الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرحة الآثمة مرتين

هويدا طه

2006 / 8 / 19
الارهاب, الحرب والسلام


صديقة لبنانية كنت أجلس معها نحتسي القهوة في مقهى به شاشة تليفزيون كبيرة، وكالعادة لا يتابع أغلب الناس هذه الأيام إلا قناة الجزيرة، نتابعها ليلا نهارا.. بل ونترك التليفزيون مفتوحا عليها عند النوم لنستقبل (آخر الأخبار) عندما نفتح عيوننا في الصباح، كنا نشرب قهوتنا في اليوم الأخير قبل وقف (العمليات الحربية)، تلك العمليات التي اجتهد المحللون المساكين ضيوف الفضائيات ليشرحون لأمثالنا من المواطنين العاديين- الذين لا يعرفون دهاليز مصطلحات الأمم المتحدة- الفرق بين وقفها ووقف إطلاق النار! في ذلك اليوم راحت تطل علينا من شريط (الخبر العاجل) أخبار عن كمائن صنعها مقاتلو حزب الله لقوات إسرائيلية في الساعات الأخيرة قبل وقف العمليات أو النار في أقصى جنوب لبنان، ورحنا نتابع الأعداد.. شريط عاجل وراء آخر.. سقوط 25 جندي إسرائيلي في كمين.. مقتل 12 جنديا إسرائيليا في اشتباكات عنيفة.. وهكذا توالت أعداد (لا بأس بها!) من الإسرائيليين على الشريط.. فما كان من صديقتي اللبنانية الجميلة إلا أن هتقت بعفوية:" يقبركم الله إنشالله.. شو.. عم بتقعوا مثل الصراصير)!
عندما تكون مؤمنا بالإنسان كإنسان وحقه في كليهما (الحرية والعدالة)- أيا كان لونه وعرقه ودينه وقوته- فإنك بلا شك (تكره القتل) كظاهرة إنسانية بغيضة، لكنك وعندما تختار أن تكون مقاوما مناهضا لأعداء كليهما الحرية والعدالة.. فإنك ترى القتل بعين أخرى.. لا تقاوم (الفرحة بقتل) الأعداء وتسمها- من باب التوازن النفسي- خسائر في صفوف العدو! وعندما تتشوق إلى انتصار كليهما الحرية والعدالة.. ثم يحققه لك أحدهم دون أن تدفع معه شيئا من الثمن فإنك تفرح أيضا.. لكنك في الحالتين ينتابك شعور بأنها (الفرحة الآثمة)، فرحة أولى بالقتل.. باعتباره يستهدف (عدوا أذلك وأذل الحرية والعدالة عقودا من الزمن) فيتوه منك حينئذ الإحساس بأن (الفرحة بالقتل ذاتها.. هي بذاتها فرحة آثمة.. على الأقل كما تقول دائما) ثم تفرح به نصرا في ثاني أنواع الفرح.. لكنك سرعان ما تقر بأنه نصر يحققه لك آخرون.. فرحتك به (فرحة آثمة بشيء ثمين باهظ الثمن تناله دون أن تساهم فيه) كل مساهمتك فيه هي متابعته على شاشات التليفزيون، هكذا كان شهر لبنان الأليم.. فرحة آثمة بالقتل وفرحة آثمة بنصر تناله مجانيا.. تعلقنا بالتليفزيون وبشريط (الخبر العاجل) وكانت قلوبنا تدق عندما تقرأ فيه ( حزب الله يعلن أنه أسقط.. قتل.. دمر.. أحرق...إلخ)، لأن القتل والتدمير والحرق كان لقوات إسرائيل وآلياتها، ثم نعود لنتألم عند متابعتنا- التي لا يجبرنا عليها أحد- لصور اللبنانيين الجرحى المهجرين النازحين المشردين في أرجاء لبنان فرارا من الجحيم.. جحيم القتل اللا أخلاقي الذي مارسه العدو.. ثم تتذكر أن القتل شيء غير مفرح.. ثم سرعان ما تذكر نفسك بأن (هؤلاء الأعداء يحق عليهم القتل طالما هم أنفسهم بلا أخلاق أو رحمة يقتلون كل كائن حي في الجوار) ثم تعود لتسأل نفسك لو أن تلك الحرب على أرضي وهؤلاء المشردين من أهلي وأولئك القتلى إخوتي وجيراني وذلك الدمار للبيوت والزرع ومظاهر الحياة كانت لأشيائي وأشياء عائلتي.. ترى كيف كنا سنقيم (الفرحة بالنصر)؟! انتهى شهر القتل إذن في لبنان.. راحت السكرة وجاءت الفكرة.. تحسم النزاع الداخلي في نفسك.. قد يكون القتل بذاته فكرة لا إنسانية.. لكن.. لعلها تكون في قمة الإنسانية إذا كان القتل.. قتلا للصراصير!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السنوار ونتنياهو يعيقان سياسات بايدن الخارجية قبيل مناظرة ان


.. خامنئي يضع قيودا على تصريحات مرشحي الرئاسة




.. يقودها سموتريتش.. خطط إسرائيلية للسيطرة الدائمة على الضفة ال


.. قوات الاحتلال تنسحب من حي الجابريات في جنين بعد مواجهات مسلح




.. المدير العام للصحة في محافظة غزة يعلن توقف محطة الأوكسجين ال