الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيكل التملق في العالم الثالث

عادل حبه

2021 / 9 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


بقلم البرفسور الإيراني محمود سريع القلم
المصدر: موقع ايران-امروز
ترجمة عادل حبه
هل التملق سمة من سمات الطبيعة البشرية؟ لو قمنا بدراسة مجتمعات مثل كوريا الجنوبية والدنمارك وسنغافورة وسويسرا فلا تترك هذه الدراسة أي مجال للشك في أن البشر يتعلمون التملق. قد لا يكون التملق مثل الكذب، والمكر ، والمبالغة، والخوف ، والغضب ، لأن معظم هذه الصفات السلبية يتعلمها البشر في إطار الهياكل التي يعيشون فيها، ويعتادوا عليها، وتتسرب اتوماتيكياً إلى وعيهم، ثم تنتقل إلى الأجيال اللاحقة. لذلك، إذا أردنا تحليل بنية التملق، فيجب علينا بالضرورة دراسة البيئة التي ينمو فيها البشر ويستوعب هذه العادة.
إن التعريف القياسي للتملق(sycophancy) هو عبارة عن تضخيم الشخص والإشارة إليه بشكل خاص، وإضفاء الشهرة والألمعية على مسؤول في الدولة بهدف الحصول على الإمتيازات. وعلى الرغم من أن الإمتياز قد يشمل أموراً متنوعة، ولكن نهاية هدف التملق هي الوصول إلى المال وإلى الإمكانيات المادية. وإذا أخذنا في الاعتبار أن الهدف الأساسي للتملق والإطراء اكتساب القوة والمكانة، فإن المنصب بحد ذاته يؤدي في نهاية المطاف إلى المال والإمكانيات والتسهيلات. ويبدو أنه يمكن إرجاع التملق إلى السببين التاليين:
أ: الهيكل الاقتصادي للدولة. إن جميع دول العالم الثالث تقريبا تتميز باقتصاديات الدولة-قطاع الدولة. وبعبارة أخرى، تشابك فرص الثراء والاستثمار والوصول إلى الإمكانيات وتأمين لقمة العيش مع نوع من الارتباط بجهاز الدولة. ولكن إذا أراد مواطن في النرويج وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، والتي تعتبر من الدول المتقدمة، أن يصبح ثرياً أو يستفيد من التسهيلات المالية وتسهيلات المعيشة، فمن الضروري أن يبادر هو نفسه بإقامة مشروع ويديره بنفسه. إن الدولة والحكومة في هذه البلدان هم مشرعوا القوانين والمسؤولون عن تطبيق القانون ويتولون الرقابة على تنفيذ القرارات، لا أن توزع الثروة. لكن الأمر يختلف في نيجيريا أو الأردن أو بوليفيا، فإن ثروة البلاد ومواردها في يد الدولة. ولذا فإن اقتصاد الدولة والمجموعة الواسعة من الامكانيات التي بيد الدولة يرسيان قواعد التملق.
بالمناسبة ، تدرك حكومات العالم الثالث جيداً أن أبراهام ماسلو* محق في قوله إن الحاجة الأولى والأكثر إلحاحاً للبشر هي المال والتوظيف والسكن والغذاء. وإذا ما تولت الدولة تأمين هذه الاحتياجات الأساسية وأضحت السيطرة على هذه الاحتياجات بكل حدتها وضعفها في أيدي أجهزة الدولة، عندئذ يمكنها بسهولة فرض هيمنتها على المجتمع. في كوبا، على سبيل المثال، يختلف هذا الهيكل الاقتصادي اختلافاً كبيراً عما هو قائم في اليابان، حيث يفكر الآلاف من رواد الأعمال في اليابان ويبتكرون ويوظفون عشرات الآلاف من الأشخاص في شركاتهم من ذوي المهارات والخبرة ، بحيث أصبح 92٪ من اليابانيين يعملون في القطاع الخاص. في حين يعيش 77٪ من الكوبيين على القطاع العام لتأمين قوتهم وشؤونهم الاقتصادية. وتعد كوريا الجنوبية حالياً واحدة من أكثر الدول تنافسية وحرفية وتخصصاً في العالم، علماً أن 90٪ من أفراد الشعب يعملون في القطاع الخاص. ويعمل حوالي 87٪ من المواطنين في ألمانيا والولايات المتحدة في القطاع الخاص.
بالطبع ، لا يعني هذا التحليل أن التملق لا يوجد له أثر في سويسرا أو ألمانيا أو كوريا الجنوبية، ولكنه لا يشكل الثقافة والسلوك السائد، ونسبة كبيرة من الناس يتعلمون ويتم تسجيل ذلك في عقلهم الباطن أن تأمين سبل العيش هو نتيجة العمل والجهد والمنافسة الفكرية. ويتشكل مصير الأمم من خلال ثقافة الأغلبية ومزاجها وأفكارها. يوجد في كل الدول محتالون وماكرون وفاسدون ومتملقون وكذابون ومنتهكو القانون وجبناء وغير مبدئيين، لكن السؤال هل هذه الفئة 80٪ من السكان أم 10٪ من السكان؟ بالطبع ، لا يمكن بناء مجتمع سليم بنسبة 80٪ من الحيلة.
ب: فرص الشهرة والمكانة. إذا تم الجمع بين فرص الشهرة والمكانة في الفن والعلم والكتابة والأدب وفي أي نوع من النشاط الاجتماعي والمدني وبين الاشراف على مؤسسات الدولة وإمكانية الوصول إلى المصادر المالية والإحتكارية، فإن ذلك بحد ذاته درجة من التملق الذي لا مبرر له ، وإن استخدام الكلمات المبالغ فيها، لا ينتج عنها سوى التملق.
لا توجد علاقة للمكانة الوطنية والعالمية للفيلسوف الألماني يورغن هابرماس** بالحكومة الألمانية. ولا توجد أدنى علاقة لمكانة الممثل السينمائي أنتوني هوبكنز بالحكومة البريطانية أو الأمريكية. وكذا الحال بالنسبة لمكانة الروائي الياباني روكي موراكامي بقدر ما يتعلق الأمر بعلاقته بالحكومة اليابانية. ولم يحصل توماس فريدمان على أوراق اعتماده كصحفي من حكومة الولايات المتحدة. ولم تلعب الحكومة البريطانية أي دور في صدمة ألفريد هيتشكوك التاريخية. إذا كان العقل الباطن لمجمع الفنانين والكتاب والأكاديميين وغيرهم من المهنيين راسخاً في السعي وراء المال والشهرة من خلال الصلات بالدولة، فإن التبريرات المبالغ فيها ، والتعامل مع مسؤولي الدولة غير الأكفاء، وتجاهل الحقائق، وتشويه الإحصاءات، وتصميم إرادات غير واقعية وموافقة لا أساس لها من مسؤولين الدولة، تصبح ثقافة عامة. وعندها يتعلم الناس أنه يمكن إحراز التقدم بسهولة وبكلفة زهيدة من خلال استخدام كلمات بارزة والانحناء والتمرد على المديرين.
في دول العالم الثالث، حيث تهيمن مؤسسة الدولة وتشرف على أي نوع من الترقية، تزداد شعبية هذه الثقافة تدريجياً، ويمر بها المواطنون بروح المحافظة والدعابة. وتصبح صناعة الإطراء، في المؤسسات والوزارات ذات الموارد المالية الكبيرة وذات مصدر العملات الأجنبية، أكثر تقدماً. ويصبح تركيز الخداع ومستوى المديح أكثر تعقيداً. فالمتملق، على سبيل المثال ، يحلم بمدير وينسب له نجاحات لا وجود لها. عندها يعيش كلا من المتملق والمتلقي للتملق في بحر من الأوهام. ومع ذلك، فإن ميركل، بإدارتها الهادئة والمحسوبة في الوضع السياسي والاقتصادي الحرج في أوروبا، لم تتعرض لمثل هذا الإطراء. ويقدر الشعب الألماني ميركل وفقاً لواجباتها القانونية، وعادة ما يمارس الإطراء إلى حد ما في مجتمع مثل ألمانيا.
بضع نقاط: التملق هو نتاج هياكل مركزية غير فعالة. فعندما تصبح الإمكانيات والموارد والفرص في المجتمع متمركز بيد الدولة، عندها يمكن أن توقع انتشار التملق في الثقافة العامة. والتمركز على الذات يجلب الظلم؛ سواء كان هذا هو تمركز الدولة أو تمركز الثروة عند 1% من المجتمع. لذلك فإن فهم البنية الاقتصادية للمجتمع هو الخطوة الأولى في قياس مدى تعقيد وتركيز التملق. فلامتملق يأمل بالتملق الوصول إلى موقع قوة أو، في نهاية المطاف، الوصول إلى المال والإمكانيات والثروة ومصادر النقد الأجنبي. في كلتا الحالتين، يريد المتملق تلبية احتياجاته وربما يطمع في المزيد من الإمكانات والقدرة.
في الوقت نفسه ، في دول العالم الثالث حيث يوجد تركيز للثروة والسلطة، يحدث حادث حاسم آخر: ظهور أغلبية ضعيفة مع تدني الثقة بالنفس بنحو حاد. فالشخص المتملق، مع أنه جشع ومحتاج، لا يتمتع بصفات طبيعية وشخصية سامية. إنه مستعد للقبول بأي سلوك من أجل الحفاظ على مركزه والوصول إلى أعلى المستويات. فالمتملق يلجأ عن عمد إلى الكذب والحيلة. إن المتملق والمتلقي للتملق هما نتاج بنية اقتصادية وثقافية معيبة. فالنظام الاقتصادي السليم يولد مواطنين أصحاء. والاقتصاد السليم يجلب الاستقرار السياسي أيضاً. وتتحقق العدالة الاجتماعية أيضاً في ظل اقتصاد سليم. ومادامت دول العالم الثالث قد بنت نموذج الحكم الخاص بها على أساس تمركز الثروة والسلطة والريع فلا يمكنها انتظار وجود مواطنين مدنيين فحسب، بل أنهم لا يمكن أن يحلموا بأهداف مثل الحرية الفكرية والديمقراطية. وتستدعي الضرورة شن حملة ثقافية نشطة في العالم الثالث تهدف إدانة التملق والانتهازية في الثقافة العامة. لكن المفتاح لمواجهة التملق هو جعل الهيكل الاقتصادي سليماً من ناحية، وتقييم الأشخاص الذين يعتمدون على جهودهم الخاصة من ناحية أخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ابراهام ماسلو (1908-1970)، عالم نفس مريكي اشتهر بنظرية تدريج الحاجات. بدأ بدراسة القانون ، ثم حصل على بكالوريوس في علم النفس، ثم شهادة الماجستير في علم النفس والدكتوراه في الفلسفة. ويعتبر أحد مؤسسي معهد أيسالن في كاليفورنيا. بدأ التدريس في كلية بروكلين.
** يورغن هابرماس (Jürgen Habermas ) فيلسوف وعالم اجتماع ألماني معاصر (18-06-1929)، يعتبر من أهم علماء الاجتماع والسياسة في عالمنا المعاصر. ولد في دوسلدورف، ألمانيا وما زال يعيش بألمانيا. يعد من أهم منظري مدرسة فرانكفورت النقدية. لديه مايزيد على خمسين مؤلفا في مواضيع عديدة في الفلسفة وعلم الاجتماع وهو صاحب نظرية الفعل التواصلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار التظاهرات الطلابية بالجامعات الأميركية ضد حرب غزّة|


.. نجم كونغ فو تركي مهدد بمستقبله بسبب رفع علم فلسطين بعد عقوبا




.. أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يبحث تطورات الأوضاع


.. هدنة غزة على ميزان -الجنائية الدولية-




.. تعيينات مرتقبة في القيادة العسكرية الإسرائيلية