الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرح العام وشرقنا الحزين

احمد علي

2006 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


لأننا ممنوعون من الفرح, في شرقنا الأوسط القديم، أو الأوسخ الجديد، فان نشر هذا المقال، قد تأجل بسبب الحرب الأخيرة وما رافقها ، من الهمجية الإسرائيلية، في قتل المدنيين ، وذبح لبنان من الوريد إلى الوريد، إذ لم يكن مناسبا الحديث حتى عن فرح الآخرين في هذا الجو الحزين.
الفرح العام ، أو الأصح القومي ـ لم استعمل الكلمة لأنها باتت لا تعني إلا كل ما هو سيئ ـ مصطلح غير موجود في لغاتنا الشرقية، والسورية منها خاصة، لأن اللغة مرآة الحياة، ولأن هذه الحالة ، لم نعشها لا في الماضي ولا في الحاضر ، وربما ليس في مستقبل قريب. لذا وجب توضيح معناه. الفرح العام يمكن وصفه بأنه حالة عفوية من الفرح، يتشارك فيه شعب بأكمله، أو الأكثرية منه، يعبرون عنه بنزول الألوف إلى الشوراع والساحات متوحدين في هذا الشعور، بدافع من إنجاز عام، قد يكون سياسيا أو اقتصاديا، أو علمــيا، أو ريــاضيا ...الخ. ولأنني من جيل البعث بامتياز ـ كما يقال عندنا قي سوريا ـ حيث ولدت قبل اشهر قليلة من قيام ثورته المجيدة، فأنني لم اعش هذه الحالة، لا بل لم اكن اعلم بوجودها أصلا، إلى أن داهمتني في ألمانيا أثناء المونديال الأخير.
الألمان معروفون بالجدية البالغة، أو بتعبير آخر هم أميل إلى التشاؤم ، وعدم الرضى منه إلى التفاؤل، وخاصة في فترة السنوات القليلة الماضية ، حيث الأزمة الاقتصادية، وارتفاع معدل البطالة، وهجمة اللبرالية الجديدة الشرسة على نظام الضمان الاجتماعي. وما زاد في هذا الشعور ، ما كان يقال في الإعلام عن ضعف الفريق الألماني ، وضعف مقدرته على إنجاز شيء مهم أثناء المونديال. لكن ، ومع بدء توافد الفرق الأجنبية وجمهورها ، بدأ وجه ألماني آخر بالظهور ، وخاصة بعد المباريات الأولى للفريق الألماني، وفوزه بها، حيث بدأت مجاميع الناس بالتعبير عن فرحها في الشوراع والساحات ، وحيث غزت الأعلام الألمانية البيوت والشوارع والسيارات، وحتى خدود الصبايا. مجموعات الشباب ترقص ،تغني، مسيرات السيارات ، حفلات حتى الصباح ... الخ . هذا الفرح الجماعي أظهر شعورا وطنيا ألمانيا جميلا ـ بخلاف معناه الشائع ـ وظهر أمام ناظري، بأنه حتى كرة القدم ، يمكن أن ترفع من معنويات الناس، وحتى من غير المهتمين بها، وهو شعور وصفته بالجميل ، لأنه لم يكن موجها ضد أحد ، إذ انه من المعروف أن المشاعر القومية تتأجج ، عادة ضد أحد ما في الداخل أو الخارج ، بحق أو بغيره ، بالعكس من ذلك كان شعوراً مرحباً بالجميع، وبكل ضيف أتى إلى ألمانيا في هذه المناسبة. ولأنه عبر عن انفتاح الألمان على بقي فئات المجتمع من المواطنين الأجانب ، والعكس أيضا. فمع صافرة النهاية في كل مباراة فاز فيها الفريق الألماني، كان الشباب يقفزون إلى الشارع، وفي اكثر الأحيان من النوافذ، يبدؤون الرقص والغناء، ألمان وأجانب سوية، يوحدهم الشعور بان هذا هو فريقهم جميعاً ، ولأول مرة عشت أنا على الأقل هذا الانفتاح العميق والبسيط للناس على بعضهم .
ولعل قمة التصرف الحضاري، عندما خسر الفريق الألماني أمام الإيطالي ، ومن ثم فوزه بالكأس ، حيث تحولت هانوفر إلى مدينة إيطالية، آلاف الإيطاليين في الشوراع ، مئات السيارات ، بحر من الأعلام الإيطالية ، في مظاهر فرح إيطالية قريبة إلى الشرق ،حيث فوضى الفرح ، على غير عادة الألمان ، هذا الفرح الذي استمر حتى ساعات متأخرة من الليل ، ولم يعترض عليهم أحد ، حتى البوليس ، رغم خرقهم لقوانين السير الصارمة في ألمانيا.
في ساحة المدينة هذه ، وحيث الأفراح قائمة، ذهب الخيال بي بعيدا، وانتابني شعور بالحزن ، وأنا أحاول تذكر يوم فرح، أو شبه فرح عام عشناه ، فلم أتذكر إلا أحزاننا ، وأيام الفرح الخلبية التي كنا مجبرين فبها على التعبير عن فرحنا العارم، بكل مناسبة حزبية، أو ما تسمى وطنية أو قومية ،أو أي انقلاب عسكري على انه ثورة، تلك الأفراح والتي رغم الرقص والطبل والزمر، لم تكن تجد فيها من كان يضحك .
وبعودتي من غفوة أفكاري ، على موسيقى احتفالات الإيطاليين، وجدتني أحاول الإجابة بدون جدوى ، على سؤالٍ هو، لماذا حتى أفراح الآخرين،لا تذكرنا إلا بأحزاننا؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن وإسرائيل.. خلاف ينعكس على الداخل الأميركي| #أميركا_الي


.. قصف إسرائيلي عنيف شرقي رفح واستمرار توغل الاحتلال في حي الزي




.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف حرب إسرائيل على


.. ما الذي حققته زيارة مدير الاستخبارات الأمريكية في مفاوضات وق




.. إسرائيل تبلغ نهائي يوروفيجن 2024 وسط احتجاجات على مشاركتها ب