الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انفجار عقود من الكبت والتحريض

عصمت منصور

2021 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


خطفت حالة الانفجار التي عمت معظم قرى ومدن الداخل الفلسطيني الأنظار عن المسببات المباشرة التي ادت الى اندلاعها في القدس وغزة، لبرهة من الزمن، وتركت علامات استفهام كبيرة وندوبا بارزة وحارقة، على جسد صيغة "التعايش" الهش وغير المستقر الذي حكم العلاقة المتوترة وغير المتوازنة بين اليهود والعرب في اسرائيل.
أحداث اللد التي بدأت بالتزامن مع بدء القصف الاسرائيلي لقطاع غزة ردا على صواريخ المقاومة التي اطلقت صوب مدينة القدس، بعد أسبوع من التوتر والمصادمات ومحاولات الشرطة الإسرائيلية إخلاء باحات المسجد الاقصى من المصلين، تمهيدا للاحتفالات التي تجري سنويا بذكرى سقوط المدينة في العام 1967 أو ما يعرف إسرائيليا بذكرى توحيد المدينة.
تزامن نادر وشرارة الانفجار
قد تكون هذه واحدة من المرات النادرة التي تتزامن فيها أحداث سياسية، وحالة من عدم الاستقرار في منظومة الحكم التي انحازت كليا لليمين، والتي جعلت العرب مادة للدعاية والتحريض، مع مناسبات دينية وروحية مثل ليلة القدر وشهر رمضان مع تهديد ملموس وخطير لأماكن تحظى بقدسية خاصة وتشهد تهديدا مستمرا مثل المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وباب العامود.
هذا التزامن بين هذه العوامل أجج مشاعر الفلسطينيين في الداخل، وقادهم الى تنظيم مظاهرات مناصرة للقدس والاقصى انطلقت اشهرها من مدينة اللد التي تعد إحدى المدن المختلطة، وهو ما دفع المستوطنين وفق موقع "عرب 48" الذي جمع شهادات حية من السكان في اللد "إلى الاعتداء على المتظاهرين وأطلقوا النار عشوائيا تجاههم مما ادى الى وقوع ثلاثة اصابات على الأقل" لتتبعهم الشرطة " وتعتدي عليهم أمام أقسام الطوارئ" رغم انهم تظاهروا بشكل سلمي ولم يشكلوا أي تهديد على الممتلكات والسكان .
شرطة الاحتلال قمعت بوحشية هذه المظاهرات واعتدت على المتظاهرين وفق ما أكده عضو اللجنة الشعبية في مدينة اللد، تيسير شعبان لموقع "عرب 48" حيث قال "أن المستوطنين أطلقوا النار بشكل عشوائي على جموع المتظاهرين الذين خرجوا بشكل سلمي نصرة للأقصى، وفوجئوا برصاص الاحتلال ومستوطنيه".
القمع واللجوء الى العنف واستخدام الرصاص الحي أدى الى استشهاد الشاب موسى حسونة، وهو الأمر الذي أجج المظاهرات ورفع من وتيرتها وأدخل المدينة في حالة من الصدام بين المواطنين العرب واليهود، وهو ما اعتبر الشرارة التي قادت الى امتداد المواجهات في الأيام التالية إلى بقية المدن والبلدات العربية، ونزول مجموعات من المستوطنين الى الشوارع لاصطياد العرب وتنفيد عمليات محاولة قتل ميداني بحقهم كما حدث في بت يام.
حالة الفوضى والصدامات بين اليهود والعرب التي انتشرت بكثافة في المدن المختلطة، أعادت من جديد طرح الأسئلة المسكوت عنها حول العنف المستشري في الوسط العربي وظاهرة انتشار السلاح، والاهمال والتهميش الممنهج من قبل مؤسسات الدولة، وسنوات طويلة من التحريض ضد الجماهير العربية، ومدى مسؤولية المؤسسة الحاكمة بكل تلاوينها تاريخيا عن هذه النتيجة.
رغم الطابع المنظم والذي يستند الى منطلقات عنصرية وعداء للعرب والذي يستدل عليه مما نشرته صحيفة "ذا ماركر" في عددها الصادر في 12 ايار والذي كشفت فيه عن أساليب اتصال هذه المجموعات عبر مجموعات واتس اب وتليجرام واسعة الانتشار، يتم من خلالها تحديد الأهداف التي سيتم استهدافها والساعات المحددة للتجمع وأنواع السلاح التي تستخدم وطرق التنكر واللباس، إلا أن اللوم وجه منذ البداية ضد الوسط العربي والعرب فيما اعتبر عنف العصابات المنظمة والعنصرية فرديا مثل ما فعلته منظمة "لا فاميليا" التي اقتحمت بات يام وارتكبت عملية إعدام ميدانية. ونشر موقع واي نت في 12 أيار تقريرا مفصلا حول قيادة المنظمة للأحداث في بت يام وهتافاتها ب"الموت للعرب" وتكسيرها لواجهات المحال التجارية التي تعود ملكيتها للعرب، وادعى التقرير أن العنف فردي ويأتي في سياق الدفاع عن النفس في ظل غياب الشرطة التي عبرت عنه احدى المتظاهرات لموقع دفار بقولها "اننا توسلنا الى الشرطة ان تحضر ولكنها لم تحضر فاضطررنا الى الدفاع عن انفسنا لأن دم اليهود ليس مستباحا".
التفسيرات ذهبت باتجاه ادانة مسبقة وتجريم جماعي للعرب، وذلك بالاستناد للصور والانطباعات المسبقة والنمطية الراسخة في الذهن الجماعي الاسرائيلي تجاههم، حيث شدد عضو الكنيست اليميني بتسليل سموتريتش في معرض تعليقه على الأحداث ودعوته لليهود بالتوقف لأنا "لسنا مثلهم، ومحظور علينا ان ننجرف للعنف" معتبرا ان " الدفاع عن النفس أمام الارهابيين والمشاغبين والمبادرين للعنف هو المسموح فقط".
نفتالي بينت الذي اعلن انه توقف عن محاولة تشكيل حكومة التغيير التي كانت ستستند الى أصوات القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس بسبب " التوقيت والاحداث التي تشهدها المدن المختلطة" وفق ما نشره موقع جلوبس في 13-5-2021 اعتبر هو الآخر ان ما حدث في بت يام من محاولة إعدام ميداني لشاب عربي " ليس عملا يهوديا ولا اخلاقيا" وهو يتقاطع ليس فقط مع اقوال سياسي يميني مثل سموتريتس، بل مع باحث في مركز ابحاث الأمن القومي مثل كوبي ميخائيل الذي صرح في مقابلة مع موقع "دفار" أن ما يحدث في المدن المختلطة والبلدات العربية في الداخل " أخطر من المواجهة على جبهة غزة، لأنها تحدث مع مواطني الدولة وداخل البيت ولا يمكن الرد عليها كما يتم الرد على العدو".
ميخائيل اعتبر أن الدوافع من وراء هذا العنف تكمن بشكل عضوي في تكوين العربي وطبيعة الشرق الأوسط" الذي يتميز بالعنف كما يحدث في ليبيا وسوريا ومصر واليمن...الخ" أما عن سبب " عدم الرد" بشكل مناسب على هذه الفوضى من قبل الحكومة، فقد اعتبر أنه نابع من انتهازية السياسيين "والشراكة السياسية المحتملة" بينهم وبين أحزاب عربية، رغم الخطر الكامن وراء الأحداث التي اعتبر ان سببها هو " وجود مجموعات لا يستهان بها لا زالت لا تقبل فكرة وجود دولة اسرائيل وتريد ان تنهي وجودها وقد وجدت فرصتها للقيام بذلك بسبب المواجهة مع غزة".
هذا الاستسهال في إدانة العربي سواء بسبب العداء الكامن في ذهنه للدولة وحقده الدفين تجاهها، او بسبب تكوينه وخلفيته الثقافية، جعل آفاق الحل تنحصر في البعد الأمني فقط، حيث اعلنت حالة طوارئ خاصة ومنع تجول ليلي في مدينة اللد، كما تم استدعاء المزيد من القوات والاستعانة بقوات حرس الحدود، واعطاء قائد الشرطة ووزير الأمن الداخلي صلاحية الاستعانة بالجيش واللجوء الى الاعتقالات الادارية دون محاكمة وفق ما صرح به نتنياهو اثناء عقده لجلسة تقدير موقف عقدها في اللد في الثالث عشر من أيار اعتبر فيها في مؤتمر صحفي استعراضي وإلى جانبه وزير أمنه الداخلي وقائد شرطته ان " الصدامات الحالية هي التهديد الأكبر واننا نحتاج الى اللجوء لخطوات متطرفة واستخدام القوة والقوة ومزيد من القوة".
تغطية غير متناسبة
انتقل الجدل حول المواجهات في المدن المختلطة وأحداث مدينة اللد الى استوديوهات التلفزة الاسرائيلية وكيفية تغطيتها للأحدث، خاصة بعد المواجهة التي حدثت على الهواء بين الصحفي المقرب من نتنياهو عميت سيجال والصحفية المخضرمة ايلينا ديان، والتي احتج فيها على طريقة التغطية غير المتناسبة لمحاولة اعدام الشاب العربي في بت يام.
سيجال وبعد الجدل الذي دار بينه وبين ديان ومقدمة النشرة الرئيسية في القناة 12 يونيت ليفي، تحول الى رمز لرافضي التغطية "غير المتناسبة" للأعمال التي تقوم بها العصابات اليهودية ضد العرب والتسرع في اتهام عضو الكنيست الاستفزازي بن غفير، الذي نشرت الصحافة تسريبات لقائد الشرطة اتهمه فيها انه ومن خلال زياراته للشيخ جراح ونقل مكتبه اليه يعد السبب وراء ما يحدث في اللد، معتبرا ان " أصل المشكلة يكمن في العرب سواء في القدس وغزة واللد لانهم لا يريدوننا، وان ملاحقة عضو الكنيست بن غفير واتهامه غير متوازنة وفي غير مكانها".
نشر سيجال في اليوم التالي على صفحته على الفيس بوك صورة له وهو يحتضن باقة ورد أرسلها له أحد المعجين، وهو المنشور الذي وصفته معاريف في 15-5 بانه الاكثر انتشارا "وانه فجر الشبكة وحظي بمئات الاف التعليقات والمشاركات والاعجابات" واعتبر نقطة الانطلاق في حملة صحفية عبر فيها صحفيون يمينيون عن رفضهم لشكل التغطية " غير المتناسب للأحداث".
الصحفي ومقدم البرامج في القناة 13 افري جلعاد قال لموقع سيروجيم ان " العرب هم من بدأ وهم الأعنف، والأخطر، وانهم يحملون في داخلهم كراهية عمرها مئات السنوات ضدنا" معتبرا ان "محاولة المساواة بين الجمهورين جريمة".
الصحفي المقرب من نتنياهو والداعم له في حملاته الانتخابية يانون ميجال لم يكتف بالحديث عن "عدم التناسب في التغطية" بل قال في تغريده له على تويتر ان الشرطة مقصرة بسبب " لجنة اور (التي تشكلت بعد احداث اكتوبر 200) وقضية اياد الحلاق، وسلمون تاكا والمحكمة العليا ووسائل الإعلام، أضعفت الشرطة وجعلها تخشى اطلاق النار وان تلجأ الى القوة وهو امر يجب تغيره".
هذه الدعوة الى اطلاق يد الشرطة سبق ان اطلقها عميت سيجال في تغريده على صفحته بعد أحداث الليلة الأولى في مدينة اللد حيث اعتبر ان " عدم احصاء المتظاهرين لقتلاهم و سجن اليهودي الذي اطلق النار على الشهيد حسونة وبقائه للأن في السجن أشياء يجب ان تهز الدولة".
تسفي يحزقيلي من القناة 13 اعتبر هو الآخر في مقابلة مع صحيفة معاريف في 13-5 أن سبب الأحداث هو " أحداث غزة التي أيقظت الشعور القديم لدى العرب بأنه بالإمكان التفوق وهزيمة اليهود".
تاريخ من التحريض واللاشرعية
في مقال لهما في صحيفة جلوبس اعتبرت الكاتبة ميخأل شالوم والمحامية ميخأل اندرسون ان "بمفهوم المناعة في الدولة لا يهم إن كان السبب وراء الاحداث اجتماعيا او اقتصاديا او امنيا، لان الإمكانية الكامنة في كل واحدة منها متساوية" لذا فإن البحث يجب ان يتركز في الأسباب الحقيقية وليس في المبرر، وهو يكمن في " حالة عدم الثقة وغياب القيادة وتضخيم الفوارق والتخلي عن خطاب التقارب والاحتواء".
بدء البحث العميق والجدي عن إجابات تفسر الانفجار الذي تشهده المدن والبلدات العربية يجب ان ينطلق من هذا الافتراض، وهو وإن كان يشير الى سنوات وعقود طويلة من التهميش والنظر الى الأقلية العربية على انها تهديد امني و"طابور خامس" كما اعتاد ان يصفها عضو الكنيست افيغدور ليبرمان، الا أنه تكثف في السنوات الأخيرة وفي ظل حكم نتنياهو واليمين.
إلى جانب السياسات التمييزية والتهميش والنقص في الميزانيات وعدم التساوي في الفرص الذي تعاني منه الأقلية القومية الأصلية في دولة اسرائيل منذ قيامها، زادت سياسة نتنياهو اليمينية وتحالفه الوثيق مع غلاة المتطرفين وشرعنة خطاب ولغة حركات عنصرية مثل عوتمساه يهوديت كانت تعيش على هامش المجتمع والأعلام والحياة السياسية في اسرائيل، في سياق صراعه من أجل البقاء في السلطة، من حدة التوتر والشعور بالإهانة والإخراج عن الشرعية لدى الجماهير العربية.
كما ان إضعافه للشرطة في سياق مساعيه لتبرئة نفسه وهجومه المتواصل عليها جعلها أداة طيعة في يده استخدمها في سبيل إضعاف المجتمع العربي من الداخل ونشر حالة من الفلتان والجريمة المنظمة والفوضى في صفوفه بغية تفتيته وإفقاد مرجعياته السياسية والحزبية قدرتها على قيادته.
لم يكتف نتنياهو بالسياسات القائمة بل انه استخدم حالة الخوف من العربي من أجل تحشيد اليمين خلفه ودفعه للتصويت له في الانتخابات عندما وصف إقدامهم على التصويت في انتخابات العام 2015 (وهو ما تبين انه غير صحيح) بانه يعرض حكم اليمين للخطر لأنهم "يهرعون الى صناديق الاقتراع" وكأنهم سيسرقون الدولة ويختطفونها، وهو ما اعاد احياء الشعور بالشك تجاههم والخوف من تكاثرهم وتأثيرهم وإمكانية تحكمهم بالدولة.
ذات التحريض مارسه نتنياهو قبل عام عندما حارب مجرد تفكير منافسه في حزب أزرق أبيض بيني جانتس بالاعتماد على أصوات أعضاء الكنيست العرب في تشكيل حكومة بديلة لحكومة نتنياهو، معتبرا ان الاعتماد على "أصوات اعضاء كنيست يدعمون الارهاب" غير شرعي ويشكل خطرا على الدولة، متوجا بذلك حملة انتخابية كاملة قامت على أساس فكرة عدم شرعية الصوت العربي ومحاربته من خلال ربطه بالإرهاب.
خطاب نتنياهو المعادي للعرب والمشكك بشرعية صوتهم وخطورة الاستناد عليه في بناء ائتلاف اصبح الركيزة الأساسية في خطاب اليمين وهجومه على القائمة المشتركة، وهو ما شكل قيدا على نتنياهو نفسه وافشل محاولته بناء ائتلاف يستند الى اصوات القائمة العربية الموحدة التي ابدت استعداها للانخراط في مثل هكذا لعبة، لولا تعنت حزب عوتسماه يهوديت ورفض بن غفير وسموتريتش مجرد التفكير بهكذا خيار حتى لو كان الثمن الذهاب الى انتخابات خامسة.
سقوط خيار التعايش المتخيل
موجة العنف التي تجتاح المدن المختلطة والبلدات العربية ستبقى طويلا بعد انتهاء العدوان على غزة وعودة الهدوء الى ساحات المسجد الأقصى، فقد حطمت معهما كل الآمال التي كانت تعول على امكانية التعايش بين اليهود والعرب وأثبتت ان سنوات التهميش والتمييز والتحقير والتنكر لن تدفع الجماهير الى الخنوع، بل إلى البحث عن اي فرصة كي تثور وتعيد الاعتبار لذاتها وهو ما يلقي على كاهل الاحزاب اليهودية مسؤولية البحث عن حلول جذرية وعميقة تنطلق من الحقوق الجماعية والقومية لهذه الأقلية الأصلية، كما أنه يملي على الأحزاب العربية ان ترفع سقف خطابها وان تعمق صلتها بجمهورها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام