذكر ان البشير خريّف كان يقول لي " الدوعاجي يبحث دائما على العقدة" .. ورغم ذلك اعتبره النقاد ومن بينهم الراحل توفيق بكار أب القصة التونسية ومن بعده البشير خريّف ومحمود بلعيد.

لمن تدين بالفضل؟ وممّن نهلت أدبك؟
لم أَأخذ شيئا من الدوعاجي ولا من خريّف رغم انه كان صديقي ولكنّي نهلت من مدينتي ومن الحياة التي عشتها منذ طفولتي وأبويّ.. وأنا لا أعوّل إلا على ما لدي من مخزون شخصي رغم إعجابي بـ Guy de Maupassant وغيره "ما نْحِبْ نْقِّلْ عَلَى حَدْ..".
لك موقف من اتحاد الكتاب التونسيين؟
أنا حسمت المسألة مع الاتحاد منذ النظام السابق. فقد انفصلت عنه لإيماني بضرورة حرية الأدباء. الاتحاد كان على علاقة بالسلطة في فترة الميداني بن صالح وجميلة الماجري والعروسي المطوي .. اذكر أننا عندما كنا نجلس بالمقهى كان يجلس حولنا "50 بوليس" للتنصت علينا ولذلك خرجنا من الاتحاد في الوقت الذي كان فيه تحت رحمة هؤلاء. الاتحاد كان دائما مقرّبا من الحكم حتّى في فترة الزعيم بورقيبة رغم أن فترة حكمه الأولى كانت رائعة "وبعد كيف كْبِرْ دارو عليه المحيطين به" .. بورقيبة رحمه الله كان مثقفا ويطالع وكانت تربطه علاقة جيّدة بالشعراء والأدباء.. كان خارقا للعادة.

علاقة الكاتب بلعيد بدور النشر؟
لست راضيا عن النشر والناشرين... لديّ اليوم ما لا يقلّ عن 200 قصة لم تنشر بعد، ولديّ 50 قصة صدرت فقط في الصحف والمجلات.. نشرت سابقا على حسابي الخاص أيضا ووجدت مشاكل في التوزيع.. وعندما أتعامل مع دار نشر.. " نبدا ماشي جاي لين نعيف روحي.." .. للأسف تغلب الشيطنة على تونس.

لِمَ لمْ يعانق أدبنا العالميّة؟
لأن الترجمة في تونس ضعيفة.. هناك أدباء تونسيين نشروا في مصر ولبنان وتقدّموا... اتصل بي مركز الترجمة لترجمة كتابي الأول "أصداء في المدينة" ولم يصدر بعد .. بالنسبة لي تُرجمت روايتي "عندما تدق الطبول" إلى الانقليزية واعتقد لو ترجمت رواياتي الى لغات اجنبية لتحصّلت على جوائز هامة... أنا متابع جيّد للأدب الفرنسي واقرأ أعمالي لبعض الأصدقاء من الكتاب الفرنسيين بلغتهم وأعجبتهم كثيرا وللأسف هم ينتظرون إلى اليوم أعمالي مترجمة إلى الفرنسية.. نحن في تونس ينقصنا الاختصاص في الترجمة مثل الغرب فالمترجم منهم يختص في أدب معيّن انقليزي أو فرنسي أو روسي.. بحيث ينتجون نصوصا مطابقة للغتها الأصل.. في حين لم نصل نحن بعد إلى التخصص في الترجمة.

يقال إن الجوائز الأدبية تسند "للشخوص" لا للنصوص ما تعليقك؟
لا اعتقد ذلك.. لجنة الجوائز تقوم بعمل جاد وأعضاؤها يختارون عددا هاما من الروايات والأعمال ويقع النقد والنقاش وتسند الجائزة بكل موضوعية فمثلا جائزة "أبي القاسم الشابي" التي أسندت لي عن مجموعتي "عندما تدق الطبول" سنة 1989 كان عضو لجنتها الأديب الكبير توفيق بكّار وأذكر أن أعمالنا كانت تقدّم مرقونة على صفحات قبل نشرها ولا تحمل أسماء أصحابها. كذلك جائزة "نادي القصة" عن عملي "القط جوهر" وغيرها من الأعمال..

كطبيب وقصّاص.. كيف تشخّص المنجز القصصي اليوم؟
لا أريد أن انقد الكتّاب والقصّاصين كل واحد يكتب كما يريد .. أعتقد أن كل واحد منهم يقول انه أحسن أديب ولكن أعمالهم فيها الغثّ والسمين وفيهم من ليس له قيمة .. انا صعب جدا في الكتابة وفي تلقّي كتابات الآخرين .. لا انشر شيئا قبل إعطائه قيمة كبرى... أحيانا تصادفني أعمال جيّدة لقصّاصين تونسيين ولكن عادة ما تنقصها الفكرة (لم يؤخذ الموضوع كما ينبغي) أو تكون اللغة ضعيفة.. هذا موجود في كل العالم وحتى الكاتب المبدع يكتب قصصا أفضل من قصص أخرى.



أعمال وجوائز الكاتب محمود بلعيد
"أصداء في المدينة" (جائزة وزارة الثقافة)
"عندما تدق الطبول" (جائزة أبي القاسم الشابي) ترجمت إلى الانقليزية
"القط جوهر" (جائزة نادي القصة)
"عصافير الجنة"
"شكرا أيها اللص الكريم"
"حب من نوع خاص"
"لُوز عَشّاق" (جائزة كومار) عن كامل أعماله الإبداعية سنة 2010.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب