الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف و أخرون على محكات شبكات التواصل الاجتماعي

يوسف حمه صالح مصطفى
باحث أكاديمي، پروّفيسوّر في علم النفس / و محاولات في كتابة الشعر

(Yousif Hama Salih Mustafa)

2021 / 9 / 3
الادب والفن


المُثقف والآخرون على مَحكّات شبكات التواصل الإجتماعي
جامعة صلاح الدين- أربيل- العراق
لنتفق مُسبقاْ بأن المُثقف هو الإنسان الذي يرسم لنفسهِ حدوداْ أو مسارات ينتهجها ولا يُحيد عنها بهدف الإقتراب من حقائق الأمور و بالتالي تنوير الآخرين بها ، وعلى وفقها، يفكر و يُحلّل ويُقّيم و ينتقد ويقبل و يرفض ، و لنُسّمي هذهِ المسارات ، أُسساْ أو مبادئاْ يُعتمَد عليها في توظيف العمليات العقلية باساليب واضحة المعالم و في مختلف الظروف والأجواء، بإستثناء الهفوات التي لاتدخل في ضمن هذا السياق . و طالما نحن البشر بمختلف مستوياتنا الفكرية والأخلاقية و لاسيما في عصرالثورة الرقمية لايمكننا أن نُصيب دوماْ بنظر الآخرين و عليهِ يتعذر علينا أنّ نُرضى كل ذوق و عقل، فالفردانية تفرض حالة من الخصوصية و التفاوت الفكري و المزاجي و الأخلاقي و ترفض أيضاْ مبدأ التجانس الأفتراضي الذي نُضفيهِ على كُلّية المجتمع .
و الحرية حيثما يتعامل معها المُثقف تُعَدّ الفضاء الذي يُمارس فيهِ إبداعه و تفرده المُتمايزو كذلك تصبح أداتاْ لإختبار قدراتهِ فيما يرنو اليه من تحقيق لإهدافهِ والوصول اليها بأقل الأخطاء و الضرر، وفي ممارسته لتقييم الذات هذا يُعَدّ واعياْ و مسؤولاْ عما يسلك أو يقول أو يكتب مهما كانت التداعيات ، فهو لا يقتنص الفرص المؤاتية بل يقتحم الفرص غير المؤاتية أحياناْ لكي يتصرف كما ينبغي، و يقول أو يسلك بما يقتنع ساعياْ الى إنارة العقول و لو بإضاءات متواضعة . فهو لايُقاد بحسب الغرائز أو الأحقاد أو التحيّزات و حتى بحسب طموحاتهِ التعجيزية و إنما بحسب الخبرات الثرّة التي بلورت لديه منطق العقل السليم .
فالمُثقف الذي أصبح عملة نادرة في عصرنا هذا، أي أقل عدداْ مما يُطلق عليه النُخبة ، في عصر السيولة و الحضارة السائلة، كما يطلق عليه العالم السوسيولوجي البولندي"زيجمونت باومان" ، هو الإنسان ذو الخبرات المُتراكمة من جرّاء تفاعلهِ المتواصل مع الحياة و مشكلات الناس وذو علاقة وطيدة بالمتابعة و قراءة الكتب ، أي من جرّاء قراءاتهِ المُثمرة لكنوز المعارف الإنسانية ، و هو الذي يُترجم في سلوكهِ العام والخاص ما تمَثّلهُ من تلك المعارف ، ليغربل منها زُبدة ما يؤمن بهِ و يُعيد صياغتهِ أو خلقهِ ليعكسهُ في المواقف الحياتية المختلفة .
فالمثقف سايكولوجياْ يُفكر بإستقلالية بعيداْ عن الضغوط والإغراءات والنزعات الذاتية الضيقة ، وهو الذي يمتلك بُنى معرفية مُعقدة بحسب العالم "كيلي" من جراء تراكم الخبرات و المعلومات بعكس الإنسان البسيط الذي يمتلك بُنى معرفية متواضعة .
فالمثقفون الحقيقيون هم مشاريع راقية تسعى من خلال ترميم الذات و بناءها إلى خدمة الحقيقة والإنسان ، و نرى مثل هذهِ النماذج الراقية في الحياة ، رُبّما في علاقاتنا أو فيما نقرأ أو فما يُنشر هنا و هناك عِبرَ شبكات التواصل الإجتماعي و منها الفيسبوك الذي أتاحَ للكُلّ حُريّة التعبير و النشر دون قيود تُذكَر. ومن هذا الكُل المشترك في تلك الشبكات تبرز التمايزات بحسب طبيعة الأداء التي من شأنها فرز نخبة نوعية قليلة العدد لكنها فاعلة بحكم إختيار موضوعات جديرة بالنشر، وهي النُخبة المثقفة بلاشك، و فئة الأغلبية التي تستخدم هذا الفضاء الرحب في نشر كل مايخطر و ما لايخطر ببال المُتلقي من فجاجات و أمور سطحية تعكس طبيعة شخصية المشترك، و منها مثلاْ، مقولات أو عبارات مقتضبة أو جاهزة مُستنسخة تحمل في طياتها رسائل ضمنية من الكراهية موَجّهة بصورة مُبطنة إلى أشخاص مُعَينين و بقصد واضح ، لكن هذه الرسائل تعبر حدودها إلى غيرالمشمولين بها مما يُعكر المزاج العام . صحيح،إنَّ المدنية و المنطق السليم يستدعيان إتاحة الفرص للكُل في حرية التعبيرعن الرأي أو النشر ، و لكن ماذا نقول حينما يتحول هذا الفضاء الرحب للتعبير إلى حرية مُنفلتة من شأنها أن توحي لصاحبها الذي ربما يُعاني من بعض الإضطرابات في الشخصية ببعض الأدوار والخصائص الوهمية ، فتتحول الركاكة و الهذيانات إلى شعر و الجاهل إلى عالم و الغبي إلى عبقري و الفارغ إلى بطل و القُبح إلى جمال ......الخ، الفضاء الذي يمنح دفعات نفسية كاذبة واهمة للبعض الفج هذا بأنهم ليسوا ماهُم عليه في الحقيقة ، فهُم أدباء و شعراء و حكماء و لكن ليسوا كذلك في الواقع , و فضلاْ عن إنَّ الفيسبوك تحوّل إلى مضمار مفتوح للنشر والتعبير إلّا أنهُ صار مؤشراْ دالّاْ لإختبار الأمكانات و الشخصيات ، و طالما إنَّ البعض يفتقر إلى بُعد نظر في الحياة الواقعية لا يعي تداعيات تصرفاتهِ فأن ذلك ينعكس بشكل واضح في أداءه في شبكات التواصل و منها الفيسبوك ، و هناك العديد من القنوات التي تُعزز الوهم لديهم منها ، أصدقاء التأييد "اللايك" والذين هُم من نفس الصنو أو ممن يجيدون فن الُمجاملة ، او عبر المنصّات أو مؤسسات تكريمية زائفة و مشبوهة و مجهولة الجهة والمصدر، تمنح الشهادات و الجوائز الرمزية و الألقاب الأدبية بكل سخاء إلى مَن أنخدعوا بها لمجرد إنَّ هذهِ الجهات الغريبة الُمضحكة تعزف بنجاح على أوتار نرجسية المخدوعين هؤلاء .
إنه صراع ،صراع من نوع آخر في زمن الثورة الرقمية بين المثقفين و الضحلين من الناس وفئة تتوسط هذين النمطين ، صراع فيهِ يأخذ البسيط والضحل مجال أوسع في التصرف بحكم غياب الرادع الذاتي و الحرية المُتاحة للجميع تتحول الى حرية منفلتة لدى العامة و التزام و مسؤولية لدى النُخبة ، فهو صراع مباشريترجم من الواقع الإجتماعي الحقيقي الى الواقع الإفتراضي الفيسبوكي ، صراع يتمخض عنهُ الكثير من المزايا و السمات منها ، طبيعة الإهتمامات لدى الناس و يقظة الذات و مستويات الوعي والإلتزام و الشعور بالمسؤولية و التعمق و الركاكة والسطحية و النرجسية والحقد و العدوانية وحتى بعض الإضطرابات في الشخصية ...، و أدوات الصراع هذا ، لكُلٍ حسب وعيهِ و مهارتهِ و قدرتهِ و توجهاتهِ . فشبكات التواصل وأكثرها فاعلية، الفيسبوك ، تكشف حقيقة الذات، و تفرز طبيعة النفوس كونها ضعيفة أو قوية سواء تعكس في أدائها منشورات ذات صبغة ضيقة أنانية أو فيها توجهات سامية راقية ، و بين قُطبي الضعف والقوة هذين تتدرج و تتوزع مستويات الآخرين على تلك الخصائص .
======================








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب


.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري




.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس