الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتب وحوش جائعة

حمزة الذهبي
كاتب وباحث

(Hamza Dahbi)

2021 / 9 / 1
الادب والفن


1
خامرتني فكرة الكتابة بهذا الشكل، بعد أن قرأت بيسوا خالق أنداد، الشاعر الذي كان حشداً كما يصفه إدواردو غليانو في روايته أبناء الأيام ، ذلك الشخص الذي كان الأدب كله. الحياة بكل تناقضاتتها..
صراحة ، أي شيء يحدث للمرء ، داخليا ، عندما يتعرف على هذا الكائن الممجد الأسطوري . الذي يشك المرء في وجوده مثلما يشك في وجود الأشباح...
بل إن أحد أنداد بيسوا يذهب إلى تأكيد ذلك وهو ألبارو دي كامبوس إذ يقول : فرناندو بيسوا ، إن تحرينا الدقة ، غير موجود.
إنه كائن متعدد ، أليس هو القائل كن متعددا مثل الكون ، لهذا فهو مليئ حد الألم بشخصيات بعضها رئيسي وبعضها هامشي وصلت لأكثر من سبعين شخصية . لكل منها :
إسم ، أسلوب الكتابة وتاريخ الميلاد ...
أطلق عليها بيسوا إسم الأنداد ، تتحكم فيه لا يتحكم فيها. دليل ذلك عندما وقع بيسوا في الحب مع أوفيليا كويرز . عمل نده ألبارو دي كامبوس الذي إعتبر حب بيسوا لأوفيليا كويرز حب سخيف على إفساد هذه العلاقة بكل الطرق الممكنة ونجح في ذلك .
2
بيسوا مات صغيرا ، في حوالي الأربعين من عمره، مثل كافكا، هذا حال الناس العظام، يخطفهم الموت باكرا ، لم ينشر إلا القليل من الأعمال وهو على قيد الحياة بينما ترك أعماله كلها ، يومياته ، شذراته ، حياته ، في حقيبته التي عثر عليها بعد مرور أكثر من عشرين سنة على وفاته.
ليصبح أحد أكبر الكتاب ، ليس في البرتغال فقط ، بل في العالم بأكمله . كأن الأمر مثلما يذهب إلى ذلك الفيلسوف نيتشه في كتابه عدو المسيح : بعضهم يولد غداة وفاته.

**
عقب أخيل
ها أنا أقف مسمرا في مكاني ، مشدوه ، غير مصدق أن الحياة هزمتني. ، مثل محارب أسطوري ظن أنه لن يخسر، أنه غير قابل لأن يكون خاسرا، لكنه نسي في غمرة ذلك كله أن لكل كائن بشري عقب أخيل.
أي نقطة ضعف .
**
ضجيج:
أعرف أشخاصا قرأوا الاف الكتب ولا يحدثون الضجيج الذي يحدثه ذلك الذي لا يقرأ .
- ما الذي يعنيه هذا ؟
هذا يعني أن الفارغ وحده من يحدث الضجيج. ربما . لكني أعتقد – حسب رأيي الشخصي – أنه يعني شيئا آخر. مغاير للأول .. وهو أن الضجيج الذي يحدثه ذلك الذي لا يقرأ كما يقرأ الآخرين ، لا يعود إلى الفراغ ..
وإنما إلى الإمتلاء .
بمعنى آخر أننا كلما قرأنا أكثر ، كلما أصبحنا فارغين أكثر وبالتالي جنحنا إلى الصمت ، ليس حكمة وإنما لأنه لم يعد لدينا ما نقوله .. على هذا الأساس يمكن القول أن القراءة ، تتخذ معنى مغاير عن المعنى الشائع . ليست إملاء وإنما إفراغ .
**
من يقرض من ؟
هناك أمر يؤرقني هذه الأيام ويشغل بالي :
هل أنا الذي أقرض أوراق الكتب ؟ أم أنها هي التي تقرضني من الداخل؟
لماذا أطرح هذا السؤال :
لإنه يخيل إلي أحيانا بل وغالبا ، أن الكتب هي من تلتهمني وليس أنا من تلتهمها ...
- كيف ذلك ؟
الجواب بمنتهى البساطة ، أنه أمام كل كتاب ألتهمه ـ فكرة تسقط مني ، حقيقة أو ما كنت أظن أنه حقيقة ، تتهدم أمامي مثلما يتهدم ركام منزل عتيق .
وهو ما يجعل التفكير في الأمر مرعبا ، لأنني غدا لن أجدني سأكون شخصا آخر ، فمن أنا غير أفكاري ، التي يبدو أنه يتم إلتهامها
**
من حسن – سوء- الحظ :
عندما كنتُ يافعا ،غالبا ما كنت أقضي وقتي مصغياة إلى إحدى /أحد الأشخاص الذين يقطنون في حينا ، كان يبدو لي مثقفا...يعرف العديد من الأمور..كنت مسحور ومنبهر بكمية المعلومات التي يعرفها.. بئر لا ينضب يروي نهمي ، تعطشي الذي لا يرتوي نحو للمعرفة .مؤخرا ، أدركت أن معظم تلك المعرفة/المعلومات كانت زائفة ومزيفة... فمن محاسن قراءة الكتب – أو ربما من سلبياتها ، انها نزعت السحر عن أولئك الذين كانوا يسحروننا في وقت من الأوقات !
**
يا لسعادة القارئ.. يا لتعاسة القارئ
سنوات عديدة قضيتها رفقة كتب لا حصر لها :روائية ،فلسفية ، تاريخية ، دينية ، أدبية .
هذه الكتب جعلتني أكثر غنى ، وفي نفس الوقت ، أكثر فقرا. . اىأمر يبدو غير منطقي .. متناقض ..لكن هذا لا يعني أنه غير صحيح ..فالكتب أعطتني الكثير ، أكثر مما كنت أتوقع ـ بيد أنها أيضا سلبت مني الكثير ، أكثر مما كنت أتوقع...لست أبالغ في ذلك..لهذا غالبا ما أقول: يا لسعادة القارئ.. يا لتعاسة القارئ
**
نصيحة :
على القراء المغاربة أن يحذروا جيدا من فتح الكتب في مكتباتنا.
لماذا ؟
لأنه بسبب نسيان الكتب على رفوف المكتبات لأمد طويل بدون تصفحها ، نفض الغبار عنها تبديد مللها ووحدتها – أضحت هذه الكتب وحوشا جائعة ، فما إن تمسك قارئا ما حتى تسجنه داخلها بدون السماح له بالخروج..
هكذا يصبح القُراء فريسة سهلة للكتب التي جعلنا منها ، بدون أن ندري ، وحوشا جائعة .

**

لعنة الكتابة
لم أعد أقرأ بالطريقة التي كنت أقرأ بها سابقا ـ حتى هذا النشاط ، نشاط القراءة المقدس لم يعد مقدسا ، أضحى مدنسا بشكل أعجز عن التعبير عنه - ما الذي أدى إلى تدنيسه؟
هنا سأجازف بالإجابة بالقول أنها : الكتابة .
نعم ، لا داعي للإستغراب ، فالكتابة بقدر ما جعلتني أحترم الكتاب – ذلك كونهم فعلوا ما عجزت أنا على القيام به – بقدر ما سحبت السحر من الكتب ، جعلتني أقرأ ليس بغرض الاستمتاع ، ليس بغرض السفر إلى تلك العوالم التي بناها الكاتب ـ بل فقط من أجل أن أرى كيف بنى هذا الكاتب عوالمه. وبأي طريقة فعل ذلك ..فالتركيز في تفاصيل الكتابة يكون قاتلا لنشاط القراءة. في النهاية ، عندما نتحول الى كتاب ، يختفي السحر . سحر القراءة لا يعود كما سابق ، هل يمكن القول بأن هذه لعنة الكاتب ؟
**
وجوهنا مثل القضيب الذكري
هل أنتم أيضا أم أنا فقط ، عندما تخبرون صديق لكم ، وجها لوجه ـ أنكم حققتم شيئا ما ، تلاحظون نوع من الإنقباض ، لا يطول ، يستغرق فقط جزء من الثانية . لكن العين تلتقطه .
آه يا إلهي ، إن وجوهنا مثل القضيب الذكري غالبا ما تفضحنا ، لأنه يصعب التحكم فيها . أحيانا تفاصيل بسيطة تظهر في محيا أصدقائنا أو ما يخيل إلينا أنهم أصدقاءنا تفضح صداقتهم المزيفة .

**

أقنعتي التي ليست أنا:
بعد أن خرجت هذا المساء لكي أتجول في شوارع وأسواق مدينتي ـ تذكرت أني نسيت أقنعتي في دولاب غرفتي .. لذا بقيت طيلة الوقت في شوارع المدينة خائفا ومتوجسا من أن يكتشفوا حقيقتي . بيد أن هذا الخوف ، خوفي ، كان بلا سبب لأنهم لم يعرفوا من أنا ولم يشكوا في هويتي أصلا فهم يعرفون فقط أقنعتي التي ليست أنا .



**
سيزيف آخر
كل ليلة ، أتيه في شوارع مدينتي بحثا عني ، أسأل المارة الذين يبدو كأنهم يحملون صخرا على أكتافهم ، بوجوههم التي يبدو أنها بلا ملامح ، إن كانوا قد شاهدوني .. لكن لا جواب البتة ينم عنهم فأعود خاوي الوفاض ، بدون أن أجد خيطا يوصلني إلي. وهكذا كل ليلة تتكرر المأساة . مأساة أني أضعت نفسي ولم أجدها
**
أحسدهم
هناك أشخاص ، صراحة أحسدهم ، سبب ذلك أنهم لا يشكون فط في أنفسهم . ي
**
جنون العظمة
لو لم أكن أنا ، لوددت لو كنت أنا .
**
نعيش في عالم يغور عميقا ،عميقا ، في مستنقع الدوغما ، يحاول تكميم أفواهنا مثلما تكمم أفواه الكلاب

**
جوع لا يشفى غليله
أقرأ منذ أكثر من عشر سنوات ، أقرأ كل ما يقع تحت يداي من كتب ، لا سيما الكتب الروائية.
ألاف الصفحات إبتلعتها طوال هاته السنوات العشرة.
رأسي أضحى ممتلئ بأفكار ليست أفكاري ، لكنها غدت أفكاري بشكل من الأشكال أفكار سوية أحاول الإبقاء عليها ، أفكار شاذة أحاول التخلص منها بدون أن أستطيع ذلك.
أنا دولاب ممتلئ عن آخره بالورود التي تنعشني وبالأشواك التي تدميني
تقول لي ذاتي الأخرى :
• إكتفيت ، لم أعد قادرا على تقبل المزيد .
لكني لا أقول له شيئا ـ لأني أعرف أن هناك جوع لا يشفى غليله سوى بإلتهام الكلمات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منصة بحرينية عالمية لتعليم تلاوة القرآن الكريم واللغة العربي


.. -الفن ضربة حظ-... هذا ما قاله الفنان علي جاسم عن -المشاهدات




.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة


.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها




.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-