الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التنوع الديني في الانبار وأثره في اثراء المجتمع

هادي مشعان ربيع

2021 / 9 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


ظلت المجتمعات الانسانية والى وقت قريب تعتبر الدين هامشياً لا دور حقيقي له, ولكن هذه الرؤية لم تعد تواكب روح العصر ومتطلباته، وكذلك التحولات الكبيرة التي عرفتها المجتمعات البشرية، لذا اخذ الدين يكتسب مكانة عليا لا يمكن الاستغناء عنه من قبل الافراد والمجتمعات, وعليه أصبح الاهتمام بالدين وبالتنوع الديني امرا حتميا تفرضه متطلبات الحياة وضرورات العيش المشترك.
والتنوع الديني يقصد به التعدد والتنوع في الدين والعقائد والشرائع والمناهج المتصلة به للأفراد الذين يعيشون ضمن الرقعة الجغرافية الواحدة، ومفهومها يعني:
أولاً- الاعتراف بوجود تنوع في الانتماء الديني في مجتمع واحد.
ثانيا- احترام هذا التنوع وقبول ما يترتب عنه من اختلاف في العقائد.
ثالثا- إيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك في أطار مناسب وبالحسنى بشكل يحول دون نشوب صراع ديني يهدد سلامة المجتمع.
والعراق كما هو معروف متنوعا دينيا، ففيه يوجد (المسلمون، والمسيحيون، والمندائيون الصابئة، والأيزيدية، والزرادشتيون، والبهائيون، والكاكئية، واليهود) , وقد كان هذا التنوع مصدر ثراء للمجتمع على مر الأجيال, وقد اشترك الجميع في أي نهضة شهدتها هذه البلاد منذ القدم الى وقتنا الراهن. لذا نعتقد أن غياب هذا التنوع يعني غياب هوية العراق التي يمتاز بها إلى جانب نهري دجلة والفرات، وغياب روافد التنوع العراقي يعني زواله كوطن له كيانه؛ وهذا ما يفرض على العراقيين الحفاظ على تعددهم وتنوعهم، والعمل على إشاعة قيم المواطنة الحاضنة لهذا التنوع والتعدد الديني والمذهبي وحتى القومي. فما زالت الحكومات العراقية المتعاقبة ما بعد عام 2003، لم تناقش قضايا ومشاكل التنوع بكل انواعه ولاسيما الديني منه بشكل جدي ورغبة حقيقية في حل هذه الإشكاليات.
وبالنسبة للانبار بالرغم من خلوا المحافظة في الوقت الراهن الى حد ما من التنوع الديني الا ان الموروث الثقافي لهذه المحافظة يؤكد على انها كانت تزخر بالتنوع الديني, اذ كان يوجد فيها (والى وقت قريب) اليهود والمسيحين (من الأرمن) والصابئة الى جانب المسلمين شيعة وسنة, وكان ابناء هذه الأقليات يعيشون في جميع مدن المحافظة من القائم الى أبو غريب(حصيبة, عنه, حديثة, هيت, الفلوجة, الحبانية, الكرمة, خان ضاري) اذا ماتزال الكثير من املاكهم وبيوتهم واديرتهم ومقابرهم قائمة لحد اليوم لم يتم التعدي عليها, ولعل العوامل التاريخية علاوة على سياسة الدولة العثمانية التي لم تفرض لون معين من التدين في محافظة الانبار لانشغالها بالحياة العسكرية والسياسة, والاتجاه القومي الذي ساوي بين جميع الديانات الذي ساد المحافظة بعد قيام الدولة العراقية بتأثير المفكر القومي (ساطع الحصري) , كانت الاسباب الرئيسية وراء تواجد هذه الأقليات في المحافظة.
لقد بلغ عدد الأقليات اليهودية التي سكنت المحافظة اكثر من (2600) يهودي, وذكرت بعض المصادر ان عدد العوائل اليهودية في الفلوجة وحدها تراوحت بين (40-50) عائلة ونظرا للمكانة التي تمتع فيها يهود الفلوجة فقد اصبح احد وجهائهم (حوكي اغا بابا) عضوا في المجلس البلدي للمدينة. أما في مدينة هيت والمعروفة تاريخيا بتواجد اليهود فيها فقد بلغ عدد اليهود الساكنين فيها أكثر من 20 عائلة كانت عائلة ساسون أبرز هذه العوائل.
أما الطائفة المسيحية من الأرمن فقد سكنت المحافظة عبر موجات متتالية، اذ سكن الفلوجة عدد من العوائل ذات الأصول المسيحية وفي مقدمتها عائلة ال قوميجيان التي سكنت في طرف الفرات الغربي في موقع مستشفى الفلوجة حاليا, وعائلة موسى نصري وميخا وانطوان وعكوبي, وقد تركت اغلب العوائل المسيحية الأرمنية المحافظة وتوجه قسم منهم الى بغداد وقسم هاجر الى لبنان ذات الغالبية المسيحية, اما من بقى منهم فقد ظل مقيما في منطقة الحبانية حتى سقوط النظام السابق عام 2003.
اما الصابئة فقد نزحوا من جنوب العراق الى المحافظة عبر هجرات متتالية لاسيما بعد تضررهم عقب الحرب العراقية الإيرانية, وكان للصابئة في المحافظة تواصل وعلاقات جيدة مع العوائل المسلمة أدى الى اسلام الكثير من هذه العوائل وبقى بعضهم على حريته في ممارسة طقوسه الدينية, وكان لهم مقبرة قريبة من خان ضاري, وأخرى في الفلوجة قرب اثار البناية في جنوب المدينة ودفن من اسلم منهم في مقابر المسلمين.
والواقع ان هناك تذبذب كبير في نسب الإحصاءات والتقديرات لأعداده الصابئة في محافظة الانبار اذا أشارت بعض الدراسات ان عددهم لم يكن يتجاوز 50 عائلة موزعة على مدن المحافظة, في حين اشارت دراسات أخرى ان اعدادهم كانت تتراوح بين 200 الى 250 شخص.
لقد كانت هذه الأقليات الدينية تعيش في وئام وانسجام كبيرين مع بقية المكونات، ملتزمة بمنظومة القيم والعادات والأخلاق المشتركة، وكانت علاقاتها بأهالي مدن المحافظة يقطنون فيها طبيعية جدا، بل كانت العوائل تتبادل الزيارات والهدايا مع العوائل المسلمة، وقد حصلت العديد من حالات المصاهرة، كما أسلم الكثير من ابناء هذه الطوائف وتزوجوا بنساء مسلمات وانصهروا في المجتمع. وما يدلل على هذا الانسجام انه طوال مدة تواجد هذه الأقليات في المحافظة لم تحدث مشاكل ذات طابع ديني بينها وبين الاغلبية المسلمة، بل على العكس كانوا يحظون بالاحترام والتقدير ويعاملون على قاعة (تبروهم وتقسطوا إليهم).
واذا كان قيام الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948 قد اسهم في هجرة عدد كبير من يهود محافظة الانبار الى إسرائيل وما بقى منهم دخل في الإسلام طواعية, فان تردي الوضع الاقتصادي في العراق في فترة التسعينات دفع الكثير من المسيحيين للهجرة خارج البلاد , ثم جاءت احداث ما بعد نيسان 2003 لتكون السبب في النزوح الأكبر للطائفة حيث تعرضت دور العبادة المسيحية الى الاعتداءات الإرهابية التي راح ضحيتها العديد من القتلى والجرحى, كما هوجمت محلات بيع المشروبات الكحولية وصالونات التجميل والموسيقى والازياء التي يملكها بشكل خاص المسيحيون كما تعرضت النساء المسيحيات الى التهديد اذا لم يقمن بتغطية رؤوسهن على الطريقة الإسلامية وهذا ما دفع المسيحيين الى النزوح بشكل شبه جماعي الى الخارج وفضل بعضهم المغادرة والاستقرار في شمال العراق.
اما الصابئة فقد كان للتدهور الأمني الذي ساد المحافظة بعد نيسان 2003 واستهداف بعض معابدهم وشخصياتهم كل ذلك دفعهم الى الهجرة خارج المحافظة ولربما خارج العراق.
لقد شكلت الأقليات الدينية في محافظة الانبار مصدر ثراء ثقافي واجتماعي واقتصادي للمجتمع، واستطاع البعض منهم تقلد مناصب سياسية مهمة في الحكومات العراقية المتعاقبة، ولعل أبرزهم أول وزير المالية في العهد الملكي في العشرينات من القرن الماضي (ساسون حزقيل(1860-1932) من أبناء مدينة هيت.
ان محافظة الانبار بتجربتها الغنية في احتضان التنوع الديني يمكن ان تشكل مثال يحتذى به في المجتمع العراقي, كما يمكن التعويل عليها لإعادة هذه الاقليات, وذلك بدعوة الأقليات التي نزحت من المحافظة نتيجة لظروف طارئة بالعودة اليها, وذلك لا يكون الا من خلال قيام رجال الدين بنشر قيم التسامح الديني في المجتمع, وقيام الأجهزة الأمنية بحماية هذا التنوع الديني, وان يكون لوسائل التواصل الاجتماعي دور في بث الرسائل الاجتماعية بما يكفل احترام التعددية الدينية والثقافية, وان تتضمن المناهج الدراسية كل ما يعزز من قيم التسامح والسلام وقبول الاخر المختلف دينيا ومذهبيا.
ان التنوع الديني يعد اليوم مطلب لابد منه لاستقرار المجتمع العراقي لأنه يمثل:
أولاً- سياسيا: تعدد التجارب والأنشطة السياسية مما يغني الحياة السياسية ويزيد من فاعليتها.
ثانيا- اقتصاديا: يمثل التعدد الديني اثراء وقيمة مضاعفة يجب استغلالها من اجل الحفاظ على التنافسية داخل الأسواق والنهوض بالاقتصاد المحلي، وذلك لتنوع الأنشطة حسب تنوع الجماعات المكون للمجتمع.
ثالثا- اجتماعيا: المجتمع المتنوع دينيا والذي تتعايش فيه الجماعات المتنوعة لا يكون امنا فحسب بل يكون مجتمع نابضا بالحياة ومزدهرا وواثقا من نفسه.
رابعا- ثقافيا- المجتمع المتنوع دينيا يؤدي الى التنوع الثقافي وبالتالي خلق نهضة ثقافية نتيجة لتنوع الأفكار والآراء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض المصادر
1- حنا بطاطو, العراق الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية ترجمة: عفيفة الرزاز, ط1(بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية, 1990).
2- رشيد الخيون, الأديان والمذاهب بالعراق, ط1(د.م. منشورات دار الصدق, 2005).
3- محمد صادق الهاشمي, الأحزاب والتيارات السياسية والدينية في الانبار التوجهات والنشاطات الفكرية والدينية منذ 2003-2014م, ط1,( بغداد: مركز العراق للدراسات,2014)
4- منسي مسلط, الفلوجة في تاريخ العراق المعاصر: دراسة وثائقية علمية متخصصة 1900-1966, ط,1(بغداد د ن 2019).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟