الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شارعنا الجميل... تصبح على خير

ثائر زكي الزعزوع

2006 / 8 / 17
الادب والفن


ظل العرب والمسلمون لأكثر من شهر هو عمر الحرب الإسرائيلية على لبنان يراوحون في أماكنهم مترددين غير قادرين على فعل شيء، فلا "جهاديوهم" الذين غزوا العراق بعد غزوه من الأميركان استلوا سيوفهم وقرروا الوقوف في وجه "الهجمة الصليبية الصهيونية الكافرة" التي تستهدف النيل من أمة المسلمين، ولا يساريوهم "المخصيون" أطلقوا لغيفارا الكامن داخل كل واحد منهم العنان ليفعل فعلته... ظلوا يصرخون حتى بحت حناجرهم، وتمزقت أكفهم انفعالاً، وهم يجوبون شوارع مدنهم الرئيسة والفرعية، يطالبون حكامهم وقادتهم بالتحرك، وأي تحرك!، وعاد مارسيل خليفة وجوليا بطرس وماجدة الرومي ليأخذوا مكانهم في سيارات الأجرة، ومحلات بيع المرطبات بعد أن احتلتها ولسنوات طويلة نانسي عجرم، وأليسا، وهيفا، وعلي الديك... وبدل البرتقالة والباذنجانة وسواها ظهرت "صامدون"، و"مقاومون"، و"سنبقى" و"سنرجع" وإلى ما هنالك من شعارات الثمانينات وأغانيها، بل إن هناك من نبش ذاكرته قليلاً ليستحضر بعض أغنيات للشيخ إمام عيسى ويصرخ معه بغضب "أناديكم".
وبدل علمي الأرجنتين والبرازيل اللذين رفرفا في العواصم العربية إبان المونديال الذي انتهى قبل 12 تموز بثلاثة أيام، برز العلم اللبناني وإلى جانبه علم حزب الله يرفرفان في أكف الفتية والفتيات، وتراجعت صور رونالدو وريكيلمي لتحل محلها صور السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله.
وها هي الحرب تضع أوزارها، وتأذن للشهداء الذين تساقطوا كالفراشات في يوم عاصف أن يناموا بسلام.
كانت الحرب يقظة بكل ما تعنيه الكلمة، نسينا خلالها كم أن حياتنا رتيبة ونحن نفشل حتى في علاقاتنا العاطفية، وفي تربية صغارنا، وفي رصف طرقاتنا، نسينا كيف أن بغداد دار السلام صارت بؤرة تتسع كل يوم للموت الطائفي، ونسينا أن فلسطين ما زالت تذبح من الوريد إلى الوريد، ونسينا أن ثمة هوة زمنية تفصلنا عن جيراننا الأتراك "الأوربيين"، وأن ثمة بوناً شاسعاً بيننا وبين أي عالم آخر، نسينا كم أن علينا أن نعمل ليكون لدينا إعلام، وثقافة وطب ومدن وحياة تشبه حياة سوانا من شعوب الأرض، نسينا كما أننا مرهقون، متعبون، وتمنينا في دواخلنا أن تمتد الحرب، وأن تستمر عل يقظتنا تنسينا كل شيء عشناه منذ أن أطلق كل واحد منا صرخته الأولى في هذه الحياة، تمنينا أن تكون هذه الحرب حرباً لا نهاية لها، وهل ثمة حرب لا نهاية لها!. ولكننا تمنينا ذلك عل يقظتنا تطول، بل لعلنا نستيقظ حقاً، فنقوم ونغسل وجوهنا ونبعد القذى عن عيوننا، وربما نتثاءب للمرة الأخيرة، ولكن الحرب توقفت، وعلينا الآن أن نحصي بهدوء انتصاراتنا، التي قدمها مناضلون يشبهون ملائكة هبطوا من سماء أخرى ليصنعوا نصراً، ثم نبدأ بعدها رحلة التدوين التي لا تنتهي سنكتب الأشعار، وندبج الكتب، ونستذكر باعتزاز ولعشرين سنة قادمة نصرنا، وربما نجتهد في زمن الصورة فنحكي للأجيال القادمة تلفزيونياً وسينمائياً حكاية شعب صامد، دافع بحريته عن حريته فاستطاع أن يقول: "لا" كبيرة في عالم يهز رأسه كل لحظة موافقاً ليقول "نعم".
في الفيلم الذي أنجزه الراحل عاطف الطيب عن المبدع الراحل ناجي العلي، يطل بين الحين والآخر الفنان محمود الجندي وهو يؤدي دوراً أشبه بدور البهلول "حامل الحكمة" في مسرحيات شكسبير فيتساءل في كل إطلالة: "إيه... هم ما وصلوش؟" وهو يبحث عن الجيوش العربية، في أنقاض بيروت نفسها إبان الاجتياح الإسرائيلي في ثمانينيات القرن الماضي... ما أشبه اليوم بالأمس... ولكنهم ومنذ سنوات طويلة لم يصلوا، وأظن أنهم لن يصلوا... والشارع يتساءل صباح كل يوم وهو يصغي لصفقة سلاح عربية تتجاوز أرقامها مليارات الدولارات: لماذا؟.
شارعنا الجميل سيزيح الأعلام جانباً في سقيفة ما أو تحت درج إلى أن ينساها وينسى معها ثلاثة و ثلاثين يوماً من "الصمود" و"المقاومة" وكأن الشارع كله، لا اللبنانيون فقط، كان مقاوماً وصامداً، وبما أن الصيف لفظ أنفاسه على صدى القصف المتواصل، فإن الشتاء ستهطل أمطاره محملة بدخان المعارك، التي لا أظن أنها انطفأت، وإن كانت المدافع قد سكتت، فالآثار على الأرض لن تزول بسهولة كما قد يتوقع البعض، صحيح أن الشارع الجميل سيعود إلى النوم، بل ربما يكون عاد، إلا أن مئات الآلاف من النازحين سيظلون يبحثون عن مأوى يقي أجساد أطفالهم برد الشتاء، وقد تهدمت بيوتهم في أعتى هجمة بربرية شهدها القرن الحادي والعشرين، الذي أنفق سنواته الست الأولى متنقلاً بين ميادين الحروب والموت.
وسواء أكان لبنان، ممثلاً بمقاومته البطلة، وهل ثمة لبناني لم يكن مقاوماً، خرج منتصراً عسكرياً، وهو انتصر، فإن لبنان المقاوم مرة ثانية وثالثة جريح... ولا أظن أحداً قادراً على مداواة جراحه سوى أهله، ألم ينتظر العراقيون الجرحى أحداً يضمد جراحهم فلم يجدوا من يمد لهم يداً تعينهم على بلوائهم، وعادوا، كما يبدو، لنبش التراث فاستخلصوا من الشافعي مقولته: ما حك جلدك غير ظفرك.. وها هم الآن يبحثون عن سبل تيسرها لهم أظافرهم التي قصها المحتلون ومن تسلل تحت عباءته ومن قبلهم نظام سابق، وكذا يفعل اللبنانيون فهم قاوموا مخارز إسرائيل بعيونهم الباحثة عن الحرية، وآن أوانهم ليكفكفوا دموعهم، ومنهم دموع قادة، ويغنوا بصوت واحد: بدنا نكمل باللي بقيوا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-