الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انحلال الحزب الشيوعي العراقي/7

عبدالامير الركابي

2021 / 9 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


يوم كان "فهد" يوسف سلمان يوسف يتلقى الدروس على يد مبعوث المخابرات الروسية " فاسيلي"، المتخفي في مدينة الناصرية كخياط، والمختار باعتباره من أصول عراقيه مهاجرة الى روسيا، وصادف ان كان من نفس ديانه ومذهب يوسف سلمان يوسف، كان الزنجي من متبقيات ثورة الزنج "غالي الزويد" العامل في مضايف ال السعدون، قادرا بسهولة على سماع النغمه الأخرى الكامنه وراء الدعوة الجديده،وهو من سيصير القائد الفعلي لاضرابات وتظاهرات البصرة وعمالها، ويغدو حلقة الوصل التي تبث النغم التاريخي الحي، المودع في المكان، والمنبعث على إيقاع الزمن المستجد.
هذا النغم المقيم في السهوب والأرض الطمي، والفيضان، ووطاة النهرين، وصوتهما الاقدم على مر التاريخ، لاباس من ان يسمع اليوم نداء، ليس غريبا على حافظته التاريخيه " شيوعيه" و"عمال بروليتاريين"، يترجع بمناسبتهم حفيف الاقدام الكامنه المعجونه بالأرض، لكوراجينا، وحمدان قرمط، والحلاج، والاسماعيليين ،والخوارج، والمهدويين الانتظاريين، وصوت كل الأنبياء الأول، مؤسسي الرؤية السماوية الكونيه، قبل صوت لنين وماركس المتاخرين، اللذين يحضران اليوم بصفتهما محفز طاريء، محكوم لوطأة النطق المؤجل، والى وجع الافنائية الذي حل جيوشا مؤتمته كبداية، جرت هزيمتها بثورة "المكوار"، ووطاة قانون يريد تبديل نمط الحياة والوجود، والعلاقات كما وجدت منذ ماقبل التاريخ، مع ماكان يعنيه ذلك من وطاة، لم يسبق ان حلت على هذا المكان الحي، لابل الحي بصفته هو الحياة، ومبعثها، والدال عليها، وعلى مساراتها الكونيه الأعظم.
كل من عملوا ككادر في الحزب، يعلمون جيدا ان "شيوعية" ارض السواد و"الحسجة" شيء، وشيوعيه "الافندية" شيء اخر، ولطالما جرب ابناء المدن الكبرى، والمتفاصحون منهم، العمل بين الفلاحين وفشلوا، وعادوا منكسرين يلحق بهم الاستهزاء والتندر من عالم الجهل والتخلف وايقاعه، ومثله الراسخه التي تصنع نفسها بحكم كينونتها، بحيث صار معلوما ان هنالك "كادر يصلح للعمل في الريف"، هو من دون غيره من يستطيع ان يمارس المهمه الموكله ( لا ان ينسى سلاحه في مكان قضاء حاجته وحمله للابريق ليتحول الى سخرية) له هناك، بشرط الرضوخ لقانون المكان و "نظريته الراسخه"، مع الاحتفاظ بشكليات ومايتعلق بنظرية اليوم ويتصل بها، في العموم الذي لايجري التسا ؤل عنه، اوعن تفاصيله. كان "محيسن نايف" "سبع الهور" من ريف الناصرية، بعد استماعه للشرح الطويل،يلخص الامر فيقول : " يعني أبو عمامه، ومامور المركز، والاقطاعي، طبقة/ بالغين/.. واحنه الباجي كلنا .. طبقة" فكان مايقول اهم إضافة وتعديل بحسب الاشتراطات التاريخيه الواقعية، على نظرية ماركس ولنين.
وكانت لادولوية المكان، تجد بالمناسبة مامن شانه تحريكها لكي تصبح بوضع حضور راهن، وان من خارجها، وبفعل ماقد حل من مستجدات وضغط اقتلاعي متعدد الوجوه لموضع لايقتلع، لانه تكوينا غير قابل للاقتلاع، مادام هو من نمطية "لاأرضوية" اصلا وكينونة، فكيف يقتلع المقتلع؟؟؟ وبازاء نهضوية بغداد عاصمة الدورة الثانيه المنهاره، المستعمله من قبل الدول البرانيه، كرمز ايهامي يوحي بحكم العراق المتعذر حكمه، وهو في حال انقطاع واستقلال غير معلن، الموصولة بالنهضوية الأحادية الزائفة لمصر وساحل الشام، ومحمد علي، وقبلها بالعثمانيين انفسهم في اخر ايامهم، بدت وقتها بعض من ملامح نهضوية الاطار الأسفل العراقي الجديدة والمختلفة، حيث مسارات التشكل الوطني متجهه منذ القرن السادس عشر من دون نطقية، فكان هذا الشكل الاستعاري من التعبير عن الذاتيه المفروضة من اشتراطات الحضور الغربي المباشر والنموذجي، نوعا اكراهيا من التفاعليه الاجبارية السابقة على النطقية الذاتيه، يتخذ اليوم شكل الازدواج التاريخي "الحديث"لهذا الموضع المزدوج، التحولي اللاارضوي.
هكذا تكون الشيوعيه العراقية قدوجدت ماخوذه بمفاعيل التشكل الحديث العراقي الثالث الراهن، واشتراطاته ضمن الازدواج التاريخي، فكان ان تسنت لها لحظة انصياع توافقي مع اشتراطات التشكل الحديث المتعدي للكيانيه، وموضع الاليات الحديثة، وعملها المحكوم لقانون المجال الأسفل كابتداء ( ارض السواد)/ في الدورة الأولى ، سومر، وفي الثانيه الكوفة والبصرة، وفي الثالثة الراهنه ارض سومر الجديده في المنتفك/ بداية اجبارية، ينطلق منها تشكل العراق بظهور مجتمع لاارضوي اولا، الاشتراطات البيئية فيه هي اشتراطات "العيش على حافة الفناء"، المخالفة كليا لنمط المجتمعات الارضوية الأحادية، و نموذجها الأبرز والاعرق المصري النيلي، حيث الاشتراطات الإنتاجية متلائمه كليا مع الجهد البشري، والمكان او الوادي، محمي من الشرق والغرب بالصحراء، مقابل ارض مابين النهرين المفتوحة على السلالات، والأمم النازله الى ارض الخصب من الشرق والشمال والغرب، من مواضع جبلية جرداء، وصحراوية، ليضاف الى قسوة وتدميرية النهرين العاتيين، والطبيعة الهوجاء صيفا شتاء، فتكتمل سمفونيه التهديد الافنائي الدائم، ومعها جنون الحدود والضفاف المهياة للانثلام في كل لحظة، مولدة على ايقاعها يقظة لاتهدا ولاتوقف لها، تحت طائلة الخراب والفوضى.
ثمة مسالة أخرى بغاية الأهمية تخص شروط واليات تشكل هذا المكان، تجعله موزعا على هذا الصعيد على ايقاعين: نهائي أخير، وايقاعي محكوم لدورات وانقطاعات تاريخيه مر منها الى اليوم ثلاث، الثالثة منها ماتزال معاشة: الأولى هي السومرية البابلية الابراهيميه، والثانيه هي العباسية القرمطية الانتظارية، والثالثة الحالية التي ماتزال قيد التحقق، هي الدورة الأخيرة النطقية، والتي فيها وعندها تجمل خلاصة الدورات ومنطواها، والمضمر المودع بين تضاعيفها، مع ماتتصف به من خاصية الكونيه، التي هي، وكانت بالاصل وعند الابتداء ابان الدورة الأولى، من ذات الصنف، كحالة دالة على المنطوى الكوني للظاهرة المجتمعية المستجده، والاهم الواجب التلبث عنده بما خص مانتحدث عنه، هو المدى الزمني للتشكليه الازدواجية، وماتستغرقه خلال الدورات، قبل ان تنضج وتصير مكتملة القوام.
فعملية التشكل الازدواجي اللاارضوي/ الارضوي لاتخضع للمعتاد والمتعارف عليه من اليات اكتمال التشكل الأحادي كما الحال المعروف في الكيانات الأحادية الارضوية، التي هي الكيانيه الغالبة على مستوى المعمورة، لابل الكاسحة نوعا بالمقارنه بحالة الازدواج الرافديني الفريدة على مستوى الكوكب الأرضي، والقانون الذي يحكم هذا المكان، يتمثل ابتداء في ظهور مجتمعية العيش على حافة الفناء، في ارض السواد وجنوبها، قبل ان تظهر صيغة مجتمعية ارضوية، تكون في الغالب نازله من اعلى شمالا، اما من خارج المكان، او من ارض العراق العليا ( عراق الجزيرة) الذي هو من نوع ينتج مجتمعية ارضوية، عادة ماتكون ماخوذه برغبه وبداهة اخضاع الموضع الأسفل، الامر الذي منه، وعنده يبدا التاريخ الفعلي للتشكل الازدواجي، والذي تحركة من جهة الرغبة الأحادية في بسط السيادة على المجتمع اللاارضوي، والاستحالة البنيوية التي تجعل التكوين اللاارضوي مرهونا الى التوفر على كينونته وخاصياته كشرط لافقط لاستمراره، بل لوجوده، مايجعل الرمح والسيف والمكوار والفالة، ومن ثم البندقية، جزءا أساسيا من وسائل الإنتاج، دونها الفناء والموت، فلا مجتمعية لاارضوية بكينونه منتقصه، او بلا حرية مكرسة للنوع والذاتيه.
يترتب على حالة الاصطرعيه الناشئة عن نوعي المجتمعية المتبايني الكينونة والمحركات، حالة من فعل الازدواج، تلقي باثرها على الجانبين، فتحورهما وتاخذ بهما الى اللاكيانيه، او الى النمطية المتعدية للكيانيه، بخلاف الحال في الاحاديات الارضوية، ومع التحول من الأحادية الأولى التغلبيه كما كانت متمثلة بالمكون الأعلى، ومايجد نفسه مضطرا له من الخيار الامبراطوري، تعويضا عن الاستحالة الموضعية، وتامينا لما لايمكن تامينه كما ينبغي من الريع الزراعي وغيره من مستلزمات مباشرة حياتيه، مقابل تبلور اللاارضوية السماوية، غير الممكن تجليها محليا، رضوخا لاشتراطات الازواج والثنائية ( الموحدة)، وهي تمخضات من شانها جعل اكتمال التشكل الكوني اللاكياني، والمتعدي للكيانيه، الازدواجي، "امبراطوريا" من الأعلى، وسماويا من الأسفل، عمليه طويلة، متعددة الفترات والمراحل، لاتشابه اطلابقا تلك التي بادر لنقلها الحداثيون اليوم، والتي تكرر نمطا تكوينيا لمجتمعية واحدة نوعا، تهيأت لها الأسباب بحسب كينونتها، اجتماعيا واقتصاديا ضمن اشتراطات تاريخيه بعينها، لكي تتشكل كما حصل في العصر الحديث للكيانات الاوربية، وصولا لنموذجها في ( الامة / الدولة) المتعارف عليه، والذي يظن البعض من ممثلي الوطنيه الايديلوجية المنقولة الزائفه، انه صالح للتطبيق على حالة العراق واليات تصيره الحديث .
يمكن للشيوعيه العراقية في القرن العشرين، وبعد حضور الغرب، وفترتين من التشكل الحديث الثالث، قبلية، وانتظارية غير ناطقة، ان توجد في جنوب العراق، حيث اليات التشكل الحديث هي الأعلى، والجزء الأعلى خاضع لمتبقيات الانقطاع الباقي من الدورة الثانيه المنهارة، بالتناوب مابين الدويلات الشرقية، وصولاللسلطنه العثمانيه، وصولا الى الغرب الحديث ونموذجيته الكاسحة، الامر الذي ادخل عملية التشكل الراهنه الثالثة باب الكونيه مجددا، وجعلها مستمرة الى الان، تنتظر لحظة النطقية والتجلي الأخير.
ضمن هذا المسار يمكن للشيوعيه المستعارة، ان تتغير موقعا ضمن سياقات التشكل الازدواجي الكوني، من قوة لا تعدم موافقة الاشتراطات والضروره الانيه، الى قوة خارجه كليا عن سياقات التشكل وفعل الاليات التاريخيه، وحيوية ونوع عمليه التشكل، وهذا ماحصل بعد ثورة 14 تموز 1958 حين خرج الحزب الشيوعي من وقتها، من دائرة الفعل وعن قوة"الاستبدال الضروري"، الى اللاضرورة، المقترنة بممارسة نوع من التلفيقية الخداعية الجاهلة.
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مناظرة تبادل الاتهامات بين بايدن وترامب | الأخبار


.. انقطاع الكهرباء في مصر: السيسي بين غضب الشعب وأزمة الطاقة ال




.. ثمن نهائي كأس أوروبا: ألمانيا ضد الدنمارك وامتحان سويسري صعب


.. الإيرانيون ينتخبون خلفا لرئيسهم الراحل إبراهيم رئيسي




.. موريتانيا تنتخب رئيساً جديداً من بين 7 مرشحين • فرانس 24