الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشتعال -2-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 9 / 7
الادب والفن


في عيادة الكيماوي
كمبيوتري يرافقني ، أحاول نسيان أنني أتلقى الجرعة ، ولمدة ست ساعات . أفتح الكمبيوتر، وبنفس راضية بما يجري ، أكتب مقالاتي في السياسة، و الأدب،
وحول المرض .يأتي اليوم الثالث بعد الكيماوي حيث تتوقف الحياة، وتحين لحظة الموت ، فتحضن كل الماضي، وتختصر الألم، تحاول أن توصل إلى ذهنك فكرة: فلترقد روحي بسلام الآن ، لكن هيهات! الوجع أكبر مما تتخيل ، ينتهي قبل الزيارة الثانية وهكذا دواليك .كنت أنتظر بغارغ الصبر أن ينتهي العلاج الكيماوي ، و انتهى فعلاً بعد خمسة أشهر ، كانت نتائجه الإيجابية قليلة، فتم نقلي إلى العلاج الاشعاعي.
ذهبت إلى فندق يدعى فندق المرضى ، وفي ذلك الفندق كل مقومات الحياة، وكنت أنا في جناح مرضى السّرطان .

غرفة الأحلام

تلك الغرفة الأنيقة التي تقع على الجانب الأيسر من الغرفة رقم تسعة ، تحتوي على تلفاز وبعض الكتب ، ومقاعد مريحة ، هي غرفة صغيرة قليلاً ، نادراً ما يجتمع فيها أكثر من ثلاثة أشخاص . يقع المطعم على بعد عدة أمتار منها ، تسير إليه عبر ممرّ . سكان الفندق هنا لا ينامون ، يقصدون المطعم من أجل فنجان قهوة، أو يجلسون في القاعة الكبيرة قرب المطعم يشاهدون التلفاز ، أو يقرؤون الكتب، قد لا يشاهدون ، ولا يقرؤون ، لكنهم يرغبون بممارسة روتينهم اليومي . يجافيني النوم . اشتعلت هذه المرة ، لم أشعر بالنشوة بل بالاحتراق .
أستلقي على سريري ، أرفع ظهري كي لا أتألّم . شيء ما يؤلمني ، ألبس ثيابي، أفتح باب غرفتي ، أذهب إلى المطعم ، أدهن بعض الزبدة على خبز ، أجلب فنجان قهوة لن أشربه ، فقط أحدثّه ، لبضع دقائق ، أتناول المهدّئات .
أجلس مع فنجان قهوتي في الغرفة التي على يسار الغرفة رقم تسعة ،
أفتح التّلفاز ، لا أسمع ، لا أرى ، هو نوع من ممارسة الطّقوس علّ الأمر يصبح روتيناً.
-مرحباً !
-مرحباً!
-يبدو أنّك لا تستطيعين النّوم . جميعنا هنا لا ننام . جلبت بعض الحلويات من البراد ، وفنجان قهوة، ألتهم الطّعام دون أن أستسيغ طعمه ، كأنني أعاند نفسي .
-أما أنا فلا أستطيع أن أتناول الحلويات لأني مريضة سكري.
-أنا أيضاً مريض سكري ، أتدبر الأمر بزيادة جرعة العلاج . اسمي أنطونيو. أكتب القصة القصيرة ، أحاول أن أسهر علّني أنام بضع ساعات قبل العلاج.
أصبحنا نجلس أنا وزميلي في أغلب الليالي في الغرفة ، يعطيني جرعات من التفاؤل ، لا يشكو المرض، فقط يتحدّث عن اليونان وطنه الأم. قال لي: " أتيت إلى السويد منذ خمسين عاماً، زوجتي سويدية ، لكنّني لم أنسجم مع الطّعام هنا، لا زالت نكهة زيت الزيتون ، و الشواء ، و الفرابية ترافقني . رأيتك لا تأكلين أحياناً الطّعام ، اعتقدت أنّك قادمة من اليونان ، تشبهين أختي ."
-أنا أيضاً هاوية كتابة ، عندما ينتصف الليل ، لا أستطيع النوم ، أروح و أجيء في الممّر، مرّة أجلب القهوة، و أخرى آكل بعض الخبز ، فتحلّ الثالثة فجراً أجلس إلى الكمبيوتر و أكتب بعض الأشياء كي أشعر أنني على قيد الحياة .
-أعتقد أنّنا سوف نتجاوز الألم . دعينا نحلم قليلاً .
بعد انتهاء العلاج سوف أقوم برحلة إلى أفريقيا ، في هذه المرة لن أطلب من زوجتي أن ترافقني . عندما مرضت عرفت أنّني سوف أعيش الوحدة رغم التّعاطف معي .
-أنا أيضاً سوف أذهب إلى كندا، لكن هل تعتقد أن السياحة هي حلم؟
أحلامي تطاردني ، لا زلت طفلة تلعب في الحي، لا زلت أرعى أغنام أمّي، و أجلب الحطب للتنور . رافقني الحلم على مدار حياتي . جعلني الجري وراء لقمة العيش أنسى هدفي . أحنّ إلى ذلك الشّقاء الذي ملأ عالمي فمنع السرطان من العبور إلى جسدي ، و في أوّل مرّة شعرت فيها بالرّفاه أبى المرض أن يدعني أكمل ولو جزءاً من الحلم.
أردت أن أحتفي بنفسي، أستمتع بالرفاه. فتشت عن ثوب طويل يكشف عن كتفي ، قرّرت أن أحضر حفلة، أجلس ساكنة أستمع للطرب ، تلامس شعري يد فلا أنظر لها ، تسند اليد رأسي إلى كتف غريب . لا بأس ، فلكل عمر حبيب. لو لم نتحدّث عن الحبّ ، و لو لم نتخيّله ، لم نستطع إكمال رحلة الحياة . كيف عرف المرض أنّني قد أتفرغ لنفسي؟
-لا أهتم كثيراً للمرض طالما يمكن السيطرة عليه بالمهدئات ، و أستطيع تحمّله، عندما يصل إلى الحد المستحيل سوف أطلب الموت الرّحيم.
زوجتي على الهاتف .
تحدثت معها بصوت قوي كي تعتقد أنني أتعافى ، لا أرغب أن تحزن لأجلي. مشكلتي مع المرض أنه عليّ أن أدعي أنني بخير كي أواسي جميع من يسأل عني .أرأيتِ؟
-حدّثني أكثر عن الموت الرحيم!
هل هناك موت رحيم؟
لا أخاف الموت ، فقط أخاف الألم .
عندما ذهبت إلى العملية ذات يوم ، بدأ المخدر يسري في جسدي ، ابتسمت مع نفسي، قلت وداعاً، كنت فقط أقولها لكنّني استيقظت ، اعتقدت أنّني كنت أحلم، قبل أن أستيقظ بدقائق كاتت السعادة حاضرة معي، نظرت حولي فإذ بهم يقودونني و أنا مستلقية على السرير، تسألني الممرضة : هل أنت بخير ، أومأت برأسي، وقبل أن أنطق هربت السعادة، أصابني الغثيان، كان الألم أقوى من أن أحتمله.
-دعينا من الموت الآن . لا أفكر به . أفكّر في رحلة، أن أركب الطّائرة، أذهب إلى أفريقيا ، زرت العالم كلّه ، أحببت ذلك الجزء منه.
لو أردتِ أن تتمتّعي بالحياة يجب أن تحصلي على المال الكافي ، تستطيعين إدارته عن بعد، تسافرين إلى كلّ الأماكن، تسحركِ المغامرة، تحجزين غرفة في فندق، لا تنامين فيها ، بل قرب الشّاطئ حيث يكون القمر بدراً .
-هنيئاً لك ! رحلاتي كانت أشبه بكابوس .
في كلّ رخلة أقوم بها أعدّ ماتبقى في جيبي .
أكاد أعود من الرحلة، أخاف أن تكون الهدايا التي حملتها لا تفي بالغرض.
على مدار حياتي عشت في حافلة لا تدعني أنام ، فكلما غفوت تنتهي الرّحلة، كنت أتمنى أن تستمر .
-حلّ الصباح . نسينا أننا مرضى. سوف نسمي هذه الغرفة غرفة الأحلام ، هنا تجددت حياتنا، بدأنا أحلاماً جديدة .
. . .
تعلّقنا بقشّة، غرفة تقع إلى يسار الغرفة رقم تسعة أسميناها غرفة الأحلام .
في تلك الغرفة نسافر، نطير على أجنحة الليل .
نحلم، نبتعد عن الألم .
نحتسي القهوة، ولا تنتهي من الفنجان، نقلبها، نستبدلها بالشّاي ، ثم نلجأ إلى غرفنا التي تسجننا برائحة المرض.
قرّرت اليوم أن لا أغادر غرفتي، أشعر بالاكتئاب ، عدت من المستشفى غاضبة، أسأل نفسي: لماذا كل هذا العذاب؟ أليس الموت أفضل؟ الغرفة تضيق علي، خرجت ، مشيت في طريق الغابة-ما أكثر الغابات هنا!-ربما أعتقدها غابة لأنها مليئة بالأشجار دون أن أرى البشر، لكن فيها حارات ضيقة أرى الناس يمشون خلالها مستعجلين إلى أعمالهم. الناس هنا شخص أو اثنان ، ما أقلّ البشر في هذا المكان!
أفكر في الموت ، و الحياة. الأمر ليس بالصعب ، وحتى الألم ليس بالأمر القاسي جداً . تتعوّد عليه ويصبح جزءاً منك.
أفكر أنّ لا حاجة لي في هذه الدنيا، فقد أنهيت رسالتي، و كتبت آلاف رسائل الاستغاثة للنجاة.
ما فائدة أن نكرّر الأيام
أن نقتل الوقت كي يمر
أن نخاف النّهاية
لا أخاف النهايات
لأنها محتومة
. . .

سوف أمرّ على غرفة الأحلام بعد عودتي علّني أنسى .
حلّ المساء ، ولا نوم ، ليس أمامي سوى الغرفة التي على يسار الغرفة رقم تسعة التي هي غرفتي، أخذت كمبيوتري، وذهبت إلى الغرفة، لم يكن فيها أحد ، لم أفتح الكمبيوتر ، بل فتحت التلفاز، فكانت مباراة، تركت اللاعبين يتبارون، انصرفت بذهني إلى اللاشيء، فقط أنظر من النافذة إلى شارع قريب فيه بنايات وحياة، لكن الحياة توقفت، ولا زالت الساعة الثامنة مساء، كأنك أمام منع تجوّل. رأيت إحداهن تأتي ، تقول لي: هل يمكنني أن أشاهد التلفاز؟
-بالطبع، بإمكانك أن تغيّري على ما تشائين من البرامج.
-اسمي إيفا. عازفة في فرقة موسيقية .
-أعرف!
-كيف عرفت؟
-لم أكن أعرف من أنت ، لكن قمطتك فنيّة جداً ، وثيابك عصرية ، و ابتسامتك لا تفارقك كأنّك تقدّمين عرضاً، ثم إنني راقبتك خلسة ، و أنت تأكلين ، فالسكين و الشوكة طوع يديك، تتمتعين بالطعام ، حضورك جميل. عرفت أنّك فنانة.
-خذي قِناعي، وهذا قلمي. اكتبي ما قلتيه عني على القناع ، أراه يشبه الشّعر. لا أجيد الكتابة، لكنّني كلما عدت من المستشفى أخلع القناع و أسجل عليه التاريخ، وبعض الكلمات. في عصر الكورنا نكتب تاريخنا بالأقنعة. قولي لي : ما هو عملك؟
- في بلادي -من قلّة العمل- نعمل جميعاً شعراء، كتّاب، عظماء ، بينما نعد نجوم السّماء، وندعو القمر أن يرسل لنا دار نشر ، نحن نؤمن بالقمر إلهاً، و لدينا أكثر من صاحب كرامة نصلي له.
-ليس لديّ شك أنك تجيدين كتابة الشعر، فقد راقبتك أيضاً و أنت تأكلين عندما لا تأكلين، تضعين الصّحن أمامك تداعبينه بالشوكة و السكين، ثم ترمينه دون أن تمسيه. عليك أن تأكلي. ليس فقط من أجل أن تعيشي ، بل من أجل أن تشعري بالحياة .
-إنني مريضة يا إيفا، لا أشتهي الطّعام، ولو أكلت لأصابني الغثيان ، أنا لست مثلك صحيحة الجسم، فأنت تبدين بكامل صحتك ، من يراك لا يظن أنّك مريضة، قد يكون المرض في بدايته.
-في الحقيقة أن مرضي متقدم في الدرجة الرّابعة، لكنّني لست معنيّة به لأنني لم أجلبه، هو أتى لنفسه، سوف أتجاهله علّني أطرده، وقد لا أطرده. ليس مهماً أن أعيش حتى الستين ، أو السبعين ، أو المئة ، ففي يوم ما سوف أموت. إنّني مستعدة.
ما أجمل هؤلاء المرضى! إنّهم لطفاء. لماذا لم نستطع في الحياة العادية أن نلتقي بأمثال هؤلاء ؟ أغلب من التقيت بهم كان يتنمرون علي. ربما يرقق المرض الطباع ، أو أن المرض لا يصيب إلا هؤلاء .
في الماضي كنت أدور حول نفسي ، أعتقد أنّني أعمل من أجل المستقبل.
كيف استطعت أن أكمل غفلتي في بلاد الظلمة تلك؟
. . .
أستجلب الحنين إليّ كي ترق مشاعري ، أراها تجمدت ، هل يمكن أن يضج الناس بالحنين، ولا أجد شيئاً في الماضي أحن إليه .
أحنّ إلى الماضي، إلى الطفولة، أعتقد أنّني فارقت الجنة، أستعرض محطات حياتي، أجدني وحيدة حتى عندما يتكاثر الجمع حولي.
وحيدة في أفكاري
في مرضي
في فرحي
أسمع أصواتاً تنطلق
تقول الأصوات أنهم يحتفون بي
يحبونني
هم لا يعرفون كيف يحبون أنفسهم. لماذا يحبوني؟
يختفون إن ألمّ بي خطب
يرسلون لي رسائلهم :
أنت مسؤولة عن الفشل
أنت من اختار الطريق الخطأ
يتنمّرون عليّ ، في بعض الأحيان عندما أكون ضحية لا يكفون عن إعطاء النصيحة تلو الأخرى، أصبح كالفريسة التي يتنازع عليها الصيادون .
أوه!
تبدو الذكريات مؤلمة، ولا حنين.
نبتكر قصص الحبّ والحنين كي ننسى
نصّور المكان أنه جنة، كان خراباً
لماذا أحنّ ؟ ليس لي في الدنيا مكان
أدور حول فراغ يتنقّل معي
أنزوي ، أستسلم، ثم أثور
أعيش أجمل حالاتي، أسوأ كوابيسي
تستمرّ الحياة، لا زلت على قيد الحياة
لو قدّر لي أن أعود إلى البداية لما أنجبت الأطفال
لو قدّر لي أن أعود إلى الشباب في نفس المكان
لحزمت حقيبتي وسرت في طريق الضَياع
قد أنجو، قد لا أجو، لكن لا أستسلم لذاك التخلف
لا أنصاع
لا أنحني
أختار مصيري على طريق لا أعرف نهايته
أصل إلى النّور، أو أستسلم إلى صخرة قرب الطريق، و ألقى حتفي بينما أبحث عن الحياة.

. . . .
الرّحلة
لم أتعوّد على تلك الرحلات، ولا على رحلات من نوع آخر .
في بلاد الصمت تحلم فقط، أحلامك تتمحور حول كيفية تغيير واقع الحياة.
الرحلة طويلة ، السّيارة تنتظر أمام الباب ،و أنت عليل ، عندما يقهرك الوجع تتمسّك بنفسك، تصرخ : أخ ! إني أتوجع ، لا أحد يسمعك ، فذلك الصراخ الصامت خلال الرّحلة يرحل إلى الأعماق، تنظر إلى الطبيعة ، ترى الأشجار غافية على جانبي الطريق ، الغابات تمتد ، و لا ترى بشراً، ولا حتى حيوان .
اقذفني أيها السّائق هنا، خاصرتي تكاد تنفجر، وظهري لا يحتويه المقعد.
لو استطعت لذهبت ركضاً ، أو قفزاً ، فجسدي لا يحتمل الجلوس, يحنّ عليّ الداء، يهدأ جسدي للحظة فأغفو . يالها من أحلام !
أعيش في أرض يباب
ليس لي أم ولا أب
طفلة مشرّدة تحاول صيد العصافير بالوادي
تهرب العصافير من بين كفيّها
يأتي الفيضان يحاصرها
الماء عكر، و أنا وسط الماء
شجرة تعرّت تنادي
يأتي إليها العصافير
خذوني معكم إلى غصن
أخاف من الطوفان
يهطل المطر
يتبلل شعري
تلتصق ثيابي بي
آخ!
كان حلماً ، لكن الألم بدأ يرقص
جسدي العليل يرتجف
لا زلت في منتصف الطريق
السّائق يسمع الأخبار
الوهن يأكلني
لن أبوح بالألم
أخجل من المرض
من حياتي وذكرياتي
كم أنا ضعيفة !
لا تستسلمي أيتها المغفلة !
لا أتألم ، لا أصرخ ، فقط أمسك خاصرتي بيدي
. . .
في كلّ يوم اثنين عليّ أن أذهب إلى فندق المرضى كي أجلس فيه خمسة أيّام أزور فيها مركز العلاج بالأشعة ، ثم أعود يوم الجمعة لأرتاح من العلاج ليومين، وهكذا.
في الأيام الخمسة التي أتعالج فيها بالأشعة علي أن أصل إلى مركز العلاج ، يحتاج الأمر لخمس دقائق في السيارة ، أنا على موعد مع رحلة يومية، و لمدة ستة وعشرين جلسة.
أنتظر السيارة التي تقلّني أمام باب الفندق، الأعراض الجانبية للعلاج بالأشعة تؤثّر عليّ، أعود إلى الفندق كي أذهب إلى التواليت، ثم أعود لا نتظار السيارة، وفي النهاية أتماسك علّني أصل إلى مكان العلاج، يرافقني الغثيان.
أسأل نفسي: هل الأمر يستحق كل هذا الألم؟
أجيبني: لا أدري!
بل لا أدري أيهما أرحم الموت ، أم الألم ؟
في يوم مضى سعيت إلى الموت، تمنيته، كنت قد مللت العنف ، و لا قبس من نور أمامي. اعتقدت أنّ الموت فعل إراديّ، كنت أنام على نيّة الموت. كنت في أواخر الشّباب ، عليّ أن أتوزّع ، أتقطّع، الكلّ يأخذ، لا أنتظر العطاء، بل أنتظر أن تكون مسؤوليتي قد نقصت ، فقد أتيت بأولادي الثلاثة ، وكانوا يكفون لملئ أكثر من وقتي بالمسؤولية، لكن المسؤولية لا تنتهي. يمكنني إنهاؤها لو رغبت ، لكّني أقول كلّها عام وتصبح الأمور أفضل ، و أصبح الأولاد الثلاثة ستّة ، لا أستطيع إلا أن أستجيب لعيون صغيرة تطلب العون، ثم ارتبطت بالجميع عاطفياً ، فخسرت أشياء كثيرة لست نادمة على خسارتها ، فعندما تغادر العالم لن يكون هناك ربح، و ما فائدة الربح في غيابك.
منذ عام قرّرت أن أتغيّر، أحترم عطائي ، ولا أعاتب من أجل غفلتي .
سوف أذهب اليوم إلى السوق ، أشتري فستاناً طويلاً . أحبّ الفساتين الطويلة، أشتري باروكة جميلة، أحتفظ بتقاسيمي بدون تجميل ، أذهب لتناول فنجان قهوة لأحتفي بنفسي. لم أشتر الفستان ، و لن أشتريه كما يبدو، فذلك الأنبوب المتدلي من خاصرتي يسبب لي الألم ، وتلك القسطرة في صدري تمنعني من لبس حمالة الصدر. ينحني جسدي بفعل جميع الأشياء، و الباروكة لدي هبة من مركز السرطان، لكنني لا ألبسها، أكتفي بالقمطة التي تعطيني صفة المرض.
هل كان الأمر يستحق ذلك الغضب ؟
هل ذكريات الماضي ذات قيمة؟
هل للأولاد مكان الآن؟
أسئلة كثيرة تخامرني، أستطيع اإجابة عليها ، تمنيت أن يعيش أولادي بسلام، لكنّني عرفت أنّهم اليوم قد خرجوا من حياتي، و إلى الأبد. هم يأتون كنوع من الشفقة، و أنا أمتعض من الشفقة.
وحدتي اليوم كبيرة ، لا أحد يعرفها غيري ، وعندما يكون أولادي ، وتمتلئ الغرفة بالضجيج تسافر أحلامي لمكان آخر فيحدثون بعضهم.
اليوم حصلت على الاستقلال ، فلا أحد يستطيع تسفيه رأيي.
حصلت على حرّيتي، لا أحد وصيّ عليّ.
اليوم أحببتني ، كشمعة تذوب بفعل الحرارة، تعاطفت معي . نعم فقط أنا تعاطفت، فالكلام المجامل أتركه خلفي .
اليوم سوف يكون لي كلاماً آخر في مصيري .
. . .

يختارك الألم ، لا ينفع معه التّحدي
تستسلم ، تغمض عينيك
لا يتركك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا