الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تمجيد الدّكتاتورية

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


أتساءل : لماذا نمجّد الدّكتاتور ؟ أجيبني : لأنه جزء منّي ، لم أعرف غيره، تعوّدت عليه فأصبح عالمي، حوّلت صورته إلى صورة وطن لا أعرفه ، فغنيت أغنيات حماسية للوطن ، في الحقيقة كانت مخصّصة لإرضاء الدّكتاتور، وفيما بعد اقتنعت أنه هو الوطن، وبعده سوف يفنى الوطن.حتى اليوم لا زال الدّكتاتور ، لكن الوطن رحل .
أعدُّ الدكتاتوريين الذين أخضع لهم فلا تتسّع القائمة، و أكبر الدكتاتوريين الذين كنت أمقته هو: الفقر . يالدكتاتورية الفقر! وعندما أقرأ عن تمجيد الفقر يرتجف جسدي ، أتصور أمامي رغيف الخبز ، وكأس الشّاي الذي كان غذاءاً رئيسياً في أيام العزّ السورية ، وفي فترة زمنية بعد عام 2000 كنت في حي من أحياء حمص التي أغلب سكانها من المؤيدين للأسد ، كنت أذهب للتسّوق من الدكان كي أطبخ الطعام لي ولا بنتي التي كانت تقيم هناك من أجل الدراسة ، كانت النساء تأتي للتسوق فيشترين رأس زهرة مثلاً ، أو ما يعادله. كانوا يرغبون في بناء غرفة ومنافعها فوق بيت آبائهم الذين تقاعدوا من الخدمة العسكرية ، و أنهوا بناء بيت وضيع سوف يضع الابن العسكري بيته فوقه ، وهنا لا أتحدث عن الضّباط الكبار .
الدكتاتورية الأخرى في القائمة هي الجهل ، أعترف أنّني كنت جاهلة سوى بالركض وراء الرغيف ، فلم أتعرّف على نفسي إلا وكان العمر قد ولى ، و لا أعرف إن كنت أعيش في سورية اليوم هل كنت سوف أكون شيوعية بنقاب ، أم حجاب ، وكيف أصنع المبرّرات له، فقبل أن أغادر سورية أصبحنا نلبس المانطو الشتوي الطويل ، و أغلب رفيقاتي تحجبن، و المسيحيات منهن قلن لي أنهن اكتشفن أن الإيمان أهم ، لكنّ طفولتي الأولى كانت في مدينة صغيرة للطائفة فيها قيمة كبيرة ، حتى عند الذين لا يمارسون طقوس العبادة ، الأكثرية لم تكن تمارس تلك الطقوس . من ضمن الجهل أيضاً ه طريقة الإقناع ، فمثلاً يقنعك مؤمن و أنت مسيحي ، أو يهودي أن هذا الأمر مثبت بدليل أنا فلان بن فلان دخل على الرسول فقال له كذا، وكذا!
أشدّ حالات الجهل هو تمجيد الكتّاب ، و الفنانيين الذين غطّوا زمن الدكتاتور، فهذا نصفه بالثوري، وذلك بالعظيم. لا شكّ أن لديهم أشياء جميلة لا تصل إلى حدّ التقديس، فهم في النهاية جزء من الثقافة الدكتاتورية، سواء منهم من تثوّر، أم بقي مع النّظام ، وفي مقدمة هؤلاء ألمع الأسماء .
رضعنا الدكتاتورية تماماً كما رضعنا الكراهية ، فنحن على سبيل المثال نتهم الماسونية، و أنا شخصياً لا أعرف ماهي. ريثما نصل إلى مرحلة نستطيع من اقتلاع الدكتاتورية من داخلنا ، قد نبدأ باحترام أنفسنا. أغلبنا دكتاتوري في المنزل ، ومع أولاده الضعفاء ، وتدور الدورة الزمنية فيصبح الأولاد دكتاتوريين .
قد يوجد بيننا من لا يؤمن بالقتل ، وهذا أوّل طريق إعادة تربية الذّات ، فذلك الفرح الذي يعم عندما يكون هناك مجزرة ما لأنّ أمريكا مثلاً هي من يتآمر ، وقد تم توزيع الحلوى في أحداث 11 سبتمبر ، هذا التمجيد للقتل ، ودفع الشباب لتجنيد نفسه للموت هو دكتاتورية يقبض ثمنها الزعماء ، ويقتل في سبيلها " المؤمن العشوائي" ، ذلك الذي لجأ إلى الدّين ليكسب الآخرة بعد أن خسر الدنيا فصدّق خطاب الجهاد. خلقنا لنعيش .
حتى اليوم أرى أنّنا نمجّد الدكتاتور بأنواعه ، نمجدّ الفقر، نمجدّ الموت، نمجدّ الظلم، نحتقر النساء، وهذه صفات مجتمعنا، لا يغير من الأمر شيئاً وجود القليل من المختلفين عن المجموع . هي ثقافة مجتمع تربى منذ ولادته على تلك الأشياء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Brigands : حين تتزعم فاتنة ايطالية عصابات قطاع الطرق


.. الطلاب المعتصمون في جامعة كولومبيا أيام ينتمون لخلفيات عرقية




.. خلاف بين نتنياهو وحلفائه.. مجلس الحرب الإسرائيلي يبحث ملف ال


.. تواصل فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب بمشاركة 25 دولة| #مراس




.. السيول تجتاح عدة مناطق في اليمن بسبب الأمطار الغزيرة| #مراسل