الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السقوط في حبائل صندوق الدين

محمد حسين يونس

2021 / 9 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


فى يوليو 1961 قالوا لنا أن ( الثورة ) قضت نهائيا على آخر معاقل ( الرأسمالية المستغلة). بتأميم البنوك وشركات التأمين والتجارة الخارجية والمقاولات وحصرت هذه الأنشطة فيما سمته بالقطاع العام أوالحكومي أى في شكل من أشكال رأسمالية الدولة .
ثم قامت بإنشاء خط دفاعى صلب لمنع عودتها(أى الرأسمالية المستغلة ) بإصدار القوانين المنظمة لدور القطاع الخاص ( الرأسمالية الوطنية ) فى العملية الاقتصادية .و التي تجعله تحت رقابة دائمة بحيث لا يراكم من الأموال ما تجعلة قوة مؤثرةعلي السوق
وبقوانين الضرائب المتصاعدة وحواجز الجمارك المبالغ فيها أصبح هناك سدا منيعا أمام صعود رأسمالي جديد .
وبأجهزة الرقابة المختلفة كان من الواضح أن الرأسمالية ( المستغلة ) لن يقوم لها قائمة بعد ذلك التاريخ.
ولكن لم يدم هذا النظام إلا عقدين .. ففي ثمانينيات القرن الماضي أى بعد عشرين عاما فقط من إصدار هذه القوانين و النظم ..ُنثٍر علي وجه مصر عمدا مئات الألوف من المليونيرات بعضهم يمتلك أكثر من ألف مليون جنيه كسبها من تجارة المخدرات و الأثار و إستغلال النفوذ .. و المضاربة في أسعار العملة و كل ما هو مشبوه من نشاط البشر .
على الجانب الآخر كان 34% من الشعب المصرى كما جاء في البيانات الرسمية و القياسات العالمية يعيشون تحت خط الفقر.
في 2011 ثار الشعب في القاهرة و المدن الرئيسية إحتجاجا علي سوء الأحوال المعيشية..وإستمرت هذه الهوجة لعدة أسابيع .. قبل أن تقفز عليها .. قوى الرأسمالية المتلفعة بالإسلام أو المدججة بالسلاح فتقضي عليها .. و تعيد الشيء لأصلة ..فيما يشبه الثورة المضادة .
تنتهي الثورة المضادة بسيادة طبقة كومبرادورية ..رأسمالية طفيلية .. تخضع للبنك الدولي و صناديق الدين .. و تجعل الموقف في مصر أكثر سوءا و توحشا من زمن الثمانينيات ..
لقد أصبح ما يدور حول 5 % من المصريين من المليونيرات .. نصفهم مليارديرات .. في نفس الوقت أغلب المصريين أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر.. و ما تبقي .. يجاهد كي لا يسقط طبقيا عندما يعجز عن توفير تكاليف حياته و أسرته التي أصبحت فوق طاقة أغلب سكان الحضر و الريف .
في مصر اليوم يتجاور ( بشكل فاجر ) .. من يستطيعون شراء مساكن الحكومة التي تعرضها في مدنها الجديدة بملايين الجنيهات .. مع أغلب الناس الذين يعيشون في أحقاق .. عشوائية.. لا يجدون سقفا يظلهم .
في مصرمن يقضون شهور الصيف في الساحل الشمالي أو الغردقة أو شرم الشيخ ينفقون الألاف علي متعهم و نزواتهم و العابهم المستجده باهظة التكاليف .
وهناك من يعانون من الحر و الرطوبة و الخوف من الأمراض و العدوى بالكرونا .. يسعون في كبد ..من أجل توفير قروش لا تكفي لتغطية فواتيرهم .
مختصر الكلام أنه اليوم بعد مرور ستين سنة فقط علي القوانين االناصرية .. يتحول المجتمع إلي صورة مشوهه من التباعد الإجتماعي .. و الفروق الطبقية .. و الظلم في توزيع الدخل .. في درجة أكثر قسوة .. عن الزمن الذى إنقلب ضدة الضباط الأوائل في منتصف القرن الماضي .
ألا يدعو هذا للتساؤل!!
كيف تم ... و كيف إستطاع ضباط القرن الحادى و العشرين .. أن ينهو تماما علي ذلك المجتمع الذى حلم به ضباط ستينيات القرن الماضي..
قد يكون الرد علي هذا التساؤل موضوع عدد من المقالات .. أخطط لنشرها علي صفحات الحوار المتمدن .. في الأسابيع القادمة .. نبدأها بحديث عن إشتراكية مصر.
لم تصل مصر الى ( اشتراكيتها ) عبر علاقات فلسفية أو نضالات حزبية أو ثورة شعبية و إنما من خلال تجارب ثورة يوليو( حسنة النية ) لتحقيق أهدافها ( الإنسانية ) الست وإرساء أسس مجتمع جديد يتناسب مع الواقع المتغير لنهاية القرن العشرين.
بمعني عندما حاول قادة الثورة تحرير المواطن من (عبودية العوز ) بإيجاد عمل كريم لكل قادر أو معاش لغير القادر .
وعندما كان عليهم ضمان توفر السلع الضرورية بالسوق بأسعار مناسبة... وعندما حاولوا حماية الجنيه من مضاربات الرأسمالية وخلق اقتصاد وطنى متحرر من النفوذ الأجنبى .
اصطدموا بقوى ( الثورة المضادة ) فى الداخل والخارج .. واكتشفوا أن عليهم فى سبيل ضمان حرية وطنهم و عدم السقوط في براثن نفوذ القوتين العظميتين مساندة الثورات الوليدة في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية ..والانضمام الى مجموعة عدم الانحياز و إحياء القومية العربية والوحدة الأفريقية والجامعة الإسلامية كتجميع للمضطهدين في هروب من المد الأمريكي .. و السوفيتي الذى يتواجه باسلحة نووية .
و أن عليهم كذلك اتباع منهج الاشتراكية .. كما كان مفهوما في ذلك الزمن ..حيث سادت لفترة نظم ( الإشتراكية القومية ) في المانيا و إيطاليا قبل هزيمتيهما .. و بعد نهاية الحرب ..تمكنت ..الإشتراكية الستالينية التي أرساها من الإتحاد السوفيتي.. و إنتشرت بين دول المعسكر الإشتراكي كأساس لإدارة اقتصاد الدولة .
لم تكن قوانين يوليو 1961 هى بداية ( الاشتراكية ) فى مصرلقد سبقتها معارك عديدة منذ اليوم الأول لإنقلاب العسكر و بعد صدور قوانين الإصلاح الزراعي ثم مع تمصيرإدارة الراسمال الأجنبي و طرده من السوق ..و تأميم قناة السويس .. و البدء في بناء السد العالي لتوفير الكهرباء و ضبط حركة الرى
بمعني أنه عندما جاءت قوانين 1961 كانت تمثل الخطوة النهائية لفرض سيطرة الأجهزة الحكومية على مجمل الاقتصاد القومى وتوجيهه ..وتقليص نفوذ كبار ملاك الأرض و الرأسماليين و إخضاعهما لقوانين الدولة .. و رقابة البيروقراطية. في شكل أقرب لما فعلة هتلر في المانيا النازية ...
ليصبح عبد الناصر الزعيم الأوحد المفدى بالروح و الدم .و الذى تنتهي بين يديه جميع خيوط إتخاذ القرار و الإتحاد الإشتراكي يماثل الحزب النازى ..و القوات العسكرية و البوليسية وسيلة لضبط الناس.
تبع ذلك بث لتأصيل قيم أخلاقية جديدة تتناسب مع الواقع المستهدف عن طريق الفن و الإعلام .
و هكذا تغير شكل المجتمع بعد التأميم لقد أصبحت الدولة هى المنتج الرئيسى سواء كان ذلك فى الزراعة أو الصناعة أو المقاولات أو التجارة أو الخدمات ... فى الفن أو الثقافة أو السينما أو الكتاب أو المسرح أو الإذاعة والتليفزيون .. أو بمعنى أدق فى مجمل أنشطة الحياة الإنسانية.
و أصبح رئيسها ديكتاتورا منفرد بإتخاذ القرار .. و ضباط جيشة ( العاملين و المتقاعدين ) المصدر الأساسي لأدوات قهره و سيطرته .. ليخلق طبقة رفيعة متعالية علي المجتمع تصادر الوطنية لتصبح كلمتها .. و تطارد أى فكر مخالف .. حتي لو كان علي يسار الميثاق .
لقد ألزمت الدولة نفسها بإيجاد عمل لكل مواطن ومسكن وطعام وملبس وفرصة تعليم ووسيلة ثقافة ورعاية صحية له... وفى حمايته من قوى العدوان الداخلية والخارجية.
فى تلك الأيام بدأ الدعم للسلع الرئيسية وبناء مئات المدارس والوحدات الصحية والمشروعات الإنتاجية ... وتم إنشاء مسارح الحكيم والقومي والطليعة والعرائس والأوركسترا السيمفوني وفرق الرقص الشعبى والباليه والدار القومية للطباعة والنشر ...
وتقرر منح جوائز الدولة فى العلوم والفنون والآداب .. وانعكس ذلك على الأغنية والفيلم والمسرحية والكتاب والشعارات التى تمجد العمل وتعتبره حق وواجب وحياه والتى تتغنى بالاشتراكية والديموقراطية وتعتبرهما جناحا الحرية .. وتدعو للبناء والتصنيع وزراعة الأرض البور والكفاية والعدل .
ونتيجة لذلك تم طرد الاستعمار مرتين وشمخ المصرى بدور بلده الرائد المؤيد لحريات الشعوب ... و آمن المواطنون ( عدا أعداء الثورة ) على حياتهم ولقمة عيشهم وتعليمهم وصحتهم ومستقبلهم رغم سيطرة الدولة الكاملة على كل مداخل ومخارج الاقتصاد القومى .

فالزراعة التى كانت يسيطر عليها الإقطاع من خلال ملكيته لمعظم الأراضى الزراعية أصبحت الدولة بقوانين للإصلاح الزراعى 1952 وما تلاها وقوانين العلاقة بين المالك والمستأجر هى المسيطر الرئيسى عليها من خلال أجهزتها الممثلة فى وزارة الإصلاح الزراعى والجمعيات التعاونية التى تشرف على الملكيات الصغيرة المفتتة تحدد نوعية المحصول وطريقة تسويقه وسعره وتمويل زراعته .
والصناعة بعد تأميم ممتلكات الأجانب فى 1956 وتكوين بدايات القطاع العام ممثلة فى المؤسسة الاقتصادية سيطرت عليها الدولة فى محاولة لتحقيق حلمها الطموح ( من الإبرة الى الصاروخ ) فأنشأت شركات قطاع عام للسماد والأسمنت والحديد وصناعة السيارة والطائرة والصاروخ ... وطورت الشركات القائمة فى غزل ونسج القطن وصناعة القماش والسكر والزيت تاركة هامشا ضيقا للقطاع الخاص يتمثل فى مجموعة من الورش الصغيرة التى يشرف على منتجاتها ويحدد أسعارها أجهزة الرقابة الحكومية .
والمقاولات التى كان عليها عبء إنشاء مبانى خطة الصناعة الطموحة ومبانى الخدمات والدور الحكومية والإسكان وشبكات الطرق والمياه والمجارى والكهرباء بالإضافة الى السد العالى والوادى الجديد تم تجميعها بعد تأميمها فى مؤسسات حكومية رقابية تشرف عليها ... توجهها ... توزع الأعمال بينها ...
كذلك تم إنشاء جهاز رقابى يتبع وزارة الإسكان مهمته السماح لمقاولى التخصص بالعمل ضمن إطار خطة الإنشاء ويتأكد من أن كل شركة لم يتجاوز حجم عملها كمقاول باطن لشركات القطاع العام أو الحكومة الحد الأقصى وهو خمسون ألف جنيه سنويا .
والتجارة الخارجية تم حصر نشاطها بالكامل فى شركات القطاع العام والجمعيات التعاونية فيما عدا بعض فروعها فتركت للقطاع الخاص تحت إشراف أجهزة مراقبة الأسعار ووزارة التموين .
والخدمات كانت الحكومة تقدم أغلبها ... جميع أنواع النقل... المياه .. المجارى الكهرباء – الطاقة – التليفونات التعليم.. الصحة.. الثقافة... الإسكان.. مع السماح بهامش ضيق للقطاع الخاص تشرف عليه لجان حكومية لتحديد الإيجارات .
باختصار كان مجمل النشاط الاقتصادي والإنساني تتولاه الدولة والقطاع العام وما يتولاه القطاع الخاص كانت تشرف عليه ( وترشده ) طبقا لخطة مركزية تعدها وزارة التخطيط.
فإذا أضفنا لذلك قوانين الضرائب التصاعدية والرسوم الجمركية العالية الخاصة بحماية الصناعة المحلية وقيود تحويل العملة.. وعضوية مجالس إدارة الشركات لمثلى العمال ... و إقرارات الثروة وتحديد الحد الأقصى لمكافآت ورواتب أعضاء مجالس الإدارات بخمسة آلاف جنيه ...
فكيف قام للرأسمالية ( المستغلة )قائمة بعد ذلك
بكلمات أخرى .. كيف تحولت مصر .. من تطبيق (الإشتراكية القومية ) و قيادة العرب من الخليج للمحيط للصعود بنفس الريتم الإيطالي الفاشيستي .. أو ألالماني النازى ..
فتصبح جمهورية من جمهوريات الموز الخاضعة لأمريكا ..و التي تحكم من خلال ديكتاتورية عسكرية بوليسية كومبرادورية ..و تغوص في مستنقعات الديون .. و القروض ..التي تنفق علي أمور مظهرية ( غير تنموية ) .. تستنزف ثروات البلد و تنزحها للخارج .
كيف أصبح حلم التصنيع .. و التنمية و تحسين المستوى المعيشي للمواطنين .. إلي هذا الكابوس السلعي الترفي المحبط ..والمؤدى للتدهور .. و الإندثار
كما هي العادة .. بدأت التغييرات الأساسية من مستصغر الشرر ..من المزايا و الأموال الممنوحة لرجال القوات المسلحة .. عندما سافروا لليمن .. مميزات فئوية جعلت منهم .. طبقة خارج الطبقات ..
و مع تراكم الأموال بين أيديهم ظهر في المجتمع صغار صغار المستثمرين .. الذين بدأ بهم السقوط في حبائل صندوق الدين ..
هذا موضوع المقال القادم .( صغار صغار المستثمرين )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تشخيص الحاله
على سالم ( 2021 / 9 / 4 - 02:02 )
بصراحه مصر دى بلد هباب من يومها , مشاكلها من الصعب ايجاد حل لها , يعنى تيجى من هنا يجيلوك من هنا , طيب وبعدين فى اللوغاريتم ده ؟ ازاى يتحل يعنى ؟ من اهم مشاكل مصر هم المصريين انفسهم , من المؤسف ان نسبه كبيره منهم جهله وصعب عليهم الادراك والفهم والتفاعل مع الاحداث , فى مصر يوجد فصيلين شعبيين هم الفلاحين والصعايده , هؤلاء الفصيلين هم سبب الكوارث والمحن التى تحدث بشكل عام , سواء فلاح او صعيدى فأن عقله ملووح وراكب شمال , الظاهر ان كتاب القريه اثر على مداركههم ومدى استيعابهم , هذا اكيد من سوء حظ هذه الدوله

اخر الافلام

.. إلى أين سيقود ستارمر بريطانيا؟ | المسائية


.. غزة .. هل اجتمعت الظروف و-الضغوط- لوقف إطلاق النار؟ • فرانس




.. تركيا وسوريا.. مساعي التقارب| #التاسعة


.. الانتخابات الإيرانية.. تمديد موعد التصويت مرتين في جولة الإ




.. جهود التهدئة في غزة.. ترقب بشأن فرص التوصل لاتفاق | #غرفة_ال