الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط: ملاحظات من وحي تقرير معهد -كوينسي- بالولايات المتحدة

محمد عبد الشفيع عيسى

2021 / 8 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


أحسن صُنْعاً صديقنا د. كمال خلف الطويل، حين بعث، ِفي ثنايا مجموعته البريدية المميزة، تقرير(معهد كوينسي للإدارة المسئولة للدولة) بالولايات المتحدة، في نفس يوم صدوره، 24/6/2021، وعنوانه ( لا شيء أكثر من ذلك: لماذا أنه يمكن لأمريكا أن تعيد كل قواتها من الشرق الأوسط)
Nothing –Much-to Do: Why America Can Bring All Troops Home From the middle East
وقد أوحت لنا القراءة الأولية للملخص التنفيذي للتقرير ببضعة ملاحظات نوجزها فيما يلي :
1- إن أمريكا تعتبر إسرائيل أصلاً asset من أصول مكانتها الدولية عموماً، و مكانتها الإقليمية فيما يسمونه "الشرق الأوسط" خصوصاً. ومن ثم يعتبر دعم أمريكا لإسرائيل والتزامها الثابت بما يسمونه "الدفاع عن نفسها" (في مواجهة العرب طبعاً) مبدأ أساسياً من مبادئ سياستها الخارجية في الإقليم والعالم.
2- إن الأولوية الاستراتيجية لما يفضل صديقنا كمال خلف الطويل أن يسميه "دولة الأمن القومي" في أمريكا، ترتكز على مواجهة طرفين: روسيا و الصين، على اختلاف في ترتيب أولوية المواجهة الاستراتيجية لكليها بين "إدارة أمريكية" وأخرى. فلقد كانت "إدارة ترامب" الجمهورية – المحافظة، تعطى الأولوية لمواجهة الصين، مع الميل بالتالي لمهادنة روسيا أو ربما (موادعتها) أحيانا. أما الإدارة الديموقراطية " شبه الليبرالية" لجو بايدن حالياً فإنها تعطى الأولوية لمواجهة روسيا .
ويرى التقرير المذكور أنه ليس هناك ما يضطَرّ أمريكا إلى الاحتفاظ بوجود دائم لقواتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، حيث يحدوها هدفان لا يستلزم الدفاع عنهما الاحتفاظ بوجود دائم للقوات داخل الإقليم. هذان الهدفان هما مواصلة فتح "مضيق هرمز" وعدم السماح بإغلاقه تحت أي ظرف، من جانب أول؛ و عدم السماح باحتمال بروز قوة إقليمية شرق أوسطية معادية للولايات المتحدة ( وعلى التحديد : خِصم adversary) و تكون ذات هيمنة عسكرية، أو ما يسميه التقرير Regional Hegemony بالقدر الذي يسمح لمثل هذه القوة بامتلاك قدرات عسكرية متعددة الاختصاصات والمهام و يكون من شأنها إمكان شن هجوم مسلح جدّي على مصالح الولايات المتحدة الأساسية في المنطقة.
ويرى التقرير أنه ليس ثمة قوة في المنطقة تستطيع تحدى أمريكا وإغلاق مضيق هرمز (بما فيه إيران) ، وليس هناك خشية حقيقية من قيام قوة إقليمية مهيمنة، حيث ينحصر احتمال قيام مثل هذه القوى فى كل من : تركيا ، إيران ، العراق ، والسعودية. دعْ عنك هنا -كما يقول التقرير- أن كلا من روسيا والصين ليس من المرجح أن تكرر أيٌّ منهما "غباء" الولايات المتحدة بسلوكها المغامر، و بما قد يصل إلى حدّ القيام بجهد منسق لمجابهة أمريكا عسكريا في عقر دار مصالحها الاستراتيجية الأساسية مثل بقاء مضيق هرمز مفتوحا لمرور إمدادات النفط العالمية وخاصة باتجاه الغرب.
ويلاحظ هنا عدم ورود اسم مصر ضمن القائمة المرشحة لتكوين قوة إقليمية محتملة فى "الشرق الأوسط". و لدينا تفسيران لمثل ذلك الموقف :
- التفسير المحتمل الأول أن كاتب و فريق إعداد لتقرير "كوينسي" ربما يعتبران أن مصر لا تدخل بحسابات الجغرافيا السياسية ضمن نطاق "الشرق الأوسط" بمعناه الدقيق، وإنما تقع فى (شمال إفريقيا) حسب تلك التسمية المطاطة التى أبدعتها عقول " مراكز التفكير الأمريكية" بعد مؤتمر مدريد لعام 1990، ونقصد "الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" MENA تلك التسمية التي جرى صكّها خصيصاً لإدراج إسرائيل ضمن قائمة محدَّثة للشرق الأوسط العتيد ، إلى جانب الدول العربية (و إيران) ..!
- أما التفسير المحتمل الثاني لعدم إدراج اسم مصر، فى قائمة (المرشحين) للمكانة الإقليمية، من المنظور الأمريكي لمعدّي التقرير المشار إليه، فهو أن مصر، من وجهة النظر هذه، قد جرى لها ما يشبه (الإخصاء) مرة واحدة وإلى الأبد (وعفواً لا استخدام هذا التعبير) منذ قام السادات بإبرام (معاهدة السلام) مع إسرائيل عام 1979. من ثم اكتفى السادات من الغنيمة بسلامة الإياب بعد جولة أكتوبر الحربية الحاسمة، و أقرّ سلفاً بأن حرب أكتوبر آخر الحروب، وأن أمريكا لديها 99% من "أوراق اللعبة" فى الشرق الأوسط. وكانت النتيجة ابتعاد مصر، طوعاً أو كرها، عن محاولة لعب دور إقليمي- زعامي مذكور على امتداد المنطقة العربية، على نحو ما فعل جمال عبد الناصر .. هكذا قد يعتبر ُكتّاب التقرير المعنى أن مصر لم تعد قوة يخشى من انبعاثها كعامل محتمل مهدّد للمصالح الأمريكية في الأجل الطويل، على غرار قوى أخرى، بما فيها العراق، ودع ْعنك السعودية، و لا نذكر تركيا وإيران .

فإن كان هذا الاحتمال الثاني أقرب إلى ما يفكر فيه مؤلف أو مؤلّفو التقرير المذكور، فإن هذا يعنى أن أمريكا، من منظورهم الخاص، ربما تحقق مع مصر، ما سبق أن جربته بنجاح مع اليابان. و ربما أن البعض من أقسام النخبة الأمريكية، ذات (الغباء التاريخي) المعهود، تظن أن مصر (ذهبت بدون رجعة) منذ إبرام "المعاهدة". بيْد أنه ليس من الصحيح بالضرورة، و لا هو بالقياس المنطقي السليم على كل حال، تناظُر الحالة المصرية مع حالة اليابان، تلك القوة الآسيوية ، الإقليمية – العالمية، التي دوّخت، مع محور هتلر، معسكر (الحلفاء) فى الحرب العالمية الثانية ، وأبرزهم في خواتيم معاركها، كل من أمريكا والاتحاد السوفيتي (روسيا) في آن معاً.
لقد قُدّر لأمريكا أن تقوم بما يشبه عملية (إخصاء) كاملة للمارد الياباني، بعد إعلان (الاستسلام) فى نهاية الحرب العالمية الثانية، و حتى قبل ضرب اليابان بالقنبلة الذرية مرتين (هيروشيما–ناجازاكى). ومن حينها، قامت أمريكا بما يمكن أن يكون "مراضاة" اليابان بأن تلعب دور (العملاق الاقتصادي) الفرعي، إلى جوار أمريكا وأوروبا الغربية، كجزء مما يسميه كتّاب اليسار بالثالوث الرأسمالي العالمي أو بلدان "المركز": الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان.
و هكذا تمت (الصفقة) التي جرى إبرامها دون إعلان، و التي بموجبها أصبحت اليابان فى (عالم ما بعد الحرب) عملاقا اقتصاديا، و لكنها بمثابة قزم سياسي وعسكري في آن معا. ورغم الغصّة الكامنة التي يشعر بها اليابانيون في حلوقهم من جراء (المذلّة القومية) التي يتجرعون كأسها كل يوم ، وهم صامتون، فإن (الرأي العام) الياباني و (قادة الرأي) يتقبلون، عن رضا أو بدون رضا، المبدأ الأساسي في تلك الصفقة أو "القسمة الضيزى" : حيث النعمة مقابل المذلّة . ولكن هذا لن يدوم، في اعتقادنا (وقد قُدّر لنا أن نزور اليابان منذ سنوات في مهمة علمية طويلة نسبياً لنلمس ذلك ونلتمس مصادر معلوماتها عن كثب) .
ولكن (الصفقة اليابانية) التي جرى بموجبها تنصيب اليابان عدواً دائماً للصين في شرق آسيا بالتعريف الواسع، لم يحدث نظير أمريكي لها مع مصر: فقد تم استبعادها من حيز الصراع المحتمل مع إسرائيل، دون أن تجري مساعدتها على أن تتبوّأ مكانة إقليمية، وأن تحقق تقدماً اقتصادياً قد يدفع بها يوما ما للتفكير فى مناوأة إسرائيل، العدو القومي (الطبيعي) للحركة الوطنية القومية، في البلدان العربية، وأهم هذه البلدان مصر بطبيعة الحال . لذلك يمكن أن تظل مصر دائما قوة قومية في نطاقها العربي، (تحت التصرف) تاريخيا، و لن تذهب (دون رجعة) بأي حال.
يبقى من أمر تقرير (كوينسي) ملاحظتان :
الملاحظة الأولى مستنبطة استنتاجاً، أن الوجود العسكري الأمريكي في الخارج، من وجهة النظر الأمريكية، يجب أن يتركز حيث يجب له أن يوجد، أي في مواجهة روسيا والصين، يعنى فى كل من أوروبا -أوراسيا، من ناحية أولى، و شرق و شمال شرقي آسيا، من ناحية ثانية . في أوروبا يتحدد الأمر بالدرجة الأولى بالوجود العسكري الأمريكي في ألمانيا ، وتاليا في بولندا. أما في شرق آسيا فيتركز الوجود، عسكرياً ، فى كوريا الجنوبية، و اقتصادياً في تايوان( وما أدراك ما تايوان في ميدان الصراع مع الصين..؟!!). أما في الشرق الأوسط فلا حاجة لمثل هذا الوجود، حيث لا موجب له بمقتضى توازنات القوى القائمة.
وهذا ينقلنا إلى الملاحظة الثانية، وتخص إسرائيل، حيث يرد التقرير على الحجة المحتملة القائلة بأن وجوداً عسكرياً أمريكياً دائما يكون ضروريا للدفاع عن إسرائيل. ويتمثل الرد في القول إن إسرائيل قد بلغت من القوة العسكرية الذاتية، بفعل الدعم الأمريكي القوي المستدام، ما يؤهلها للدفاع عن نفسها، وأنها منذ نشأتها عام 1948، ربما لم تبلغ من القوة العسكرية بالذات ما بلغته الآن.
و بذلك تكتمل الحجج الداعية إلى التخفيف من ثقل الوجود العسكري الأمريكي المباشر في الشرق الأوسط. فماذا نحن قائلون و فاعلون ..؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الهجوم على إسرائيل: كيف ستتعامل ألمانيا مع إيران؟


.. زيلينسكي مستاء من الدعم الغربي المحدود لأوكرانيا بعد صدّ اله




.. العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية: توتر وانفراج ثم توتر؟


.. خالد جرادة: ماالذي تعنيه حرية الحركة عندما تكون من غزة؟ • فر




.. موقف الدول العربية بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم