الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دكانة الشطري - شيخ الوراقين

ربيع نعيم مهدي

2021 / 9 / 12
الادب والفن


رواية متأخرة عن حياة شيخ الوراقين نعيم الشطري.

"1"
نعيم مهدي صالح العصفوري، ينتمي الى أسرة (العصافرة)، والتي يُشاع انها تعود في اصولها الى الموالي المشعشعين، نزح بعض أفراد الاسرة عن مدينة (سوق الشيوخ) وسكنوا مدينة (الشطرة) التي شهدت ولادة نعيم الشطري في عام 1936م، واحتضنت تعليمه الابتدائي والمتوسط، وعلى أرضها تم تنظيمه في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، لتبدأ رحلته مع عالم الكتب والسياسة.
ففي خمسينيات القرن الماضي افتتح (مكتبة النور) على ضفاف شط الغراف، وبسبب انتماء مؤسسها السياسي ونشاطه في توزيع جريدة الحزب الشيوعي تعرض الراحل لملاحقةٍ تسببت بإغلاق المكتبة، ودفعته الى ارتداء العمامة والاختباء في مدينة النجف لفترة من الزمن، لكن أيام الهروب انتهت باعتقاله والحكم عليه بعامين في السجن.

"2"
بعد خروجه من السجن في عام 1963 قرر نعيم العصفوري ترك مدينته والاستقرار في بغداد، عاملاً في تجارة الكتب بلا مكتبة، وبلقبٍ جديد سيبقى رفيقاً له لما تبقى من حياته وهو (الشطري)، ومن شارع المتنبي كان الشطري ينطلق متجولاً في بغداد بعربةٍ لعرض بضاعته من الكتب.
وفي مطلع سبعينيات القرن الماضي افتُتِحَت (مكتبة الشطري) في وسط شارع المتنبي، - دكانة صغيرة في المساحة – شكلت بوابة النشر للكثير من الشعراء، منهم عريان السيد خلف، وكاظم اسماعيل كاطع، وكريم العراقي، وزامل سعيد فتاح...، وغيرهم كثير.

"3"
في أواخر الثمانينيات قرر الشطري إحداث تغيير في شارع المتنبي، واستغلال اليوم الجمعة لإقامة مزاد خاص بالكتب، والذي أُقيم بعد استحصال الموافقات الأمنية في أيلول 1989، ولا زلتُ أذكر افتتاحية الشطري للمزاد بندائه: (بسم الله.. وبعد الصلاة على رسول الله.. نفتتح المزاد..)، يقدم بعدها تعريفاً بالكتاب المعروض وحالته، ومن ثم متابعة المزايدين وصولاً لأعلى سعر، لتنتهي عملية البيع بنداء يطلقه الشطري وهو كلمة (حرج) – وبصراحة لا اعرف معنى لها سوى انها تعني حسم عملية البيع -.
وبعد ان نجح الشطري في استقطاب رواد الثقافة الى المزاد في يوم الجمعة انتقل الى خطوة ثانية، والتي تمثلت في تكليف بعض اقاربه لبيع الكتب فيما يُعرف بـ (البسطيات)، والتي تكاثرت لتمتد على طول شارع المتنبي وأجزاء من شارع الرشيد، أما الحضور الذي كان يقدر بالعشرات في أول مزاد، فقد نمى وتضاعف الى الحد الذي تحول فيه يوم الجمعة الى ظاهرة ثقافية ستستمر حتى بعد رحيل الشطري عن الدنيا.

"4"
خمسون عاماً أو يزيد هي حصيلة الأيام التي قضاها نعيم الشطري في عالم الكتب، جال فيها بين مطابع بيروت ومكتبات القاهرة وبغداد، ساهم في نشر وتوزيع العديد من الكتب، كان عارفاً بطبيعة رواد المتنبي، ويُشهد له بأنه خدم الكثير من الأدباء والمثقفين بتوفير الكتب والمصادر، - ولو قُدِّر لنا استرداد قيمة الكتب التي مُنِحت لطالبيها تحت باب الاستعارة لخرجنا بثروة ضخمة -.
أما نخبة المثقفين ممن كان لهم حضور دائم في المكتبة، فهم كثيرٌ يصعب حصره، منهم العلّامة حسين علي محفوظ، وعزيز السيد جاسم، وداوود الرحماني، وغيرهم ممن لا تسعف الذاكرة باستحضار اسمائهم.

"5"
في الغالب كان يعمد الى استفزاز المارين في شارع المتنبي، وقد تكون أشهر حالة استفزاز هي ما حصل مع د. فؤاد عباس والعلّامة مصطفى جواد، عندما لمحهم الشطري ونادى بصوتٍ مرتفع: (تنزيلاتٌ هائلةُ في الكتبُ)، فالتفت د. مصطفى جواد الى زميله ضاحكاً وقال له: (انظر الى هذا الشاب.. يريد استفزازنا!!)
أما النوادر والطرائف فلم تكن بعيدة عن الشطري خصوصاً في ساعات الجمعة، يلجأ لها لتلطيف الأجواء مانحاً السوق نوعاً من النكهة، فتارة ينادي مازحاً في المزاد عن ديوانٍ بعنوان (كُعَيك بن جُرَيك البقصمي)، وتارة يردد أقوالاً للترغيب بالقراءة كقول المتنبي:
(أَعَزُّ مَكانٍ في الدُنى سَرجُ سابِحٍ وَخَيرُ جَليسٍ في الزَمانِ كِتابُ)
وتارة أخرى يبُث شكوى مبطنة ويردد بصوت مرتفع بيتاً من الشعر الشعبي:
(كلمن يـگـلك زين گله انت ﭼذاب الشطري صار اسبوع ما بايع كتاب)
والشيء بالشيء يُذكر، قلة من الناس تعرف حجم النوائب التي أصابت الشطري، فبالإضافة الى عمليات المصادرة تحت مسمى الممنوع، والاعتقالات التي كان آخرها في عام 1998، تعرضت المكتبة لخسارة فادحة بسبب طفح مجاري الصرف الصحي في تسعينيات القرن الماضي، والتي تسببت بإتلاف مخزون ضخم من الكتب والمخطوطات، وعندما حاول الشطري مجاراة السوق وجد ان النتائج لم تختلف فكساد الحال سيد الموقف.

"6"
وبعد تغيير النظام في 2003 وعودة الحزب الشيوعي العراقي حرص الشطري على متابعة النشاطات التي يقيمها الحزب القديم، حاله حال باقي الرفاق، وتحولت مكتبته كما كانت مكتبة النور الى منفذ لتوزيع جرائد اليسار. اليسار الذي ظل وفياً لمبادئه، رغم حياة العزلة التي اختارها في السنين الأخيرة.
تلك السنين التي جعلت من (العاثق والخندريس) رفاقاً يجمعون أطياف الراحلين في حفلة حزنٍ تتكرر في كل يوم، حتى جاء شهر حزيران من عام 2012 وحمل معه ارتفاعاً مفاجئ في مستويات السُّكَّر في الدم، أدى الى عجزٍ تام في الكُلى، فشلت معه محاولة أطباء مستشفى (مدينة الطب) في انعاش الشطري الذي تجاوز السبعين، ليرحل الى رحمة الله








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع