الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزعيق لا يصنع سياسة

عبدالمنعم الاعسم

2006 / 8 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يتأخر الوعي فيفسح المجال الى الضجيج، او يندلع الضجيج فيرسل الوعي الى المحرقة، لا فرق. وحين يسقط المشهد في وحل الضجيج، كما هو حالنا، فان الخسارة الفادحة تتمثل في ان بعض دعاة الوعي واصحاب مشروع المعرفة والتغيير يتخاذلون امام هذا المشهد، ويقبلون ان يكونوا فارزة صوتية في تظاهرات الضوضاء، ومن لم يرصد هذا المستنقع حتى الان يستطيع ان يرصده في تلك البرامج الصوتية الفضائية المحسوبة، عسفا، على تبادل الاراء، فيما هي تستهدف إخصاء الاراء بواسطة متناقشين لا يتحدثون من افئدتهم بل من حبالهم الصوتية، وهذا ما شاهدته منذ حين في حوار ظل فيه الكاتب الفلسطيني، الذي كنت احترمه يوما، رشاد ابو شاور طوال ساعة كاملة وهو يصرخ جاحض العيون منتفخ الاوداج مضطرب العبارات، مخبوصا، منفوشا، ملوحا بيدين في كل الاتجاهات، وكأنه في ساحة وغى، او في ميدان حرب، او على فوهة هيروشيما، او فوق ارض داحس والغبراء.

الشيء الذي لا يعرفه، او لايريد ان يعرفه، فرسان هذه الظاهرة هو ان السياسة (وأيّ من العلوم الاخرى) لا تُصنع في الضجيج، وان بضاعة الزعيق سرعان ما تفسد عندما تهدأ الامور ويعود الوعي الى مساره، والرؤوس الى مكانها، وفي علوم السياسة ثمة نصيحة ذهبية بتحاشي وضع السياسات في جو من الانفعال والضوضاء والصخب، ذلك لأن العقل الذي يخطط تلك السياسات لن يعمل بكامل فضائله.

ويبدو، في ما يتعلق بالعراق، ان ثقافة الضجيج والتهييج ليست اصيلة، فقد اكد عالم الاثار العالمي (وول ديورانت) ان التنقيبات الاثرية في وادي الرافدين عثرت على الواح بلغة ترشد الى الملل والسأم من مدن تعج بالضوضاء والصخب، لكنْ، وقبل ذلك، في العهود البدائية كان الانسان يحتاج الى تقليد اصوات الحيوانات في تعاملاتها يوم لم تتطور فيه اللغة بعد، ويوم كان الانسان البدائي لا يسمع غير اصوات زمجرة الريح وصفير العواصف ودوي الرعد وخرير الماء وحفيف الاشجار.

وفي العصور الوسيطة سادت نظرية طبية تعتبر الضجيج غذاء ضروريا للعقل البشري، باعتبار ان الصوت الصادر عنه، بلغة علم الفيزياء، هو المجال الذي يملك صفة الانتظام والتموسق والانسجام، غير ان العلم الحديث ميّز ما بين الاصوات والزعيق، والاخير، حسب هذا العلم، حزمة اصوات نشاز متشابكة وغير منتظمة في ذات الوقت، وقد ادرك الانسان المعاصر، بتجربته، بان الضوضاء والزعيق مصدران لاثارة الاعصاب واضطراب السلوك والشعور بالضجر والشقاء، وليس من دون مغزى ان يستخدم رجال التحقيق في الجرائم المعقدة(ليس في بلداننا طبعا) الضجيج والصخب والزعيق لتحطيم “صمود” الجناة واجبارهم على الاعتراف.

اقول، يحيطنا الضجيج، للاسف، من كل صوب، الامر الذي يهدد وعينا ورباطة جأشنا، وهي مخافة لها ما يبررها في عمق التاريخ، إذ اقلق البشر الزاعقون، بضوضائهم وصخبهم، الالهة (انليل) فارسلت عليهم كارثة الطوفان والقحط والفناء، كما جاء في قصيدة بابلية..كفانا الله شر الزعيق والزاعقين.

ــــــــــــــــــــــــ

..وكلام مفيد

ــــــــــــــــــــــــ

“الذين يجعلون الرذيلة مفضلة خير من الذين يلوثون الفضيلة”.

حكمة فرنسية قديمة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والتلويح بالسلاح النووي التكتيكي


.. الاتحاد الأوروبي: أعضاء الجنائية الدولية ملزمون بتنفيذ قرارا




.. إيران تودّع رئيسي ومرافقيه وسط خطى متسارعة لملء الفراغ السيا


.. خريجة من جامعة هارفارد تواجه نانسي بيلوسي بحفل في سان فرانسي




.. لماذا حمّل مسؤولون إيرانيون مسؤولية حادث المروحية للولايات ا