الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن خلفيات القواعد العسكرية الأجنبية في العراق

سلام عادل
كاتب وصحافي

(Salam Adel)

2021 / 9 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


ينتظر العراقيون بعد 100 يوم غلق القواعد وخروج الجنود الامريكان من العراق، وهو حدث مخادع يكرر نفسه بعد مرور 10 سنوات، فهو يذكرهم بما حصل في 31/12/2011 حين غادر نفس هؤلاء الجنود من الأراضي العراقي، بحسب اتفاقية كانت توصف باتفاقية الاطار الاستراتيجي، بعد ان كانوا قد دخلوا البلاد بحجة امتلاك نظام صدام أسلحة دمار شامل، وهي الاتفاقية الغامضة نفسها التي يتم اعتمادها اليوم لسحب القوات التي عادت الى العراق بحجة المساعدة في القضاء على داعش.

وفي الحالتين التي دخلت فيها القوات الامريكية ومعها حلف آخر من الجنود المتعددي الجنسيات، يبدو ان هناك دائما من يريد جلب هذه القوات للعراق لاهداف سياسية واستراتيجية في أوضح تقدير، وليس هناك اكثر وضوحاً من رغبة اسرائيل، الى جانب رغبة جماعات سياسية عراقية كانت ولازالت تشعر ان لا وجود سيبقى لها دون وجود لمثل هكذا قوات وهكذا قواعد.

وفي الحالتين أيضاً تبدو بعض القوى السياسية العراقية هي صاحبة الدعوة، وهي التي تفتح ابواب البلد لدخول مختلف القوات الاجنبية، حيث ان اصحاب هذه الاحزاب ظلوا يشعرون على الدوام ان الارض العراقية لا ترحب بهم، ولذلك بات وجودهم وامنهم على الارض مرتبط بوجود من يحميهم عليها، خصوصاً اذا ما تمعنا جيداً بواقع القواعد العسكرية الاجنبية، الامريكية على وجه الخصوص، لوجدنا انها عبارة عن ملاذات آمنة لهذه الاحزاب والشخصيات السياسية التي دخلت البلاد عام 2003 على ظهر الدبابات، حيث ظلوا ينامون منذ ذلك الوقت مع الجنود المتعددي الجنسيات داخل هذه القواعد.

ولعل (المنطقة الخضراء)، التي تعرف وفق التسمية العسكرية الامريكية (Green Zone)، تعتبر أول قاعدة عسكرية انشاءها الجنرالات الامريكان لتصبح فيما بعد (مقر الحكم)، او المأوى الذي يحتمي فيه قادة وموظفي العملية السياسية، ولهذا ظل العراق منذ اللحظة الأولى للغزو يدار من داخل قاعدة عسكرية، سواء كان هؤلاء الحكام اصحاب بدلات عسكرية، او من ينوب عنهم بالزي المدني من المتعاقدين.

ومن هذه المنطلقات، يبدو أن مضامين السيادة، التي تعني خروج القوات الاجنبية وغلق القواعد والاعتماد على القوات العراقية لحماية البلد، اكثر ما يهدد الطبقة السياسية ويشعرها بالخطر، لان هذه القوى السياسية ظلت ترتبط وجودياً مع الوجود العسكري الاجنبي، وبزوال القواعد ستزول هذه الجماعات او تنتهي هيمنتها على الاقل، وهذه التصورات تشمل الطبقة السياسية الكوردية التي هيمنت هناك بقوة قاعدة الحرير وقواعد اخرى وقنصليات اجنبية.

ومن مفارقات ما يحدث في العراق ان القوى العراقية السياسية هذه تستنفر كل طاقاتها عبر بيانات الإدانة والاستنكار في حال تعرضت القواعد الاجنبية للاستهداف من قبل فصائل المقاومة، في حين لا تبادر بنفس المستوى الى الإدانة والاستنكار، بل ولا تكترث حتى، حين تتعرض المدن العراقية لاستهدافات ارهابية يسقط ضحيتها ابناءالشعب العراقي، وكأن القواعد الاجنبية هي وطنها فقط وليس الجغرافية العراقية التي يطلق عليها وفق التوصيف العسكري الامريكي (المنطقة الحمراء).

ولذلك من الواضح ان الذي يريد بقاء القواعد العسكرية الامريكية في العراق هي تلك القوى السياسية التي ترتبط وجودياً بهذه القواعد، والتي يقيم اغلبها في المنطقة الخضراء ومقترباتها، وهي نفسها التي رفضها الشارع العراقي جراء تجاربها السيئة بالحكم خلال 18 سنة.

والى جانب معادلة (التخابر) بين بعض الجماعات السياسية والقواعد العسكرية على مدار السنوات السابقة، تغطس تحت السطح معادلة اخرى غير مكشوفة أمام الرأي العام، وهي معادلة (التخادم)، حيث ان هذه القواعد تعد بمثابة ملاذات آمنة وغطاءاً لعمليات فساد ومصالح مالية كبرى تدور احداثها بين مافيات فساد وقوى سياسية وجنرالات يمتلكون حصانات خاصة، وهو الواقع الذي يجعل من موضوع القواعد العسكرية الاجنبية في العراق أشبه بالشوارع الخلفية التي تعقد فيها صفقات تجارة الحرب وتجارة النفط وغسيل الأموال وتهريب الآثار.

وان مجرد تتبع مصير مئات المليارات التي صرفت على حرب العراق منذ الغزو عام 2003، سواءً كانت مليارات عراقية أو ترليونات من أموال دافعي الضرائب الامريكيين، سوف يتكشف للجميع الى أي مدى كانت فيه هذه القواعد العسكرية عبارة عن شوارع خلفية ينشط داخلها تجار حروب وسماسرة ووسطاء، ومنها آخر قاعدة بنيت في عهد ترامب، وهي عين الأسد، فقد كلفت ما يزيد على خمسة مليارات دولار من الخزينة الامريكية، الى جانب قواعد صغيرة اخرى تستنزف عدة ملايين بشكل دائم من الخزينة العراقية، من ضمنها القاعدة الايطالية في سد الموصل، التي انشئت بحجة توفير الحماية لشركة تريفا الايطالية للاعمال الهندسية، التي تعمل على معالجة تشققات السد، والخ … من القواعد والمصاريف المسكوت عنها.

والذي لم تعترف به حكومة كاظمي الحالية، حين خرجت للإعلام تتبجح بنجاح جهودها في استرداد 13 الف قطعة اثارية مهربة الى الولايات المتحدة، أن هذه القطع الاثارية الى جانب الارشيف الوطني العراقي قد تم تهريبها جميعاً في السنوات السابقة عبر القواعد العسكرية الامريكية في العراق، وبواسطة طائرات الجيش الامريكي التي تتواجد في هذه القواعد.

وليست القواعد ذات التواجد العسكري البحت هي وحدها منصات للتجسس والتخابر والتخادم بل ان قواعد اخرى ذات استخدام مدني بحت باتت هي الاخرى عائقاً أمام السيادة العراقية، ففي داخل كل قاعدة عسكرية توجد قاعدة مدنية، على سبيل المثال (مركز الدعم الدبلوماسي) الذي يتخذ من (قاعدة كروبر) داخل مطار بغداد مقراً له، وهو مركز للعلاقات الخارجية وعقد الصفقات السرية يكاد يلعب دوراً بديلاً عن دور وزارة الخارجية العراقية، إذا لم يصل الى درجة إلغاء دور الوزارة بالكامل، وكذلك الحال بالنسبة للسفارة الامريكية داخل المنطقة الخضراء التي تتمركز داخلها قوات من النخبة علاوة على منظومة دفاع جوي حديثة ومتطورة، حيث ان هذه السفارة بكل تدخلاتها بالحياة العراقية صارت عبارة عن دولة عميقة داخل الدولة العراقية التي يفترض انها مستقلة وذات سيادة.

ووسط هذه المتاهة والدوامة المتعددة الابعاد، مع وجود مصالح متشابكة تمول نفسها عبر الفساد وصفقات ما تحت الطاولة، يبدو ان التعويل على ما يطلق عليه مفاوضات ومفاوضين إنما هو مجرد حيلة، حيث ان المعالجة الصحيحة لمخلفات الغزو والاحتلال يتمثل بـ(الجلاء) الشامل للقوات الامريكية ومن معها من قوات متعددة الجنسيات، وإنهاء ما يسمى (قيادة العمليات المشتركة) التي ألغت بدورها (القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية) وتسببت بكل التشتت وتعدد الولاءات داخل صفوف القوات الامنية العراقية.

ولهذا.. حين نمعن النظر جيداً في خلفيات القواعد العسكرية الاجنبية في العراق، والتي تعتبر احد ظواهر الاحتلال والغزو الذي حصل في 2003 سنكتشف ان هذه القواعد في الاساس انشئت لتكون مراكز تجسس وتتبع استخباري على دول المنطقة، فضلاً عن كونها نوادي سرية للفساد، وهي في نفس الوقت ملاذات للاحتماء السياسي ومعابر للهروب والتهريب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا