الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتفاء الدولة في عالم اليوم (2/2)

فؤاد النمري

2021 / 9 / 11
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


إنتفاء الدولة في عالم اليوم (2/2)
لما انتهت الحرب والإتحاد السوفياتي هو القوة العظمى في العالم فذلك ما تبدّى بانفجار ثورة التحرر الوطني في العالم كله وفي العام 1972 أعلنت الأمم المتحدة إنتهاء كل أشكال الإمبريالية في العالم . ذلك يعني فيما يعني أن الدول المستَعمَرة والدول التابعة لم تعد تستقبل فائض الإنتاج المتحقق بالضرورة في مراكز الرأسمالية فكان أن انتهى النظام الرأسمالي بالشكل الذي توقعه ماركس وهو الإختناق في غمرة إنتاجه .
ثورة التحرر الوطني (1946 – 72) كانت الإمتداد العضوي للثورة الإشتراكية ؛ وانطفاء الثورة الإشتراكية الذي بدأ في العام 53 انتهى في السبعينيات بانهيار ثورة التحرر الوطني وانهيار طبقة البورجوازية الوطنية الدينامية ؛ وكان المثال الصارخ على ذلك هو أنور السادات يقفز بمصر الناصرية إلى حضن الولايات المتحدة ويأتي مستسلما لإسرائيل .

إنهيار العوالم الثلاث لا يعني سوى انهيار طبقات الإنتاج فيها، الرأسماليين والعمال والبورجوازية الوطنبة، ويعني أيضاً سيرورة العالم في وحدة واحدة ذات نسق واحد تحكمها البورجوازية الوضيعة غير المنتجة (Petty Bourgeoisie) وهي أعدى أعداء الإشتراكية وأكثرهم مكراً .
قاع الطبقة الوسطى (The lower middle class) الذي دمغه كارل ماركس في البيان الشيوعي كقوى رجعية حتى وهو يقاوم النظام الرأسمالي، وهو نفس البورجوازية الوضيعة التي دمغها لينين في كتابه (الضريبة العينية) كعدو رئيسي للإشتراكية، فهي أشتات مبعثرة ولا تشكل طبقة اجتماعية متماسكة وموحدة ذات مصالح مشتركة مثل طبقة الرأسماليين أو العمال أو البورجوازية الدينامية ؛ فهي لا تنتج غير الخدمات التي لا تعرض في السوق كمنتوج مستقل، وإن وصل بعضها السوق فلا يصل إلا مخبوءاً في جوف السلعة ولا يعمل غير أن يُثقل مبادلة السلعة . هذه الأشتات عينها انتهزت تداعيات الحرب العالمية الثانية في الإتحاد السوفياتي وقامت يثورة مضادة للإشتراكية في العام 1953 . ذلك الإنقلاب الرجعي في قطب العالم الأوحد في العام 53 تفشّى بحكم القانون الأساس لوحدة العالم فيما تلا القرن الثامن عشر واستولت أشتات مختلفة من البورجوازية الوضيعة على السلطة في كافة أقطار الأرض .

القانون الأساس في تشكيل الدولة يقول أن الطبقة الإجتماعبة التي تمتلك أدوات الإنتاج في المجتمع وتقود بالتالي عملية الإنتاج هي الني تشكل منظمة مسلحة مولجة بحماسة علاقات الإنتاج .
البورجوازية الوضيعة التي باتت تحكم في كافة أقطار الأرض لا تمتلك أدوات الإنتاج ولا تنتج، تستهلك ولا تنتج وهي لذلك ليست بحاجة لتشكيل منظمة مسلحة إذ لا مصالح حقيقية لها . بعض الخدمات اللازمة لاستكمال الإنتاج لا تسنبدل في السوق فالرأسمالي لا يبادل إنتاجه بكلفته بل بفيمة قوى العمل المختزنة في السلعة ؛ عمل الخدمات ليس مختزناً في السلعة ولذلك يتحمل الرأسمالي أجور الخدمات كجزء من فائض القيمة المتحقق .

ما يثير السخط حقاً هو أن أحداً من الإقتصاديين من مختلف الدرجات ومن المقكرين ومن الفلاسقة لم يلحظ أن العالم كل العالم بمختلف أنشطتة في تخلف متوالٍ على خلاف ما يذهب إليه الرواقيون ومن يتمذهب بمذهبهم إذ أن ما يقطع فيما نقول أن العالم مدين اليوم بمائتي ترليون دولاراً خليك عما بساوي مثل هذا المبلغ وربما ضعفه من الثروات التي ورثتها البورجوازية الوضيعة عن النظامين الرأسمالي والاشتراكي منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم .
الإشكال الذي يعاني منه عالم اليوم ولم يعاني مثله عبر التاريخ يتمثل بأن المجتمع الذي تحكمه البورجوازية الوضيعة خالٍ من التناقضات الحيّة ؛ ثمة تناقض ميّت بين البورجوازية الوضيعة والطبقة الرأسمالية التي انهارت في السبعينيات، وتناقض ميت بالمثل مع طبقة البروليتاريا التي انهارت في الاتحاد السوفياتي في الخمسينيات .
مجتمع البورجوازية الوضيعة مجتمع غير طبيعي ومن خارج التاريخ ويفتقر للديالكتيك، ولذلك يتراجع باطراد دون أدنى احتمال لبروز أية قوى نقيضة تنقذه قبل ارتطامه بالقاع وتفككه . تلك هي نهاية التاريخ المبكرة التي لم يتوقعها ماركس .
ما كان على كارل ماركس أن يتوقع أن تقوم حرب طاحنة بين مراكز الرأسمالية العالمية وتفرض بريطانيا وفرنسا معاهدة فرساي 1919 بشروط بربرية متوحشة على ألمانيا وهي الأكثر تقدما وتسد طريق التطور الطبيعي عليها لتنقلب لدولة نازية فاشية متوحشة مسلحة لما فوق الأسنان تشن أعتى هجوم حربي غادر على الثورة الإشتراكية التي استشرفها ماركس وتقطع الطريق عليها وتعكس المعادلة في الإتحاد السوفياتي مركز الثورة فتنهار طبقة البروليتاريا وتؤول كل السلطة لأشتات البورجوازية الوضيعة وينتهي التاريخ مبكراً على النهاية الماركسية .

منذ أن عرفت البشرية جسم الدولة بداية في عهود العبودية أم في عهد الإقطاع أم الرأسمالية أم الإشتر اكية فما عرفتها إلا أداة قمع تجهزها الطبقة الحاكمة كي تقمع الطبقات الأخرى المعادية .
سنحت الفرصة للبورجوازية الوضيعة السوفياتية بأن تزيح عربة التاريخ عن مسارها الطبيعي وتقع بالتالي مختلف المجتمعات في الأرض تحت سلطة البورجوازية الوضيعة التي تستهلك مخزون البشرية من الثروات وتزيد على ذلك بأن تستدين من الأجيال التي لم تولد بعد حوالي 200 ترليون دولاراً من غير أن تنتج قطميراً . وكان بفعل ذلك الإنقلاب المتكامل فعلياً مع الحرب النازية القذرة أن انهارت الطبقات المتخصصة في الإنتاج كما أسلفنا، الرأسماليين والعمال والبورجوازية الوطنية، والتي لن تبعث من جديد لاستعادة عربة التاريخ إلى مسارها الطبيعي .

الدولة هي عنوان الصراع الطبقي محرك عربة التاريخ . في مجتمع البورجوازية الوضيعة هناك دائما تراجع لافتقاد الصراع الطبقي وانتهاء التاريخ .
ولما لا تمتلك البورجوازية الوضيعة أية مصالح سوى التدمير الكلي والشامل فليس ضرورياً والحالة هذه لأن تشكل أية دولة قد تحد من استهلاكها الكلي للثروات . وعليه فإن "الدول" في عالم ما بعد سبعينيات القرن العشرين إنما هي هيئات لها شكل الدولة دون المضمون . ولذلك بتنا نرى دولة عظمى بحجم فرنسا الديغولية نبحث برئاسة مكرون عن خدمات سياسية صغيرة ليس في خدمة أميركا فقط وبل في خدمة دولة يدينها العالم وهي ايران المتأسلمة، ودولة مثل روسيا وكانت أقوى دولة في العالم رئيسها سكير عربيد هو بوريس يلتسن ودولة عظمى مثل الولايات المتحدة تنتخب رينولد ريغان ممثلاً من الدرجة الثالثة رئيسا لفترتين متواليتين، خليك عن الجنود من الدرجات الدنيا يرأسون طيلة العمر بلداناً مثل صدام حسين في العراق وحافظ الأسد في سوريا وعلي عبدالله في اليمن ومعمر القذافي في ليبيا وبن علي في تونس وبومدين في الجزائر .
تلكم هي دول أشتات البورجوازية الوضيعة التي لا تشكل طبقة بمعايير اللوم السياسية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إلى أصحاب الأصفار الأربعة
فؤاد النمري ( 2021 / 9 / 11 - 18:10 )
بإمكاني أن أمنع التصويت على مقالاتي لكنني أحرص على السماح يالتصويت من أجل أن أعلم كم الأغبياء الوقحون مازال بين القراء وهو ما يشجعني على الكتابة
أنا بانتظار عشرين صفراً أخرى


2 - تحية تقدير لشيخ المناالمفكرين الرفيق فؤاد النمري
مريم نجمه ( 2021 / 9 / 11 - 23:18 )
مقال سياسي وفكري قيم , ليس جديداً علينا من قبل الكاتب المخضرم - في شرحه وموضوعه لكنه أكثر تفصيلاً ووضوحاً وتفسيراً وأمثلة موضوعياً معاش ومتبلور في عالم اليوم أكثر من أي وقت مضى , صدقت , هذا الإنفلاش والإهتراء والتفكك والسقوط المدوي الساخر مع الإفلاس والهزائم والخسائر المتتالية ما هو إلا تعبيراً عن سيطرة البرجوازية الوضيعة بكل أشكالها ومواقعها التي تستهلك وتبذّر ولا تنتج أي عالة وعلة هذا التدهور الدولي والأقليمي والمحلي ...
شكراً أستاذ لقلمك وفكرك الديناميكي الحي
دمت بخير وهمة ونشاط
إحترامي


3 - المناضلان مريم نجمة وجريس الهتمس
فؤاد النمري ( 2021 / 9 / 12 - 07:05 )
المناضلان الشيوعيان مريم نجمة وطيب الذكر جريس الهامس يحتلان مكاناً رفيعاً في ذاكرتي

تحياتي والعمر المديد للرفيقة مريم


4 - الدولار
رائد محمد نوري ( 2021 / 9 / 13 - 23:32 )
ولكن الدولار يا رفيقي لا يزال يخنق شعوب العالم، هو أداة البرجوازية الوضيعة للهيمنة على العالم، برأيي لن نغادر عالمنا الماثل هذا ما لم ينهر الدولار.
لطفاً صحح لي إن كنت مخطئاً.
تحياتي البولشفية

اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي