الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذراع فينوس ..فى يد من ؟

كريم عرفان

2021 / 9 / 5
الادب والفن


فى حديث مختصر ومحاضرة غير مطولة تناولنا فيها بالنقد والتحليل المجموعة القصصية المتميزة وغير التقليدية "مغاليق " للأديبة والقاصة الراقية هبة فاروق ؛ و المجموعة من إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛ وقد استعرضنا بعض القضايا الهامة والتي تعرضت لها الكاتبة في مجموعتها القصصية ولكننا رأينا أن نقوم بالتركيز على قضية ثقافية في غاية الأهمية ..وهى قضية "التشيؤ " (reification) ..
والتشيؤ ببساطة شديدة هو جعل الإنسان العاقل ذو الشخصية المستقلة والإرادة الحرة - أو هكذا ينبغي للإنسان أن يكون –مجرد شيء أو أداة أو سلعة لا كينونة له ..فالتشيؤ يقوم بإلغاء الشخصية وطمس الهوية وتكبيل الإرادة وجعل الإنسان مجرد شيء يشغل حيزا من الفراغ ليس أكثر .
ومن الجدير بالذكر أن هذا المصطلح -وإن صار دارجا على ألسنة المثقفين وفى مؤلفاتهم - . إلا أن .التشيؤ كتعبير ومصطلح قام بصياغته وابتكاره بعض فلاسفة الاقتصاد ومنظريهم وقاموا بوضعه أمام طغيان المجتمع الرأسمالى الذى يشىء ويقوم بتسليع الإنسان ويقدمه كسلعة في السوق الرأسمالى الكبير .
- فإذا عدنا إلى المجموعة القصصية "مغاليق " فسنجد أنها بمثابة اتهام صريح وقوى وصرخة احتجاج مكتومة أما المجتمع الذى استلب حرية المراة وانسانيتها وقام بإعدام إرادتها الحرة "هي " وأيضا بعض الفئات التي تعانى التهميش .
فمثلا في أول المجموعة ؛ إذا تأملنا القطعة القصصية الأولى والثانية .."كان " و "كانت " فسنجد أن المراة قد تحولت إلى دجاجة وفريسة سهلة لا تجيد سوى الصراخ والإنسحاق التام أما الطرف الآخر الذى صور بوحشية شديدة
بمعنى أنها الكاتبة قد جعلت من الدجاجة "معادل موضوعى " للمرأة ..
ثم يذهب النص بعيدا عندما يرينا المراة وكيف أنها تريد أن تتحول إلى تمثال ..فهى تريد ذلك وترغب فيه ..أى أنها تذهب إلى التشيؤ بقدميها .
وهنا يثور التساؤل الهام والجوهرى ..
هل التشيؤ هو رغبة ذاتية نابعة من المرأة ؟ أم أن المجتمع بممارساته وتسلطه هو الذى يدفعها إلى ذلك ؟
ثم يقطع النص شوطا أبعد وأبعد عندما يرينا المراة وقد غدت تمثالا حقيقيا في واحدة من أهم القصص ..يقول النص :
" شعرت بوخزة في ذراعى وخزة خفيفة ؛ لكن ذراعى الآن في يد العامل بعيد جدا عن جسدى ؛ صاحب المحل يكاد يضرب البائع ..صوته صار أعلى وأشد خشونة أمره أن يحملنى إلى المخزن ..جسدى ليس لدن مطلقا ؛ إنه جاف بلاستيكى كيف يتمتع بهذا الامر إذا لم أستطع الصراخ لم أستطع المقاومة ولا حتى الإستمتاع مثله ."
هذا التمثال يمثل إحالة هامة جدا إلى تمثال آخر هو تمثال " فينوس دى ميلو " venus de milos "" أو تمثال فينوس الميلوسية نسبة إلى جزيرة ميلوس اليونانية .. المكان الذى نحت فيه التمثال واكتشف فيه وهو من أهم القطع الأثرية في متحف اللوفر إن لم يكن أهمها على الإطلاق وتكمن أهمية هذا التمثال وشهرته في ذراعى فينوس المفقودتين .
ومن الجدير بالذكر أن بعض الناشطات من الداعمين حقوق المراة وبعض الحركات النسوية قد اعتبرن هذا التمثال رمزا وشعارا وذهبن ووقفن أمامه اعتراضا على حادثة اغتصاب قد وقعت وهتفن " لدينا أيدى لوقف الإغتصاب " وذكرن أنهن اخترن هذا التمثال تحديدا لأنه لا يملك أيدى إذن فهو خير ما يمثل عجز المراة وضعفها ؛ وهو ما يشير اليه النص راحة " لم أستطع الصراخ ولم استطع المقاومة ولا حتى الاستمتاع مثله "
وما ذكرنا يؤكد على مثول وحضور ذلك العمل الفني "تمثال فينوس الميلوسية " في لاوعى النص .

وهناك أبحاث كثيرة وتكهنات حول وضعية الذراعين ومكانهما ..فهل كانت ذراع فينوس تمسك بمرآة أم تهدى تفاحتها الشهيرة أم تستند إلى جدار ..تساؤلات كثيرة وأبحاث كثيرة ..
ولكن " هبة فاروق" في مجموعتها مغاليق تقدم إجابتها الخاصة ..فهى تخبرنا أن ذراع فينوس أو " التمثال " في يد العامل ..وهو الأمر الذى يتماشى تماما مع رؤية المجموعة القصصية التي احتفلت واهتمت بالنساء وأيضا بعض الفئات المهمشة كالعمال ونجد مصداق ذلك في المجموعة القصصية نفسها ؛ لنقرأ مثلا هذا النص ص27
" يتصبب العرق من كافة جسده ؛ الجميع يقلبون قطع الحديد حوله بعصى خاصة في أياديهم .يتحول الحديد إلى حلقات متساوية غليظة عيناه ما بين الفرن وقطعة الحديد أمامه تتحرك . للنار صوت بأنفه كما الغليان ؛ لاشىء إلا الإنصهار وسخونة الحديد ؛ الجميع منهمكون في العمل ظهورهم محنية لا يرون وجوه بعض طوال اثنتى عشرة ساعة إلا في ساعة الغداء " وغيره مما تمتلىء به المجموعة القصصية . فالمجموعة تحتفل وتهتم كثيرا بالفئات المهمشة كالنساء والعمال ونجد ذلك في النص وفى كثير من المفردات التي تكررت في المجموعة القصصية مثل ..المصنع؛ رئيس الوردية ؛ العمال ؛ البضائع . وكذلك تحليلها العلاقات الديناميكية بين العمال ورؤساءهم وأصحاب العمل .

ثم تطوف بنا المجموعة وتأخذنا في جولة لترينا مدى القهر والإنسحاق الذى تتعرض له المراة بشكل متكرر ومتنوع وكيف أن المراة قد صارت أداة للإشباع الحسى دون أدنى اعتبار لآدميتها أو ذاتها ورغباتها فمثلا نرى تلك الفقرة ص 40
" ولكنى حقا كنت خائفة من الرجال المقنعين في الدار وهذا الذى لمس جسدى بيده ثم قذف بى ناحية الحائط عند دخول زميله الحجرة ..لا أذكر إلا ألم كتفى المتواصل من اصطدامى بالحائط حين قذف بى الملثم .."
فالمراة هنا تعامل كأداة للإشباع الجسدى من جانب غرباء ملثمين ويقذف بها تجاه الحائط كالكرة ؛ ثم نرى نصا آخر تؤكد فيه على كون المراة أداة للإشباع الجسدى للطرف الآخر فيقول النص :
" ليلا تتقلص معدتها تحت وطأة ضغط جسده ؛ تجاهد ألا تصدر صوتا أو ريحا رغما عنها ؛ تعلن معدتها الإعتراض بأصوات عالية ؛ رغبتها في التقيؤ تزداد ؛ رائحة فمها تعلن بدء هجوم القىء لو تستطع الفرار لفعلت "
وغير ذلك من النصوص الكثير جدا والتي صورت قهر المجتمع وممارسته القمع الدائم لإرادة المراة وانسانيتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: تكريمي من الرئيس السيسي عن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: نفسي ألعب دور فتاة




.. كل يوم - دوري في جمال الحريم تعب أعصابي .. والمخرجة قعدتلي ع


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بنتي اتعرض عليها ب




.. كل يوم-دينا فؤاد لخالد أبو بكر: أنا ست مصرية عندي بنت-ومش تح