الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراجع الديمقراطية في الهند

بوناب كمال

2021 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


العنوان الأصلي:
How Democratic Is the World’s Largest Democracy? Narendra Modi’s New India
By :Sadanand Dhume
Foreign affairs - September/October 2021

منذ صعود رئيس الوزراء ناريندرا مودي (Narendra Modi) إلى السلطة عام 2014، تراجعت مراتب الهند في المؤشرات العالمية التي تقيسُ صحّة الديمقراطية ؛ فعلى مدى الستّ سنوات الماضية تخلّفت الهند بـ 26 مرتبة (من 27 إلى 53) على مؤشر الديمقراطية الذي نشرتهُ وحدة الاستخبارات الاقتصادية؛ وفي شهر مارس / آذار 2021 خفّضتْ منظمة فريدوم هاوس الهند من "حرّة" إلى "حرّة جزئيًا" وهو وضعٌ تشترك فيه مع دولٍ مثل إكوادور و موزمبيق وصربيا؛ وفي ذات الشهر أعلن معهد V-DEM السويدي أنّ الهند لم تعد ديمقراطية انتخابية بشكل تام، وصنّفها على أنها "أوتوقراطية انتخابية" بدرجة أعلى من "الاستبداديات المغلقة" مثل الصين والمملكة السعودية، ودرجتيْن أدنى من "الديمقراطيات الليبرالية" مثل الولايات المتحدة واليابان، واحتلّت الهند المرتبة السابعة على قائمةِ V-DEM لعشر دول تراجعت فيها أسس الديمقراطية؛ وقد أرجع وزير الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشاناكر (Subrahmanyam Jaishankar) مزاعم التراجع الديمقراطي إلى محاولاتٍ غربية لتقليص حجم البلاد؛ ولأنّ الهند المستقلة لديها تاريخٌ حافل في إلقاء اللوم على "اليد الأجنبية" في كل خطأ وانحراف، فإنّ ادّعاء وزير الخارجية لا يُجيب على السؤال المركزي: لماذا فقدت الهند ،فجأة، مجدها الديمقراطي؟ وهل هي نهاية قصة الهند كدولة شاذة في عالم ما بعد الاستعمار نجحت في الحفاظ على الديمقراطية وسط الفقر؟
ديمقراطية إثنية
يعدُ الكتاب الجديد للباحث الفرنسي كريستوف جافريلو (Christophe Jaffrelot) عن مودي وصعود القومية الهندوسية مكانًا مناسبا للبحث عن إجابات. يجادل جافريلو بأنّه ، في ظلّ حكم مودي، تحوّلت الهند إلى ديمقراطية إثنية تُساوي غالبية المجتمع الهندوسي (ما يقارب أربعة أخماس السكان) مع الأمة، وتُحيل المسيحيين والمسلمين إلى مواطنين من الدرجة الثانية، مما يستبعدُهم من المخيال القومي، ويُعرّضهم لغضب الجماعات الأهلية المرتبطة بحزب بهاراتيا جاناتا (BJP) الحاكم.
يستند هذا المشروع الإثني إلى مجموعة من الدّلائل؛ فعلى المستوى الفدرالي والولايات أصدرت حكومات BJP عديد القوانين لحماية الهندوسية ورموزها، فعلى سبيل المثال تمّ تعزيز العقوبات على قتل الأبقار التي يعتبرها الهندوس مقدسة، وكُبحت الحرية الدينية لوقف التحول من دين الأغلبية إلى المسيحية أو الإسلام، وأُقرّت هذه القوانين دون تغييرٍ رسمي في الطابع العلماني لدستور الهند؛ كما هاجمت حكومة مودي معاقل الفكر اليساري والعلماني عبر تعيين موالين ومتعاطفين قوميين هندوس لإدارة جامعات مرموقة على غرار جامعة جواهرلال نهرو، إضافة إلى قمع المنظمات غير الحكومية، ففي العام الماضي (2020) أغلقت منظمة العفو الدولية مكتبها في الهند مُستشهدةً بحملة تشهير منسّقة ومزاعم كاذبة وتسريبات إعلامية خبيثة وترهيب ومداهمات من طرف وكالات تحقيق مختلفة.
قامت حكومة مودي أيضا بإضفاء الشرعية على منظمة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ Rashtriya Swayamsevak Sangh" وهي مجموعة متطوعة هندوسية قومية تأسست قبل حوالي قرن، وتتمتّع بسمات شبه عسكريةـ وتزوّد الحزب الحاكم (BJP) بقيادته العليا وكوادره الأكثر التزامًا وتُسطّر نظرته للعالم، وقد أدّى انخراط نشطاء هذه المنظمة في الحكومة على مستويات متعدّدة إلى تآكل قدرات الخدمة المدنية في أداء وظائفها بحيادية، كما شقّت هذه الحركة الأيديولوجية طريقها إلى النظام التعليمي بما في ذلك تدريس التاريخ، حيث يتعاطى القوميون الهندوس مع ماضي الهند من منظور الصراع مع الحكام المسلمين في العصور الوسطى، ولا يرونهُ فسيفساء معقّدة تضمّ أشكالًا من الصراع والتعاون؛ ويجادل جافريلو بأنّ المشروع المشترك بين الحكومة والجماعات القومية الهندوسية قد أعاد ،إلى حدٍّ ما، هيكلةَ المجال العام في الهند.
تراجعٌ ديمقراطي
في الولايات التي يسيطر عليها الحزب الحاكم مثل هاريانا وَ أوتار براديش تعملُ مجموعة راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS) على أن تُفلت بعض الجماعات المتطرفة من العقاب، فمنذ انتخاب مودي أَعدمت الغوغاء ما لا يقل عن 37 مسلما مُتّهمين ،في الغالب دون أدلة، بقتل الأبقار أو سوْق الماشية للذّبح؛وقد امتدّ نفوذ الحزب إلى الأنترنت إذْ تفاخر رئيس خلية تكنولوجيا المعلومات في BJP بضمّ أكثر من 1.2 مليون متطوّع مُكرّسين لنشر رسالة الحزب دون توقّف؛ كما تُبقي الحكومة الكثير من وسائل الإعلام تحت قيود صارمة، وهي التي كانت ذات يوم من بين أكثر وسائل الإعلام حيويةً في آسيا؛ ومنذ عام 2016 تراجعت الهند تسع مراتب على المؤشر العالمي لحرية الصحافة لمنظمة مراسلون بلا حدود، وهي تحتلّ الآن المرتبة 142 من أصل 180 دولة.
بعيدًا عن معاناة مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام؛ لطالما كانت الانتخابات هي النّقطة الأكثر إشراقًا في أيّ تقييمٍ للديمقراطية الهندية؛ وقد أدّت ممارسات الاختيار الديمقراطي إلى زيادة إقبال الناخبين وتوجيههَا ،تاريخيًا، من طرف لجنة انتخاباتٍ مُحايدة. يرى جافريلو بأنّ الهند استسلمت مؤخّرا لـ "الاستبداد الانتخابي"، فالحزب الحاكم يتمتّع بميزة تمويلية هائلة عن باقي منافسيه، ويعود الفضل في ذلك جُزئيًا إلى إدخال شكل جديد في تمويل الحملات الانتخابية وهو السّندات التي يُودعُها المانحون في الحسابات المصرفية التابعة للأحزاب؛ وعلى عكس أشكال التمويل الأخرى ،مثل التبرعات النقدية، يمكن تتبّع هذه السّندات من قبل البنوك المملوكة للدولة، وهذا ما يجعل أولئك الذين يساهمون بمبالغ كبيرة للمعارضة عُرضةً للانتقام من الحكومة؛ ووفقًا لإحدى الإحصائيات فقد كَلّفت انتخابات الهند عام 2019 ما مقداره 8.6 مليار دولار (في حين تمّ إنفاق 6.6 مليار دولار على الانتخابات الأمريكية الأخيرة)؛ وأفادت جمعية الإصلاحات الديمقراطية ،وهي مجموعة رقابية هندية، أنّ الحزب الحاكم (BJP) مثّلَ ما يقرب من ثلاثة أرباع الدّخل المُعلن من الأحزاب السياسية الوطنية في الفترة من 2017 إلى 2018، أي أكثر بخمسة أضعاف من أقرب منافسيه وهو المؤتمر الوطني الهندي.
القومية الهندوسية ضدّ القومية الهندية
إنْ كان التراجع الديمقراطي في الهند حديثًا، فإنّ التنافس الأيديولوجي ،الذي اشتدّت حدّته في ظلّ حكم مودي، يمتدّ إلى ما يقربُ قرنًا من الزمان؛ حيث قادَ حاملُ لواء القومية الهندية التقليدية موهنداس غاندي ،المعروف لدى أتباعه باسم المهاتما، نضالَ الهند من أجل الاستقلال؛ ورغم أنّ غاندي كان هندوسيًا تقيًا بشكل علني إلا أنّه حاول حشْدَ الهنود من جميع الأديان ضدّ الاستعمار البريطاني؛ وكتبَ في Hind Swaraj عام 1909 "إذا كان الهندوس يعتقدون أنّ الهند يجب أن يسكنها الهندوس فقط، فهم يعيشون في أرض الأحلام"؛ ويقارن جافريلو بين دفاع غاندي عن التعددية الدينية و الهندوتفا (Hindutva القومية الهندوسية)، هذه الأخيرة لا تعدو أن تكون شكلًا من أشكال حركات الأكسينوفوبيا (معاداة الأجانب) التي باتت تتنشرُ في كثير من مناطق العالم؛ وهو يرى أن القومية الهندوسية متجذّرةٌ في الشعور بالافتقار إلى احترام الذّات النّاجم عن الصورة النّمطية التي أعطاها الاستعمار للهندوس في القرن التاسع عشر على أنّهم ضعفاء؛ وزادت مخاوف هؤلاء من أن تؤدّي التغيّرات الدّيمغرافية في الهند إلى أن يكونوا سُلالةً تُحتضر.
إنّ أهمّ منظّرٍ قومي هندوسي هو فيناياك سافاركار (Vinayak Savarkar) الذي برزَ في النصف الأول من القرن العشرين، وأدرجَ أربعة معاييرٍ للانتماء القومي: العِرق والإقليم واللغة والثقافة؛ وبالنسبة لأتباع سافاركار فإنّ الوطنيين الحقيقيين هم الذين ينظرون إلى الهند على أنها وطنهم الأم وأرضهم المقدسة، وهو اعتقادٌ يُوجّه الشكوك تلقائيًا إلى المسيحيين والمسلمين الهنود الذين تقعُ أماكنهم المقدّسة خارج شبه القارة الهندية؛ وعلى النّقيض من غاندي الذي جعل اللاعنف محورًا لفلسفته السياسية، فإنّ القوميين الهندوس أدانوا هذه الفلسفة واعتبروها ضعفًا.
ليس هناك شك في أنّ الهند سارت ،خلال السنوات السبع الماضية، في مسارٍ غير ديمقراطي، لكنّ طموح مودي في إعلان النّصر القومي الهندوسي المتشدّد يواجه تحدّيات وعقبات، بما في ذلك الاقتصاد المتعثّر وتداعيات الجائحة وعدم تعاون الحكومات الفدرالية والتوترات الحدودية مع الصين؛ لذلك يبدو من السابق لأوانه الجزم بأنّ الديمقراطية الليبرالية في الهند قد انهارت بشكل كلّي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -