الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيلم الوثائقي -نوتورنو- فيلم عن الحياة واستمرارها رغم الحرب وكيف غيرت الحدود بين الدول مصائر الناس

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2021 / 8 / 30
الادب والفن


الفيلم الوثائقي "نوتورنو" فيلم عن الحياة واستمرارها رغم الحرب وكيف غيرت الحدود بين الدول مصائر الناس


الفهم الشائع للأفلام الوثائقية هو أنها تهدف إلى الإعلام بطرق معينة ، لقطات صريحة غالبًا ما تكتمل بنصوص توضيحية ورسومات ، وشهادة الشهود والخبراء الذين يؤطرون الأحداث المعنية ويجسدونها عبر الأدلة الأرشيفية مع تم إجراء مقابلات مطولة مع الأشخاص أنفسهم عن قرب مما يوفر نوعًا من المونولوج الداخلي . لكن الأفلام الوثائقية لجيانفرانكو روزي" المخرج الايطالي ، على الرغم من أنها تتناول موضوعات ذات أهمية اجتماعية وسياسية كبيرة ، فإنها تتجنب فعليًا كل هذه الاتفاقيات وبالتالي تتطلب نوعًا مختلفًا من المشاركة - نوع متجذر في التعاطف مع تجارب رعاياه البشريين المجهولين بشكل أساسي . الفيلم الوثائقي الذي ينجزه المخرج "روزي" يتضمن رسالةً وقضيةً هادفة ويعمل على تمرير هذه الرسالة للمشاهدين، مثل فيلم (نار في البحر) الذي ناقش فيه أزمة المهاجرين بالبحر الى أوروبا والحائز على جائزة الدب الذهبي في برلين في عام 2016 ، اما في فيلمه ( نوتورنو) او كائن ليلي عام 2020، وهو من الأفلام التي لاقت الاستحسان في مهرجان البندقية السينمائي الأخير، الفيلم الوثائقي الأحدث للمخرج الإيطالي القدير "جيانفرنكو روزي" ، وفي حديثه عن افلامه خلال عرض الفيلم الاخير في فينيسيا قال : " السينما بالنسبة لي ذريعة - ذريعة للقاء ، بدون لقاء لن تكون أفلامي موجودة ، لأن أفلامي لم تولد على طاولة ، ولا تولد بقلم لكنها تولد من فكرة صغيرة جدًا ، وتصبح هذه الفكرة حاجة كبيرة ، وتصبح هذه الحاجة بعد ذلك ضرورة ، وتصبح تلك الضرورة رحلة – وهي رحلة ضخمة ". المخرج الإيطالي "جيانفرانكو روزي" لديه نظرة تميزه عن غيره من صانعي الأفلام الذين يعملون في هذا المجال - وفيلمه الجديد ، "نوتورنو" ، هو صورة أخرى للحياة في المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا ولبنان ، إذا كان المخرج "روزي " قد ركز في فيلمه السابق " نارفي البحر " على الحياة في جزيرة لامبيدوزا الصقلية ، متتبعًا تأثير أزمة اللاجئين في الطريقة التي أثرت بها على حياة السكان الدائمين في الجزيرة ، فإنه في فيلم "نوتورنو" يمتد عمله إلى نطاق واسع ، ويتضمن لقطات التقطتها روزي على مدار فترة ثلاث سنوات على طول حدود العراق وكردستان وسوريا ولبنان . الفيلم "نوتورنو" شارك في عدة مهرجانات مثل، فينيسيا ومهرجانات نيويورك السينمائية وعرض في مهرجان تورونتو السينمائي ، وكذالك تم اختياره في تمثيل ايطاليا لجوائز الاوسكار لعام2021 . أمضى المخرج الايطالي " جيانفرانكو روزي" ثلاث سنوات في المناطق الحدودية في العراق ولبنان وكردستان وسوريا ، وهي مناطق مزقتها الاضطرابات والتهديدات من الخارج والداخل والتدخل الأمريكي والانشقاقات والديكتاتوريون وتنظيم داعش الارهابي - حيث يعيش الرجال والنساء والأطفال في حالة دائمة من المعالجة والحذر . يبدأ الفيلم بثلاث جمل ، وهي كلها تمثل جذور المشكلة في تلك المناطق الملتهبة ، "بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية ونهاية الحرب العالمية الأولى ، رسمت القوى الاستعمارية حدودًا جديدة للشرق الأوسط وعلى مدى العقود التالية ، أدى الجشع والطموح إلى السلطة إلى ظهور انقلابات عسكرية وأنظمة فاسدة وزعماء استبداديين وتدخل أجنبي . يغذي الطغيان والغزو والإرهاب بعضهم البعض في حلقة مفرغة ، على حساب السكان المدنيين" . الفيلم " "نوتورنو" أو( كائن ليلي) عرض في مهرجان فينيسا الدولي لعام 2020 ، تم تصوير الفيلم خلال 3 سنوات الماضية وعلى طول الحدود بين "العراق" و سوريا " وكذالك" لبنان". يفتتح فيلم المخرج الايطالي"روزي" بمشهد لمجموعة من الجنود في تمارينهم الصباحية في الهرولة ، يبدأ بوحدة صغيرة من الجنود يركضون في تشكيل عبر ضوء الصباح الأزرق حول فناء لما يمكن أن يكون قاعدة عسكرية في العراء. وحدة ثانية تجري خلفهم وثالثة ، ثم رابعة وخامسة ، ويبدأ التشكيل في الظهور وكأنه تمرين صباحي مع همهمات وبنادق حقيقية بعدها يبدأ مشهدا من أقسى المشاهد واشدها تعبيرا ، ويعبرعن انكسار الروح عند الامهات ، حين تدخل مجموعة من ألامهات الى سجن متروك ، وكلهن يرتدين السواد ، يمشون عمداً ببطء بين دهاليز المعتقل ، تمدً إحدى النساء ذراعيها وتمسح جدران الزنزانة المليئة بالثقوب حيث تعرض إبنها للضرب والتعذيب والقتل بين جدرانه ، تتركها النساء الأخريات وحيدة في الغرفة مع وجعها ونحيبها، وكذلك الكاميرا هي الاخرى تنسحب باحترام . ثم تظهر مجموعة النساء المتشحات بالسواد وهن يتجولن في المعتقل ، ومثل نشيج او نحيب في موكب عزاء تبدأ ألأم الكردية بالبكاء وتندب ابنها " آه يولدي ، أنا اشعر بوجودك في هذه النوافذ وعلى الجدران ، لكن الله قد كتب لي أن أعيش بدونك ، الدولة التركية سلبتك مني وهي المسؤولة !! ، أنهم لايرحمون ، لماذا تركتني وحدى مع اطفالك ؟ ، ياولدي هذا السجن للاشرار، وانت كنت طيباً!، احس بأنفاسك ووجودك في هذه الغرفة ، أشعر وكأنك مازلت على صدري وفي رحمي لكن ماذا نفعل؟؟، تحضن الجدار وتمسح دموعها الكتابات على الحائط وهي تبكي " اشعر بيديك على هذا الجدار ، يمكنني أن ألمسك ياولدي، أشعر بالراحة الان لاني أحس بك ياولدي، وكأني ألمس دمك ياولدي ، كنت ساضحي بحياتي من أجلك ..ياولدي مانفع حياتي من بعدك ، ماذ لو أخذوا حياتي بدلاً من أخذ حياتك ، لماذا حبسوك هنا ؟، لماذا سرقواعمرك ؟؟، ياولدي، لم نتمكن من العيش معاً ، لم نتمكن أن يكون لدينا مستقبل ، وحتى لم تقل وداعا لأمك !! "، أنها صلاة الامهات على جدران سجن مهجور حيث تعرض أبناؤهن للتعذيب والقتل كما لو أن الغرفة قد تحمل ذكرياتهم . انها صرخة الام الثكلى في كل مكان وزمان وهي حكاية كل ام فقدت ولدها في زنزانة الديكتاتور أو ألانظمة الاستبدادية ، أي وجع أشد من لوعة أم فقدت ولدها وهذا الالم يعيد الى ذاكرتي وجع قلب أمي ولوعتها وهي تحمل ثياب أخوتي الصغار وتبكي فراقهم وهي تشم رائحتهم التي تركوها على الثياب !! ، بعد أن غيبتهم سجون الديكتاتور صدام وجلاوزته ، لقد كانت افتتاحية المخرج الايطالي أوضح صورة للخراب والدمار ونحيب الارامل والامهات الثكلى، انها اللوعة التي أورثها لنا الانظمة الاستبدادية . وفي مقابلة مع المخرج "روزي" تحدث عن هذا المشهد ، وهل هناك مشاهد لأناس حقيقيين - مثل مشهد الأم المحجبة التي تتأسف على موت ابنها وهي في زنزانة السجن حيث تعرض للضرب والتعذيب ، أجاب المخرج قائلاً : "هذا هو واحدة من سجون صدام حسين حيث مات آلاف الأكراد . كانت هناك إبادة جماعية. وفي ذلك اليوم تم إحياء ذكرى 100 عام من المذبحة الكردية الأولى على يد الأتراك ، التقيت هذه المرأة بوجه لا يصدق ومع كل الألم والمعاناة أخبرتني أنها كانت هناك لإحياء ذكرى وفاة أفراد عائلتها. وبينما كانت هناك ، تعرفت على زنزانة السجن التي سُجن فيها ابنها" . أما عن تصوير المشهد فقد وضح المخرج قائلاً:"وضعت الكاميرا هناك في هذا المعتقل المهجور وتركتها تستذكر لحظات فقدان ولدها وأعتقاله، وبدأت في لمس الحائط ، وفي طقس جنائزي بدأت في النحيب والبكاء، ثم أصبحت هذه الغرفة مكانًا لهذه الطقوس المؤلمة. وقد أرتني صور (ابنها). كانت تلامس هذا الجدار فقط ولم أكن أعرف ما كانت تقوله. وبعد ذلك حصلت على الترجمة ، عندها أحسست بالفاجعة وايقنت ان وجع هذا المرأة وبقية الامهات أمر فوق مستوى التصور" .
من هذا الحزن والمشهد المؤثر في السجن المتروك الذي ترك اثاره الوحشية مرسومة على الجدران واصوات تعذيب الامهات الذي يعذب مسامع الامهات ينتقل المخرج الى نقل صورة أخرى ، وهي للصياد الذي يقود دراجته النارية وحين يصل الى النهر يخفيها كي ياخذ قاربه ليبدأ رحلة الصيد حتى المساء ليعود بصيده وسط اصوات الرصاص ، هنا يستخدم المخرج أضاء مصباح الصياد هي إلاضاءة للمشهد ، حين يجدف صياد بين القصب ، مظللًا بفعل غروب الشمس ؛ في وقت لاحق ، تعكس الممرات المائية نفسها لونًا برتقاليًا مشابهًا ، ولكن هذه المرة تحت وهج وميض الاطلاقات النارية . هناك صور رائعة لرجل على متن قارب يراقب الأشخاص الذين قد يدخلون المنطقة أو يخرجون منها ، إنه يسهر في الليل للحصول على رزقه . هذا المشهد جميل جدًا لدرجة أن المخرج المبدع (روزي ) يصور لنا الرجل وهو يقوم بالتجديف على طول النهر وحتى مركز أختبائه عند غروب الشمس والخروج عند شروق الشمس . صور المخرج الايطالي روزي الرجل من خلال المياه الراكدة العميقة ؛ مع نباتات الطحالب والمياه مع سقوط أشعة الشمس والمناظر الطبيعية الشاسعة . بعدها يتنتقل كاميرا المخرج الى الجانب السوري، تظهرفي المشهد الزينة تغطي الشارع ، ومشهد لزوجين شابين ، ومن شرفة البيت التي تطل على الشارع ومع النارجيلة يتسامران الحديث ، وتردد صدى صوت إطلاق النار من بعيد يصل الى مسامعنا ، ومن العبث أيضا أن ينقل المخرج مشهد زوجة شابة تدخن "النرجيلة" مع زوجها على سطح منزلهما ويتحدثان ليلاً عن جمال المطر . وفي الوقت نفسه تسمع صوت الرصاص ودويه ، وهو إسقاط على تشابه أصواتها مع صوت "النرجيلة"، هذا الايحاء يوحي بأن هؤلاء تعّودوا على حياة الدمار واصوات الرصاص وأصبح هذا الأمر جزءا من يومياتهم القاتمة ، لهذا تأقلموا معها حتى لا تقتلهم الحسرة إن ركزوا بعمق في الأوضاع ، بعدها ينزل الى الدار ويرتدي دشداشة بيضاء وغطاء الرأس، وتساعده الزوجة على ارتداء الملابس كما لو كان لا يزال صغيراً ، في ثوبه ألأبيض الطويل وقبعة بيضاء ويحمل طبلا ويدورعلى البيوت "مسحراتي " وهو ينادي على الصائمين كي يقوموا لسحورهم في يوم من ايام شهر رمضان " سبحان من صورك يامحمد ، وقال لك كونً ، وأنزل عليك الضحى والتين والزيتون " ، يمر شخصان على ظهرالجياد التي تركض مسرعة ، وها هي مرة أخرى ، أصوات إطلاق النار ، في حال نسيت فالمخرج" روزي" يذكرنا بأنه هذه لا تزال منطقة حرب ، من خلال مشهد مجموعة من المقاتلات الكرديات يعودن الى استراحتهن وينعم بساعة من الدفء والهدوء بعيدا عن ضجيج الحرب وأصوات المدافع وسواتر الجنود . تظهر مقاتلات البشمركة - النساء اللواتي يقاتلن داعش في منطقة كردستان في العراق - مقسمة أيامهن بين نوبات العمل بالأسلحة النارية والدوريات ، أو قراءة الكتب ومشاهدة الفيديو عبر الهاتف المحمول في ثكناتهن . وفي واحدة من أكثر الصور الوثائقية الحماسية وهي لنساء يستيقظن معًا في الصباح ، يرتدين الدروع الواقية من الجسد في صمت مشترك ، ثم يسخن أيديهن فوق السماور وغلاية الشاي في منتصف منطقة نومهن ، وبعدها ينتقل المخرج حين يعرض على الشاشة صورا تحترق لبشار الاسد ومن ثم صدام حسن وصوت غنائي ينساب بهدوء وهي تشدو " موطني ... مَوطني الجلالُ والجمالُ والسَّنـاءُ والبهـاءُ في رُبـاك - والحيــــــاةُ والنّجـــــــاةُ والهـناءُ والرّجاءُ في هـواك" ، ويرافق النشيد صورا لهروب المدنيين العراقيين في سنجار ومن اليزيدين وتحصنهم بالجبال خوفاً من بطش داعش بهم عند إستباحتها للمدن العراقية ، وفي نفس الوقت ، يظهر على الشاشة عناصر من داعش وهو يحطمون الاثار في مدينة تدمرالاثرية في سوريا ، في مشهد له دلالات عميقة ، وفي مستشفى الامراض العقلية ، في مبنى يُدعى جناح الطب النفسي ، مجموعة من النزلاء (أربعة رجال وأمرأة) يتدربون على عمل مسرحي تحت إشراف طبيب . يتعلق الأمر بالطبع بالحرب - الطغيان ، والغزو وداعش - ويحفظ كل ممثل سطوره بجدية من أجل أداء لم نشاهده أبدًا. يتخيل المرء أنه علاج لهؤلاء الرجال والنساء المصابين عاطفياً ، وفي وسيلة من وسائل علاج المرضى بسبب الحرب والاضطهاد ، يختار الطبيب مجموعة من المرضى لتقديم مسرحية تتحدث عن الوطن وعن التحولات المصيرية من ملكية الى جمهورية الى انظمة استبدادية الى حروب والى غزو الى تطرف حتى احتلال داعش ، كل هذه المواضيع تتناولها المسرحية والتي أتخذ الطبيب المعالج شخصية المخرج في أدارة الممثلين والذين هم بالاساس نزلاء في هذا المصحة ، ويبدأ توزيع الاداور بين أربعة رجال وأمرأة ، وقد كتبت الشخصيات حسب قابلية كل شخص ، ومن اجمل الحوارات التي وردت على لسان الممثلين ( نحن لن نموت ، سوف نبقى ويبقى الوطن ، وكل شهيد سيسقط ، سيولد بدلا عن الف أخرون " ، ويتسائل أحد الممثلين ،"لا أعرف لماذا يحدث لنا كل الضيم ، لا اعرف ماذا سيكون مصيرك ياوطن من بعد داعش ، القادة والحكومات العميلة ، التي فضلت مصلحة الاجنبي على مصلحة الوطن ، لا أعرف ماذا سيكون المستقبل ، لك الله ياوطن". هذا المشهد لا يمكن قراءته إلا بشكل رمزي . هناك مشهد آخر مؤثر للقلب بشكل خاص يرى فيه أم تستمع إلى الرسائل الهاتفية اليائسة والملحة بشكل متزايد من ابنتها المخطوفة ، والتي تتوسل إليها لدفع فدية لآسريها. إنه مشهد قصير لكنه غارق في الألم تمامًا لا سيما مع عدم معرفة تفاصيل نتائجه - على الرغم من أن الجماهير قد تتوصل إلى استنتاجات مؤسفة أقوى مشاهد الفيلم هي تلك التي تُظهر معالجًة أوباحثة أجتماعية تعمل مع ألأطفال الذين شهدوا أو تعرضوا للتعذيب على يد داعش وهذه المرة يتم معالجة صدمتهم بواسطة الرسم ، أطفال يجدون في الرسم تعبيراً عن الأهوال التي كانوا شهوداً عليها إبان سيطرة "داعش" على مناطقهم ، ومن خلال تلك الرسومات يكشف الاطفال عن مأساتهم وعن الصدمة التي تعرضوا لها، امرأة شابة تجلس على كرسي وتطلب منه بهدوء أن يخبرها بما رسمه . الطفل ألايزيدي(فواز) أحد الناجين من إحدى المذابح الوحشية لشعبه على يد داعش. ينظر إلى رسوماته وبتلعثم طفيف يتحدث عن الفظائع التي لا يمكن تصورها والتي شاهدها . الطفل( فواز ) الذي تطلب منه المشرفة الاجتماعية يخبرها ماذا رسم ؟ ، يشرح فواز " هنا بدا داعش بابادتنا وهرب الناس من القرية بعد ان فجر داعش منازلهم ، لقد أحرقوا القرى وعذبوا وقتلوا الناس وفجروهم ، وهربت مه اهلي الى الجبال ، وعندما تساله المشرفة ، هل رايت بعينك كيف ماتوا هؤلاء الناس ؟ ، نعم ، هل تريد أن تخبرني عن ذالك؟ ، هذا قاسِ جدأً ايها المعلمة . تخبره المعلمة " أنت الان في مكان آمن ، لايشبه المكان الذي رسمته ، ولاتفكر في الاشياء السيئة بعد ألان ، وطفلة أخرى من سوريا تئح للمعلمة ماذا فعلوا تنظيم داعش الارهابي بأهلها ، بعد أن ضربونا وأخذونا في حافة وكانوا يغطون فم أختي الصغيرة ( منى ) ، ويضربونها ، وتسال المعلمة ، هل لازلت تفكرين في هذه الاشياء ؟ ، نعم لكنها تراودني في الليل وقبل المنام ، ولااستطيع النوم لأنني خائفة . وهي تسالها المعلمة او المشرفة الاجتماعية ، بماذا تفكرين . ولم انت خائفة؟ ، ترد الطفلة ببراءتها " أفكر برجال "داعش " وهم يقتلون النساء ، أظل افكر في الامر وأشعر بالخوف . وهل تخشين أن يعودوا ثانية ؟ ، نعم " وتغرق عيون المشرفة بالدموع ، وبعد أن يعلق الاطفال رسوماتهم البريئة والتي تكشف فضاعة داعش وجرائم وتفجير المعابد والكنائس . وضعوا الاطفال التسعة رسوماتهم المرعبة على الحائط حيث يروي الأطفال الإيزيديون للباحثة الاجتماعية أهوال احتلال الدولة الإسلامية . وهذا هو ذكاء وابداع المخرج "روزي" طفل يبلغ من العمر ثماني سنوات تقريبًا يقف أمام جدار مغطى برسومات رسمها هو وأطفال آخرون . في تحويل هذا التناقض بين أولئك الذين يرتكبون أعمال عنف وأولئك الذين يعيشون ممزقين بسببه ، وهو أحد الأمور التي غالبًا ما عمل على إبرازها المخرج ألايطالي "روزي" ومن خلال متابعة حياة الأفراد على جانبي الصراع . صوراً للفظائع التي رأوها - أطراف مقطوعة وقطع الرؤوس في قلم تلوين وقلم رصاص ملون ، ولكي نكون منصفين ، فإن هدف المخرج روزي هو بالضبط تجاهل الدوافع السياسية أو مسبباته . في المواد الصحفية لفيلم " نوتورنو " يوضح روزي أن فيلمه الوثائقي عن قصد "لا يحقق في أسباب الصراع أو المشاكل الدينية والإقليمية المتعددة في الساحة" ، ولا يميز الفيلم أيضًا بين المواقع التي يعرضها على الشاشة . بدلاً من ذلك ، هذا الفيلم يعتبر دراسة حساسة في الحياة الصعبة للمجتمعات الحدودية في الشرق الأوسط حيث تقترب الثقافات الفردية بشكل خطير من التقارب . ومع ذلك ، فإن الصورالتي يعرضها المخرج في فيلمه مركبة ومؤلفة بطريقة صحيحة لدرجة أنك قد تضطر إلى تذكير نفسك بأن هذا الكابوس هو في الواقع حقيقة واقعة - وهذا في حد ذاته هو ابداع من المخرج في تسليط الضوء على تلك المنطقة الملتهبة من العالم ، وهم يخدم هدفين ، الأول هو اقتراح عدم وجود معنى للحدود ولا سيما تلك الموجودة في الشرق الأوسط ، وهي المنطقة التي رسمتها القوى الاستعمارية والمصالح الأجنبية بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية ونهاية الحرب العالمية الأولى ، والثاني هو التأكيد على الشراكة الإنسانية بيننا جميعًا وعلى نطاق واسع ، وكلاهما أهداف جديرة بالاهتمام باعتراف الجميع . سيكون من الصعب مشاهدة "نوتورنو" ولا تشعر بأي ذرة من التعاطف تجاه طفل متلعثم يصف فرارًه من داعش ، أوالإعجاب بمقاتلات كرديات وهنً الثائرات الجميلات اللواتي يقاتلن بالرغم التعب والإرهاق للدفاع عن أرضهم بوجه الغزو الداعشي أو البطش التركي ، ولكن عند نقطة معينة يبدأ فيلم "نوتورنو" في تكرار رسالته بأن "الحرب كارثة " ، ويبدأ الفيلم الوثائقي في الشعور بالتعاطف في البداية ومن خلال لوعة الامهات الثكلى ، حين يبدأ الفيلم بألأم الكردية تبكي على ابنها في ما كان سابقًا مركزًا للسجن الذي تعرض للتعذيب ومن ثم القتل . ومشهد لأم أخرى تستمع إلى رسائل هاتف خلوي من إبنتها التي اختطفها إرهابيوا داعش وطالبوا بفدية ، أمرأة عراقية (يزيدية ) حزينة مُتشحة بالسواد تراجع رسائل إبنتها الصوتية على هاتفها الجوال، تسمعها تبكي بصوت مكلوم وهي تخبرهم بأنها سبية عند تنظيم داعش الإرهابي الذي يريد بيعها، لهذا طلبت من أمها أن ترسل لهم المال لتستردّ حريتها، لكن بدا على ملامح الأم بأن الوقت قد فات ، لهذا باتت تستأنس برسائلها الصوتية كلما حاصرها الحنين ـ ينطلق المخرج "جيانفرانكو روزي" في هذا الفيلم من مبدأ سينمائي أساسي، وهو خلق لغة سينمائية حادّة ، انطلاقا من المشاهد والأحداث المباشرة التي تقع تحت عدسة الكاميرا، وحول هذا المشهد تحدث المخرج ( روزي ) الى جريدة فارايتي وضح قائلا " أستغرق الأمر مني ثلاث سنوات لتصوير هذا المشهد . أولاً قمت بتصوير الهاتف ، وسمعت هذه الفتاة تطلب من الأسرة دفع فدية ، متبوعًا بصوت أحد أعضاء داعش . أولاً ، ثم حاولت إشراك الأب ، لكنه لم يرغب في ذلك لأسباب أمنية . كان هذا في المجتمع اليزيدي (في العراق). عدت إلى هناك عدة مرات. وفي آخر مرة ذهبت فيها ، قال إن الأم تعيش الآن في شتوتغارت . أعطاني رقم هاتفها وتواصلت معها من خلال رئيس المجتمع اليزيدي . أتصلنا بها وقالت: "حسنًا ، تعال . لا أعرف ما إذا كنت سأسمح لك بتصويري ، لكن تعال . "لذا ذهبت إلى هناك وقضيت اليوم بأكمله معها في هذه الغرفة ذات المظهر الغربي للغاية ، وأخبرتني بكل هذه القصص المؤلمة. كانت تبكي ، وكان المترجم يبكي . قلت لنفسي: كيف سأقوم بالتصوير هنا؟ ، فقلت: لدي هذا الهاتف المحمول بصوت ابنتك ، لقد أعطاني زوجك إياه . قالت: أريد الاستماع إلى صوت ابنتي. وضعت الكاميرا هناك ، وأعطيتها الهاتف . وما هي ألا لحظات وبدأت الدموع تسيل على الخد مصحوبا بأنين يوجع القلب!" . تجدر الإشارة إلى أن روزي هو نفسه مصور ومخرج الفيلم ويعتمد على الواقعية الصادقة وهو النهج الأكثر تعاطفًا وفعالية مع الناس الذين يعيشون في هذا الجزء من العالم المرتبط بفكرة كونه مستنقع ميؤوس منه للعديد من الميليشيات والفصائل التي تكثر وتتنوع من حيث أهدافها وخلفياتها الأيديولوجية ولكنها مشاركة في جريمة كبرى ضد الإنسان . أمضى روزي ثلاث سنوات في المناطق الحدودية في العراق ولبنان وكردستان وسوريا، وهي مناطق مزقتها الاضطرابات والتهديدات من الخارج والداخل بما في ذلك التدخل العسكري الأمريكي و جرائم الجيش التركي والانشقاقات والديكتاتوريات وتنظيم داعش، حيث يعيش الرجال والنساء والأطفال في حالة دائمة من الخوف والحذر، وبقائه تلك الفترة الطويلة في تلك المناطق يرجع ذلك أساسًا إلى رغبته في أن يشهد والاندماج مع البيئة المباشرة قبل أن يقوم بنقل الواقع بشكل مباشر وبدون تجميل وهوالذي يكشف لنا أطراف منطقة مضطربة ومزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط – يتجول بكاميرته على طول الشريط الحدودي للعراق وسوريا ولبنان. والحقائق العاطفية والنفسية المروعة التي ألتقطتها كاميرة المخرج" روزي" كانت عميقة للغاية . وقد تتبع الفيلم الوثائقي "نوتورنو" جراح هؤلاء، وذلك بعد أن عاش معهم المخرج "جيانفرانكو روزي" مدة ثلاث سنوات كاملة، صوّر من خلالها كل شاردة وواردة، ووثّق لحياتهم بعد أن ابتعدوا عن "داعش"، لكنهم بقوا يعيشون على مآسيها وأحداثها الدامية طوال سنوات سيطرتهم القوية، يتآكلهم شعور الفقد والغضب والخوف والأمراض النفسية، لا سيما أن كثيرا منهم ما زالوا يعيشون على وقع دوي المدافع وأزيز الرصاص المنفجر من فوّهات مختلف المليشيات والجيوش، ومن بينها الجيوش الأمريكية التي لا تزال رابضة على أرضهم . الفيلم الوثائقي "نوتورنو" يوجه انتباهه إلى الشرق الأوسط ، أرض مثيرة للذكريات بسبب ثقافتها ومناظرها الطبيعية الغامضة ، ولكنه أيضًا بانوراما من العنف والألم لتاريخها . تخلق كاميرته لقطات طويلة مؤلفة بشكل صارخ في منطقة تحمل علامات الصراعات القاسية والقاسية مثل الحروب الأهلية العديدة والديكتاتوريات القاسية والغزوات والتدخل الأجنبي . إن كشف عواقب سيطرة تنظيم داعش في الشرق الأوسط واثاره يؤدي إلى إنتاج فيلم وثائقي مكثف ويؤدي حتماً إلى ظهور فيلم مناهض للحرب . ومع ذلك ، في بعض الأحيان ، هناك إيقاع موحٍ وشاعري في الغالبية العظمى من الصور ، مثل الصيادين المتربصين في المناظر الطبيعية المهجورة والنساء في ملابس الحداد في زيارتهم لموقع السجن والإعدام الجماعي . أختار "روزي" إستكشاف المناطق المحيطة بطريقة لا تظهر نتائج الحرب مباشرة ، بدلاً من ذلك ، قرر عرض صور مثل الدبابات تتحرك ببطء نحو الوجهات والأطلال التي تؤكد رعب الصراع . الفيلم الوثائقي لجيانفرانكو روزي هو صورة غامرة لأولئك الذين يحاولون البقاء على قيد الحياة في الشرق الأوسط الذي مزقته الحرب ، وعن الصعوبات التي واجهته عند تنفيذ الفيلم صرح قائلا:" أنا أعمل لفترة طويلة مع الكاميرا الخاصة بي . أنتظر الضوء المناسب أوالعلاقات الصحيحة التي سيتم بناؤها . أجد شخصًا واحدًا في العراق ، وشخصًا في كردستان ، وشخصًا في جنوب العراق ، وشخصًا في لبنان ، وشخصًا في سوريا. ثم أبدأ التصوير. أعمل مع كل من هؤلاء الأشخاص ، واحدًا تلو الآخر ، ثم أعود مرة أخرى إلى كل منهم لاحقًا - مثل دورة بطيئة ، لفهم القصة. عندما أرفع الكاميرا ، تكون في البداية حاضرة للغاية. بعد فترة لم يعد الشخص يهتم بالكاميرا ووجودي. بدلاً من ذلك ، يتبنون حقيقة أنني جزء من الحياة . يأتي مع علاقة ثقة قوية للغاية. يستغرق هذا وقتًا كما يستغرق عدة ساعات من التصوير. أنا لا أخبرهم أبدًا بما يجب عليهم فعله ، بدلاً من ذلك ، يجب أن أعرف ما يفعلونه. وبعد ذلك يجب أن ألتقط الجوهر ، كما يفعل المصور الجيد في إطار واحد - إطار حيث يمكنني أيضًا التعرف على ما حدث من قبل ، وإلى أين يتجه . إذا لم أفعل ، فهذه صورة سيئة. في كل فيلم أقوم بتصويره ، أحاول أن أعطي أقل قدر ممكن من المعلومات. هنا في هذه الفيلم لا أعطي أي معلومات . هذا الفيلم أكثر تطرفًا لأنك لا تعرف مكانك" .
في هذا الفيلم الوثائقي المذهل يستكشف المخرج الإيطالي - الأمريكي "جيانفرانكو روزي "تداعيات الحرب في الشرق الأوسط ، مصورًا العراق وكردستان وسوريا ولبنان على مدى ثلاث سنوات . نوتورنو" فيلم عن هؤلاء السكان المدنيين وعن الرجال والنساء والأطفال الذين يعيشون في أراضي الصراع المستمر ، وعن الجنود الذين يقاتلون على الجانبين في الصراعات التي تدمر المنطقة . لا يوجد سرد ولا يتم تحديد الأشخاص الذين نراهم أبدًا ، لكن هذه المشاهد تضاف إلى صورة مؤلمة لمنطقة مدمرة . يمتلك المخرج الايطالي روزي عينًا رائعة للتكوين وهو ما يتضح في أحد المشاهد الافتتاحية : امرأة وظهرها إلى الحائط في زنزانة السجن ، عمود من الضوء من الأعلى يلتقط الوشاح الأبيض حول رأسها بينما تعود إلى الخلف . تتلمس الحائط وتتلمس إحساسًا بابنها ، الذي ربما عاش ومات في تلك الزنزانة . مع عدم وجود نص أو تعليق صوتي متداخلة ، قد يكون من الصعب تمييز المواقع الفردية وسياقاتها السياسية المختلفة. بدلاً من ذلك ، يتم تضمين نقد روزي الأوسع للتاريخ الحديث للعراق من خلال لقطات مسرحية يؤديها المرضى في مستشفى للأمراض النفسية وعلى لسان المرضى المؤدين للعرض . يهتم بتأثيرات الصراع أكثر من اهتمامه بالمصدر ويركز على أولئك الذين عانوا من آثاره بشكل مباشر . فيلم هادئ مع القليل من الحوار يصور اتساع المنطقة التي سيطر عليها داعش والعواقب المروعة لقسوتهم. يتم نقل إحداها إلى منطقة جغرافية لا يعرف الكثير عنها حتى مراقبو الشرق الأوسط . تم تصوير اليزيديين والأكراد والعراقيين وعرب الأهوار دون إخبار المشاهد بمكان التصوير . قد يكون المشهد في جنوب العراق أو بغداد أو كردستان أو الرقة في سوريا ، لكن لم يتم إعطاء أي إشارة . المخرج " جيانفرانكو روزي" المولود في عام 1963 في أسمرة - إريتريا المحتلة من إثيوبيا - عمل والده الإيطالي هناك كمدير قسم أجنبي في أحد البنوك ، وبسبب التهديد الذي تشكله حرب الاستقلال الإريترية المستمرة أعاده والديه إلى إيطاليا عندما نشأ في إيطاليا وتركيا. في سن ال 19 ، ثم درس وعاش في أميركا ، وهوأحد معلمي السينما الوثائقية الحديثة ، رجل إنساني ملتزم بفنه وقضايا المستضعفين ، وهو هو صانع الأفلام الوثائقية الوحيد الذي فاز بجائزتين في المهرجانات السينمائية الأوروبية الثلاثة الكبرى (البندقية وبرلين وكان) إلى جانب مايكل هانيكي وأنج لي وكين لوتش وجعفر بناهي ، ذاع صيته كثيراً في (نار في البحر - 2016)، يوم نال عنه "دب برلين". رصد فيه أزمة الهجرة التي عصفت بجزيرة لمبيدوزا الإيطالية وحياة ناسها الرتيبة ويومياتهم المتشابهة. عمل يجمع بين الخطاب الهادف سياسياً والرغبة في تقديم نص بلغة سينمائية عالية . في فيلمه "نوتورنو"، يواصل روزي استكشاف الأوجاع التي تتآكل المجتمعات والأفراد ولكن هذه المرة في الشرق الأوسط . فبعد توثيق معاناة اللاجئين الذين يصلون إلى الجزيرة الإيطالية هرباً من الظلم والبطش والحروب والصراعات في الشرق الأوسط بين جماعات متناحرة يكره بعضها بعضاً، يبدو أن روزي قد مسك طرف الخيط الذي أوصله إلى المنبع. فهو انتقل بكاميرته هذه المرة إلى لبنان وسوريا والعراق، لينقل المآسي الفردية المرتبطة دائماً في هذا الجزء من العالم بالمأساة الجماعية . ومن خلال إقامته في تلك المناطق إستطاع "روزي" تجميع حكايات من هنا وهناك لناس يعيشون على فوهة بركان منذ سنوات . وحاول روزي أن يروي يوميات الناس الذين يعيشون على طول الحدود الفاصلة بين الحياة والجحيم . مع الصور الملتقطة على حدود إيران وكردستان وسوريا ولبنان ، إلا أنه بقي بعيداً من خطوط النار بالرغم من سماعنا لأزيز الرصاص . ابتكر صانع الأفلام الوثائقية جيانفرانكو روزي قصيدة سينمائية مميزة للغاية للحزن في الشرق الأوسط وهو يقدم لنا ضحايا من إرهاب داعش . ويقترب الفيلم إلى حد كبير من فظائع الحرب والعنف في المشاهد اليومية وهو استكشاف عميق لأساليب التعامل مع آثار الشر الخالص وماهو المصدر الأساسي لهذا الشر الخالص ، وهو داعش ، والميسرين غير المتعمدين لهذا الشر - الولايات المتحدة وإيران ، اللذان تسببا في زعزعة الاستقرار السياسي في المنطقة - يكمن في الخلفية ، لكن المخرج لا يرتكز عليها . بل يهتم أكثر بحياة البشر المحاصرين في مرمى النيران ، والطرق التي يمكن أن يكون فيها الفن نفسه وسيلة أساسية للتنفيس - سواء كانت مسرحية علاجية يتم إنتاجها في عيادة نفسية ، أو معالجًة أجتماعية في صف مدرسي يشجع الضحايا الشباب الإيزيديين على الرسم ومن خلال الرسوم التوضيحية للرعب المروّع (تعذيب الأطفال ، قطع الرؤوس ، حرق القدمين) الذي شاهدوه أثناء احتجازهم في معسكرات داعش . العنوان يعني " كائن ليلي" ويبدو أن العديد من المشاهد تحدث عند حلول الظلام (أو ربما عند الفجر) ، لا سيما المشهد الافتتاحي الممتد للجنود وهم يتجولون في دائرة . هناك العديد من اللحظات المدهشة والصور المحققة بشكل جميل ، وهي بنية بلاغية ربما تكون مستوحاة من المسرحية التي تظهر في أحد المشاهد المرضى النفسيين وهم يتدربون على حياة الناس في العراق . ويأخذ أربعة أماكن مختلفة ويجانسها بشكل فعال . و يبدو أن للصورة صدى بصري، مشهد المقاتلات الكرديات في الفجر وفي عملية مداهمة لاحد اوكارعناصر تنظيم داعش الارهابي يتحركون عبر منزل مهجور على ما يبدو بالمصابيح والبنادق . إذا لم يتم تصويرها بشكل دقيق , معظم الأشخاص الذين تم عرضهم صامتون، خاصةً صبي يظهر وهو يصطاد بمفرده ثم مع والده لاحقًا . الجنود أيضًا صامتون في الغالب ، لكن ربما يكون صمتهم عملًا فنيًا سينمائيًا فاستعان المخرج بالصورة هي التي تحكي ، جرد روزي فيلمه من جميع اتفاقيات الفيلم الوثائقي . لا توجد تعليقات صوتية. لا يوجد شيء على الشاشة لتحديد مكاننا أو أسماء الأشخاص. لا توجد أحاديث أو نقاشات ، ولا خبراء يضعون الأمور في سياقها ، ولا توجد جداول زمنية ولا قصص خلفية عن كيفية نشوب صراع معين ، وكانت النتيجة فيلمًا وثائقيًا يترك مساحة للمشاهد ليكون له رد فعل عاطفي خاص به. وقد تعمّد المخرج "جيانفرانكو روزي" على عدم تقديم الشروحات أو تفسير ما فيها عن طريق الحوارات، بل جعل الصورة تتكلم عن نفسها وتنقل تلك الآلام ، مثل رسومات الأطفال الضاجة بالعنف التي تعكس مشاهد القتل والذبح والبتر، وكأنهم يعيدون رسم الوقائع التي كانوا شهودا عليها رغم صغر سنهم، إضافة إلى النسوة المتقدمات في السن اللواتي ذهبن لزيارة الأماكن التي أعدم فلذات أكبادهن فيها ،فيلم المخرج الايطالي بقدر ما هو حميمي بقدر ما هو مؤثر بعمق ، يعد الفيلم إنجازًا سينمائيًا لسيد وثائقي ، يُظهر لنا أعمالًا إنسانية بسيطة في أكثر الأماكن عنفًا .
في الختام :
المخرج "روزي" في فيلمه يتناول الحياة والتحدي وسط كومة الخراب ، مستمعاً إلى صوت الأمل الذي يحاول التغطية على أصوات القصف والقنابل و التفجير. فيلم( نوتورنو) ، فيلم يحتفي بهؤلاء الذين يحاولون العيش والنهوض من عثراتهم، رغم الحزن والألم العميق . أمهات ثكلى من أكراد سوريا، يزرن السجن الذي أعدمت فيه القوات التركية أبناءهن في محاولة لمواجهة الألم، وتذكر من رحلوا،عن أطفال يجدون في الرسم تعبيرا عن الأهوال التي رأوها إبان سيطرة (داعش) على مناطقهم، عن صبي يعمل ليعول أسرته حتى يبقى إخوته الصغار في المدرسة وهو يحتفي في المقام الأول بالحياة والتحدي، ويعلي صوت الأمل على صوت القصف وطلقات النيران.
(نوتورنو) ليس فيلما عن الحرب، وليس فيلما عن التقسيمات السياسية في المنطقة، بل هو فيلم عن الحياة واستمرارها رغم الحرب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بحب التمثيل من وأن


.. كل يوم - دينا فؤاد لخالد أبو بكر: الفنان نور الشريف تابعني ك




.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: لحد النهاردة الجمهور بيوقفن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كل ما أشتغل بحس بن




.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو