الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانسحاب الأمريكي من أفغانستان من منظور إسرائيلي

عصمت منصور

2021 / 8 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


قد يكون تأجيل اللقاء الأول بين الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينت، الذي كان من المفروض أن يعقد مساء يوم الخميس 26/8 في البيت الأبيض، لمدة 24 ساعة، ومن ثم تعديل ساعة اللقاء، وبدء التكهن إن كان هذا اللقاء سيعقد أصلا، وفي أية أجواء سيتم، بسبب انشغال الرئيس الامريكي بمتابعة تداعيات الانفجار الانتحاري الذي وقع في مطار كابول وأدى الى مقتل 13 جنديا امريكيا، بالإضافة إلى عشرات الافغان، هو الحدث الأكثر دلالة على تأثير الانسحاب الأمريكي من افغانستان على إسرائيل وحساباتها الإقليمية والاستراتيجية، مقارنة بجدول الأعمال الأمريكي وأولويات الإدارة الأمريكية الجديدة.
بتأخير 24 ساعة، وفي ظل انشغال إعلامي وسياسي أمريكي بالحدث الأفغاني، عقد اللقاء المنتظر، والذي عوّل عليه نفتالي بينت كثيرا من أجل تقديم أجندته التي تضع ايران في صدارة الأولويات، وبهدف تحسين صورته، وتكريس شخصيته كزعيم ورئيس حكومة قوي ومقبول أمريكيا.
استطاع نفتالي بينت أن ينتزع من الرئيس الامريكي تعهدات مرضية، لها علاقة بالملف النووي الإيراني، ونال نصيبا كافيا من الوقت (اللقاء الثنائي استمر خمسين دقيقة رغم ان البروتوكول حدد مدة اللقاء ب25 دقيقة) كي يعرض خططه تجاه إيران أمام الإدارة الأمريكية، والأهم أنه لم يصطدم بأية مطالب أو مبادرات سياسية تتعلق بالقضية الفلسطينية تهدد استقرار حكومته، ومع ذلك ساد الشعور لدى وسائل الإعلام الاسرائيلية ولدى الخبراء والمعلقين السياسيين في استوديوهات الاخبار التي فتحت موجات بث طويلة لمواكبة الزيارة، أن الرئيس الأمريكي، المستنزف من المتابعة، وصد الانتقادات التي وجهت لإدارته بسبب شكل الانسحاب من افغانستان، والتفجير الذي جاء ليعزز المخاوف التي أثارها منتقدو الانسحاب، لم يكن يبحث عن نقاط تلاقي مع نفتالي بينت، الذي ينتمي لمعسكر اليمين المتطرف، ويفصل بينهما عمريا جيل كامل (30 عاما) ويقود حكومة هشة مستندا إلى مقاعد حزبه السبعة في الكنيست، بقدر ما كان يرغب في تسكين الملف الإسرائيلي، والتأكد من تناغم الحكومة الإسرائيلية مع توجهاته في العودة للاتفاق النووي مع إيران دون مناكفات كما حدث في عهد نتنياهو، خاصة أن مصالح بايدن تقاطعت مع مصالح نفتالي بينت في ورغبتهماالمشتركة في عدم عودة نتنياهو لسدة الحكم في ظل التعقيدات التي تواجهها الإدارة المريكية داخليا وخارجيا.
هزيمة أمريكا والاعتماد على الذات!!
امتنع نفتالي بينت عن انتقاد القرار الامريكي بالانسحاب من أفغانستان، إلا أن مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الإسرائيلية، إلى جانب المستويات المهنية والأمنية، انشغلت كثيرا في بحث ودراسة أثر هذا الانسحاب، خاصة في ظل الصور المهينة التي جرى بثها، على إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط.
أجمع كبار المحللين وقادة الأمن السابقين والسياسيين على أن ما حدث في افغانستان هو فشل أمريكي بكل المقاييس، فقد اعتبر عاموس يادلين، رئيس الاستخبارات السابق، أن هذا "الفشل سيصب في مصلحة الصين وروسيا وايران".
يادلين الذي نوّه إلى أن "صورة امريكا الضعيفة" التي ظهرت خلال الصور القاسية للجنود الامريكيين وهم يتخلّون "عن حلفائهم" لا تخدم حلفاءها في المنطقة وخاصة إسرائيل، وأن الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط " غير جيد لإسرائيل"، مشددا على أن " اسرائيل ليست افغانستان" من حيث العلاقة التاريخية والروابط الوثيقة والاستراتيجية التي تجمعها مع الولايات المتحدة، والأهم " من حيث قوة جيشها وقدرتها على الدفاع عن نفسها بنفسها" وهو ما يضمن لها أن لا يتكرر ما حدث في افغانستان معها مستقبلا.
عوفر شيلح، الذي شغل منصب رئيس لجنة الدفاع في لجنة الخارجية والأمن سابقا، اتفق هو الآخر في مقال رأي نشره في صحيفة معاريف في16/8 مع يادلين بأن ما حدث في أفغانستان هو هزيمة لأمريكا، بل ذهب أبعد من ذلك إذ اعتبر أن " الهزائم هي السمة الغالبة على السياسة الخارجية الأمريكية" وأن هذا سيؤثر على اسرائيل " أكثر من مجرد صعود وعودة طالبان بحد ذاتها"، ليخلص إلى أن من يريد دعم أمريكا " في مواجهة إيران والفلسطينيين وترتيب الأوضاع في سوريا" سيشعر بخيبة أمل، لان ما نراه " هو تراجع عن لعب دور، ونظرية جديدة للدور الأمريكي" الذي بدأ ينسحب نحو الداخل والقضايا الداخلية وتفضيل السياسة الناعمة على التواجد العسكري المباشر والمكلف.
الصحفي الباكستاني حمزة ازهر اسلام نشر مقالا في صحيفة "يسرائيل هيوم" بتاريخ 15/8 حمل نفس القراءة، معتبرا ان " إسرائيل لا تستطيع الاعتماد على الولايات المتحدة" وهو ما يملي عليها ان تعتمد على تحالفاتها الإقليمية وخاصة دول الخليج من اجل " استغلال التناقضات المذهبية بين طالبان وايران، ومحاولة التأثير على طالبان".
وليس بعيدا عن هذه القراءات، كتب المحلل العسكري نوعم امير، في موقع "مكور ريشون" مقالا تحليليا اعتبر فيه أن " الضعف الأمريكي سيكلف إسرائيل ثمنا باهظا" وأن انسحاب الولايات المتحدة من افغانستان " سيزعزع أمن المنطقة، ويشجع عودة الأحزاب والحركات الاسلامية المتشددة، وسيقود إلى تقوية ايران" التي ستظهر للعالم " علأ انها اكثر اعتدالا من هذه الحركات ومن حركة طالبان المتشددة دينيا" كما انها ستستفيد منها ومن العلاقة معها.
أمير استخلص في مقالته بأن " الانطباع الذي تولد حول ضعف الولايات المتحدة وعدم رغبتها في دفع ثمن مادي وبشري" يجب أن يقابل بتبني استراتيجية اسرائيلية تنحو نحو "الاستقلالية في كل ما له علاقة بمصالحها الاستراتيجية".
الصحفي المتخصص في الشؤون العربية يوني بن مناحيم، اتفق هو الآخر مع النظر الى الانسحاب الامريكي على أنه "هزيمة امريكية" وأن من تداعيات ذلك انه "سيشجع الجهاد ضد اسرائيل".
العبرة الأخطر جراء هذا الانسحاب صاغها الكاتب جدعون يسرائيل بكلمات مباشرة، تتنبأ بسيناريو مشابه مع اسرائيل، وذلك في مقال رأي في صحيفة اسرائيل هيوم في23/8 اعتبر فيه "أن أمريكا قد تتخلى عن إسرائيل كما تخلت عن الأفغان" وأن هذا يجب أن "يشعل الضوء الأحمر" لدى متخذي القرار في إسرائيل خاصة في ظل " التحولات في الرأي العام الأمريكي لغير صالح السياسات الاسرائيلية" وتبدل الأولويات لدى الغدارة الأمريكية.
يسرائيل يستخلص أن "من المحظور على إسرائيل أن تقبل وضعا يكون فيه الجنود الامريكيون هم الجسم الفاصل بين الفلسطينيين والاسرائيليين (في أية تسوية مستقبلية) وذلك ليس بسبب القناعة الإسرائيلية بأن الجندي الاسرائيلي هو من يحمي أمننا فقط، بل لأن وجود جنود أمريكيين على الأرض سينعكس على الرأي العام الأمريكي بشكل مباشر"، لذا فانه يقترح، أن تستثمر إسرائيل اكثر في الدعاية والترويج في أوساط الرأي العام الأمريكي، ان الاستثمار الامريكي في اسرائيل في الشرق الاوسط هو "ثروة كبرى" وقيمة استراتيجية لأمريكا.
عاموس يادلين، الجنرال السابق ورئيس مركز ابحاث الأمن القومي، اعتبر هو الأخر في مقابلة مع القناة 12 يوم 27/8 أن "ما حدث في أفغانستان ستكون له تداعيات مباشرة على إسرائيل من جهة الدور الايراني وحركات المقاومة التي ستستمد منه روحا معنوية " وسيعزز لديها الشعور بإمكانية تكراره في أماكن اخرى، إلا ان هذا لا يجب ان يدفع اسرائيل "لأن تتصدر المشهد في مواجهة ايران" وان لا تتنازل عن قيادة امريكية " لتحالف دولي ضد إيران".
الدرس الأفغاني وإسرائيل:
نشر مركز ابحاث الأمن القومي دراسة تحليلية مطولة تحت عنوان "درس في حدود القوة: أثر انسحاب الولايات المتحدة وحلفائها من افغانستان" أعدها الباحثان في المركز، الداد شبيط وشمعون شتاين، حاولا أن يجيبا فيها على الأسئلة الملحة التي أثارها هذا الانسحاب، وتحديدا تأثيره على مكانة الولايات المتحدة الدولية ووجودها في ساحات أخرى في الشرق الاوسط (مثل العراق)، والعبرة من فشلها في محاولة "بناء أمة بقيم غربية ليبرالية" في ضوء سيطرة طالبان مجددا على الحكم، والانهيار السريع للجيش والحكومة التي استغرقت عملية بنائها عقدين من الزمن ومئات مليارات الدولارات.
شكل الانسحاب وفق البحث أثّر سلبا على مصداقية وصورة الولايات المتحدة، كونها لاعبا رئيسيا في الساحة الدولية، وهو ما ستستغله أطراف اخرى، ما يملي على اسرائيل أن تتنبه له، خاصة بسبب الدور الإيراني وعودة الحركات الجهادية للواجهة.
يرى الباحثان أن المشاهد الصعبة التي رافقت الانسحاب، وأثرها على مصداقية الولايات المتحدة، لم يكن لها أن تغير من قرار الانسحاب، الذي اتخذ من قبل إدارة سابقة ويعبر عن توجه الإدارة التي سبقتها (إدارة الرئيس اوباما) ويعكس ما يشبه "الإجماع الامريكي" وهو ما سيمكنها من التفرغ للتحدي الرئيسي عالميا وهو الصين.
فيما يتعلق بإسرائيل ومدى تأثرها بقرار الانسحاب من أفغانستان، يضع الباحثان ثلاثة مجالات قد تتأثر مباشرة من هذا القرار وأن على اسرائيل ان تلتفت لها، وهي:
بعث الحافزية لدى الحركات الجهادية:
الفشل الأمريكي والسيطرة السريعة لحركة طالبان على الحكم سيعيد بعث الحياة من جديد في الحافز لدى الحركات الجهادية في تعزيز نشاطها في العالم وتحديدا في الشرق الأوسط، بما في ذلك ضد أهداف اسرائيلية.
مع ذلك يرى الباحثان أن هذا النشاط المتجدد للحركات الجهادية، لن يؤثر كثيرا على إسرائيل بسبب الدور المحدود للولايات المتحدة في محاربة التنظيمات التي تعمل ضد إسرائيل.
الحراك الإيراني إقليميا:
الوضع الجديد يضع إيران أمام صورة مركّبة، حيث انها ترى في انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط تطورا إيجابيا يخدم مصالحها( وتأمل ان تكون العراق هي التالية)، بما يعني هذا من إخلاء لساحاتها الخلفية، وانتقام استراتيجي على اغتيال قاسم سليماني، وهي عوامل ستعزز روايتها، لكن بالمقابل، فإن تورطها وتدخلها بشكل أكبر في افغانستان سيستنزف مواردها "القليلة أصلا" وسيكون على حساب دورها في ساحات اخرى.
العلاقات الأمريكية الإسرائيلية:
رغم المشاهد التي قد تظهر على انها "عملية هروب امريكي" من أفغانستان، من غير المتوقع أن تغير الولايات المتحدة خططها بالانسحاب من "بؤر الصراع الذي لا ينتهي" وقرارها بتقليص وجودها في الشرق الأوسط، وهو ما سيعزز الفهم السائد لدى دول المنطقة، بأن الشرق الأوسط يفقد من أهميته الاستراتيجية لدى الولايات المتحدة، وهو ما يتم التعبير عنه بعدم رغبتها في مواصلة الاستثمار به، سواء بوجودها العسكري او بثقلها الاقتصادي، وهو ما سيدفع دول المنطقة الى إعادة النظر في سياساتها.
هذا الفهم، سينعكس "ظاهريا" على تقدير تلك الدول ( خاصة تلك التي تعتمد على الدعم الأمريكي) لحجم الدعم الذي يمكن أن توليه الولايات المتحدة لإسرائيل امام التحديات التي تواجهها في المنطقة، وفوق ذلك، وبشكل موضوعي، على إسرائيل أن تعي أن الإدارة الأمريكية، ومع كل التعاطف الذي تبديه، إلا أن إمكانية الاستثمار عسكريا من أجل مواجهة هذه التحديات يقل بشكل متواصل، بما في ذلك التحدي الإيراني.
إن هذا التوجه بالذات، قد يعزز من أهمية اسرائيل في نظر الإدارة الأمريكية، كونها الوحيدة القادرة على حماية مصالحها في المنطقة (دون ان تتواجد فيها بشكل عسكري مباشر) وهو ما قد يؤهلها لأن تلعب دورا أكبر مع دول حليفة إقليميا، أو أن تقود تحالفا اقليميا معاديا لإيران.

أفغانستان.. لبنان.. ومعارك المستقبل.
أعادت الصور "المهينة" التي رافقت الانسحاب الأمريكي من افغانستان، لجنود ودبلوماسيين يغادرون، أو يفرّون على عجل، ويتركون خلفهم معدات قتالية متطورة وحلفاء مهزومين، يحاولون الفرار والتعلق بعجلات الطائرات التي كانت تقلع من مطار كابول، للعالم صور العاصمة الفيتنامية سايغون، وهي واحدة من أبلغ المشاهد التي علقت في الأذهان في عهد الحرب الباردة، كما أنها اعادت للإسرائيليين صورة الانسحاب من جنوب لبنان في العام 2000.
في دراسة له على موقع "مديا" يشبه الجنرال احتياط تال بار اون الانسحاب الامريكي من افغانستان بالانسحاب الإسرائيلي من لبنان، خاصة في كون الانسحابين تما بشكل أحادي، وهي انسحابات يمكن ان تعتبر "خطوة شجاعة" في نظر الغرب، إلا أنها ستعتبر في الشرق الأوسط، انتصارا للطرف الآخر، وناتجة عن تضحياته وشجاعته، وهي الخلاصة التي يترتب عليها الخروج من أزمة إلى أزمة أخرى أكثر تعقيدا كما حدث مع حزب الله وغزة.
بار اون، وبخلفيته العسكرية، ونظرته المستقبلية للحروب التي قد تندلع في المنطقة (رغم الانسحابات و/أو بسببها) وبنفس استشراقي مثالي تجاه المنطقة، يلخص الهلع الإسرائيلي من الانسحاب الأمريكي من افغانستان (البعيدة) حيث يرى أن الصورة والنصر الحاسم هي العامل الحاسم الذي يؤثر في وعي الحركات التي تواجهها إسرائيل وحلفاؤها الغربيين في المنطقة والعالم، لذا فإنه يختم توصياته بمقولة رئيس الأركان السابق جابي اشكنازي ما بعد حرب لبنان في2006 بأن "على إسرائيل أن تسجل على اعدائها نصرا لا يقبل التأويل ولا لبس فيه، بحيث يكون مفهوما للجميع من انتصر ومن انهزم، لأن الشرق الأوسط لا يحب المترددين ولا يرحم المشفقين، ويقدر فقط المنتصرين".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي