الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا نقرأ الأدب

سلوى فاروق رمضان

2021 / 9 / 3
الادب والفن


الأدب والفنون تتحدث مع الجزء اللاواعي في الإنسان وهو أكثر جزء يشكل تصرفاتنا ، لماذا نحب هذا ونكرة هذا أو نشعر بالضيق من هذا ؟ قد نعطي أسباب منطقية نظنها صحيحة ولكن غالبآ معرفتنا بسلوكنا وتكوين مشاعرنا لا يمكن أن تأتي إلا بالغوص في أعماقنا .
الأدب يقاوم ويؤثر باللين علي المدي البعيد قد ندرك وجود الفقر بالأرقام ولكن ما يجعلنا نناضل من أجل تحسين حياة الفقراء هو التعاطف معهم ، الإحساس بفردانية كل شخص توجهاته ، آلامه ، طموحاته . وليس التعامل مع البشر ككتل خاضعة للأرقام .
يحكي أن نازي كان يشرف علي عملية الحرق ولا يؤنب له ضمير إلا أن وقف أمام طفلة تشبه إبنته يقول إنه أول مرة يشعر بإشفاق ويشعر أن هؤلاء الذين يحرقهم بشر مثله . ظني دائماً إنه لم تكن أي جريمة ممكنة الحدوث لولا شعور الإنسان بإغترابه عن الشخص الأخر لذا طاوعته نفسه ، ولو تتبعنا أي فكرة عنصرية سنلاقي أساسها فصل الإنسان المميز عن المميز ضده فالأبيض إنسان والأسود إنسان أخر تمامآ الرجل إنسان والمرأة إنسان أخر تمامآ الشرق بشر والغرب بشر أخرين . . فكيف يحدث تعاطف بين البشر ! هنا يأتي مهمة الأدب في هدم الفوارق المصطنعة بين البشر ، فالأدب هو التعبير عن أعماقنا ومشاعرنا تجاة الوجود ومتغيراته واللغة وموسيقي الكلمة هي كل زاده .

الأدب ومخاطبة ضمائرنا .

كل منا محدد بخبراته التي أخذها من دراسته وطبقته الإجتماعية وحياته الأسرية ، كل منا يعلم مشاكل محيطه لإنه ببساطة محيطه هو وهو كل ما يعرفه ويحصر فيه تعاطفه ، وحده الأدب يجعلنا ننتقل من ظروف إلي ظروف أخري ناس أخرون في زمن أخر ، يجعلنا نخرج من ذواتنا ويجعل دائرة تعاطفنا تتسع للجميع .
في رواية المسخ يأخذنا كافكا في العالم الخيالي لبطله جريجور سامسا وينقل لنا عزلة إنسان عن محيطة ويجعلنا نتعمق في عزلته وغربته بتحول سامسا إلي حشرة ، فيتقزز منه الجميع اللذين كان يعمل لخدمتهم ، هذا موقف خيالي لا يمكن للإنسان أن يتحول لحشرة ولكنه الخيال والرمز من أجل أن يدهشنا لنتخيل مدي إحساس الموظف بضآلته ليعرفنا علي كثير من البشر اللذين يعملون ويجتهدون لغيرهم ولا يقابلهم هذا بعرفان وتقدير غيرهم . فالنقرأ بتمعن ثم نبحث في أنفسنا ، هل نحن من يمثلنا جريجور سامسا وينقل كافكا معاناتهم أم نفعل كما فعل أهل جريجور معه ووجد في حياتنا إنسان ساعدتنا علي تهميشه بدون أن ندري . فكثير من مصائبنا حدثت بدون أن ندري ويجيئ الأدب ليوقظنا .
وندخل في عالم نجيب محفوظ في روايته السراب ويدخلنا في أعماق شخصية كامل رؤوبة لاظ ، المتعلق بشكل مرضي بأمه لدرجة إنه يفشل بعلاقته الحميمية مع من يحب ، لإن تعلقه المرضي جعله يتخيل أن الحب شئ والجنس شئ أخر تمامآ ، فيتعامل طبيعي مع العاهرات أما زوجته حبيبته يظهر عقدته عند بابها .
فهو يرينا شخصية المصاب بعقدة أوديب بشكل أدبي سهل الفهم ، يدخلنا تجربة إنسان يعاني من مشكلة قد لا نراها في أنفسنا أو مع أحدهم أو نراها ولكننا نجهل أبعادها ، فيستخدم القلم لتشريح الشخصية علي منضدة الرواية.
أما عالم نوال السعداوي في إمرأة عند نقطة الصفر تأخذنا في زاوية قلما يدركها الجميع ، فنحن أمام إمرأة قاتلة لعنات العالم تصب عليها ولكنها جعلتنا نري جانب منها تجعلنا نشفق عليها وندرك أن أحكامنا ظالمة ، فهي إمرأة في مجتمع ذكوري سهل للرجل الإعتداء وحرم عالمرأة دفاعها عن نفسها ، فهي إمرأة قتلت زوجها عند إكتشافها إعتدائه علي بنتها لتحميها منه ، فحكم عليها بالإعدام .

الأدب والتخصص

سؤال راودني منذ صغري ، كيف لبشر ضمائرهم تسمح لهم بإستعباد أخرون ، كيف لهم أن يسوقوا قوانيين لإنهاك حقوق غيرهم ؟! إنتهيت إلي أن ليس كل فعل مشين فاعلة يقصد الظلم ولا هو متوحش بطبيعته هناك عدة أسباب ولكن ما يهمني في هذا الشأن هو سبب واحد وهو ، هناك من يتخصص في أمر لا يري أبعد منه ومع التخصص الإنسان يصبح غير قادر علي الإلمام والشعور بنتائج فعله هو فقط يعرف ويري فعلة .
مثال عندما تقهر المرأة علي حياة ترفضها وفي القرن الواحد والعشرين تفرض عليها بيت الطاعة لكي نصل للحالة المزرية هذة ما الذي حدث ، ما الخطوات التي تمت لتجعل هذا الظلم الفادح يمرر بسهولة ، لو تتبعنا الأمر سنري سبب أساسي لهذا هو التخصص ، فقد مر الأمر علي قاضي متخصص إنه يطبق نصوص القوانيين ومشرع متخصص إنه يستخرج أحكام من مصادر بعينها ليطبقها ، كان هذا التخصص هو السبب في عدم وضوح الرؤية بالكامل وتباعيات هذة الأحكام علي من تقع عليه، و لوالمشرع رأي حال المرأة المجبرة علي رجل لا تطيقه لبكي .
التخصص يطور العلوم ولكن هذا التطوير لم يكن ضامن علي سعادتنا ، لإن سعادتنا إننا نخرج من الزوايا الضيقة ونري بكل الأبعاد وأثر كل شئ في حياتنا علي مشاعرنا . فبعد أن نعطي أجسامنا للطب وأرواحنا للدين وتنظيم حياتنا للقانون ، يجب أن يجمع شمل الإنسان كيان ليعبر عن انعكاسات كل شيء عليه وما يجمع شملنا هو الأدب .

الأدب كوسيلة للتغير

الكلمة سفيرة الأدب ، إن أي فئة مضطهدة كان أول ما يحدث معها هو إستخدام كلمات توصمهم ،كالنساء ناقصات والسود أغبياء ، لا يعالج الأمر بقانون يجرم فقط بل يجب إستخدام كلمات أخري وإستبدال الوسم والبذائة بمفردات بها قبول الأخر وإحترامه وإستبدال وصم الأبرياء بوصم السيكوباتيين العنصريين لذا تم استحداث كلمة تنمر . الكلمة لها أثر في نفسنا وفي نفس من يريد الإيذاء فلم يعد مقبول مجتمعي ولم يعد ظريفا ولا عنده رأي لا بل متنمر ، فهي كلمة أثقلت الفهم فأثقلها القانون ، ولا أحد يريد أن يكون منبوذآ فالمجرم لا يريد أن يتراجع عن جرمه بسبب خوفه علي مشاعر الضحية ولكن يتراجع لكي لا يكون منبوذآ ، وإحساسه بالنبذ أتي من الكلمة .
وبالكلمة ساعدت بها الروائية هاريت بيتشر ستو في روايتها كوخ العم توم في القرن التاسع عشر علي نقل مأساة العبيد وتوحد مشاعرهم لنري تأثير روايتها فيما بعد ولتكن من ضمن أسباب تحررهم. وبالكلمة أيضاً ساعدت الكاتبة حسن شاه في قصتها أريد حلا لعمل قانون يسهل عالنساء الطلاق بعد أن نقلت معاناة المرأة التي أصبحت حياتها مستحيلة مع زوجها . لذا كان يحرم علي النساء التعليم ويهمشون كتاباتهم بعد ما مارسوا الكتابة خشية أن ينقلون معاناتهم فيتغير المجتمع .

الأدب كداعم للعلم

لجأ فرويد إلي الأدب ليشرح عقد نفسية كثيرة كان يقول العالم يصل لنظرياته بالعلم أما الأديب يصل بالحدس ، قام بتحليل عقدة أوديب من خلال الأدب . كما أخذ علم النفس من الشخصيات الأدبية مصطلح الأودبية نسبة إلي أوديب ، والنرجسية من أسطورة نرجس والسادية من الماركيز دي ساد ، لإن الأدب يتعايش بداخل النفس البشرية لذا ينقل ببراعة الشخصيات وتطورها مع الأحداث.
علاقة الأدب لم تقف مع علم النفس فقط ولكن مع العلوم التجريبية أيضا ، فحين يخاطب العلم الجزء المنطقي الفكري المادي في العقل يخاطب الأدب الجزء الوجداني والضمير في العقل ، لا أظن أن يحدث أي إبتكار مادي ملموس إلا وكان قد سبقه الخيال في عقلية العالم ، علي رأي أينشتاين الخيال أهم من المعرفة فالخيال يحتوي العالم كله وكل ما سيتم معرفتة أو فهمه إلي الأبد .
فكثيرآ فجر الخيال الأدبي عقلية العالم . قبل إختراع الريموت والتليفزيون والطائرة ، قرأنا في ألف ليلة وليلة ( إفتح ياسم سم والبلورة السحرية والبساط السحري) . وقبل أن نتحدث عن إمكانية إستعمار الكواكب قرأنا في القرن العشرين رواية أميرة المريخ لإدجار رايس بوروس عندما تخيل إمكانية العيش في كوكب أخر. وعندما وجدنا الدبابة ومظلة الهبوط من الطائرة والمروحية في القرن العشرين وجدنا رسومات الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي في القرن السادس عشر ترسم كل هذه المخترعات .
الأدب لا يدعم العلم فقط بالخيال ولكن بالتمهيد للعقل إنه يستوعب العلم، تحضر لي هذه الفكرة عند قرائة رواية قنديل أم هاشم ليحي حقي عندما صورلنا كيف للعلم عندما جاء إلي بيئة كل أدبياتها تدعم العشوائية تتمثل في أمثلة وقصص وأساطير معادية للعلم، فشل فيها العلم أن يتمم نوره ، فكان لابد من تغير الأدبيات
المعادية لأدبيات تشجعهم عالإستفادة بالعلم والإعتراف به . هذه الرسالة التي وصلت لعقلي من هذا العمل الرائع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟