الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنتصرون بثقافة الموت

محمود كرم

2006 / 8 / 18
الارهاب, الحرب والسلام



هناك فرق شاسع بين مَن يعيش طيلة حياته متبنياً ثقافة الموت ، وبين مَن يعيش يومه ومستقبله متبنياً ثقافة الحياة ..

الهائمون غراماً بثقافة الموت ، يبررون وجودهم باستعدادهم النفسي والجسماني والأيديولوجي الكامل للحرب ونيل شرف ( الاستشهاد ) ومعانقة الحور العين ، وكان أن تحولت ( الشهادة ) في قاموسهم المترع بثقافة الموت والتفجير إلى حسناء لعوب تتهادى في خيالاتهم الملتهبة شغفاً بالمشاهد الإباحية الساخنة ..

أما المعتنقون لثقافة الحياة ، فيبررون وجودهم باستعدادهم الحثيث للتعامل الطبيعي مع الحياة وصناعة يومهم وغدهم ومستقبل وطنهم واستثمار أوقاتهم في الابداع واجتراح سبل التطور والعيش السوي ..

المتيمون عشقاً بثقافة الموت حياتهم تتمحور حول كل شيء له علاقة بالغيبيات وعالم القدريات ومنغمسون بمعسول الشعارات والنصوص التراثية ، وفي ذات الوقت تتمحور حياتهم حول اللاشيء ، أين تنتهي أهدافهم وأين تبدأ ، كل هذه الأمور لا تدخل ضمن أجندة حياتهم اليومية العبثية ..

أما المعتنقون لثقافة الحياة ، حياتهم تتمحور حول أشياء محددة يريدون تحقيقها والوصول إليها ، واقعيون في مطالبهم ، وعقلانيون في أهدافهم ، ومتواضعون في أحلامهم ، ويتحركون تحت سقف واضح من المشاريع والأهداف والأمنيات ..

العاشقون لثقافة الموت متخمون بالأحقاد التاريخية وبالعقد العدوانية ومنتفخون بنرجسيتهم الدينية والتراثية ، ومأزومون بهويتهم الماضوية ، يعيشون على أحقاد الماضي ويستحضرون أبشع ما فيه ..

أما أصحاب ثقافة الحياة ، لا تحركهم الأحقاد والثارات ، ومنعتقون من العقد العدوانية ، ومتصالحون مع تاريخهم ولا يعانون من عقد الجراحات النرجسية ، ولا يحملون هوية عدائية أو فوقية أو اقصائية ، ولا يعيشون حاضرهم بأحقاد الماضي ..

المغرمون بثقافة الموت ، يتكسبون من دماء الأبرياء ، ويعتلون منصة ( النصر ) فوق ركام الدمار وجثث الضحايا ، ويتلاعبون بمصائر الناس ، ومهووسون بأسطورة القائد الأوحد الملهم للأمجاد والانتصارات الكبرى ، وغارقون بالكذب على أنفسهم ، فما أن يخرجوا من جحورهم ومخابئهم وكهوفهم حتى يعلنوا أنهم قد انتصروا ويبشرون الأمة المتعطشة للنصر بالنصر الخادع ، السيد حسن نصر الله ما أن انتهت الحرب حتى قال أنه أمام نصر تاريخي وستراتيجي للبنان والأمة ، ومن قبله ( بن لادن ) والظواهري والملا عمر قد اعلنوا أنهم منتصرون وينتصرون انطلاقاً من مغارات ( تورا بورا ) المعتمة ، أما ( الفلتة ) صدام فتفوق عليهم جميعاً فبعد أن أخرجوه من جحره ، وأودعوه السجن ، أخذ يتحدث من هناك عن أنه لم يزل يحقق انتصاراً تلو الآخر ، وراح يبشر أهل العراق بالنصر وهزيمة الاحتلال ..

يكذبون في كل شيء ، يدخلون المعارك وهم منتصرون ويخرجون منها وهم أيضاً منتصرون ، يتبنون الحروب والمواجهات وهم يعرفون سلفاً أنهم مهزومون ، ولكنهم مع ذلك يوهمون أنفسهم وشعوبهم بالنصر ..!!

أيها المنتصرون بثقافة الموت والمهووسون بالحروب والعنف ، هل سألتم أنفسكم يوماً لماذا أنتم هكذا ، لا تتغيرون ؟؟

وهل سألتم أنفسكم إلى متى تكذبون ، ولماذا لا تعترفون أمام شعوبكم أنكم قد خسرتم الحروب ، وأن الحروب التي تسعون إليها ستفشلون فيها وستلحق بكم الهزيمة ، ولماذا لا تجربون يوماً أن تعترفوا أنكم قد أخطأتم وأن حروبكم هزيمة ، ولماذا لا تقولون أنكم قد خضتم حروباً منذ ستين عاماً ولم تحققوا شيئاً ، وعليكم الآن أن تجربوا الاعتراف بامكانياتكم وحجمكم وتعلنون أنكم قد استسلمتم ، وتقتدون بالأمتين العظيمتين ألمانيا واليابان حينما أعلنتا هزيمتهما المرة واستسلمتا للواقع ، وتابعتا بعد ذلك مسيرة الإنسان في النجاح والتقدم والحضارة والازدهار وانتصرتا بالعلم والثقافة والصناعة ..

لماذا لا تعلنون كراهيتكم للحروب والدمار والقتل ، وتعلنون حبكم للحياة والإنسان ..؟؟

ولماذا لا تختارون الأفضل للإنسان ، والأفضل له أن يعيش حياته بعيداً عن ثقافتكم المتخمة بأدبيات الموت والقتال و ( المقاومة ) ، وأن يعيش حياةً خالية من العنف والكراهية والأحقاد والخوف والتهجير وبشاعة الحروب ..

لماذا لا تعترفون أن طريقتكم في ( المقاومة ) هي التي جرت على شعوبكم الكوارث والويلات وأشبعتهم قهراً وموتاً وخراباً ، ولم تمنحهم ( الكرامة ) التي تتغنون بها طويلاً ..

ولماذا لا تريدون أن تعترفوا أنكم وطوال العقود الماضية قمتم بكل شيء له علاقة بالحرب والموت ، وذهبتم للمعارك وأخذتم معكم للمقابر شعوباً مقهورة غائبة عن الوعي ومتعطشة للنصر الواهم واستعادة الحق السليب ، ولكنكم طوال تلك العقود لم تجربوا ولو لمرة واحدة أن تبنوا إنساناً وتصنعوا تقدماً وازدهاراً وحضارة بعيداً عن رائحة الموت والدمار والحروب وهتافات النصر المزعوم ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ