الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب الطليعة، اليسار، والموقف من الانتخابات

عبد الإله إصباح

2021 / 9 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


في كل انتخابات تجرى في المغرب ’ يتجدد النقاش بين فصائل اليسار حول جدوى كل من المقاطعة والمشاركة. ولم تخرج الانتخابات التي ستجرى في الثامن شتنبر 2021 عن هذا الإطار من النقاش.
وقد راكم حزب الطليعة مجموعة من الأدبيات التي تدعو إلى مقاطعة الانتخابات جملة وتفصيلا طيلة عقد التسعينات وبداية الألفية أي سنة 2002 من منطلق ان الهندسة الدستورية القائمة تحول دون قيام مؤسسات تمثيلية تجسد فعلا الإرادة الشعبية . ومع ذلك شارك في انتخابات 2007 و2009 وقاطع انتخابات .2011. وشارك في انتخابات 2015 و2016. وها هو اليوم يشارك في هذه الانتخابات في إطار تحالف فيدرالية اليسار وفي ظل دستور 2011 الذي قاطع بسببه انتخابات تلك السنة لأنه اعتبره دستورا لا يستجيب لتطلعات القوى الديمقراطية ولا لمطالب حركة 20 فبراير التي كانت وراء التعديلات التي تضمنها ذلك الدستور.
وقد اعتبر الحزب في العديد من بياناته وتصريحات قادته أن موقف المقاطعة ليس موقفا مبدئيا وإنما هو خاضع للتقدير السياسي لكل مرحلة، ولذلك شارك في محطات انتخابية بناء على التقدير السياسي الذي بلوره أثناء تلك المحطات . وعند تقييمه لكلا الموقفين خرج بخلاصة تقول " لم نكن مخطئين حين قاطعنا وحين شاركنا" . وإذا كان التقدير السياسي لموقف المقاطعة يمكن استحضاره من خلال البيانات التي كان يصدرها لشرح موقفه، وكانت تركز على غياب الشروط السياسية والدستورية والضمانات الفعلية لإجراء انتخابات نزيهة معبرة عن الإرادة الشعبية، فإن موقف المشاركة لم يكن يحظى بتفسير حيثياثه ودوافعه من خلال بيانات توضح التقدير السياسي الذي دفع الحزب إلى اتخاد قرار المشاركة
صحيح أن هذا القرار تم اتخاده في العديد من المرات في إطار تحالفاته كما هو الشأن في انتخابات 2015 و2016 التي شارك فيها في إطار الفيدرالية أو هذه الانتخابات الحالية في إطار تحالف فيدرالية اليسار دون الحزب الاشتراكي الموحد. بحيث يكون عامل التحالف حاضرا أثناء بلورة القرارلأنه يفرض على الحزب أن يضعه في عين الاعتبار، إلآ أن توضيح حيثيات المشاركة غالبا ما يتم اختصاره في كون الحملة الانتخابية تكون فرصة لللاتصال بالجماهير وتوعيتها وهو توضيح يبقى غير كاف بما أنه يكون مفصولا عن تحليل معمق للوضع السياسي يبرر قرار المشاركة ويجعله مقنعا ومقبولا من وجهة نطر أدبيات اليسار في هذا الشأن. ولعل هذا ما يفسر كون العديد من المناضلين يشاركون بمنطق المقاطعة فإذا ترشحوا اعتبروا ترشيحهم مجرد ترشيح نضالي.
وإذا كانت هناك فائذة جناها الحزب من المشاركة، فهي أنه احتك بالواقع وبالناس وأدرك حجمه،لأن موقف المقاطعة كان يحجب عنه إدراك حقيقة إشعاعه ونفوذه ، لأن لا مبالاة الجماهير وعزوفها كان يتم تفسيره على انه تجاوب مع مواقف الحزب وتأييد لها وهو الأمر الذي لم يكن صحيحا فهذه الجماهير, لم يكن بوسعها وليس بوسعها الآن أن تبلور موقفا سياسيا جذريا بعيدا عن أي تأطير سياسي لم يوفره لها أي تنظيم سياسي. فالعزوف إذن لا علاقة له بالمقاطعة، وإلا جاز لنا انطلاقا من هذا الخلط أن نعتبر الحزب الذي يدعو إلى المقاطعة هو أكبر تنظيم بالمغرب .
فائدة المشاركة إذن هي جعل الحزب يعيد النطر في اساليب عمله، وأدراك الواقع كما هو، حتى يستطيع أن يخرج من وضع الانكماش والتقوقع. وحارج هذه الفائدة تصبح المشاركة مساهمة في ترسيخ الوضع القائم بما أنها تتم من موقع الضعف وعدم القدرة على التاثير في مجريات الوضع السياسي الذي يتسم بهيمنة واضحة للمخزن وحلفائه الرجعيين
إن أي سعي لإحداث اختراق في بنية النظام السياسي القائم من خلال الانتخابات، هو تجاهل للواقع وقفز عليه، لأن هذه البنية أغلقت منافدها باستحكام سواء دستوريا من خلال السلطات الواسعة الممنوحة للمؤسسة الملكية التي تجعلها سائدة ومهيمنة كليا على الحقل السياسي في كافة تفاصيله، أو من خلال التحكم في المشهد السياسي عير أحزاب مختلقة وتابعة لا تملك قرارها المستقل بل تنفذ ما يملى عليها، أوعبر قوانين انتخابية وتقسيم للدوائر يسمح بهندسة مجالس على المقاس ويجعل من المستحيل على أي حزب أن يشكل أغلبية بمفرده تمكنه من تنفيد برنامجه دون الحاجة إلى تحالفات مائعة.
كان ممكنا لأحزاب اليسار التي اختارت المشاركة أن تتوحد على مطلب إحداث انفراج سياسي وحقوقي واسع وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والصحافيين والمدونين، كشرط لمشاركتها في هذه الانتخابات، لأن النظام لن يستسيغ أن تجرى الانتخابات وكل أحزاب اليسار الحقيقي تقاطعها. لقد كانت تملك ورقة ضغط لم تفكر في استعمالها نظرا لأن مسالة المشاركة كانت بالنسبة إليها محسومة وغير قابلة لأن يتم ربطها بشرط من الشروط. فلو أنها رفعت هذا المطلب وتمسكت به واستجاب النظام له، كانت مشاركتها ستكون مقنعة أكثر ومبررها أقوى من المبررات الأخرى من قبيل توعية الجماهير وتحقيق مطالب مرتبطة بمجال التعليم والصحة والشغل لأن هذه المطالب لا يمكن تحقيقيها في ظل الوضع السياسي القائم الذي لا يسمح بصعود تيار سياسي منسجم في رؤاه ومنطلقاته وأهدافه، لأن بلقنة المشهد السياسي يستحيل معها تحقيق أية وعود تقدم للناخبين. أما إذا افترضنا أن النظام لم يبد أي تجاوب مع هذه المطالب فستكون المقاطعة هي الرد المناسب على ذلك وتكون هذه الأحزاب حافظت على صدقيتها ومبدئيتها خاصة وأن المشاركة بدون شروط لن تجني منها مكاسب تمكنها من التأثير في الوضع القائم، بل ستعمل على رفع منسوب عدم الثقة في العمل السياسي والأحزاب السياسية دون تفريق بين اليمين واليسار
إن المواطن الذي سيصوت لليسار، هو مواطن يعرف اليسار ويعرف منطلقاته وأهدافه، أما المواطن الذي يصادفه المناضلون أثناء الحملة الانتخابية، ويمدونه بالمنشورات والبرنامج الانتخابي ويتحدثون معه لبضع دقائق، فلن يصوت لليسار إذا كان لا يعرفه ، خاصة في ظل تشابه البرامج وحديث معظمها عن الكرامة والعدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص وغيرها من الشعارات التي باثت أحزاب اليمين الرجعي تكثر من استعمالها في مناخ من الخلط والتضليل وتزييف الوعي.
وعلى العموم، فاليسار لا يستطيع تحقيق نتائج معتبرة في هذه الانتخابات، للاعتبارات السابقة، و لاعتبارات أ خرى موضوعية أكثر منها ذاتية، تتجلى في أن الأصولية والمخزن تكالبا على فكر اليسار وحاصراه في معاقله سواء في المدرسة أو الجامعة أوعبر طوفان من الجمعيات المرتبطة بالمد الأصولي والمدعمة خارجيا من طرف البيترودولار. وهكذا لم يعد اليسار يجد من يصغى إلى خطابه في مجتمع أصبح رازحا تحت الهيمنة الإديولوجية للآصولية، وشيوع النزوع الانتهازي لدى أفراده بما هو نزوع لا يعطي اعتبارا للمصلحة العامة بل يدوس عليها لتحيق مآربه الشخصية متوسلا طرق الرشوة والزبونية والفساد.
ليس من سبيل لليسار لاسترجاع نفوذه في المجتمع إلا من خلال ترسيخ هيمته الإديولوجية،وهو الأمر الذي أصبح يكتسي صعوبة بالغة ويتطلب جهودا جبارة وتضافر عوامل متعددة سواء على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي، تؤدي إلى انتعاش فكرة اليسار من جديد وتعيد له بريقه وجاذبيته.
وليس ذلك بمستحيل مادامت الكرامة والعدالة والعيش الكريم من صميم التطلعات المتأصلة في كل إنسان، واليسار هو دوما المجسد والمحتضن لكل هذه التطلعات والآمال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو