الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقاطعة خيارا

قاسم حنون

2021 / 8 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


المقاطعة خيارا ...
في 24 تموز 2021 أعلنت قيادة الحزب الشيوعي مقاطعتها للانتخابات التشريعية المزمع اجراؤها في 10 تشرين الأول القادم ,انتخابات وصفت بالمبكرة لأنها جاءت استجابة لمطالب انتفاضة تشرين التي صدح بها الشباب الغاضب ,مستنكرا ما جرى من التباسات وغموض في انتخابات العام 2018 التي اعتورتها شبهات التزوير ومساعي القوى المتنفذة للتستر على الأداء الفاضح لمفوضية الانتخابات التي توصف بالمستقلة ,بينما هي مقسمة الولاء بين المتحاصصين أصحاب النفوذ ,وفي ظل تعمق الأزمة السياسية والاجتماعية في البلاد متمثلة في استحواذهم على المشهد السياسي وتحكمهم بمصائر البلاد ووجهة التطور الاجتماعي وتفاقم الفساد وتعثر مكافحته لتعلق ملفاته بأقطاب في المنظومة السياسية ,وفي دوامة الاغتيال والقتل المتعمد للناشطين وتعاظم دور الكيانات الموازية للدولة والجماعات المسلحة التي استباحت دماء أبناء الشعب مثلما استباحت المال العام واستحوذت على المنافذ الحدودية والموانىء وتسللت الى الحلقات العليا في الجهاز الحكومي ,بينما تتردى أحوال الغالبية من أبناء الشعب ويفتك فيهم الفقر والبطالة اضافة الى تردي الخدمات وعجز الحكومة على النهوض بالتزاماتها في تأمين وضع اقتصادي وخدمي انساني ,وهي تلجأ الى حلول ومعالجات ثبت بطلانها ...
لم يكن موقف الحزب مفاجئا أو آنيا في الموقف من الانتخابات ,فقد سبق أن قرر تعليق مشاركته في 9 أيار عقب جريمة اغتيال الشهيد ايهاب الوزني ,وطالب بالكشف عن قتلة المتظاهرين ومحاكمتهم ,وأكد أنه مالم تتوفر بيئة انتخابية آمنة وقانون انتخابات عادل ومفوضية مستقلة حقا واجراءات فعالة لمراقبة ومنع استخدام المال السياسي ولجم السلاح المنفلت والتطبيق الصحيح لقانون الأحزاب ,فليس من المعقول أن يصل عدد الأحزاب المسجلة لدى المفوضية الى المئات ما يؤشر ابتذال مقومات وشروط تكون الحزب السياسي وتداخل الولاءات العشائرية والمنافع وميل القوى الفاعلة لابتداع واجهات وعناوين مضللة تلتقي في نهاية العملية الانتخابية لصالحها ...
واستتباعا لهذا الموقف فقد عمدت قيادة الحزب الى تنظيم استفتاء القاعدة الحزبية في المشاركة أوالمقاطعة لأنها معنية أساسا بتجسيد موقف الحزب في المجال السياسي وفي العمل الجماهيري ,كان ذلك في أوائل تموز وأعطت مهلة مقدارها عشرة أيام للتحقق من سريان الاستفتاء في منظمات الحزب في الداخل والخارج ,وجاءت نتائج الاستفتاء الذي يعدّ تمثيلا للممارسة الديمقراطية الداخلية ومبادرة غير مسبوقة الى جانب المقاطعة ,وهو ما يعكس الى حد ما مزاجا شعبيا إزاء الانتخابات البرلمانية وردة فعل شرائح اجتماعية حيال التلاعب الذي تمارسه قوى السلطة والنفوذ بتكييف أليات الديمقراطية بما يتناسب ومصالحها وامتيازاتها ,فالديمقراطية لا تعني الانتخابات حسب بل هي احدى الآليات لبناء نظام ديمقراطي ,ولقد سبق للأحزاب الفاشية أن اكتسحت صناديق الإقتراع وحققت فوزا ساحقا في ثلاثينات القرن العشرين لتوصد الطريق أمام الديمقراطية والحريات وتدشن عهدا من الهجوم الوحشي على قوى اليسار والتيارات الليبرالية ,وانتهي الأمر بإشعال حرب كونية قوضت السلام والاستقرار في العالم ,الديمقراطية ليست فقط هي الانتخابات بل منظومة متكاملة من الاجراءات والمعالجات في الحقل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ,وهي رافعة هامة هامة لبناء الدولة الحديثة لا معولا لهدمها وانشاء كيانات مشوهة بديلة عنها , وهي بهذا الوصف ضمان لمعالجة الفقر والتهميش وتحقيق العدالة الاجتماعية وتبني مواقف عقلانية مسؤولة من المرأة والمجموعات الدينية والعرقية والعلاقات الدولية ... ,ولقد شهدنا على مدى خمس دورات انتخابية اتجاها راسخا لبناء نظام طوائفي محاصصي فاسد يمارس آليات الديمقراطية بينما يرتكب أقطابه جرائم اهدار المال العام والتفريط بالمصالح الوطنية واضعاف مؤسسات الدولة وتشكل مصالح وقوى اجتماعية جديدة من الفئات الطفيلية والبيروقراطية المتحالفة مع قوى السلطة ,واذ تبدي هذه القوى حماسة في الدعوة الى الانتخابات المبكرة والتهيئة لها فهي تخفي وسائلها وامكانياتها في التأثير على وعي الناخبين من خلال اشراك شيوخ العشائر واستخدام المال السياسي والتأثير الحكومي للوصول الى غاياتها ,إننا أمام مهمة التغيير الحقيقي والمعالجة الجذرية التي تتخطى ما هو سائد في عرف القوى الماسكة بمقاليد السلطة ,وأن لا طريق أمام البلاد سوى القضاء على التفاوت الطبقي والعبث بالموارد ومكافحة الفساد ,اذ أننا إزاء أزمة بنيوية عميقة تتخلل المستويات المختلفة وازاء وضع أمني هش واحتقان طائفي ونشاط ممأسس للجماعات المسلحة وتعثر فاضح في التنمية الاقتصادية ما أدى بدوره الى عدم تبلور البديل القادر على احداث تغيير نوعي في علاقات السلطة وبناء دولة مدنية ديمقراطية دولة مواطنين أحرار لا دولة رعايا وتابعين خاضعين لإملاءات ووصاية من خارج الحدود ...
الدعوة الى المقاطعة دعوة الى تعديل المسار السياسي بالقطع مع نهج المحاصصة والفساد الذي عاد بالويلات على شعبنا خلال أكثر من 18 عاما ,وهي دعوة الى سائر قوى شعبنا الحية والحريصة للوحدة وتنظيم الصفوف لمواجهة تغول المنظومة السياسية الحاكمة التي تخاطر بحاضر البلاد ومستقبلها ولم تجد من يردعها أو يوقف نهمها الجنوني للثراء الفاحش وتحويل السلطة الى أدوات لمراكمة المكاسب وانتفاع المحازبين والاستهانة بمقدرات البلاد وثروات الأجيال ...إن التغيير الحقيقي لن يتم الا ببناء بديل يكسر مشروع قوى السلطة المستندة الى تجهيل الشعب وتضليله والى الولاءات التقليدية والهويات الفرعية وهي وصفة للخراب والفشل المستديم والانقسام المجتمعي الخطير ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة :كارثة في الأفق ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مطعم في لندن طهاته مربيّات وعاملات نظافة ومهاجرات.. يجذب الم




.. هل تمتلك السعودية سلاحًا نوويًا؟| #التاسعة


.. روسيا تحذر...العالم اقترب من الحرب النووية!| #التاسعة




.. رئيس الاستخبارات الأميركية يلتقي نتنياهو لإنقاذ المفاوضات وم