الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة العاشرة

خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)

2021 / 9 / 8
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


فضل ما هو بسيط على ما هو تقنى
عند مواطن التعقيد استخدم كلمات وجملا وفقرات اقصر

تحتفى هذه الاداة بالبساطة ، ولكن الكاتب الجيد يستطيع ان يجعل البسيط معقدا – وبتأثير جيد .

يتطلب هذا تقنية أدبية خاصة اسمها " التغريب" وهى كلمة بائسة تصف العملية ، يحول بها الكاتب ما هو مألوف الى أمر غريب .

يحقق مخرجوا الافلام تأثيرا مشايها من خلال اللقطات شديدة التقريب ، او بالتصوير من زوايا غريبة أو مشوهة .

يصعب تحقيق هذا التاثير على الورق ، غير انه اكثر صعوبة ، قد يسحر القارىء ، كما فعل وصف اى بى وايت ليوم شديد الرطوبة فى فلوريدا :-

" فى بعض الايام ، تغزو رطوبة الجو كل الحياة ، وكل الاحياء .

اعواد الثقاب ترفض ان تشتعل . اذا ما علقتها لتجف ، ستزداد بللا كل ساعة . الصحف ، بعناوينها التى تتحدث عن التكامل ، تذبل بين يديك وتسقط قصاصاتها برخاوة فى كوب قهوتك وصحن البيض .الاظرف تلصق نفسها بنفسها ، وطوابع البريد تضاجع بعضها بلا حياء كما تفعل الجداجد " ( من رواية حلقة الزمن ).

ما الذى يمكن ان يكون مألوفا اكثر من شارب على وجه معلم ؟

ولكن ليس هذا الشارب ، كم يصفه روالد دال فى مذكراته " ولد ":_

" مشهد مرعب حقا . سياج برتقالى كثيف نبت وازهر بين انفه وشفته العليا ، ثم سرى عبر وجهه من منتصف خده وحتى منتصف خده الاخر .. كان يلتفت الى اعلى باكمله بطريقة مدهشة ، كما لو ان هناك موجة دائمة وضعت فيه ، او كأنه يستخدم ملاقط

تجعيد تسخن كل صباح فوق شعلات لهب صغيرة . الطريقة الوحيدة الاخرى التى يستطيع فيها التى يستطيع فيها الحصول على هذا التاثير الملفت ، كما قررنا نحن الاولاد ، هى تمشيطه مطولا الى اعلى بفرشاة أسنان قاسية امام المراة كل صباح " .

ان كلا من وايت ودال يأخذان العادى المألوف – اليوم .

الرطب والشارب – ويمررانها من خلال فلتر اسلوبهما النثرى ، . فيجبروننا على ان نراهما بطريقة جديدة .

لكن فى أغلب الاحيان ، ينبغى على الكاتب ان يجد طريقة لتبسيط النثر للقارىْء، ومن اجل تحقيق التوازن ، لنطلق على هذه الاستراتيجية اسم " التقريب " {فى مقابل " التغريب " ( المترجم ) }، اى اخذ الغريب او الغامض او المعقد وجعله مفهوما ، بل ومألوفا ، من خلال قوة التفسير .

لكن ، غالبا ما يميل الكتاب عادة الى ايصال الافكار المعقدة من خلال جمل وتراكيب معقدة عادة ، كما هى الحال فى هذه الجملة ، من مقالة افتتاحية عن الحكومة :_


" ولتجنب تفعيل هذه التشريعات ، من دون مرعاة تكاليفها المحلية ، وتاثيرها الضريبى ، مع ذلك توصى اللجنة بضرورة ايضاح الفوائد على مستوى الولاية فى تفويضات مقترحة ، وان تعوض الولاية الحكومات المحلية جزئيا عن بعض التشريعات المفروضة

من قبلها ، وكليا عن التفويضات المختصة بتعويضات الموظفين وظروف العمل والمعاشات ".

ان التكثيف الذى تتسم به هذه الفقرة يحتمل احد تفسيرين :_

اما ان الكاتب يكتب بهذه الطريقة لانه لا يخاطب جمهورا عاما ، بل جمهورا مختصا ، والخبراء فى التشريع على دراية بالقضية المطروحة .

واما لان الكاتب يعتقد ان الشكل ينبغى ان يتبع المضمون ، اى ان الافكار المعقدة يجب ايصالها عبر تراكيب معقدة .

يبدو ان كاتب هذا المقال فى حاجة الى نصيحة دونالد موراى ، المتخصص فى أصول الكتابة ، والذى يؤكد ان القارىء يفيده كثيرا ان يقرأ كلمات وعبارات قصيرة وجملا بسيطة عند تناول الافكار شديدة التعقيد .

ما الذى سيحدث لو صادف القراء هذه الترجمة للمقالة السابقة :_

" تصدر ولاية نيويورك عادة قوانين لتنظيم شؤون حكومات الولايات المختلفة .
ولهذه القوانين اسم ، فهى تسمى " تفويضات الولاية " وفى كثير من الاحيان ، تؤدى هذه القوانين الى تحسين ظروف معيشة المواطنين فى تلك الولايات ، لكن لهذا مقابل ، ففى كثير من الاحيان لا تأخذ حكومة ولاية نيويورك فى اعتبارها ما تتكبده الحكومات
المحلية المختلفة من تكاليف ، وما يفرض على مواطنى تلك الولايات من ضرائب من جراء تفعل هذه القوانين .

وبناء عليه نقترح ان تقوم ولاية نيويورك بتعويض حكومات هذه الولاية عن بعض ما تتكبده بسبب هذه القوانين ".


يجدر بنا مقارنة الفقرتين والوقوف على الفارق بينهما .

ان الفقرة الاولى عبارة عن نص من ستة اسطر ونصف السطر ، والمراجعة تتطلب نصف سطر اضافى (أ) لكن تأمل هذا : لدى الكاتب الاصلى مكان ثمان وخمسين كلمة كتبها فى ستة اسطر ونصف السطر ، بينما كان لدى واحد وثمانون كلمة فى سبعة اسطر ،
من بينها تسع وخمسون كلمة من مقطع واحد .

لقد منحته اسطره الستة ونصف السطر مجالا لجملة واحدة فقط .

بينما استطيع ان ادرج ثمانى جمل فى سبعة اسطر . كلماتى وجملى كانت اقصر. والفقرة اوضح .

وانا الجأ الى هذه الاستراتيجية لتحقيق هدف معين : أن اجعل الاجراءات المعقدة التى تتبعها الحكومة مفهومة للمواطن العادى ، اى كى اجعل الغريب مألوفا .


يذكرنا الكاتب الكبير " جورج اورويل " بتجنب الكلمات الطويلة ، مادامت بدائلها الاقصر فيها الكفاية ، وهذا تفضيل يعلى ( يضم الياء) كلمات السكسونية القصيرة على الكلمات الطويلة المتحدرة من اصول يونانية او

لاتينية قديمة ، وهى كلمات دخلت اللغة بعد الغزو النورماندى فى العام 1066 .

وفقا لهذا المعيار ، ستهزم كلمة " صندوق " كلمة "حاوية " وستنتصر كلمة " علك " على كلمة " مضغ " وستصبح كلمة " سيارة مكشوفة " اكثر اناقة من كلمة " سيارة متحولة السقف " .


البساطة ليست هبة مقدمة للكاتب ، انها نتاج الخيال والحرفية ، انها تأثير مصنوع .


تذكر دائما ان الكتابة الواضحة ليست نتاج طول الجملة واختيار الكلمات ، انها تلزم ، فى المقام الاول ، عن الغرضية – عزم على الافادة .


يلى ذلك من حيث الاهمية بذل الجهد فى البحث والتقصى والتفكير النقدى .

لن يستطيع الكاتب ايضاح شيىء ما لم يكن واضحا فى ذهنه هو اولا . حينها ، وحينها فقط ، يستطيع الكاتب اللجوء الى صندوق الادوات ، مستعدا لا ن يشرح للقارىء " هكذا تجرى الامور ".

هامش
(أ‌) عدد الاسطر والكلمات المذكرة هنا ، هى وفق النص الاصلى وليس الترجمة ( المراجع).

ونلتقى فى الاداة الحادية عشرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على