الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مِن خلالِ نحتهِ بالصّخر، يسعى كُلّ فلسطينيٍّ حُر إلى التحرُّر

ازهر عبدالله طوالبه

2021 / 9 / 6
القضية الفلسطينية


مجدٌ تلوَ المجدِ يُسطَّر بأيادٍ فلسطينيّة، وآخر هذه الأمجاد، هي عمليّة الهُروب مِن السجنِ الإسرائلي، سجِن "جلبوع"، التي قامَ بها ستّة أسرى يحملونَ فلسطينَ في قُلوبهم، والتي بحسبِ مصادِر إعلاميّة إسرائيليّة، كانَت بأدواتٍ مُتواضِعة جدًّا، لا يَخطُر على بال أيّ أحَد، أنَّ مثل هذه الأدوات ستتمكَّن من حفرِ نفقٍ طويل، والوصل إلى نهايتهِ لكن، هذه العمليّة، قد أثبَتت للعالَم، أجمَع، بأنَّ الأنفاقَ التي يقوم على حفرها الفلسطينيّون، هي أنفاق تختَلف عن كُل تلكَ الأنفاق الأُخرى ؛ إذ أنّها أنفاق فيها مِن الضّوءِ ما يُضيء العالَم بأكمَله.

هذه العمليّة قَد أثبتَت، أيَّما إثبات، بأنَّ الشّعبَ الفلسطينيّ، هو شعبٌ يمِلِك مِن المُقوِّمات والنّفسِ الطّويل، ما يُمكِّناهُ مِن مُقارَعة أعتى جيوشِ العالَم، وأنَّهُ شعبٌ إن لَم ينتَصِر لا يُهزَم، وأنّهُ في سبيلِ نيلِ حُريّتهِ، قادِر على أن ينحتَ بالصّخر، وأن يجعلَ الصّخر أمامَ إرادتهِ سهل الذّوبان، كما لو أنَّه جبل من الثّلجِ سُلِّطَت عليه أشعّة الشَّمس.

إنَّ هذه العمليّة، التي تتبدَّد أمامها كُلّ تلكَ الخيالات الجامِحة، وتَسّقُط فيها كُل تلكَ الأفلام الهوليوديّة في بالوعَة "الإرادة الفلسطينيّة"، تجعلكَ تُدرِك بأنّهُ ما مِن شيءٍ أضّعفَ وما زال يُضعِف الشّعب الفلسطينيّ في موقفهِ الدّوليّ، كما أضّعفتهُ/وما زالَت تُضّعِفهُ تلك العمليّات، التي سُمّيَت زورًا ب"عمليّاتِ السلام" . فهذه العمليّات الغارِقة بوحلِ المصالِح الشخصيّة للقيادات الفلسطينيّة النرجسيّة، كانَت سببًا كبيرًا في تدهورِ أوضاع الشّعب الفلسطينيّ، وجعلهِ وحيدًا في ساحة ‏الصِّراع، مواجِهًا جيش كيانٍ غاصِب، مُنظَّم ومجهّز مِن كُلّ النّواحي.
وعلى الوجهِ الآخر، فإنّ عمليّات السلام هذه، قَد أدَّت إلى إضعاف الموقِف الدّولي، وسحب كُلّ الانتقادات التي كانَت توجّه للغطّرسة الإسرائيليّة، وخنِق كُلّ الصرخات التي كانَت تُرسَل لإسرائيل جراء قذارة تصرُّفاتها.

وإنَّني لأرى، في سياقِ عمليّة "نفق الحٌريّة"، بأنّهُ ليسَ مِن المُهِم أن تعرِف كيفَ تمكّنوا "الأبطال الستّة" مِن تحرير أنفُسهم مِن وراءِ قُضبانِ أكثرِ السجونِ حصانةً في العالَم، ولكِن، المُهِم هو أن تدّخُل في الكثير من تّفاصيلهم الشخصيّة، وأن تعرِف بأنّهُم أصحابَ قصةٍ بطوليّة، وزُعماء نضالٍ ملحميّ، وأنَّهُم في تغلّبهم على احتلالٍ غاشِم ومُتسلِّط ومتجبِّر ومتكبِّر، ترضَخ أمامهُ دول صاحِبة زعامة في المنطقة، أو هكذا تدّعي هي، قد تمكّنوا مِن تسطيرِ أعلى قيمِ المُقاومة، والتحرُّر.

‏‎مَن حرّروا أنفسهم، اليوم، وكُلّ مَن سيسير على نهجهم، لَم ينتَظروا السُلطة الخائنة كي تُحرِّرهم . فهُم أدركوا حقيقة هذه السُلطة المتعفّنة، وكُلّ تلكَ الفصائل التي تُتاجِر بالقضيّة الفلسطينيّة، وسعوا لكَشف حقيقة كُلّ أولئك الذين لا يخجلونَ مِن إظهارِ الوجه البرغماتيّ لهُم.

مشهَد تخيُّلي لما دارَ بينَ الأبطال، قبلَ هُروبهم مِن السّجن:

"‏نحنُ أبناءُ فلسطينَ التي أُرقَيت بها الدّماء، بكُثرَة، بعدما تكالبَ عليها الجميع، مِن أبناء جلدتها، الذينَ ليسوا هُم أكثَر مِن أدوات يستخدمها الغرب الاستعماريّ الطّامع، والحالِم بسرقَتها مِن أقصاها إلى أقصاها..
نحنُ أبناء البِلاد التي تُخنَق بها حُريّاتنا، وتُقتَل بها ليسَ الأحلام الكبيرة فحسب، بل الصغيرة أيضا...ولِدنا في وسطِ عالمٍ يُحبّ الخُضوع والاستسّلام، لكنّنا نُصِر على حُبّنا للحُريّة، والمُقاومة، ونتشبَّث بكُلّ ما يُشعرنا بأنّ بلادنا تستَحق أن نُقدِّم لها أفضل ما في جُعبَتنا مِن المُقاومة، وأنّها تستَحق أن نُضحّي بدمائنا مِن أجل حُريّتها واستقلالها...

سنخرُج مِن أنفاقِنا المُظلِمة، والتي لنا نُقيم بها الكثير مِن العُقود.. سنخرُج بأنَّنا أدّركنا حقيقة ما يُحاك لنا مِن الخونة ممّا هُم مِن أبناء جلدتنا، وأنَّ الاحتلال باتَ يّدرِك بأنَّ زواله باتَ قريب..
إسرائيل باقية ما بقيَ الخونة والعُملاء والأنذال..لذا، سنخرُج وسنقضّ مضاجِعَ الخونة، واحدًا تلوَ الآخر ؛ لأنّ القضاء على الاحتلال يبدأ مِن هُنا ."

أعتَقد أنّ الأقوالَ التي ذكرتها بالمشّهَد، هي قريبة مِمّا دارَ بينَ "زُعماء نفق الحُريّة" . إذ أنّها أقوال دبّت بهِم العزيمة، وغذّتهم مِن موائدِ الحُريّة، التي لا يجرؤ على الجُلوسِ عليها إلّا مَن آمنَ بأحقيّتهِ بالحُريّة، وأحقيّة بلادهِ بالدّفاعِ عنها، وتقديمِ أثمَن ما يملِك ؛ أملًا بتحريرها، وإخراجها مِن أفواهِ المُستعمِرينَ الأوباش.



الخُلاصة: ‏الحُريّة دائمًا ما يتمّ نحتها بأزاميلِ مجدِ الأبطالِ العظام.
فما قامَ بهِ الأسرى، فجر اليوم، هو ليسَ عملًا يتقبّلهُ مَن تربّى على الخُنوع ؛ لأنّهُ ليسَ مِن صلاحيّات الخانِع أن يتقبَّل مثل هذه الأعمال، أصلًا. إذ أنَّ للحُريّة مدارِك، يصعُب على أربابِ الخنوع أن يدركوها.

‏لستَ بحاجةٍ إلى من يُساندكَ إن كانَت أرضكَ، التي تؤمِن بأحقيّة وجودك عليها، هي السّنَد لكَ. فالأرض التي تُطوِّع نفسها لَك ؛ لأنّها تتلمَّس عطفكَ عليها، وحنيّتكَ عليها، حينما تسّقيها مِن دمائكَ الزكيّة، هي ذخيرتكَ، مصنعكَ الذي لا يتوقَّف عن تزويدكَ بالإصرارِ والعزيمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت