الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طالبان، عقدة السياسة أم عقدة الأيديولوجيا؟

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2021 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


بعيداً عن دخان البروبجندا وضباب التسويق الإعلامي، النافخان في جراب، اسطورة القوة الأمريكية، ها هي أمريكا تخرج (منهزمة) بعد عشرين سنة من الاحتلال العسكري المباشر لأفغانستان.
قلت منهزمة (من باب التريث)، كي لا أستعجل وأقول مهزومة، فهل خرجت أمريكا منهزمة (أي تجنباً لاستخدام المزيد من قوة البطش القتالي ضد خصمها الطالباني) أم خرجت مهزومة بقوة حركة طالبان وإيمانها بحربها؟
كعراقي، عانت بلاده من حربين مباشرتين، من قوة البطش الأمريكية، أعرف تماماً مدى قوة السلاح والتكنلوجيا العسكرية الأمريكية، لكني كمراقب ومحلل (وأيضاً عبر اطلاعي على تاريخ حروب الوحش الأمريكي)، صرت أعرف وأفهم أسباب هزيمة الجيوش الأمريكية في أرض المعركة، بعد اسقاطها لحكوماتها، واحتلالها بقوة القصف الجوي وتدمير الصواريخ بعيدة المدى.
نعم أمريكا تملك أحدث الطائرات القاصفة وأحدث القنابل الموجهة، وكذلك أكثر الصواريخ دقة وفتكاً ومن جميع المديات ومواضع وطرق الإطلاق، وهذه كلها تطلق من الجو أو عبره، لكن مشكلة الولايات المتحدة في حروبها متأتية من فشلها، وفشل قادتها (المخططين والميدانيين، على حد سواء) في إدارة حرب على الأرض وادامة نصرها بجنود لا يؤمنون بشرعيتها والمبررات التي تقدم إليهم.
نعم، حققت جيوش الولايات المتحدة عقدة النصر الأولي، على الهيكل السياسي لنظاميّ الدولتين، في أفغانستان والعراق، وهزمت قياداتهما الحاكمة، ولكنها عجزت في المحافظة على هذين النصرين وسبل إدامتهما، وربما هذا ما حدث أيضاً في حربها في فيتنام.. لماذا؟
من نافلة القول أن نذكر أن عناصر الجيوش الأمريكية، في حروبها الخارجية، قد ذهبت للقتال في أهداف غير منظورة ومن أجل مصالح سياسية (وايديولوجية) لا يراها غير القادة السياسيين (الرئيس وأركان حكومته وقادة جيوشه ومخابراته)، أي إنها لم تأت لدفع خطر تهديد مباشر لكيان الدولة الأمريكية وأراضيها، أو حتى لمصالحها المباشرة، التي يمكن أن تثير الروح الوطنية وتشعل حماسها في الدفاع عنها وعن الوطن.
هل كانت حرب فيتنام تتعلق بأي مصلحة أمريكية تهم الجندي الأمريكي وتحرك روحه الوطنية للقتال؟ لقد كانت مجرد حرب أيديولوجية/عدوانية، هدفها الحد من تمدد الأيديولوجية الشيوعية والاتحاد السوفيتي، من ورائها، في بقعة الأرض الهندوصينية. فبم تعني مثل هذه الحرب المجانية الجندي الأمريكي وبم يمكن أن تستثير روحه الوطنية؟
وفي حالة حربيّ الولايات المتحدة على العراق، فبم يمكن أن يهم أمر وجود صدام حسين (على رأس السلطة في بلد مثل العراق)، الجندي الأمريكي ويدفعه للقتال فيه؟ هل هدد صدام، ومهما كانت صفاته وتصرفاته، الأراضي الأمريكية أو كيانها السياسي، أو حتى أي من مصالحها؟
تبقى أفغانستان وحدها من مثلت أو كانت مصدراً لعدوان مباشر ضد الأراضي والداخل الأمريكي، وعليه يمكن أن يكون للجندي الأمريكي حافز وطني للقتال ضدها أو غزو أراضيها، ولكن كيف للقيادة السياسية والعسكرية الأمريكية أن تقنع الجندي الأمريكي أن يقاتل لمدة عشرين عاماً هناك وأن يمارس دور الشرطي في شوارعها؟ كيف يمكن لتلك القيادات أن تقنع الجندي بأن بقائه في أفغانستان يحقق أمن الولايات المتحدة، وخاصة أن السنوات التالية لسنة احتلال الأراضي الأفغانية، قد تحولت إلى حرب عصابات ضده وحولته إلى هدف لنيران، تعتمد عنصر المباغتة ولا يمكن أن يحدد جهة اطلاقها؟
والأهم من كل هذا وقبله، هل طبيعة وثقافة الجندي الأمريكي وطريقة تفكيره ومستوى رفاهه، في حياته اليومية، يمكن أن تدفعه لخوض حروب مجانية وطويلة الأمد، في أراضٍ لم يسمع بأسمائها من الأساس ولا يعرف أماكنها على خارطة العالم؟ وما لا يقل عن هذا أهمية هو أن الجندي الأمريكي، يملك من الحس والوعي الذي يدفعه للتساؤل: ألم تكن وكالة المخابرات، ووفق ما تسوّق لنفسها وتسوق لها حكوماتنا ووسائل اعلامنا، كفيلة بتدبر أمر بن لادن وعصبته، بدل خوض حرب نخسر فيها آلاف الأرواح ومليارات الدولارات وعشرين عاماً من اهتمام أمريكا شعباً وحكومة ومؤسسات؟ وفعلاً، لم لم تتكفل المخابرات الأمريكية بأمر تصفية أو الاقتصاص من مدبريّ حادثة سبتمبر 2001 ، بدل عملية غزو أفغانستان والغوص في مستنقع وحلها، الذي بدأ الجميع، جنود ومواطنين ومراقبين ومحللين ستراتيجيين أميركان، يلاحظون نزول أقدام الجنود وقياداتهم وسياسيهم، أكثر وأكثر في وحل التراجع وفقدان الهدف والهزيمة، كل يومن وليس كل عام؟
هل حرب تطول لعشرين عاماً، بالنسبة لجيش يقاتل في أرض ليست أرضه ولا تقدم مبررات حقيقية له، يمكن أن تنتهي بنصر؟
هل يملك الجندي الأمريكي، شحناً ايديولوجياً ومعنوياً وايماناً بعدالة حربه، يوازي ما يحمل المقاتل الطالباني؟ لا بالقطع، وهذا أمر يعود لثقافة ووعي وطريقة التحليل العقائدي للجندي الأمريكي؛ وهذا يعود، في أول ما يعود إليه، إلى فكرته عن مبدأ الحياة: أنا ولدت لأعيش لا لأموت، وهذا عكس المنطلق العقائدي/ الغيبي لمقاتل طالبان، الذي يعتبر موته – شهيداً من أجل أرضه وعقيدته – سيوصله إلى رضاء الله وأوسع جنان الفردوس.
وأخيراً لنكرر تساؤلنا: هل كانت عملية الاقتصاص من أسامة بن لادن ومقاتليه، تستحق حرب ضياع، ولمدة عشرين عاماً، في متاهة وحول أفغانستان؟ ما هو الشحن الأيديولوجي/العقائدي الذي سلحت به القيادة الأمريكية جنودها، في مقابل الشحن العقائدي لمقاتليّ طالبان؟
الحقيقة لا شيء غير عنجهية وغرور القوة التكنلوجية ونزعة التفوق الهوجاء، التي تملأ رؤوس السياسيين وقادة الجيوش الأمريكية. في حين أن مقاتل طالبان كان يقاتل من عقيدة أنه يدافع عن دينه أولاً، وعن أرضه التي استباحها عدو كافر، وفق عقيدته الدينية، التي تتقدم عنده حتى على حرمة أرض الوطن ثانياً.
من هزم الولايات المتحدة وجيوشها من أفغانستان إذاً؟
وجود ووضوح هدف الحرب، ومدى حقيقيته واقناعه، الذي يدفع الجندي أو المقاتل للموت من أجله، وليس عنجهية الساسة ونزعة التفوق والثقة العمياء بأدوات إطلاق القذائف والصواريخ، لأن هذه الأدوات لا تحسم حرباً، إنما من يحسمها إيمان وصمود الجنود الذين يقاتلون على الأرض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة