الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرض كتاب المستقبل للاشتراكية لفيدل كاسترو

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2021 / 8 / 29
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


من الصعب التفاعل مع هذا الكتاب، أو قراءته من دون التعرف على كوبا: البلد والتاريخ والدور الذي لعبته في نصف القرن الماضي، والنموذج الذي مثلته للعديد من حركات التحرر الوطني والبلدان المستقلة في العالم أجمع، والتعرف كذلك على شخصية فيدل كاسترو المناضل ورجل الدولة والإنسان، من حظنا كفلسطينيين أننا نعرف ذلك أكثر من غيرنا: نعرف كوبا كحليف ثابت ومبدئي لثورتنا وحقوقنا الوطنية، والبلد الذي وفر افضل فرص التعليم للآلاف من أبناء شعبنا الذين لم تكن فرصة دراسة الطب والهندسة وغيرها من العلوم لتتاح لهم لولا كوبا ودعمها السخي، فضلا عن الدعم العسكري والتدريبي الذي وفرته كوبا لكوادر الثورة الفلسطينية، ونعرف كاسترو رفيق جيفارا، وصديق قادة الثورة الفلسطينية ورموزها، ولم يكن غريبا على الإطلاق أن كل الفصائل الفلسطينية على اختلاف توجهاتها الفكرية والسياسية نعت هذا القائد الفذ بصفته صديقا ثابتا وفيا للشعب الفلسطيني.
يوحي عنوان الكتاب بمناقشة نظرية لتناقضات العالم الرأسمالي وبخاصة التناقض بين علاقات الانتاج وقوى الانتاج، لكن الكتاب في الحقيقة هو تقرير مقدم للمؤتمر الأول للحزب الشيوعي الكوبي الذي انعقد في أوائل العام 1976 بعد 17 عاما من انتصار الثورة، والحزب نفسه تكوّن من اندماج مجموعة من الفصائل الديمقراطية الثورية مثل حركة 26 يوليو، والحزب الاشتراكي الشعبي، مع مجموعات الشيوعيين قبل قيام الثورة، إذن يقدم الكتاب كشفا عن إنجازات الثورة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ورؤية كاسترو لمستقبل وطنه والعالم.
كانت أميركا اللاتينية لعقود طويلة بمثابة ساحة خلفية للولايات المتحدة الأميركية، إليها تلقي بكل آفاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية، بعيدا عن قيود مشرعي الكونغرس والصحافة الليبرالية، وكانت كوبا هي الأقرب للولايات المتحدة فكانت مرتعا للفساد والاستبداد والقمع وسياسات الإفقار والتجهيل والاضطهاد المركب والتمييز العنصري، بلاد تحكمها الاحتكارات والشركات الأميركية التي تُنصّب دمى من الحكام المستبدين وتستبدلهم كما تستبدل مدير فرع للشركة، يعرض كاسترو القفزات الهائلة التي حققها المجتمع الكوبي في مختلف ميادين التنمية. في ظل الثورة وعلى الرغم من كل المؤامرات والحصار المشدد والعقوبات الأميركية تحولت كوبا من مزرعة كبيرة لقصب السكر والتبغ يحتكرها ويتحكم فيها الأميركي إلى دولة تنتج مختلف أنواع السلع والخدمات التي يحتاجها الشعب الكوبي، تضاعف الانتاج عشرات المرات، وتم القضاء على البطالة. في المجال الاجتماعي قضت الثورة على التمييز العنصري والدعارة والقمار والمخدرات وغيرها من الآفات، في الثقافة والتعليم سجلت كوبا نجاحا استثنائيا في القضاء على الأمية، قبل الثورة لم يصدر في كوبا اي كتاب ثقافي أو علمي وخلال سنوات الثورة صدرت آلاف الكتب، وافتتحت مئات المدارس لتعليم العمال وتثقيفهم، تعزز دور المرأة في الاقتصاد والعمل السياسي والاجتماعي وصارت تتبوأ أعلى المناصب في الحزب والدولة، ويعزو كاسترو هذه الإنجازات لدور الحزب في مجال تنظيم الجماهير وتسليحها بالوعي قبل السلاح، من بناء المنظمات الجماهيرية والنقابات ولجان حماية الثورة.
في تقريره المقدم للمؤتمر تظهر شخصية كاسترو بأكثر من صورة، فهو المناضل الثوري الذي يتدفق حماسة وكأنه قادم لتوه من جبال سييرا ماستيرا، وهو رجل الدولة الذي يتحدث عن التحديات والإنجازات والإخفاقات، وخطط التنمية والمشاريع وقطاعات الإنتاج، وهو كذلك المثقف الثوري الذي يناقش مستقبل البشرية في ظل الصراع مع الإمبريالية، تتداخل هذه المستويات من شخصية فيديل وتتمازج، ولكنه يحافظ دائما على تدفقه العاطفي موليا جانبا كبيرا من اهتمامه للحديث عن الأخلاق الثورية ومقارنتها بأخلاق الرأسمالية.
يمارس كاسترو بجرأة لافتة النقد الذاتي ويستعرض الأخطاء التي وقعت فيها الثورة أثناء التطبيق وخاصة في مجال ربط الأجور بالعمل وليس بالكفاءة، وفي مجال التداخل بين مهام الحزب والدولة، وكأنه هنا يتنبأ بأسباب انهيار النموذج البيروقراطي للاشتراكية المطبقة في الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية.
يرى كاسترو بثقة مطلقة أن المستقبل للاشتراكية، وهو يفترض عدة طرق وخيارات أمام الشعوب للوصول لهذا الهدف من بينها طريق التحول الديمقراطي، وهو يطلق نبوءته المبكرة عن توجه دول القارة الجنوبية للخيار الاشتراكي بوصفه طريقا للتنمية المستقلة عن وصفات الجار الشمالي وشروطه ، وما نجاحات الخيار اليساري في فنزويلا وبيرو وكل دول القارة إلا تجسيدا فعليا لهذه النبوءة، لكن كاسترو لا يبدو مطمئنا تماما لهذا الخيار، فهو يحذر ويكرر تحذير رفاقه من الرضا عن الذات ( حين يكون المرء راضيا في كل شيء عن نفسه يفقد صفته الثورية)، كما يحذر من خطر السلطة، خطر الغرور والعجرفة، ويؤكد على أهمية المؤسسة بدل الفرد ( نحن البشر كائنات سريعة العطب) لكنه يظهر في المقابل ثقته التامة في الجماهير العريضة، ويقول" لو اختفت اللجنة المركزية، ولو اختفى كل أعضاء المؤتمر فجأة، فإن الثورة وإنجازاتها سوف تحميها الجماهير المنظمة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تقديم الايديولوجية على الحقيقة
منير كريم ( 2021 / 8 / 29 - 06:44 )
تحية للاستاذ المحترم
هل يصدق الكوبيون كلام كاسترو واخيه ؟
هذا نظام ديكتاتوري شمولي عائلي يستمر لاكثر من 60 عاما اوصل البلاد الى الخراب الى اسوء من عهد باتيسيا حيث الفقر وانتشار الدعارة
لماذا ترعبهم الانتخابات الحرة والديمقراطية ؟ ليجربوا ذلك بعد ذلك نصدق ان المستقبل للاشتراكية
علاقة كاسترو مع الفلسطينيين ليس معيارا لتزكيته , فنظام كاسترو تعاون مع اعتى الديكتاتوريات كصدام حسين والنظام الايراني المتخلف الرجعي
يجب ان تسبق الحقيقة الايديولوجية لا العكس
ان الاوان ان تكون معايييرنا ديمقراطية
شكرا لك

اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟