الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الرفاه و المال

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 9 / 2
الادب والفن


آمنت طويلاً بالأفكار الشّعبية التي تحثّ على الهروب من الواقع ، وتفعل فعلها في تخدير العقل فيفقد اإنسان طموحه، من أهم تلك المقولات: الحب يفعل المعجزات ، المال لا يصنع السّعادة، القناعة كنز لا يفنى ، وغيرها من القناعات، وكلّما كنت أذهب إلى صومعتي للتأمّل في الحياة كنت أردد تلك الشّعارات ، و أنا أنتظر نهاية القول كي أحصل على السّعادة، و المعجزة ، وكنز القناعة . أصبحت كالتعاليم الدينية، بل هي ربما تعاليم دينية توصينا بأن الآخرة خير من الأولى ، رغم أن الأولى أيضاً هامة ، فكيف سوف أبتعد عن سرقة رغيف الخبز ، و أنا جائعة ؟
في المجتمع السّوري تعريف الغنّي هو من يستطيع أن يأكل ويشرب، ولديه سيارة ، وبيت ، وربما أكثر من بيت ، وعمل ، وهذا هو ربما الحد الأدنى للمعيشة الذي نعتبره غنى ، وهذا كان في الماضي ، لكن اليوم يوجد بضع أشخاص أغنياء ، و أمراء الحرب، وزعماء المليشيات، و الباقي تحت خط الفقر ، لذا فإنّ موضوع الغنى نسبيّ.
المنّصات الاجتماعية مشغولة إما بالدين، أو النسوية الدّينية، أو النسوية الكارهة للرّجال ، مع أن مفهوم النسوية بالأصل هو المساواة في الحقوق القانونية بين الجنسين، وتحت هذا الشّعار محاربة العادات التي تمسّ المرأة كالنكتة المتحرّشة ، وقد حضرت بعض الاجتماعات النسوية في السويد لأحزاب مختلفة، حيث أكدّت المحاضرة في النسوية ، و أوردت أمثلة عن النّكتة الذكورية ، وقالت: لو توجه أحدهم لك بتلك النكتة . عليك أن تكرّريها وتقولي له : هل سمعت جيداً ماقلته لي؟ ثم تطلبين منه عدم التحرش بالنكتة ، وفي اجتماع آخر قالت محاضرة أخرى: عندما تركبين بالباص ، ويكون إلى جانبك رجل يأخذ حريته في فتح رجليه قولي له أنّك متضايقة . النسوية السورية تعتمد على الصراخ بكلمة لا، لكن أين نصرف ذلك الاستنكار؟ لا ندري ، ليس لدينا في أية منطمة نسوية إمكانيات " مادية ، أو موارد بشرية" لحماية أية امرأة حتى في الغرب ، و إن كانت المنظمة مموّلة تتقاسم المشرفات عليها المنافع.، لهذا السبب لم أنضم إلى أية منظمة نسوية ، إلا إحدى الكروبات الكردية على الفيس ، وقد قبلت الانضمام لأنني أعرفهنّ بالإسم، وكنّ في الماضي رفيقاتي ، ولا يوجد تمويل . بل هي جهود فيسبوكية ، وربما غزاها الرّجال اليوم، وحوّلوها أحياناً إلى صفحة قومية.
الرفاه الاجتماعي هو أن تستطيع العيش بمستوى ملائم من حيث التغذية و التعليم ، و الطبابة، و أن يكون لديك سيارة ، وتستطيع قضاء إجازة مرّة في العام في مكان تحبّه، وهذا هو الحد الأدنى للرّفاه ، وهو محظور في سورية لأننا ببساطة نسخر من الرّفاه ، ونمجدّ الشّقاء، بل إن الأمر ليس كذلك أيضاً بل إن هناك نخبّاً تكرّس لنا هذا المفهوم فيلهمنا ، ونعتبره مفهوماً ثورياً ، نستعيض عن ذلك بتحرّرنا المزيّف كأن نضع على الفيسبوك حفلة مليئة بالسجائر و المشروب، وما دمنا نشرب ، وندخن ، فلا يمكن اتهامنا بالرّجعية لأننا لسنا متدينين!
سورية اليوم خارج التاريخ، لكن الشعب السّوري لا زال حيّاً ، يستطيع التأثير في بيئته الصّغيرة ، وليس على مستوى المكان كلّه . القيم هي جزء من إعادة البناء ، ولا يمكن بناء قيم صحيحة مع الجّوع ، لكن يمكن بناء مجتمع متكافل في مناطق صغيرة من سورية بحيث تكون القيم تشبه الاشتراكية الاجتماعية ، ويتم من خلالها القضاء على الجوع الظاهر، لأن هناك جوع آخر وهو أن لا يحصل المرء على الحريرات اللازمة له ، أن يكون هناك قيم أسرية، ومسؤولية للأبوين عن مصير أولادهم ، أو على الأقل أحد الأبوين ، وهذه أمور ممكنة لو تولى قيادتها تنظيم مدني مكون من جميع الأطياف الاجتماعية، وحتى الدينية منها .
لست معجبة بجميع رؤساء العالم ، ومنهم رؤساء أمريكا ، لكن لا زلت أذكر خطاب بايدن عندما تعهدّ أن يقضي على الفقر ، وهو كلام سياسي ليس بالضرورة أن يتم تنفيذه ، لكنه كلام لاقى أثراً في الشعب الأمريكي حيث قال : " نحن نوّرث إلى الأجيال المقبلة الثّروة" ، ولولا الثروة ما قيمة أمريكا؟ أليس رأس المال هو الذي يحكم العالم؟ وهل المال يصنع السّعادة ؟ في الحقيقة المال هو من يصنع السعادة ، حتى في المرض ، شريطة أن لا يكون المال من أجل المال ، و المال يصنع الحبّ ، فهاهو الأمير هاري يرتبط بزوجته التي تحظى بعقود في السينما ونتفلكس ، وهي المسؤولة عن الثروة التي جعلت الرجل يغادر القصر، وهو تفسير شخصي، لكن العارفين بالأمر يقولون أن المشاهير يسوّقون حبهم عن طريق " الخاطب، أو الخاطبة" التي هي عبارة عن مؤسسة ترتبط بأصحاب المال .
نعيش اليوم عهد السوشل ميديا ، و أهمها الفيس بوك ، الذي لم يعد يستعمله الشباب في الغرب ، أغلبنا مزيّف حتى في التعليق ، ومن يخالف القطيع يقتل ، فعليك أن تكتب عن درعا بشكل عاطفي وحماسي حتى تحصد الإعجاب، و تكتب عن الضحية أنه شهيد جميل. هل رأيتم قتيلاً جميلاً ؟ إنّه ضحية يا أحبتي . هو ضحية القباحة . نحتاج لموسوعة حتى يكتمل الحديث ، لكنها البداية فقط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا