الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسطورةٌ تنسخ أسطوره

محمد الحاج ابراهيم

2006 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


تُعيدنا الوقائع التي شهدتها منطقتنا إلى الناسخ والمنسوخ،وإلى مفهوم الديمومة الحضارية،وإلى النسبية في الحياة والبناء والقوة والضعف/ لم يشهد التاريخ أن القوة أو الضعف استقرت في أمة من الأمم/.
استقر في الوعي العام لشعوب الأمتين العربية والاسلامية وشعوب العالم أن اسرائيل قوة لاتُقهر،فكان من ملامحه ومقوماته أخيراً استكانة زعماء عرب حمّلوا حزب الله مسؤولية المعارك التي دارت في لبنان،هذا الوعي تم بناؤه على أسس من ثقافة المؤامرة التي أسست لثقافة الهزيمة التي تأصلت في البنية النفسية والذهنية لهذه القيادات.
بالعودة لذهنية الناس المرتبطة بطبيعة الصراع العسكري بين الأمة والكيان الصهيوني أول ماتبدأ مناقشة هذه الذهنية تقول باستحالة خوض أية معركة من قبل الأمة ما بالك بأن تحل محل الأمتين مجموعة صغيرة لتخوضها حيث كان الوعي والتاريخ يقول:
- لايمكن خوض معركة مع اسرائيل
- لايمكن التوازن مع اسرائيل
- لايمكن الانتصار على اسرائيل
بدأ الصراع العسكري الجديد بين حزب الله واسرائيل بعد أسر جنديين في الجنوب اللبناني،وحسب ماقال الأمين العام لحزب الله: أن أسر الجنديين سرّع بما خطّطت له اسرائيل وإدارة بوش من اعتداء على لبنان/وهذه معلومات حصل عليها الجهاز الأمني للمقاومة المعروف بمصداقيته وقدرته بمهامه/،فكانت أولى العمليات العسكرية الاسرائيلية ضرب الجسور لقطع الاتصالات والمواصلات ظنا منها محاصرة قوات حزب الله في مناطق محددة والقضاء عليها.
كان الوعي العام والاختصاصي العسكري يؤكد أن الأمور تمضي نحو القضاء على حزب الله، ولم يكن غير حزب الله هادئاً مطمئنا لما يحدث، ونحن كمواطنين عرب نعاني من عقدة الخوف من المبالغة بالامكانيات والانتصارات الوهمية، لذلك كنا قلقون من هزيمة منكرة لهذه الأمة التي تعاني الكثير من بقايا الاستعمار وتبعاته الثقافية والنفسية.
المخطط الأمريكي الاسرائيلي قام على تكليف إدارة بوش لحكومة أولمرت بتنفيذ قرار مجلس الأمن/1559/ وأهم بند فيه القاضي تجريد حزب الله سلاحه حيث لاتوجد قوة داخلية في لبنان قادرة على هذه المهمة، وهذا الإيضاح قدّمه البعض من أمراء الحرب الأهلية، فكان الخيار أن تقوم اسرائيل بهذه المهمة للتخلص من حزب الله الذي يُعتبر صورة إيران في المنطقة ولبنان حسب التفسير الآذاري له.
لنتذكر أن الحروب السابقة التي خاضتها الأمة مع اسرائيل كانت دائما تنتهي إلى انتصار اسرائيل مع ما تحتله من أراضي لم تتخلى عنها، ولازالت بعض الأراضي العربية محتلة من قبل اسرائيل حتى اللحظة، وهذا بحد ذاته شكل ذهنية الاستكانة والقبول بما خططه الخبراء النفسانيون والاستراتيجيين السياسيين في المنطقة، ولم يبقى إلا قلة ممن بقي في أذهانهم نهضة الأمة وقدرتها على النهوض، وتحقيق القوة التي كتب عنها العديد من المفكرين العرب والاسلاميين، هؤلاء ممن تم تسميتهم بتيار المقاومة.
بدأت الحرب بعدوان اسرائيلي على المنشآت المدنية على معظم الساحة اللبنانية ظنا أن ذلك يمكن أن يدفع اللبنانيون للضغط على حزب الله، وهذا بحد ذاته كان مطبا حسب ما أكد عليه أنطوان لحد قائد جيش لبنان الجنوبي حين كانت اسرائيل تحتل الجنوب حيث قال: الاسرائيليون أخطأو حين ضربوا البنية التحتية التي تدفع الشعب اللبناني للزود والدفاع المستميت عن المقاومة بكل مايملك هذا الشعب من إمكانات،واستمرت اسرائيل رغم نصيحة عميلهم السابق لحد بضرب البنية التحتية إذ لم يتركوا مؤسسة إلا وقصفوها بصواريخ طائراتهم، وسعت اسرائيل لتدمير مايمكن تدميره ظنا منها أن ذلك يمكن أن ينهي قدرة حزب الله العسكرية على المقاومة.
رد حزب الله بدفعات متتالية من الصواريخ على المدن والقرى التي يقطنها يهود فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في شمال فلسطين دون أن تتمكن اسرائيل من معرفة مكان منصات الصواريخ، فبدأت بقصف وحشي على مواقع افتراضية لحزب الله، فكان يرد حزب الله بدفعات جديدة من الصواريخ التي أربكت اسرائيل عسكريا وأمنيا، حيث لم تتمكن المخابرات العسكرية الاسرائيلية من معرفة أي شيء عن المقاومة، وأكثر من ذلك أن حزب الله كان يختار طريقة نوعية لإطلاق الصواريخ من حيث الزمان والهدف، إذ كان هناك تلاقحا بين السياسة والقوة.
عندما أعلنت اسرائيل عن معركتها البرية أعلن حزب الله عن اشتياقه لهذه الحرب، وكنت واحداً ممن لم يُصدّقوا هذا الاستعداد، لكن ماأن بدأت وصارت المحطات الفضائية تُذيع بيانات المقاومة عن تدميرهم دبابات الميركافا، ومقتل الجنود الاسرائيليين حتى تأكد لي مع غيري ممن لم نكن نصدق أن هؤلاء صدقوا بكل ماقالوه،وأمام الضغط العسكري للمقاومة بدأ سفير أمريكا في الأمم المتحدة بالمسارعة لتحقيق وقف لإطلاق النار، وذلك بعد أن كانت الإدارة الأمريكية تُمهل اسرائيل مهلاً جديدة متتالية ربما تتمكن من إنجاز أي شيء على الأرض، فماكان من هذه الإدارة إلا المسارعة بإصدار القرار/1701/القاضي بما قاضاه حفاظا على ماء وجه اسرائيل حكومة وجيشا لكن دون جدوى.
لو عدنا لشهادات الجنود الاسرائيليون الذي خرجوا من المعركة أحياء والكل سمع ماقالوه،والمهم أن ماقالوه أنهم كانوا يقاتلون أشباحا من جهة، وذكر البعض منهم حجم الخسارة التي تأكدت وبدأ ت المحطات الفضائية بعرضها بالتفصيل السريع والبطيء،إذاً لم يبقى شيء خافٍ على أحد، والنتيجة أن المقاومة انتصرت فعلا وصارت اسطورة، وهذا ماأكده لي ضابط كبير من أن فنون القتال والاستراتيجية القتالية التي يستخدمها المقاومون نوعية وجديدة بكل مالهذه الكلمة من معنى، وهذا بتقديري مدرسة جديدة في العلوم العسكرية وفنون القتال ستُدرّس في الأكاديميات العسكرية لما لها من أثر كبير عسكرياً وأمنيا.
لماذا صدر القرار/1701/؟
أنا على ثقة أنه لوكان هناك أملاً بسيطاً لدى الإدارة الأمريكية بتمكن اسرائيل من تحقيق لو انتصار صغير لما صدر القرار المذكور، لكن خوف الإدارة الأمريكية من((البهدله))جعلها تُسارع لصدور القرار الذي كان ظالما للبنان وللمقاومة، فكان الغاية منه العطف الزائد على جيش لايُقهر وقع بفخ الفئة القليلة التي أذلّته وقهرته، وأربكت قيادته العسكرية والسياسية وهذا مايُلاحظه الجميع،وحقيقة أن إذلال اسرائيل من الناحية العملية إذلال لأمريكا والغرب المساند لإسرائيل، ولعملاء اسرائيل في المنطقة المعنية بهذا الصراع بدءاً من باكستان وحتى موريتانيا،وأن صدور القرار لايعني النصر السياسي أو الدبلوماسي لإسرائيل،لأن النصر السياسي يرتبط صميميا بالنصر العسكري إذ أن المنتصر يفرض شروطه أما المهزوم فليس له من شروط وهذه عبارة لمناحيم بيغن، لذلك لم تتمكن اسرائيل من فرض أي شرط على المقاومة بل كل ماحدث أن مجلس الأمن سعى بضغط أمريكي لإخراج اسرائيل من المستنقع الذي وضعتها المقاومة فيه.
استخدم السيد بوش تعبيراً عن هزيمة حزب الله وهو يُدرك أنه يكذب بهذه العبارة،ويعرف فعلاً أن اسرائيل تمرغت بوحول الهزيمة التي فرضها عليها حزب الله،وبوش هذا يعرف أن اسرائيل لو انتصرت وهي فوق أرض الجنوب لم يكن لها أن ترحل عنه، لكنها حملت جنودها وقتلاها وجرحاها وآلياتها المدمرة إلى داخل فلسطين المحتلة سرا وعلنا،والملاحظ أن كاميرات المحطات الفضائية بدأت تصور حتى لو كان من بعيد لقوات اسرائيل وآلياتها وهي تندحر بكل مذلة، وهذا التطور العلمي فضح الهزيمة لجيش ركب ذهن العالم أنه لايُقهر لتحل مكانه قوة صغيرة قهرته وأذلته، فصارت أسطورة لتنسخ تلك الأسطورة وعلى مايبدوا إلى الأبد.
حسب بعض المحللين أن حظ الحكومة الاسرائيلية الحالية سيء جدا في مقارعتها لحزب الله،وحظ الحكومات السابقة لها جيد جدا حيث لم تقع بهذا الفخ، فبدأ السجال المتبادل والجارح داخل القيادة الاسرائيلية،والأهم أن أولمرت بخطابه الأخير في الكنيست أعلن أنه سيلاحق قيادة حزب الله، ولواستخدمنا مبدأ التحليل لهذه العبارة إلى ماذا تعني؟،هل تعني غير الجرح العميق من هذا الحزب الذي وضعه في موقف لايُحسد عليه؟،فلو كان منتصراً هل كان هناك من ضرورة لهذا الوعيد والتهديد...أعتقد لا!!! وباعتقادي أن أولمرت ستتم محاكمته مع وزير دفاعه ووزيرة خارجيته لأسباب القضاء على صورة الجيش الذي لا يُقهر،وستتم محاكمة ضباط الاستخبارات الاسرائيلية الذين لم يتمكنوا من الحصول ولو على معلومة واحدة عن حزب الله، وهي الحالة الوحيدة في التاريخ الاستخباراتي الذي يؤكد على الخرق الأمني المتبادل بين القوى المتصارعة، أو المتحاربة، إلاّ هذا الاستثناء الذي قهر ولم يُقهر، فتم نسخ الأسطورة القديمة لتحل مكانها أسطورة جديدة اسمها المقاومة اللبنانية، وهذا مايتحدث عنه الاستراتيجيون بكل المستويات من مثقفين وسياسيين وكوادر مختلفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة