الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتهاكات المضاعفة للحريات

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2021 / 9 / 3
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


الحرية والكرامة مبدآن متلازمان ومقترنان، نصت عليهما الأديان والشرائع المختلفة، واكدت عليهما الدساتير والقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية، وورد ذكرهما بوصفهما قيمتين أصيلتين، غير ممنوحنين من أحد، بل يكتبسهما الإنسان لمجرد ولادته، وقد نص عليهما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في غير مكان، متلازمين أو منفصلين، وأفرد بنودا لشرحهما وتفاصيل انطباقهما مثل منع استرقاق الإنسان أو استعباده، والنص على حرية الرأي والتعبير، وحرية مغادرة الوطن والعودة إليه، ونصت المادة الأولى للإعلان على أن جميع الناس يولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء ، كما ربط الإعلان الحق بالحرية بالحق في الحياة حيث " لكل فرد الحق في الحرية وفي الحياة وفي الأمان على شخصه".
في بلادنا التي نكبت بالاستعمار والاحتلال لقرون متتالية، غابت قيمة الحرية طويلا شعوبنا ومجتمعاتنا وحتى عن ثقافة الأفراد والجماعات التي ظلت متاثرة ليس بالاستعمار الأجنبي فحسب، بل بثقافة عصور الإقطاع والعبودية التي أبقت "الحرية" في الممارسة حكرا على السادة وكبار الملاك، لكن قيمة الحرية بوصفها قيمة إنسانية خالدة ظلت تراود البشر والفئات الطليعية المتنورة منها بشكل خاص تاثرا بما رسخته الأديان والثقافات وتجارب البشر من مثل إنسانية خالدة.
تحقيق الاستقلال الوطني عن الاستعمار لم يوفر الحرية للطامحين بها، فالنظم والطغم العائلية والعسكرية التي حكمت واستبدت بالشعوب مارست كل الوان القهر والاستبداد والقمع والاضطهاد دفاعا عن مصالح الفئات الحاكمة، وللحيلولة دون أن تقود الحرية إلى وعي الظلم وتحرك المظلومين، فكان أن استبدل الاضطهاد الأجنبي المستعمر باضطهاد من ابناء الشعب والدين والجلدة، حتى الحريات التي تيسرت بشكل متقطع في هذا البلد أو ذاك، ظلت حرية مجزوءة، تكاد تقتصر على المكانة القانونية للفرد باعتباره "حرا" وليس عبدا أو مملوكان لكن واقع المعيشة القاسية اضطر ملايين البشر لبيع حريتهم الحقيقية، سواء من خلال بيع قوة عملهم في سوق العمل، أو بملاحقة لقمة العيش العزيزة والصعبة التي تجعل من ممارسة الحريات والتمتع بها ترفا لا يتاح إلا للموسرين والقادرين.
في الحالة الفلسطينية توجد انتهاكات مركبة للحرية من الاحتلال والسلطة وحتى من المجتمع والثقافة السائدة الموروثة من عهود الإقطاع، صادر الاحتلال كل أنواع الحريات، لكن النضال الوطني بحد ذاته خلق مناخات واسعة لممارسة الحرية بالفعل، من خلال امتلاك إرادة الثورة والقتال وغرادة التغيير، المشكلة أن هذه الحريات انتكست بعد قيام السلطة الفلسطينية، وكذلك سلطة الأمر الواقع التي فرضتها حماس في قطاع غزة، حيث كان نموذج النظام العربي التقليدي القائم على الفئوية والمحسوبية والواسطة وغياب قيم الديمقراطية والنزاهة والشفافية والمساءلة، وهكذا أعادت السلطة استنساخ ذات النظام العربي الاستبدادي الذي كان وجوده هو سبب الهزائم والنكبات وخاصة نكبة فلسطين الكبرى، فهيمنة السلطة التنفيذية وغياب السلطة التشريعية والتعدي على السلطة القضائية، وعدم إجراء الانتخابات العامة في مواعيدها، كل ذلك ادى إلى تراجع حاد في مستوى الحريات، يضاف إلى ذلك سطوة الأجهزة الأمنية، وتفشي الفساد في مؤسسات الإدارة ومحاولة تعميم ثقافة الطاعة والولاء والخنوع بديلا عن ثقافة الراي الحر.
من البديهي القول أن الحرية لا يمكن انتزاعها من الاحتلال من دون نضال الأحرار، فالشخصية الطيعة الخانعة الذليلة التي تسهم ممارسات السلطة ووسائل الإعلام والثقافة السائدة في إنتاجها، هي الشخصية الأكثر ملاءمة لسلطة فردية غير ديمقراطية لكنها في الوقت نفسه شخصية لا يمكنها أن تسهم في التحرر من الاحتلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حرية الانسان سر حضارته
ابراهيم الثلجي ( 2021 / 9 / 4 - 00:16 )
اسمح لي بفلسفة الحرية الانسانية والكرامة المعتمدة على استقلالية الارادة البشرية
فلما نراقب صعيدا به حجارة ونبات وحيوان وانسان بسهولة ندرك ان السيد لهذا البر هو الانسان فقط لانه مؤهل لياخذ تلك الصفة
فالسيد لا يقهره من دونه ولا من هو مثله ببساطة لغياب اسباب قهره ولوجود الندية التي احيانا يكون صاحبها كسول او مريض فيفرظ بملكة الندية فتراه مهزوما دون اسباب موضوعية
اما قيمة الحرية تكمن بانها من ترسم التراكم الحضاري للانسان
نضرب مثلا فان الاسد اليوم يتعاطى بادوات ومفاهيم يوم خلقه الله فلا يوجد عنده تطوير سلوكي والسبب فقط لانه لم يكن حرا في اتخاذ اي من قراراته خارج برنامج الادارة خاصته فبقي ويبقى كما هو لا يغادر فطرته
اما الانسان وبما يميزه بحرية الاختيار استطاع ان يراكم مدونة سلوك سميناها الحضارة الانسانية بحيث تطور سلوكه نتيجة لهذا التراكم فمن ركوب الحمار تطور لركوب ف35 ومعانقة السماء
السبب الوحيد الماثل امامنا ان الانسان انطلق لانه اختار والاسد الاسطورة بقي كما هو لانه لا خيار له
الرجعية البشرية كانها ادركت تلك الخاصية فما زالت تعطل حرية الاختيار للانسان كي لا يتطور ويرفض ان تركب ظهره

اخر الافلام

.. الطاولة المستديرة | الشرق الأوسط : صراع الهيمنة والتنافس أي


.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية




.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ


.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع




.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص