الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موت المسرح في العراق

فاضل خليل

2021 / 9 / 12
الادب والفن


ونحن في العراق وفي ظل تتالي الحروب الموجعة وتعاقب المحن التي مرت بنا، وحتى المقلق من الأحداث التي تمر بالوطن والمنطقة لم يعد تقلقنا، بعد أن طمئننا المخرج والمنظر البولوني الكبير ( جوزيف شاينا ) الذي اثبت لنا بالبرهان القاطع من أن الأوضاع القلقة، بل وحتى الدموية، ليس بمقدورها قتل الثقافة والفنون بشكل عام في بلد من البلدان تأسيسا للمآسي التي مرت بها بلاده ـ بولونيا ـ ابان الحكم الستياليني الدموي والحصار الحديدي الذي فرض عليها. والمثل الذي ساقه دليلا على ذلك، المنطلق من قلقه على الفنون يوم كانت ( بولونيا ) ترزح في ظل ذلك الاحتلال المدمر والحصار الحديدي الذي فرضه ( ستالين ) عليهم. يوم اختنقوا حتى ظنوا ـ حسب شاينا ـ بأن لن تقوم لثقافتهم قائمة بعد اليوم، والعالم خارج بلدهم يسير ويواصل السعي بالتطور وسوف لن ينتظرهم ولن يرحم ما سوف تؤول اليه بلادهم من التخلف. وظل في اعتقادهم ـ العالم يتطور ـ وـ بولونيا ومن فيها ساكنة بلا حراك يذكر ـ وبالتالي سيؤثر ذلك على التطور الثقافي والفني والابداعي!!؟؟
لكنهم وبعد أن زالت الغمة الستالينية عن بلادهم، اكتشفوا: من أنهم كانوا يحثون الخطى وهم في داخل حصارهم، سعيا في مجاراة حركة العالم في دورانه السريع، ذلك السعي النابع قلقهم على مستقبل بلادهم. حتى أذن لهم بالخروج من المحنة، فاكتشفوا من انهم وما كانوا يحملونه من حرص وقلق قد خرجوا من الحصار الحديدي ـ الستاليني بمدارس في الثقافة والفنون والعلوم كبيرة يشار لها بالاحترام. لقد تميزت تجاربهم الكبيرة في السينما والمسرح والفنون التشكيلية، وفي مختلف صنوف الابداع والثقافة.
هذا الاطمئنان سادنا في العراق، لكنا جربنا عزاءآت أخرى منها، يوم كنا نتداول بين جد وهزل موضوعة موت المؤلف حين نتآمر في القضاء عليه، حين نشعر بأنه، يكبر على جلده منتشيا من نجاح صادف واحدا من نصوصه المجسدة على المسرح، فتصور بأنه الوحيد، السبب في نجاح العرض اياع، وان ليس للعروض القادمة من نجاحات بعيدا عن نصوصه، وان المسرح من اليوم ليس فن جماعي بل فن مكفول بنص عظيم فقط. أو موت المخرج حين يتصور بأنه الوحيد من بين الفريق المسرحي ـ ولي أمر ـ نجاح العروض بمعزل عن جهد الفريق، وغيرها من الميتات كل ميتة حسسب حالتها. ويوم احتدم النقاش وأخذ الاختلاف طابعه الجدي أصبحنا نناقش أمرا صار مقضيا في أي الميتات أقسى؟؟!! وحينها أجمعنا في أن موت الممثل سيقضي على العرض والجمهور فعلا، وبذلك فهو أقسى الميتات حتما، وهو الذي سيدمر المسرح في أي من البلدان التي ستحل فيها الكارثة.
ونحن بين الجد والهزل اياه استوقفني بل راعني نوع من الميتات غير المسبوقة، فيها نوع من الشد، وفيها جزم وحتمية تقترب من حكم الأقدار الأرسطية القاضية بموت البطل ـ المسرح هنا ـ ميتة نبيلة، حين يدخل المأساة بدون ارادته. ان ما ذهب اليه مجموعة من المسرحيين المهمين في العراق، من الذين سأورد هنا بعض ما ذهبوا اليه من الطرح، بعد أن أعيد ـ للتأكيد فقط ـ لقد راعني فعلا الذي قرأته لكلا صديقي المعذبين المسكونيين بالمسرح عبد الخالق كيطان، وكاظم النصار في المقالين اللذين نشراهما في ( جريدة المدى )(*)، وما كانا ليخفيا حزنهما من غياب المسرح في العراق في الوقت الحاضر فقط،، بل ساقهما الحزن والأسى الى النواح على نضو أطلال مسارح بغداد التي كانت بالامس تزخر بالعطاء وتغص بالنظارة وتضج بالحيوية كمسرح بغداد ومسرح الرشيد ومسرح المنصور ومسارح أخرى مثل النجاح والطليعة وابي نواس ومسرح الستين كرسي، اضافة الى مسارح كليات ومعاهد الفنون. بل لقد ذهب النصار الى أبعد من ذلك حين قطع جازما بأن لاشفاعة ترجى من عودة المسرح في العراق الى سابق عهده حتى لو عاد الأمن كاملا الى بغداد. وله في ذلك جملة من الاسباب والحجج التي لاتقبل الشك والبديل، ولا تقبل اي نوع من الرد عليها، لاسيما وان الفضائيات التي غزت بيوتات العراقيين في بغداد والمحافظات. وقد استقطبت كل الذين ترجلوا عن ركب المسرح العراقي، وهم يجرون اذيال الخيبة التي يمر بها المسرح ـ وهي وجهة نظر صاحبها ليس أكثر ـ قد يتفق معها البعض الذي يعرف من انها ـ الفضاتيات ـ هي فعلا الأكثر اغراء من المسرح بالنسبة الى الفنان والجمهور خصوصا من جوانب مغرياتها المادية في الأقل، زائدا الشهرة والكسب الأسرع الذي تحققه ولا يحققه المسرح للكثيرين من طالبي الشهرة والرفاهية السريعان. عكس ما يتطلبه المسرح من وقت طويل وصبر أطول كي يمنحك ليس ذات العز وذات الجاه بل الأقل جدا من الطموح، فالشهرة لوحدها في المسرح تتطلب منك وقتا مقاسه سنوات العمر الاولى بكاملها وربيعه وقد تخفق أحيانا تلك السنوات الطوال مما يدفعان بطالبيها الى ترك المسرح الى غير رجعة.
أوقفني ـ صدقا ـ رأيي صديقي الحريصين طويلا بل لقد حركا في رأسي دورة التفكير الساكنة المطمءنة من أن ثقافة وفنون العراق، تنهض من جروحها، وبأن المحن والعذابات هي التي أسست لها أهم تجاربها الابداعية بدءا من أول احتلالاتها، وما مر بها من استعمارات قاسية متنوعة، مرورا بثورة العشرين وما أفرزته من ابداعات في الشعر والرواية والسينما والمسرح وسواها، وليس انتهاءا بالاحلال البغيض الذي ذاقت منه الأمرين، والتي مازالت تبث شجونها بابداعات يحرك دورانها في فلك الماضي القريب. وما مسرح السبعينات بل وحتى الامس القريب بنسبيته الا ما يتمتع به المسرح العراقي من تجارب شهد لها العالم يوم حصدت جوائز أهم المهرجانات العربية والعالمية. فالمسرح لم يعد حاضنة لأبناءه الجدد اللذين سرعان ما يغادرونه باتجاه الفنون الاخرى الأكثر سيولة ورفاهية مادية، ولكنه ـ رغم ذكورة جنسه ـ الوالد الذي ينجب بغزارة، أهم المبدعين لحقله، يخرجون وهم أقل ضجرا من الذي يحتاجونه لانجاز عروض مسرحية في ظل ظروف معذبة قاسية ودموية غالبا. ورغم أن صديقي ـ كيطان والنصار ـ اللذان ايقظا بوجع حرصهم وخوفهم على مستقبل الثقافة والمسرح في العراق، قد ايقظا بذلك وجع المسارح التي هجرها أهلها وساكنوها، بل وقد شملت الهجرة حتى ساكنيها الجدد من الذين اتخذوا منها مأوى مؤقت لهم ولعوائلهم بحجج العوز والفاقة التي المت بسكان العراق بسبب الحروب والفقدان. حتى أن هذا البكاء على الاطلال، صار نواحا مسموعا، وسارت نعوشه التي يحملها المشيعون باتجاه مثاويها على مرأى ومسمع من ذوي القرار والفصل. والسؤال ما نعمل؟؟
وفي خضم اتفاقي احيانا مع ما ذهبوا اليه ـ نسبيا ـ الا أنني فكرت في أن الحرص الذي يجمعنا هو الدافع لهذا الرأي، بل هو منبعث من شعورنا المطلق

الهوامش:
(*) نشر الموضوعان في جريدة المدى، العدد 1376، الأحد 23/تشرين الثاني/2008 ص 16. الاول/ للكاتب عبد الخالق كيطان عنوانه ( أزمة صناعة العرض المسرحي اليوم، والثاني/ للكاتب: كاظم نصار، عنوانه (المسرح العراقي لا يتقدم بمجرد تحسن الوضع الأمني).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع