الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-جائزة إسرائيل- ...لليمينين فقط!

عصمت منصور

2021 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


أعاد قرار وزير التعليم الاسرائيلي يؤاف جالنت بعدم السماح بمنح "جائزة إسرائيل للعام 2021" للبروفيسور ذائع الصيت في علوم الحاسوب والرياضيات، والباحث في معهد وايزمان للعلوم عوديد جولدرايخ، إثارة الجدل في الاوساط الأكاديمية والإعلامية حول المعايير الواجب توفرها في من يحق له تلقي الجائزة، او بالأحرى ما المعيار الحاسم الذي يمنع شخص ما من تلقي هذه الجائزة التي تعتبر الأهم والأكثر قيمة من بين كافة الجوائز في اسرائيل، وهو نقاش يعكس في جوهره الميل المتزايد نحو اليمين ذي النزعة الفاشية التي تغلغلت في مفاصل الدولة، والتي ترى نفسها وقيمها على أنها التعبير الحصري والأمثل عن حالة "الإجماع" والخط السياسي السليم والوفي لقيم "الصهيونية" الذي يعادي كل من يبدي رأيا مختلفا، كما انه لا يتسامح مع الصوت النقدي أو أي شكل من أشكال التماهي مع ضحايا الاحتلال الفلسطينيين أنفسهم، او حركات النضال السلمي العالمية غير العنيفة التي تناصرهم.
جائزة اللون الواحد
"جائزة اسرائيل" هي أرفع جائزة تقدمها الحكومة الإسرائيلية في مجالات متنوعة علمية وأدبية وفنية وبحثية بالتزامن مع موعد إعلان "الاستقلال"، وقد أطلقت لأول مرة في العام 1953 من قبل وزير التعليم بن تسيون دينور، الذي أصبح بعد خمسة أعوام أحد الحاصلين عليها، والذي لم يجتهد فقط في ابتداع الفكرة، بل شدد على توقيتها وأن يتزامن مع قيام إسرائيل، وان تقدم من قبل قادة الدولة انفسهم.
لم يترك الوزير دينوري في تلك المرحلة المبكرة من عمر دولة الاحتلال، مسألة المعايير الواجب توفرها في الشخص الذي يفترض ان يستحق الجائزة معلقة او مفتوحة، ولا اكتفى بالدلالات الرمزية المتمثلة في الذكرى وارتباطها (بقيام الدولة) بل شدد على أنها جاءت "لتؤكد العلاقة بين (استقلال الدولة) والمعاني والقيم المستمدة من هذا الاستقلال" وأنها حكر على الإسرائيليين "المواطنين المجنسين المقيمين في اسرائيل" وهي معايير لا تحتمل الاجتهاد والتأويل في حقيقة هوية النموذج او الرمز المثال الذي يراد له ان يطبع في ذهن الجمهور، ويشكل له الحالة الملهمة الأجدر بالتماهي، لكنها تقبل بل وتستدعي التشدد والمغالاة في بقية صفات ومواقف هذه الشخصية وذلك وفق الفترة التاريخية والتيار السائد.
هذا التشدد في انتقاء النماذج المراد لها ان تعمم، انما يعكس بشكل عميق طبيعة فكر وتوجهات النخب التي هيمنت في الحقب التاريخية المختلفة، بعيدا عن الادعاءات والشعارات بحيث يمكن الاستدلال على ذلك ببساطة عند معرفة ان من بين 620 فائزا بالجائزة منذ تأسيسها حتى العام 2005 فازت 90 امرأة فقط، وحتى العام 2008 فاز عشرة يهود من أصول شرقية في مجال الآداب من بين 158 فائزا، وحتى 2011 حصلت ست شخصيات عربية من فلسطينيي الداخل على الجائزة بينما هم يمثلون في حينها ما يقرب من18% من سكان الدولة، وهي أرقام دفعت الناقد والمحرر الصحفي بني تسفير إلى التساؤل في العام 2007 إن كان "من المعقول أن لا يتم ايجاد من بين 15 فئة مرشحة لنيل الجائزة مكان واحد لمرشح غير اشكنازي".
هذه المعايير الصارمة والربط الاتوماتيكي بين الدولة وقيمها وفق تعريف الفئة السائدة، وما بين المرشحين للحصول على الجائزة، تعززت عبر السنين واصبحت اكثر وضوحا وصلة ليس بالانتماء الإثني او العرقي والجنس فقط، بل طالت الافكار والمواقف السياسية، كما عبر عن ذلك الكاتب حايم شايين في صحيفة "اسرائيل هيوم" على ضوء الجدل حول ترشيح لجنة الجائزة للبروفيسور عوديد جولدرايخ، حين اعتبر أن الجائزة "تعبير عن تقدير رسمي لشخصيات نموذجية" بالمفهوم الأيديولوجي والسياسي، وليست تلك المتميزة في مجالها البحثي او الأكاديمي بالضرورة، لأن "التميز العلمي ليس هو المعيار، ومهما كان العالم موهوبا فإن توقيعه على عريضة تطالب بمقاطعة اسرائيل أكاديميا" يعد سببا كافيا لحرمانه من الجائزة.
هذا الموقف الحدي والحاسم والذي يضع الأفكار والمواقف السياسية المتماهية مع أفكار المؤسسة الحاكمة وتوجهاتها كمعيار أساس في اختيار المرشحين للجائزة عبر عنها الوزير جلنت بوضوح، ليس في قراره بحرمان البروفيسور جولدرايخ من الجائزة فقط، بل بمنشور خاص نشره على صفحته على الفيس بوك قال فيه أن "من لا يفتخر بإسرائيل ولا يعتبر قوانينها شيئا ثمينا لا يستحق الجائزة" مضيفا أن البروفيسور جولدرايخ "بصق في وجه الدولة" عندما قرر أن يدعم بشكل غير مباشر الحركات الداعية لمقاطعة اسرائيل، وهو الأمر الذي اثار حفيظة مؤسسات مهمة مثل رؤساء الجامعات الذين خاطبوا الوزير جالنت معتبرين ان "عدم منح شخص ما جائزة إسرائيل بسبب آرائه السياسية ... يشكل مساً عميقاً وخطيراً بحرية التعبير وبحرية التفكير.....وأن "مَن يسير في الثلم" فقط هو الذي يستحق المكافأة والتقدير، بينما يكون العقاب من نصيب كل مَن يجرؤ على التعبير عن رأي سياسي يقع خارج نطاق الإجماع".
المحكمة العليا وانهيار الجدار الأخير
كل من انتظر ان تقوم المحكمة العليا بإعادة الاعتبار للجائزة الأهم في اسرائيل وان تنزهها عن السياسة ومحاكم الأفكار والتخوين بسبب المواقف النقدية، وأن تبقيها بعيدة عن حالة التحريض التي يمارسها اليمين ضد كل من يعارضه، خاب أمله سريعا.
بعد اعتراض وزير التعليم يؤاف جالنت على ترشيح البروفيسور عوديد جولدرايخ تقدمت لجنة الجائزة المكونة من قضاة مستقلين بالتماس إلى المحكمة العليا من أجل البت في صلاحية الوزير التدخل في قرارها، ومنع أسماء ترشحها من نيل الجائزة، ذلك أن التقاليد جرت أن تتم المصادقة بشكل اوتوماتيكي على الأسماء التي تقدمها.
قرار المحكمة الذي نشره موقع واي نت في عنوان رئيسي لا يقبل التأويل جاء فيه أنه "لا يحق للعالم نيل الجائزة" وأن من صلاحية الوزير التدخل، وهو ما اعتبر شرعنة للتدخل في افكار ومواقف الاسرائيليين وحصر الجائزة على الموالين لحكم اليمين، خاصة أن هيئة المحكمة التي بتت في القرار كانت مكونة من " ثلاثة قضاة (هم القاضي نوعام سولبيرغ، المستوطن في مستوطنة "ألون شفوت"، إحدى "مستوطنات غوش عتسيون" جنوب القدس، بين بيت لحم والخليل؛ والقاضية ياعيل فيلنر، المقيمة في مدينة حيفا اليوم لكن الناشطة سابقاً في حركة "غوش إيمونيم" الاستيطانية، إذ كانت ضمن نواتها الاستيطانية الأولى في "سبسطية" بالقرب من مدينة نابلس، وفق بحث الكاتب سليم سلامة في ملحق المشهد الخاص بمجلة مدار العدد الصادر بتاريخ 12 ابريل.
المحامي ميخائيل سفراد الذي ترافع عن لجنة الجائزة ومثل البروفيسور جولد رايخ عقب على القرار لموقع واي نت لحظة صدوره بما يؤكد الانتقائية وتعمد إقصاء كل من يقف على يسار المؤسسة عن الجائزة حيث اعتبر ان البروفيسور جولد رايخ "متهم بجريمة غير موجودة في اسرائيل وهي يساريته" واصفا خطوة وزير التعليم والمستشار القانوني للحكومة بأنها "مكارثية" تهدف إلى "منع أصحاب الموقف المعارض للاحتلال وسرقة الأراضي والابرتهايد" من الحصول على الجائزة وهو ما يعني "إقصاء معسكر سياسي كامل" عن الجائزة وتحويلها الى "جائزة لليمينيين فقط".
قرار المحكمة الذي تواطأ مع المؤسسة وتوجهاتها اليمينية أقر ضمنا بعملية التسييس، وأشار في ديباجته إلى أن الجائزة التي "تعد الأكثر قيمة وأهمية تحولت الى مصدر للخلاف والانشقاق" داخل المجتمع الاسرائيلي، ولكنها بدل ان ترمم هذا الجدار المتصدع فضلت ان تزيله وتفتح المجال كاملا لتحويل الجائزة الى ورقة ابتزاز بيد اليمين ضد المعارضين.
استياء مكبوت
رغم عملية الإقصاء العلنية وغير المستترة لأصحاب الموقف النقدي الرافض للاحتلال من قبل الجهات الرسمية المشرفة على جائزة اسرائيل، لم نجد رد فعل قوي وضجة في الأوساط الأكاديمية والنخب المثقفة إزاء هذا الاستخدام المفضوح للجائزة.
الكاتب ديفيد شفربار عبر عن تخوفه من هذا الصمت وغياب ردة الفعل القوية في مقال رأي نشره على موقع عيرف راف بتاريخ 19 نيسان مستذكرا الفيلسوف ليبوفيتش والضجة التي أثارها ترشيحه للجائزة وكيف واجه نفس المصير وهو ما دفعه للتنازل عنها و اطلاق مقولته الشهيرة بأنه "يتنازل عن الجائزة كي يوفر على نفسه قرف مصافحة وغدين رئيسيين هما رئيس الحكومة ووزير التعليم".
قلق شفربار نابع من انصياع الفائزين الأخرين الذين "جلسوا بصمت وصافحوا دون احتجاج" اليد التي عاقبت زميلهم، معتبرا أن الاحتجاج "مهما كان هشا" مهم وله دور لأنه يقوض فكرة المسلمات والمفهوم ضمنا ويهز "خطاب الهيمنة" ولأن هذا هو المتوقع من الاكاديميين ورجال الثقافة "القادرين على صياغة موقف" مختلف.
صرخة الاحتجاج الوحيدة والضعيفة هي التي صدرت للمخرجة السينمائية ميخال بت ادم هي الإشارة الوحيدة التي "جعلت هذا الحدث لا يمر مرور الكرام".
شفربار يرى أن انعدام الاحتجاج وخاصة من قبل المؤسسات الاكاديمية يقدم دلالة إضافية على ان دور "عالم الاكاديميا آخذ في التقلص والانغلاق بعد قتل روح المعارضة إزاء كل رأي مختلف واصلي".
حتى موقف رؤساء الجامعات الذين بعثوا برسالة لوزير التعليم نشروها في وسائل الاعلام فقد ظهر ضعيفا وهشا وقصيرا جدا، وهو لا يختلف عن موقف المجمع الاسرائيلي القومي للعلوم والآداب الذي نشر على شكل بيان في الرابع عشر من نيسان على شكل تعبير عن القلق والأسف جراء "خلط السياسة في القرارات التي لها صلة بالجائزة وهو ما يمس بمكانتها" وفق تعبيرهم.
التجسيد الحي للقوة
يؤاف جالنت وزير التعليم الحالي في حكومة نتنياهو وعضو الكنيست عن حزب الليكود هو في الأصل جنرال سابق شغل موقع قائد الجبهة الجنوبية وخدم في وحدات مختارة وشارك في عمليات اغتيال خارج حدود اسرائيل اشهرها عملية اغتيال القيادي في حركة فتح ومسؤول أمنها الداخلي علي حسن سلامة، وهو يعتبر التجسيد العملي للنهج الاقصائي والعسكرتاري في التعامل مع الآراء المعارضة.
وقف جالنت وبيده السلطة ومن فوق رأسه هالة الإجماع اليميني وحالة التحشيد، في وجه الأكاديمي اللامع صاحب الرأي النقدي والذي تحلى بشجاعة مطالبة البرلمان الالماني التراجع عن اعتبار حركات المقاطعة على أنها حركات لا سامية ووقع على عريضة تطالب بمقاطعة جامعة اريئيل المقامة على أراض محتلة وفق القانون الدولي.
موقع سيحاه مكوميت اليساري سخر من جهل جالنت وطريقته العنيفة في مواجه جولد رايخ وتساءل في مقالة نشرت في الحادي عشر من نيسان "ماذا كان سيكون موقف جالنت من عالم مثل أينشتاين؟ وهل كان سيحرمه من الجائزة بسبب آرائه التي اعتبر فيها بيغن ارهابيا وعبر فيها عن عدم رضاه واللا حاجة لقيام دولة يهودية؟"
الموقع اعتبر أن جالنت هو تجسيد حي لثقافة "عبادة القوة وتمجيد العنف التي رعتها الدولة" مستذكرة مواقف أينشتاين الذي يضع جالنت "من باب التفاخر الثقافي الاستعراضي" كتاب مذكراته في مكتبته" وهو الكتاب الذي يذكر فيه ان أينشتاين "وقع على عريضة في النيويورك تايمز تدين بيغن وتصفه بالإرهابي وانه اقرب ما يكون من الفاشية".
عودة الى الأصل
إن اقصاء البروفيسور جولد رايخ وحرمانه من جائزة اسرائيل يعد عمليا نوعا من الوفاء لفكرة الجائزة وعودة إلى فكرتها الأساسية التي انشئت من أجلها، وهي خطوة تزيل الغشاء الرقيق من التضليل الذي حاول أن يصورها على أنها جائزة اكاديمية علمية تمنح للمتفوقين.
الأصل من وراء فكرة الجائزة أنها تمنح من المؤسسة الحاكمة لمن يتماهى مع خطها العام ويبرر وجودها وممارستها، ولا مكان لأي شخص مهما بلغت عبقرتيه وإنجازاته أن ينالها طالما انه يقف على يسار المؤسسة.
إنها جائزة حصرية تأتي في ذكرى خاصة وتقدم من قبل رؤساء المؤسسة للمواطنين الذين يعتزون بها ويتماهون مع قيمها وممارساتها وهذا التعريف بالذات هو الذي شجع البروفيسور عوديد مودريك أن ينشر مقال رأي في صحيفة جلوبس الاقتصادية في 1 نيسان وقبل قرار المحكمة لا يعبر فيه عن تأييده لقرار حجب الجائزة عن البروفيسور جولد رايخ، بل واستهجانه من "اقدام الدولة على منح الجائزة الأكثر احتراما لشخص يحقرها من خلال دعمه غير المباشر لحركات تدعو لمقاطعتها اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا" معتبرا ان مثل هذه الخطوة "لا تعتبر عملية كم افواه" او انتقاصا من الحقوق المدنية للمرشح، كونه سلوكا طبيعيا ومفهوما ضمنا ومنسجما مع روح وفكرة والغاية من الجائزة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة