الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية: هدى والتينة (19)

حسن ميّ النوراني
الإمام المؤسِّس لِدعوة المَجْد (المَجْدِيَّة)

2021 / 9 / 7
الادب والفن


(حكاية رجُل يشتهي الحبّ ولا ينالُه)
نهض صباح اليوم التالي من نومه تحت ضغط الحاجة للتخلص من فضلات الجسد.. أفرغ ما كان يضايقه، وعاد للفراش بعد أن فتح نافذة حجرة نومه المطلة على جدار يفصله عن بيت الجيران.. رأس امرأة يتحرك في الفناء المجاور.. وفوق سطح بناية مجاورة، حمامتان تمارسان نشاطا جنسيا حميميا: المنقار في المنقار، الأنثى ترقد، يقفز الذكر فوق ظهرها، ويهز جناحيه بقوة مبتهجة وهو يضغط مؤخرتها بمؤخرته.. وهو في هذه اللحظة المبكرة من النهار، يستعر بالشهوة لامرأة يصلي فوق شفاهها وبين تلالها وزواياها؛ يتذكر رجاء: "لكنها ليست مريمتي ولا عائشتي ولا خديجتي!!".. قالت له إن عدم التزامه بالصلاة، يقف وراء عدم قبولها للارتباط به:
- "غدا الاثنين، هل ستصلي كما صليت يوم الجمعة؟!".
- "هل يوم غدٍ عيد؟!".
- "نعم؛ يوم الاثنين وُلِد أشرف الخلق وسيد الأولين والآخرين، وشفيعنا يوم القيامة مولانا ونبينا وإمامنا حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام!".
قال في سرّه: "ليتني استطيع أن افعل شيئا يخالف قناعاتي، فأحظى برضا رجاء!!".
بعد انتهاء مكالمته معها، اتصل بقريب له، تحدث معه عنها، وعن سبب رفضها له.. ضحك الشاب وقال: "إذا كانت الصلاة هي الحل؛ فإن أسبوع صلاة ليس شاقا ولن يضرك!". سأل نفسه: "هل تريد رجاء رجلا صادقا أم مخادعا؟!".. لا يخفى عليه، أن الخداع سهل، قال لنفسه: "لكن الصدق فضيلة، وأحب أن أثْبَتَ عليها حتى وأنا أعي أنها تزج بي في المسالك الوعرة!!".. وصفه أديب خلال ندوة، بأنه "متسلق"؛ لم يغضب منه؛ ولكن، غضبت عليه صديقة كانت بين الحاضرين: "قم وردّ عليه؟!".. ابتسم، وطلب منها أن تتحلى بالصبر.. غادرت الزميلة الندوة بنزق نسائي مغتاظ منه.. قبل أن تنتهي الندوة، طلب الكلمة، فاجأ حضورُه الأديبَ مهاجمُه، ولم يكن هذا الأديب على معرفة شخصية به من قبل، وبنى فكرته عنه بالسماع من مبغضين له.. وقف على المنصة مشدود القامة مرفوع الرأس مبتسما، وقال موجها الحديث لشائنه مهاجِمه: "أشكرك يا أخي، أشكرك من كل قلبي.. أنا كما وصفتني بالضبط.. أنا متسلق؛ نعم أنا متسلق.. ولكنني أتسلق الطرق الوعرة.. أتسلقها نحو القمم!!".. اعتذر الرجل الذي هاجمه بقوة، ورجاه أن يكتب عن ديوان جديد له!! قال في نفسه: "قد أخسر رجاء، ولكن خسارتي لها أهون من خسارتي لمبادئي!!".. يغمره الأسى؛ قرر أن يعود إلى طيّ كتاب النسوان من جديد؛ تذكر ما قالته له حورية مرارا: "لن تجد امرأة تؤمن بك!!".. نوى أن يوجه علاقته مع رجاء في اتجاه آخر. تحدث معها عن رغبته في إنشاء مؤسسة تُعنى بالأمومة والطفولة؛ استحسنت الفكرة واقترحت عليه أن يؤسس جمعية أهلية لهذا الغرض، وقالت: "أكون أنا رئيستها، وتكون أنت نائب الرئيس؛ أمْ أنك لا تقبل أن تكون نائبا لامرأة كما هو شأن الرجال هنا؟!". أكد لها أنه ليس حسّاسا من هذا الجانب، وان طبيعة عمل الجمعية المقترحة تستوجب أن ترئسها مرأة.. فردت: "بل تكون أنت الرئيس!!". كان تفكيره قبل ذلك يتجه إلى تنفيذ فكرة تأسيس جمعية تُعنى بالأمومة والطفولة في المنطقة التي تسكن فيها "الجارة" مع زوجها، وكان ينوي أن يسمي الجمعية باسم ابنها.. كان قبل ثلاثة أسابيع، في يوم اثنين أيضا، قد ذهب إلى منطقة سكنى "الجارة"، بعد زواجها، لاستئجار بيت، يبدأ فيه تنفيذ مشروعه.. في المكالمة الأخيرة، سأل رجاء عما إذا كانت تعرف بيتا في منطقة سكناها، لاستئجاره بغرض بدء المشروع الذي اتفقا على الاشتراك في تنفيذه.. بعد نصف ساعة من الحديث الهاتفي بينهما، أبدت رجاء رغبة في إنهاء المكالمة؛ سألها: "هل يحمل هذا رسالة؟!".. أجابت: "كلا؛ لكني لا أريد زيادة الأعباء المالية عليك من طول المكالمات الهاتفية بيننا!!".. استمرّ حديثهما بعد ذلك، ساعة وربع الساعة.. جدد تشجيعه لها لاستكمال دراستها والحصول على درجة الدكتوراه.. خاطبها:
- "مِن هذه اللحظة؛ أنت الدكتورة رجاء".
- "سأُلقي على عاتقك مسئولية إنجاز هذه المهمة!!".
- "أنا مستعد لذلك!!".
اتصلت به صباح الاثنين:
- "هل صلّيتْ؟!".
- "هل تفضلين الصدق أم الخداع؟!".
- "أفضِّل الصدق بكل تأكيد، وأريدك أن تصلي عن قناعة!! هل تناولت طعام إفطارك، أم لا؟!".
- "لا أهتم بشؤوني!!".
- "هل توقعتَ اتصالي؟!".
- "أحب سماع صوتك دائما يا رجاء.. آسف، يا مدام رجاء!! هل ما زلتِ تفضلين أن أناديك بـ "يا مدام رجاء"؟!".
- "أجل!!".
- "إذن، لا زلتِ تقيمين الحواجز بيننا!!".
في حديثه مع رجاء، قال عن موقفه من المسالة الدينية:
- "إيماني بالله عميق، لكن موقفي من مسالة النبوة، مختلِف: أعترف بعظمة النبي، وبالنبوة أيضا؛ لكنني افعل ذلك بطريقتي!!".
- "لا أرى الأمور بطريقتك الفلسفية؛ أراها بواقعية، عليك أن تكون واقعيا!!".
- "طرقتُ باب قلب واقعي، رجوت أن أتعلم منه منهج الواقعية، لكنه صدّني!!".
تابع.. "اخترتُ أن أكون صادقا مع نفسي، لذا؛ أنا لا أزال أعيش على حصيرة.. لو اخترتُ طريقا آخر، فلربما كنتِ أنتِ الآن مديرة مكتبي، لا مديرة مكتب رئيسك ذي الوظيفة المرموقة.. للصدق ثمن دفعتُه، ولستُ نادما!!".. الحمامتان هائمتان في الحب في نور شمسِ يومٍ شتوي دافئ؛ والمذيع يفضح سيئات الناس وظلمَهم وجهلَهم وظلامَ عقولِهم وقلوبِهم: أحد عشر فلسطينيا سقطوا قتلى في الساعات الأخيرة، ستة منهم ماتوا بانفجار غامض، والباقون قتلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ وفي إحدى نصوصه، كتب: "دينك الحق يا حمام!!".. "أقلقتني المسالة الدينية منذ عشرات السنين، وموقفي منها ليس ارتجاليا ولا عبثيا"؛ قال لرجاء، لكنه لم يخبرها أنه أول من أسس حركة جهادية فلسطينية إسلامية لمقاومة المشروع الصهيوني..
****
كان حينئذ لم يزل في الثالثة والعشرين من عمره.. لكن عاصفة الشك في مفاهيمه الموروثة اجتاحت عقله؛ فعصفتْ بكيانه.. ها هو الآن، وحيد في برد الغربة الساقع، رغم أنه فوق أرض وطنه.. كتب يصف حاله: "أنا هنا بين حجارة كافرة!!".. تمتم لسانه المحبَط: "رجاء ليستْ مُخَلِّصتي!!".. دلق في زوره ما تبقى في كأسه من شاي بارد مضى عليه ساعة وهو يحتسيه، الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، التينة وراء ظهره، والنافذة التي تطل عليها مغلقة.. وهدى تنتعش في خياله!!
يتذكر أنه زار دكتورة صديقة، تقرأ الفنجان، وتصف نفسها أنها لا تخطئ قراءته؛ احتسى في ضيافتها قهوته، طلب منها، من باب الدعابة والتسلّي، أن تقرأ له فنجانه.. تفحصت الدكتورة رسومات الفنجان ثم زرعت عينيها في عينيه.. قالت له إن المرأة التي ظل يعتقد منذ أول عمره أنها أمه، هي في الحقيقة ليست كذلك.. سأل بدهشة فيها وجل وفزع: "مَن أمي إذن؟!".. أشارت قارئة الفنجان الدكتورة الواثقة من صحة ما قالته، بحركة من يدها تعني أن أمه الحقيقية ماتت ذبحا!!
- "متى؟!".
- "لحظة ولادتها لك!"..
- "فهل الرجل الذي عشتُ في رعايته هو أبي حقيقة أمْ أبي بالتبني؟!"..
- "هو أبوك حقيقة لا بالتبني!!"..
- "مَن ذبح أمُّي؟!"..
- "أبوك وأبوها!"..
قضى، مع الدكتورة سهرة ممتعة، لكنها لم تخْل من شكّْ ساوره وأسف انتابه: "هل حقا أنا ابن الذبيحة، والذابحَين؟!..
كانت زياراته للدكتورة، مبهجة له، وحين بدأت علاقتهما، كتب: "ها قد انشقت في جدار عزلتي نافذة للروح في عالم هجرته الروح!!".. لكن "نافذة الروح" انطمست بعد وقت قصير لأسباب ظلّت خافية عنه: "تُرى؛ هل ذُبِحَتْ؟!"..
أغلق أبوابه على غير العادة.. نفْسه مغلقة أيضا في قنوط يتلبسها: "لا بد أن أغادر هذا البلد!"؛ قال لنفسه وتساءل: "هل قراءة الدكتورة لفنجاني تُطابق الحقيقة؟!"؛ راوده خاطر: "قد يكون حدث ذلك؛ ولو أن هذا حدث فعلا فهو سبب لهاثي المتواصل وراء المرأة.. أبحث عن أمي التي فقدتها منذ ولادتي؛ سأبقى الهث إذن.. ودون جدوى!!".. يرى، أن الرجل يبحث طوال عمره، عن مرأة يستعيد فيها أمّه: "مَن يفقد أمّه في حادثة مخيفة مُرْعِبة، يتم فيها ذبحها؛ يقضي عمره كله ذبيحا في طلب المرأة الأمّ الرحم الحاضن الآمن!!".. بعد عودته إلى غزة، قصد مركز وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين لاستخراج بطاقة تمنحها الوكالة لكل لاجئ مثله.. بحث الموظف المسئول في الأرشيف عن اسمه المفترض أن يكون مدرجا تحت اسم أبيه، فلم يجده: "ما اسم أمُّك؟"؛ سأله الموظف، وعاد يقول:
- "هل أنت متأكد أنك ابن المرأة التي قلت أنها أمك؟!".
- "لا أشكّ في ذلك!!".
عاود الموظف البحث عن اسمه مع أسماء يحمل أصحابُها كُنيته: "هل تعرف امرأة تحمل اسم صابرة؟".. ردّ على عجل:
- "نعم، نعم!!".
- "اسمك مدرج معها باعتبارك ابنها!!"..
هذه المرأة التي يقع اسمه تحت اسمها في سجلات اللاجئين ليست أمّه التي يعرفها.. سأل خالته، شقيقة أُمّه التي يعرفها: "هل حضرتِ وقتَ مولدي؟!".
- "أجل، وحملتك ساعتها، وغنّيْت لك".
- " أحقّا أنا ابن شقيقتك؟؟!!".
- "غريب أمرك.. هذا مؤكد؛ لماذا تشكُ في ذلك!!".
قالت حورية:
- "الكذب حيلة أمنية، اخترعتها الحكمة النسائية"..
- "هل تكذب خالتي؛ أمْ أنا ابن أمّ ذبحتها الذكورة يوم اشرقتُ ومنذ ساعتها تيتّمتْ وخفتُ وصُدمتُ وقلِقتُ وتشقّقْتُ وتهْتُ وضللتُ وبئِستُ وتشرّدت وتعرّيت وجُعْتُ وظمِئتُ وسقِعْتُ وارتعدتُ وتعذّبت وبَكيْتُ ونُكرْتُ وأُقْصيتُ ورُدِعْتُ وحورِبتُ فتحرّرتُ فابْتَهجْتُ فأحْببتُ فاستنرتُ فارتفعتُ فتمايزتُ فتفرّدتُ ورفَضْتُ واسْتنكرتُ واشتهيتُ كلّ أنثى؟!"
- "أنت اشتهيتَ الحبّ وتماهيتُ معه ورفعتُ رايته؟!"..
- "أجل؛ آمنتُ به ربّة ربّا في الصحو والنوم وفي الوعْي والسهوِ وفي النيّة والقول والفعل ما ظَهر منها وما بطَن وفيما أتي وما يأتي وسيأتي من كائن واقع أو متخيّل؛ اشتهيته بالروح والبدن وآمنت به شوقا رجاءا هدى حوريّة بهجة وحريّة وحياة ومجْدا وخلودا وانطلاقا وبعثا وقوة وسلاما وعدلا ووئاما وجمالا وبناءا ورخاءا وارتقاءا وجنّة هنا الآن وشرْعا وعقلا وقلبا وذوقا ولذّة وسلامة وديْدنا وصلوات ووصالا وطربا ووَجْدا ودينا ودعوة ورسالة وراية!"..
****
الدكتورة قارئة الفنجان أكدت له أن قراءتها دقيقة، كما تشهد لها تجارب سابقة؛ سأل نفسه: "هل هناك أشياء جديرة بتصديقها بدرجة مطلقة وأن نمنحها ثقتنا التامة؟!".
قال لرجاء في المهاتفة النهارية الأخيرة: "أحبُّ سماع صوتك دائما!!".. لكنه قرر أن يجعل من هذه الليلة التي تجاوز الوقت فيها آذان العشاء، أول ليلة لا يتحدث فيها معها.. نادى هدى.. وقفتْ أمامَه.. كان جالسا على كرسيه الهزّاز، حملق في عينيها، لفّ خصرها بذراعيه، جذبها إلى حضنه، لفّتْ راحتاه رأسها، لثم شفتيها بقبلة ملتهبة، تراجع رأسه قليلا عنها: "منذ الآن، لن يشغلني سواك!!".. حضَنَتْه بذراعيها البضّتين؛ أضاءت البهجة عينيها ومُحيّاها.. تدحرجت دموعها على خدّيها المتوردين، ورمتْ رأسها فوق كتفه.. حملها بين ذراعيه، وأطلق في بحار الخيال أشرِعَته.. جلس مطرقا ساهما، إلى أن أيقظه رنين الهاتف، رفع السماعة.. رجاء على الطرف الآخر.. رجاء عادت على التو لتملأ وجدانه.. ودفعة واحدة!!
وفي صباح اليوم التالي، وكان الطقس صباحيا دافئا، استيقظ مبكرا.. استدعى خيالُه رجاء وهو لا يزال في الفراش.. تخيلها تقول له: "لا أستطيع الاستحمام قبل ذهابي للعمل!!".. تخيّل أنه يردُّ عليها وهو يتخيل أن يده كانت تتسلل تحت ثيابها: "تستطيعين الذهاب إلى عملك دون اغتسال.. إني أشتهيك!!".. لا يزال الخيال متواصلا: استسلمتْ له، قبض على شفتيها بقوة جوعان ظامئ.. أطلق ناره.. مضى الخيال، فقام وفتح باب البيت الداخلي: "صباح الخير يا تينة!!".. صمَتَ برهة ثم تابع: "رجاء ليست لي؛ هدى والتينة لي!!".. التينة ذكرى حبِّ لم يهجره. وهدى أمل وشوق ورجاء.. يوم أن رحل إلى هنا، كانت هدى والتينة قد بلغتا الثالثة عشرة من عمرهما.. هاتفته رجاء ليلة الأمس مرتين؛ قال لها: "هممتُ ظهيرة هذا اليوم أن أهاتفك، شعرت أنني كنت قاسيا معك خلال مهاتفة الصباح!!".. ردّت: "بل أنا التي كنت قاسية!".. أخبرَتْه أنها اتصلت مع مدير المستشفى الذي كانت أمها قد توفيت فيها، نتيجة إهمال المدير وطاقم المستشفى، كما تعتقد.. كانت تحمل شعورا بالحقد عليهم.. تُوِفِيت أمّها بعد خمسة أيام من رحيله إلى هنا.. في الذكرى الثامنة لقدومه إلى الوطن بعد اغتراب طويل..
كانت رجاء قد تحدثتْ قبل يومين مع مدير المستشفى بقسوة؛ وفي المحادثة الأخيرة التي بادرت هي إليها، اعتذرت للمدير عن قسوتها:
- "أسعَدَتْه مكالمتي جدا!!".
- "أنتِ فعلتِ ما تدعو إليه فلسفتي.. سعادته هي بهجة الحب، أنت أيضا ابتهجت لبهجته باعتذارك إليه.. من الأجمل أن نفتح كل يوم كتابا جديدا!!".
في المكالمة الأولى لهذه الليلة بينه وبين رجاء، تنهد بأسى عميق؛ ردت بلهجة احتجاجية، تعكس ضيقها: "هل اتصلتُ بك لأسمع تنهدك؟!".. ردّ: "يبدو أن واحدا منا لا بد أن يتنهد".. ردّت بخفة روح: "لماذا لا نبتهج معا؟!!".. هذا ما يتمناه.. أوقفتْ المكالمة كيّ لا تلفت نظر بناتها اللواتي يراقبنها باندهاش وبشهوة بكر.. بعد نصف ساعة، عاد جرس الهاتف عنده للرنين من جديد؛ بدا من حديثها أن مزاجها متعكر.. أخبرته أن خطيبها اتصل بها، لكن القلق والخوف لا يزالان يسكنا قلبها.. تحدثتْ بأسى: "لا أزال أريد الارتباط به، ولكن، كيف أطمئن إلى أنه لا يريد الزواج مني طمعا في مالي وعقاري؟!"..
- "واحد فقط، هو الذي لن يطمع في عقارك ولن يسأل عن مالك!".
- "أعرفه، إنه أنت!!".
- "الناس هنا يعتبرون أن الزوجة ومالها ملك للزوج!!".
- "قد يكون في ذلك شيء من الصواب: المرأة تعمل على حساب الوقت الذي يجب عليها أن تمنحه لزوجها!!".
- "أنا لا أشجِّع عمل المرأة المتزوجة، وأرى أن وظيفتها الحقيقية هي أن تصنع البهجة لها ولأطفالها ولزوجها؛ لا أريد العودة بالمرأة إلى عصر الحريم.. أريد تحريرها من أعباء وظيفة تستنفد ما تمتلكه المرأة من قدرة على إبداع عالم أجمل.. لا أصادر حرية المرأة الإنسانية، اقتراحي يوفر لها الكرامة والهناء والحرية الجميلة!!".
- "أتمنى لو أنني لا أعمل في وظيفة خارجية، أتمنى لو ينحصر عملي في البيت وفي المشاركة في أنشطة اجتماعية!! لكن، هل لا تشجع عمل المرأة قبل الزواج؟".
- "أشجع عمل المرأة قبل الزواج، فهذا يُكسبها خبرة بالحياة، ويمنحها فرصة للالتقاء بشريك المستقبل.. فإذا تزوجتْ، وأنجبتْ، أصبح من حقها على المجتمع أن يرعى وظيفتها الجديدة.. وظيفتها الأجمل!!".
عاد للحديث عن مشروع رعاية الطفولة والأمومة الذي اقترح عليها تنفيذه معا، قالت:
- "أي نشاط لي بعد زواجي من خطيبي لن يكون إلا بإذنه وموافقته!!".
- "هكذا، أنتِ تغلقين الباب في وجهي بالإسمنت المسلِّح!!".
- "أرجو أن يوفقك الله في الارتباط مع امرأة غيري، وأعدك أن أقوم أنا وزوجي بتبادل الزيارات العائلية معكما!!".
- "حينئذ سأسترق النظرات إليك!!".
- "كلا، لن تفعل؛ فستكون زوجتك حبيبة لك ورقيبة عليك!!".
قال في نفسه: "بل أنت الحبيبة!"؛ ثم سألها:
- "لماذا ترفضين زيارتي في هذه المرحلة؟!".
- "لا أريد التشويش على نفسي!!".
تبدو وكأن قلبها معه، وعقلها يختار الآخرَ زوجا لها.. سألته:
- "أخبرني بالضبط عن أحوالك المالية؟".
- "صعبة؛ هل هذا سبب يضاف لأسباب رفْضكِ للارتباط بي؟!!".
- " ماذا تنوي تسمية الجمعية التي تعتزم إنشاءها؟!".
- " سيكون مركّبا من اسمك واسمي! لماذا تهربين كلما أحاول الاقتراب من المسألة العاطفية بيننا؟!.
- " ألا تلاحظ أن هناك إشارة صوتية تنبه إلى اتصال هاتفي آخر يطلبني.. أحسب أنه من صديقة لي.. وعدتها أن أتحدث معها عما بيننا، أنا لا أخفي عنها أسراري.. إنها غير متزوجة، تكبرني ببضع سنين، لا تسألْني عما إذا كانت تقبل بك زوجا؟ لن توافق، إن ظرفك المالي صعب!!"..
نهض واستقام ورفع رأسه، وفتح النافذة المطلَّة على التينة واستنشق بعمق وقال بصوت جَهْوريّ فخم: "وعزّتي وغِنايَ بنوري وحريتي وحبّي وبهجتي وعلائي؛ إنّ من تزنني بالمال، لا تزن عندي مثقال ذرة من خردل!"..
****








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1


.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا




.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي