الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحاباة وعلاقتها بالفساد

محمد مهاجر

2021 / 9 / 2
الفساد الإداري والمالي


-
هنالك نكتة تم تداولها بين الناس في عدد من الثقافات والاقطار. وهى تدور حول مسؤول سأله أحد المقربين اليه عن سر ثراءه المفاجئ, والرجل موظف بسيط, وكان تواصل الرجلين قد انقطع لفترة من الزمان, فلم يرد المسؤول بل اخذ صاحبه الى الصحراء وخاطبه قائلا

اترى ذلك الكبرى الذى يربط بين ضفتى النهر
انا لا أرى غير السراب
اذن هذا هو الفرق بينى وبينك. لقد تمكنت من اقناع صديقى المسؤول الكبير والذى قام باقناع المجلس التشريعى بان المشروع قد تم إنجازه وفقا للمواصفات المحددة فوافق المجلس على الأوراق التي قدمها لهم.
وكيف يوافق المجلس على السراب؟
من جديد اذكرك بان ما تراه سرابا قد تجسد في القصور التي بنيناها والسيارات والشركات والمصانع وغيرها, فهل عرفت الفرق؟

وبالطبع الفرق قد لا يكون في القدرات العلمية او الذهنية لكنه في الاستعداد الروحى والعقلى للاثراء عن طريق الفساد. والرجل الفاسد من شاكلة ذلك الرجل الذى ذكر في الفقرة السابقة قد يكون من المحاسيب, او ذوى القربى, وهو يتحصل على معاملة تفضيلية بسبب تحيز احد أصحاب النفوذ. وهنالك حالات لا يكون فيها التحيز لذوى القربى فقط. وفى كل الأحوال يقدم كل طرف خدمة للاخر ويحصل الطرفين على منافع مادية او معنوية او الاثنين معا. وهنالك المحاباة وهى اخطر من المحسوبية لان الأطراف تكون على استعداد للتخلي عن اى وازع اخلاقى او دينى او اجتماعى او غيره.

ان التحيز او المحاباة تعد نوعا اصيلا من أنواع الفساد بل اكثرها ضررا وهى عادة تبدأ بالطرف الضعيف الذى يريد تحقيق مصلحة لا يستحقها عن طريق استغلال طرف اخر. وفى حياتنا اليومية نصادف الكثير من أصحاب النفوذ الذين لا يجدون طريقة لاستغلال سلطاتهم استغلالا سيئا الا عن طريق استخدام الفاسدين الذين لديهم استعدادا لفعل كل ما يطلب منهم من اجل إرضاء رؤساءهم. وفى السودان هنالك الكثير من الموظفين الصغارالذين استطاعوا الترقى الى الدرجات الوظيفية العليا عن طريق ممارسة السمسرة السياسية. وامثال هؤلاء يدركون ان المسؤول المعين لا يستطيع ان يمارس الفساد المالى والادارى بنفسه فينوبون عنه ويحصلون بالمقابل على انصبتهم من الصفقات.

ان المحاباة هي حجر الزاوية في عمليات الفساد وهى تحدث بعد الحصول الثقة المتبادلة. وفى البداية يكون الشخص الضعيف اكثر انقيادا وتقبلا لطاعة الأوامر, فتجده يتطوع للوشاية بزملاءه او التجسس عليهم او التهكم بهم من اجل إرضاء رئيسه. وفى مرحلة لاحقة يجد نفسه ينفذ مهاما فى غاية القذارة مثل التجسس على زملاءه والقيام بكل عمل يرمى الى تشويه صورتهم عند المسؤولين الكبار. وحين يشتد ساعد الرجل الفاسد يسمح له باستلام أموال الفساد والمشاركة في اخفاء اثار الجرائم ودفع الرشاوى وغيرها من المهام الكبيرة. وشيئا فشيئا يتمكن الموظف الضعيف من دعم قدراته فيعمد الى التنمر على زملاءه او ازدراءهم او محاولة اسكاتهم او غيرها من الاعمال القذرة. وفى كل الاحوال يتم التغاضى عن تجاوزاته وقد يتلقى الدعم والتشجيع من قبل رئيسه.

ان بؤرالفساد التي يلج فيها أصحاب الحظوة لمنتنة جدا, منها الرشوة والتهريب والابتزاز واستلام المال المسروق وغيرها. وقد اوردت منظمة الشفافية الدولية في تقرير نشر على موقعها هذا العام حقائق صادمة منها ان أموال الرشاوى وصلت الى مليار وثلاثة ارباع المليار دولار في العام, اى ما يعادل ميزاينة كندا. وزادت المنظمة بالقول ان شركة ايرباص دفعت ثلاثة وثلاثة اخماس بليون استرلينى كغرامة لادانتها في قضية رشوة. اما في نيجريا فان فساد المسؤولين يبلغ 670 مليون دولار سنويا. والعامل المشترك في معظم اعمال الفساد هذه هي المحاباة التي تؤدى الى استغلال النفوذ.

ان المحاباة تبدا بعمل صغير مثل اثبات الذات او ضمان الاستمرار في الوظيفة ثم تتطور الى علاقة يستفيد منها الطرفين من مال الفساد. وفى حالة الطرف الضعيف فانه يعوض عن ضعفه الداخلى بالاستعداد للقيام بأكثر الاعمال وحشية مناجل إرضاء مرؤوسيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستشرق إسرائيلي يرفع الكوفية: أنا فلسطيني والقدس لنا | #السؤ


.. رئيسة جامعة كولومبيا.. أكاديمية أميركية من أصول مصرية في عين




.. فخ أميركي جديد لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟ | #التاسعة


.. أين مقر حماس الجديد؟ الحركة ورحلة العواصم الثلاث.. القصة الك




.. مستشفى الأمل يعيد تشغيل قسم الطوارئ والولادة وأقسام العمليات