الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحالة العراقية و الحالة الأفغانية ... مقارنة قسرية بين حالتين

آدم الحسن

2021 / 8 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


بعد احتلال دام اكثر مِنْ عشرين سنة انسحب المحتل الأمريكي من أفغانستان و معه حلفائه مِنْ دول حلف الناتو مخلفين ورائهم فوضى و مجهول لا يُعْرَفْ بالضبط الى ماذا ستؤول اليه الأمور بعد أن تصبح افغانستان في قبضة حركة طلبان بشكل كامل .
مِنْ بين الأمور العديدة التي برزتْ في بعض و سائل الأعلام و على سطح منصات التواصل الاجتماعي عقب هذا الانسحاب الأمريكي تحليلات كان القصد منها المقارنة بين الحالة العراقية و الحالة الأفغانية , بعض هذه التحليلات اعتمدت على افتراضات لا علاقة لها بواقع هاتين الحالتين لذلك لا يمكن الركون الى الاستنتاجات المنبثقة من هذه المقارنة لكونها مقارنة قسرية بين حالتين مختلفتين تماما و للأسباب التالية :
اولا : انسحبتْ أمريكا من أفغانستان بعد حوالي سنتين من المفاوضات السرية و العلنية مع حركة طالبان و جرت هذه المفاوضات بشكل خاص في العاصمة القطرية الدوحة , بعد أن تحولت الدوحة منصة لهذه المفاوضات .
مِنْ خلال بعض المؤشرات أصبح واضحا أن المفاوضات بين المخابرات المركزية الأمريكية و الشخص الثاني في حركة طالبان الملا برادر قد بدأت سنة 2018 حين كان معتقلا في باكستان , حيث أن الملا برادر كان معتقلا لدى المخابرات الباكستانية للفترة من سنة 2010 لغاية سنة 2018 و قد تم إطلاق سراحه في صفقة سرية بين حركة طالبان و المخابرات المركزية الأمريكية بالتنسيق مع المخابرات الباكستانية و قد غادر ملا برادر بعدها الى العاصمة القطرية الدوحة لمواصلة الحلقات الأخرى من المفاوضات مع ممثلين عن أدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب .
لقد تمكنت ادارة الرئيس ترامب من خلال الملا برادر الى التواصل مع بعض قيادات طالبان التي هي على استعداد وفق نهج براغماتي مرن للتفاوض مع الأمريكان الذين عملوا لإنجاز صفقة ذات أركان متعددة و معقدة تؤدي في النهاية الى استلام طالبان للحكم في افغانستان و أن لا تشكل الحكومة الطالبانية القادمة خطرا مباشرا على أمريكا و أن ينحصر الخطر الأسلاموي الذي مركزه افغانستان باتجاه الصين و روسيا و حلفائهم و أن يتم التركيز بشكل رئيسي على تعطيل التمدد المتسارع في العلاقات التجارية للصين مع دول العالم المختلفة عبر مشروعها العملاق المسمى الحزام و الطريق ( طريق الحرير الجديد ) , إلا أن حركة طالبان لم تكن عجينة سهلة يمكن للإدارة الأمريكية هيكلتها وفق مخططاتها و متطلباتها و بذلك فشلتْ الإدارة الأمريكية في ضمان تحقيق أهم أهدافها من تسليم السلطة في أفغانستان لطالبان المتمثل بتوجيه ضربة الى الصين و روسيا .
منذ ذلك التاريخ الذي بدأت فيه المفاوضات بين الإدارة الأمريكية و طالبان بشكلها العلني في الدوحة اصبح الملا برادر في الصورة الأمامية لحركة طالبان باعتباره صاحب القرار في حركة طلبان رغم كونه الرجل الثاني في الحركة ...!
إن غياب الرجل الأول في حركة طالبان عن مجريات المفاوضات بين الحركة و الأمريكان منذ بدايتها في دهاليز المخابرات الباكستانية مرورا بجولات المفاوضات في الدوحة و لغاية اللقاء الأخير الذي جرى قبل بضعة ايام و الذي تحدثت عنه و سائل الأعلام الغربية بين مدير المخابرات المركزية الأمريكية و الملا برادر في كابول له دلالات خطيرة , و لا شك أن لهذه الدلالات عواقب ستظهر نتائجها بعد اكتمال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في نهاية الشهر الحالي .

أما المفاوضات حول انسحاب المحتل الأمريكي و حلفائه من دول الناتو من العراق فقد تمت قبل حوالي عشر سنوات , في زمن حكومة نوري المالكي , بين الحكومة العراقية و الولايات المتحدة الأمريكية , أي أن التفاوض على انسحاب أمريكا من العراق لم يكن بين الإدارة الأمريكية و جماعة مسلحة في العراق على غرار التفاوض مع طالبان و هذه نقطة اختلاف جوهرية تجعل من الحالة العراقية بعد الانسحاب الأمريكي من العراق مختلفة تماما عن الحالة الأفغانية .
ثانيا : أن أمريكا كانت و لازالت تنوي البقاء بطريقة أو بأخرى في الساحة العراقية و إن الحكومة العراقية هي التي تدفعها للخروج المنظم من العراق بعكس وضع الوجود الأمريكي في افغانستان الذي أصبح عبأ على امريكا لذلك قررت أمريكا الانسحاب و ترك الساحة الأفغانية بعد خلق فراغ أمني كبير خلفها لكي يدفع ثمن هذا الفراغ روسيا و الصين و حلفائهم .
ثالثا : لقد حصلتْ الفوضى في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية منه , هذه الفوضى التي تتوجت بسقوط الموصل و معظم مناطق غرب العراق في قيضة تنظيم داعش الإرهابي في حزيران سنة 2014 .
في الحالة العراقية , الفوضى التي حصلت و حالة السقوط كان في جزء من الساحة العراقية , اقل من ثلث الساحة العراقية و هذا فرق كبير بينها و بين الحالة الأفغانية .
لقد تم التمهيد لتلك الفوضى التي شملت الموصل و مدن غرب العراق لمدة اكثر من سنة من خلال منصات الاعتصام في نلك المدن تحت شعار (( قادمون يا بغداد )) بعد أن تشكلتْ جبهة واسعة من داعش و بقايا تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين و فلول تنظيم البعث الصدامي و انجر لتلك المؤامرة الخبيثة الواسعة بعض فصائل المقاومة المسلحة العراقية .
أما الأحزاب الكوردية العراقية و قواتها من البشمركة فلم تعتبر نفسها جزء من تلك المعركة ... ! و من المؤكد ان هذه الأحزاب حاولت استغلال الانهيار الذي سيصيب الجيش العراقي و الحكومة الفدرالية في بغداد لتعزيز مكاسبها و لتتمكن من السيطرة على مناطق يعتبرونها مناطق متنازع عليها .
لا شك أن كل خيوط و تفاصيل تلك المؤامرة التي كان هدفها إحداث فوضى بعد الانسحاب الأمريكي من العراق كانت تتم بعلم و تنسيق أجهزة الاستخبارات الأمريكية إذ لا يعقل أن الولايات المتحدة الأمريكية بكل إمكانياتها المخابراتية و معها كل مراكز بحوثها و خبرائها في الشأن العراقي غير قادرة على معرفة الى أي حالة ستصل اليها مدن غرب العراق و هي تنزلق في منحدر طيلة أكثر من سنة من خلال اعتصامات رفعت فيها أعلام داعش و القاعدة و فلول البعث الصدامي ... !
لا يمكن نكران أن فوضى حزيران 2014 في الموصل و مدن غرب العراق قد تسببت في انهيار الهيكل التنظيمي للجيش العراقي الذي بناه المحتل الأمريكي على اسس المحاصصة فمثلا كان ضمن هيكل للجيش العراقي فرقتان عسكريتان هي من حصة الأحزاب الكوردية , و في الساعات الأولى من الهجوم الداعشي انسحبتْ تلك الفرقتان بكامل أفرادها و عدتها العسكرية الى إقليم كوردستان مُخلفة ورائها فراغا كبيرا تم ملئه من قبل داعش .
أما في الجانب العراقي الآخر فقد تَشَكَلَ الحشد الشعبي كرد فعل شعبي واسع و سريع لأفشال تلك المؤامرة الأمريكية و بذلك بدأت الدولة العراقية تتماسك من جديد بعيدا عن إرادة المحتل الأمريكي .
رابعا : أن عدد عناصر قوات الاحتلال الأمريكي و معه حلفائه من الناتو في العراق الآن هو عدد قليل جدا و تحت حماية الحكومة العراقية و جيشها أي أن القوات العراقية هي التي تحمي الان بقايا قوات الاحتلال بعكس الحالة الأفغانية حيث كانت قوات الاحتلال الأمريكي و حلفائه هي التي تحمي الحكومة الأفغانية و جيشها و حين أنسحب المحتل الأمريكي و حلفائه من افغانستان سقطت الحكومة الأفغانية و انحل جيشها أسرع من ما كان متوقع و هذا فرق جوهري آخر يجعل من المقارنة بين الحالة العراقية و الحالة الأفغانية عبارة عن مقارنة قسرية فاشلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة