الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مونودراما.. ترفكلايت.. عباس منعثر

عباس منعثر
شاعر وكاتب مسرحي عراقي

(Abbas Amnathar)

2021 / 9 / 13
الادب والفن


(في الفضاء قدرة سريعة على التحوّل. ما أن يوجد اليوتيوبر في مكان حتى ينتقل إلى آخر بلمح البصر، من غرفة نومه إلى المطعم إلى ساحل البحر إلى صالة ألعاب رياضية إلخ. الزّمن الفاصل بين حالة وأخرى لا يتجاوز ثانية واحدة.. هو الآن جالس في بيته يتناول الفواكه. يعدّل الكاميرا ويبدأ البث المباشر)
اليوتيوبر:
(السّرطان الحديث)
أحذية أولاد أحذية، مخابيل، حثالة. جحوش غير متعلّمة وإذا تعلّموا أصبحوا جحوشاً مُستمطية. لماذا يُنافقون؟ يعيبونَ في الآخرين ما هو عيبُهم الأساسي. يقتلُني الغارقُ في الفساد؛ ويشمئزّ من فسادِ الآخرين. أنقهرُ من متسلّطٍ ظالم؛ يتباكى على حريةِ الآخرين. أتعّقدُ من أَبٍ تتمايعُ بناتُه بين الأحضان؛ ويدعو إلى العفّة والطّهارة. أمثالُ هكذا بشر، مثل شَعرِ مؤخرتي الذي أحفّهُ يومياً، أقصى تقديره مكنسة. هل يصلونَ إلى مستواي؟ تقلّدتُ عشراتِ المناصبِ في الصّحفِ والمجلاتِ لعشراتِ السنين. لم آتِ من خَلفِ الجاموس! في الماضي التليد، ترأَسَني جواميسٌ، وترأستُ جواميس. فالصّحافةُ زريبةٌ مليئةٌ بالأبقارِ والجحوشِ والخِراف. تنجحُ إذا أتقنتَ لغةَ راعي الغنم، أو إذا مشيتَ على أربعة. مطموغٌ على جبهةِ كلّ صحفي: قابلٌ للتسريب. رغم الصّعاب، نجحتُ في الحفاظِ على نفسي وموقعي في مُختلَفِ الظّروف. كان لديّ مهارةٌ في نولِ إعجاب مالكي الجرائدِ التي ترأستُها. يثقونَ بي، بقُدرتي ورؤيتي. كنتُ العبقريّ الأوحدَ القادرَ على الإتيانِ بالمعجزات. أستطيعُ بتغييرِ كلمةٍ واحدةٍ أن أقلبَ الهزيمة إلى إنتصارٍ شامل. الحدثُ غير المريح أُضيّعُهُ في التفاصيلِ الجانبيةِ الصّغيرة بشخطةِ قلم. بأسلوبِ التجاهلِ كانت الجرائدُ قادرةً على جعلِ ما حدثَ لم يحدث. هذا سابقاً، حالياً أيّ بليدٍ هو مُراسِلٌ صحفي. بالصّوتِ والصّورةِ تنبثقُ الحوادثُ وكإنما من العَدم. أهلُ الشرّ قادرونَ على إستغلالِ أحدثِ التقنياتِ فينشرونَ ذبابَهم الألكتروني الذي يبثُّ الشائعاتِ ويحرّض ويشوّه السّمعة. التهمةُ التي ألصقوها بزوجتي من هذا القبيل. حربٌ نفسيةٌ إعلاميةٌ فضائحية. نساءٌ يجتمعنَ في مكانٍ ما ويُصادفُ أن يوجدَ في المكانِ نفسِهِ بعضُ رجالِ الأعمال. هذا عشاءُ عمل. ليسَ في الصحافة فحسب؛ بل الدّينُ نفسُهُ مُعرّضٌ لرؤيتِهِ بعينِ المُحبّ فيبدو طبيعياً؛ والكارهُ يراهُ تدليساً وإفتراءات. هنا، أحدُ دواعي تحوّلي إلى يوتيوبر. نقلةٌ كبرى في حياتي. رأيتُ الآخرين يفتقرونَ إلى الشّغف، إلى الفكاهة، إلى الثقافة. صح، التقنياتُ تقرّبُنا لكنّها تعزلُنا أكثر. لي صديقٌ زوجتُهُ تُهملُهُ وتلعبُ بذيلِها وبناتُه كلّ واحدةٍ في عالمٍ منفصل، لم يجدْ من يؤنسُ وحدتَه. وبحلولِ التقاعد، أَدركَ خواءَ وبلادةَ حياتِه، بلا إثارةٍ بلا تجديدٍ بلا إبداع. تعلمونَ الذي لا شغلَ لديهِ سيلعبُ بخصيانِه. لا أحبّ اللّعبَ بخصياني، لذلك قرّرتُ، أقصد قرّرَ صديقي الفضفضةَ لنفسِه. وضعَ الكاميرا أمامَهُ وظلّ يقصُّ حكاياتِهِ عن الماضي البعيد. حكايةٌ تُغري حكاية. أَقبَلَت البحبوحةُ بعد الشّهرة. بعدها، من يقفُ في وجهِ الإستمرارية؟ الأهمّ، تخلّصَ صديقي من الوحدة. الوحدةُ قاسيةٌ مؤلمةٌ لا يفهمُ ما أعنيه إلا.. إلا من عاشَها.. أما أنا فالأمر لا يعدو كونَهُ إستعاضةً عن الإعلام. الإعلام يسري في دمي، والبثّ المباشرُ يفي بالغرض. لي كلمةٌ أخيرة. أقولُ للمُغرضين، أولادَ الحيضِ والنفاس، أبناءَ العواهر، أسلافَ الطمث اللّزج، الذين لا يتوقفون عن التقيؤ: أنتم فَتلةُ وساخةٍ من جبهةِ عاملِ نظافةٍ ناقعٍ في البالوعةِ العمومية، ولو مَسَخَني اللهُ قرداً أو شَخَطَ عقلي وصرتُ مجنوناً عرياناً يركضُ في الشّوارعِ والأطفالُ تُطاردُهُ بالحجارة؛ سأظلّ حُرقةً في قلوبِكم وسأبثّ، حتى وأنا على فراشِ النّزعِ الأخير، ما يجعلُكم تختبئونَ في جحورِكم النتنة. يكفي هذا.
(الكرش العفيف)
أحبائي المتابعين، نحنُ اليومَ في مطعمِ الدّيكِ المشوي. لا تُعتَبر هذهِ دعاية. أكرهُ الدّعايات. الدّعايةُ دعارة. ولكي أُثبتَ ذلكَ ها أنا أقول: إياكَ أن تأكلَ هنا. المسألةُ ببساطة أنني أحبّ أكلَ هذا المطعم. السّببُ بعيدٌ عن الميولِ الطائفية، إطلاقاً. وصلنا إلى درجة نُتشّككُ حتى في ذائقتِنا الطّعامية! ببساطة وبدونِ إلتواء وزائد ناقص، هذا المطعمُ لا يغشّ كما في المطاعمِ الأخرى. أثناءَ الحربِ الأهلية جَرتْ شائعاتٌ أنهم يطبخوم لحمَ البشر في جميعِ المطاعمِ إلا هذا. الأسعارُ رخيصةٌ جداً هنا. يتساوى الأميرُ والفقيرُ كأنما أمامَ الخالقِ وقتَ الحساب. المكانُ نظيف. دخلتُ ذاتَ مرّةٍ على مطعم سَفَري. كنتُ ميّتاً من الجوع. طلبتُ سندويج. وَقَعَ بصري صُدفةً على أواني المقبّلاتِ الزّجاجيةِ الكبيرة. كانت هناك ذبابةٌ تسبحُ في العمبة، يطلعُ جناحُها عن السّائلِ الثخين ويشقّهُ بصعوبة كأنها سِيزيف يخوضُ في غمارِ الأسطورة. في خاتمةِ الرّحلة، خمدت الذّبابةُ نهائياً. أدهشَني منظرُ الزّبائن: يأخذونَ الملاعقَ من العمبة باشتهاءٍ غريب. من يومِها قرّرتُ أن لا آكلَ إلا عندَ أبناءِ طائفتِنا الكريمة.
(إستحمار العاطفة)
رغم أنني مشغولٌ جداً؛ تركتُ مصالحي من أجلِ هذا الفعلِ الإنساني المُلّح. أعلمُ أنكم تتبرعونَ للمُحتاجينَ والمرضى. وصلتْني الأموال. نحنُ بدورِنا، أرسلْنا الى الخارجِ عدداً كبيراً من الفقراءِ وأنقذناهم من المرضِ والموت. لقد حفِظْنا شرفَ بعضِ النسوةِ المُحترماتِ من الإنحراف. على فكرة، تسلّمْنا تبرعاً لمنظمتِنا الخيرية، وفتحنا حساباً جديداً بعد إغلاقِ الحسابِ السّابق. الحساب، كما تعلمون، في البنك ولا علاقةَ لي به. لا أستلمُ فلساً أحمر ولا أسحب فلساً أحمر. إبنتي تقومُ بهذا الجهدِ الإضافي. سببُ البثّ اليوم إنساني. أعرضُ عليكم سيدةً مسكينة. (يشير لها بالقدوم). هذه السّيدة فقدتْ زوجَها وأولادَها جميعاً في البحرِ وهم في طريقِهم إلى أستراليا. هي خرساء (تصدر أصواتاً غير مفهومة) رأيتُم؟ رحمَ اللهُ من يرحمُ الناسَ ويقضي حوائجَهم. (تذهب المرأة) لكن أُحذّركم من المحتالين أو ما أُسميه: إستحمار العاطفة. هؤلاءِ الذين يستغلّون شيمةَ السذّج وعاطفتَهم الطيّبة. كلّما رأيتُ أحدَهم على كرسي مُعاقين، عرفتُ أنها حيلةٌ للإستجداء. يدقّ محتالٌ بابَكَ بحجّةِ التبرّعِ لفعلٍ خيري، أو يعلّقُ صندوقاً للأيتام وستُصرفُ الأموالُ على نزواتِ المُحتالين. بعيني رأيتُ صاحبَ البذلة الرّسميةِ الجديدةِ ينزلُ من سيارتِهِ الفارهةِ ويلتقطُ معوّقاً ويحملُهُ في السّيارة. الظّاهر أنهُ يوّزعَهم على الأمكنةِ ويحميهم. عصابة. بيدي كشفتُ عن وجهِ إحدى المُدّعيات أنها أرملةٌ مسكينةٌ فتبيّن أنهُ لوطيّ وسيم. إحذروا باركَ اللهُ بكم. شير على قدرِ ما تستطيعونَ كي يساعدَنا في فعلِ الخيرِ أكبرُ عددٍ من المُحسنينَ النبلاء.
(مصاصو الدماء)
من يمرض يذهب إلى الطّبيب، من تتعطّل سيارته يذهب الى السّمكري إلخ. لكنّ اليوتيوبر، ما الفائدة منه؟ أصبحَ كالفيلسوف في الزّمنِ الغابر: فاهم، بارع، فقيه، ضليع، حكيم، مُحنّك، بصير، عليم، خبير. في السّياسة مفكّرٌ إستراتيجي، في الإقتصاد جهبذ، في القانون ألمعي. لا يترك شيئاً إلا ويدسّ أنفَهُ فيه مع أن شهادتَهُ ساقط إبتدائي. تُدهشني جُرأتُهم، وقاحتُهم في تحليلِ الأشياءِ وإتخاذِ المواقف. تعنّ الفكرة، يقولُها مثل من تنتفخُ بطنُهُ يُفرّغها. إختصاصُهُ عاطل عن العمل. وليس هناك تجارة أفضل من هذه: كاميرا، بل موبايل رخيص، وتهذي لساعاتٍ وساعات. تعرضُ نفسَكَ للبيع مثل أيّ قحبة في شارعِ النخاسة. وسيشتريكَ أصحابُ رؤوسِ الأموال. في الحياةِ قصصٌ لا حصرَ لها. كان لي صديق، فقير، عنده مبادئ. حاربوه، إحتاج. باعَ المبادئ، أصبح ثرياً. ثم لم يستطعْ إلا ينحدِر. غير أنها لو خُليت قُلبت. يوجدُ الشّرفاءُ الذين يعطونَ من غير أن يأخذوا ولم يدنسوا ثوبَهم بالقذارة. سأضربُ الأمثلةَ على هؤلاء اليوتيوبرز الذينَ يَمسخونَ المهنة حتى تحذروا من مكرهِم. السّفلة. يغزونَ حياتَنا ويرّبونَ أطفالَنا على طريقتِهم. يجعلونَ المُشاهِدَ مُنفصلاً عن الواقع. يرى شيئاً أمامَهُ؛ وحياتُهُ مختلفةٌ بشكلٍ كُلي. يتبخترونَ في أفخمِ المطاعم؛ والمتابِعُ بطنُهُ تُقرقرُ من الجوع، مُنتهى عدم الإحساس بمعاناة الآخرين. يذهبونَ في رحلاتٍ سياحيةٍ على السّواحل وفي الدّولِ الأوربية والناس لا تملِكُ سقفاً يحميها. ألا ترونَ الحروبَ والكوارثَ والمصائب؟ ستنقلبُ الدّنيا، ستنقلب! (يمسك صورة طفلة مطبوعة على ورق رخيص). يستغلّونَ طفلةً صغيرةً من أجل عددِ المُشاهدات! أين الذّمة أين الضمير؟ عُهر، رجس، نجاسة، دنس، قذارة، انحلال، خلاعة، فجور، فحش، وساخة! يستبدلونَ البراءةَ بالإستعراض فلا تعيشُ حياتَها بل تُمثلّها في سيناريو بائس. ستُصبحُ طفلةً ألكترونية. وماذا كانت النتيجة؟ ماذا تعتقدُ حلَّ بالطفلة؟ نعم. صارَ عددُ المشاركين كذا مليون وظلّت الفلوسُ تمطرُ عليهم كالرزّ، القنواتُ طوابيرٌ كي تقابلَها. لم تتحمّلْ الضّغط. وفي صباحٍ ما وجدوها جثةً معلّقةً في غرفةِ مُظلمة. (يحمل صورة لعجوز). هل اكتفوا بذلك؟ أحدُهم قَلَبَ جدتَهُ الى قرقوز. لم يتركوا حتى الشّيخوخة في حالِها. بدلَ أن تعيشَ آخر أيامِها في راحةٍ وهدوء، أتوا بعجوزٍ هرمةٍ وحمّلوا جسدَها هذا الجهدَ اليومي الكبير من الظّهور والحديثِ مع الناس. بقيتْ لا تنامُ بل تفكّرُ في أشياءٍ جديدةٍ تطرحُها على المُشاهدين وتُفاجئ جمهورَها الكريم. ظلّتْ تكذبُ وتخترعُ القصصَ كي تغذّي جوعَ الناسِ للمُدهش والمُمّيز. السّهرُ اليومي والجهدُ البدني سلّمَها إلى السّكتةِ القلبية. (يمسك بدمية لعروسين). بل تعالَ إلى الشّرف إلى الناموس إلى عودِ الكبريت! إلى من تعرضُ جسدَها بثمنٍ زهيد. كُنّا نشاهدُ سنتمتراً واحداً من جسدِ إمرأةٍ فنسارعُ إلى الحمّام ونفعلُ ما يفعلُهُ أيُّ مُراهِقٍ شَبِق. الآن، كأنكَ تشاهدُ فلمَ بورنو طويل من بطولةِ جميعِ الناس. يجلبُ الدّيوثُ، المعفّنُ، المخنّثُ، المُنحرفُ زوجتَهُ ويجعلُ يومياتِهِ عرضةً للعيونِ الشّهوانيةِ المُحملقةِ بفتحةِ الصّدرِ وبياضِ الفخذِ السّمين. هذا آخرُ ما توّصلتْ إليهِ أخلاقُنا المُنحلّة من إبتكار. هؤلاء اليوتيوبرز حياتُهم ترفكلايت، أحمر أصفر أخضر أحمر. مشاعرُهم ترفكلايت، مواقفُهم ترفكلايت، ويريدونَ تحويلَ حياتِنا أيضاً إلى ترفكلايت؛ ألا يكفي أنّ الوجودَ كلّهُ ترفكلايت؟! من أجلِ ماذا؟ سبسكرايب وشير ولايك؟ خسئتم! في الأخير، إذا أعجبتَكَ الحلقة إعمل لايك وشير ولا تنسَ الإشتراك بالقناة حتى يصلك كلّ جديد.
(خداع المعرفة)
الكُتُبُ برأيي أخطرُ إختراعٍ إرتكبَتْهُ البشرية. الشيءُ المؤكدُ أن مصيرَ الكتابة إلى الزّوال وليس الكتبُ وحدَها. الصّورةُ أَكلت الجوّ وربما نصحو ذاتَ صباحٍ، وإذا سكّانُ الأرضِ أصبحوا أُميين بالكامل. حتى ذلكَ الحين يجبُ الحذر من الكتب. جئتُ لكم اليوم بفقرةٍ مختلفة. في العادة، يظهرُ التقليديون كي يرشّحوا لجمهورِهم كتباً للقراءة: أجمل كتاب، أروع ما قرأت، كتب هزّت العالم، إلخ. أما أنا فسأرشحُ كتباً إياكَ أن تقرأها لأنها مُخادعة، كان وراءَ كتابتِها إما غرضٌ خبيثٌ أو مُخطّطٌ مسموم. الكتبُ لا تأتي صدفة. غبيّ من يعتقدُ ذلك. الحركاتُ السّريةُ العالميةُ وضعتْ إصبعَها في طيزِ كلّ شيء. فهل يظنّ المُأبونُ أنها تركت الكتب؟ كتابٌ ينتشرُ ويشيعُ ويُصبح من أكبرَ المبيعاتِ لا بدّ من وجودِ سرٍّ مُضمرٍ وراء تلميعِهِ وإبرازه. كُتُب اليوم إخترتُها من العلمِ والفلسفة. قبلَ الكتب، إذا أردتَ قراءةَ كتابٍ ما، إبحثْ عن واحدٍ تثقُ برأيهِ، من جماعتِنا، يكونُ قد قرأَهُ قبلَكَ وإسمعْ رأيه. سيُغنيكَ عن عناء 500 صفحة من هراءِ نيتشه وسخافاتِ هيجل. لماذا توجعُ رأسَك؟ (يمسك مجموعة من الكتب ويرميها واحداً واحداً). دارون: مُهرطق. كانْتْ، مُضلل. ماركس: مُلحد. فرويد: مُتهتك. هيدجر: غامض. كامو: مُنحرف. موسوعة الأنوار: تحريض. خلاص، هكذا يرتاح عقلُكَ وتعيشُ حياتَكَ، بلا دوخة ولا قلق.
(مريم العذراء)
زوجتي سيدةُ أعمال. امرأةٌ مستقلّةٌ وقوية. لولاها لما وصلتُ إلى القمّة. إذا تجاوزَ عليها مغفّلٌ ما عندها إلا النعال. رأيتُها وهي تضربُ أحدَ الموظفين بحذائها حتى نقلوهُ إلى المستشفى. هكذا سيدة لا يُخاف عليها. والرّجالُ بصراحةٍ يستحقونَ ضربَ الأحذية. ستخرجُ براءة بالتأكيد من جميعِ التهم. هي نصيرةُ للمرأة، تُشّغلُ عندَها العديدَ من النساء، وكلّهنّ في غايةِ الجمال. حالياً بناتي أيضاً يعملنَ معها. عن أيّ مشروعٍ أو سلعةٍ أو مشوارٍ تسـأل: والفائدة؟ عقليةٌ إقتصاديةٌ جبّارة. علاقتُنا السريرية على ما يرام. هي نمرةٌ متوحشةٌ إذا رغبتْ وقالبُ ثلجٍ إذا أعرضتْ. تؤمنُ أنهُ داخل كلّ إمرأةٍ مومسٌ صغيرة، إما تكبرُ فتتيهُ في الشّوارع أو تُقمع فتكون ستّ بيتٍ مُحترمة. فعلاً، منذ إغواءِ آدم بالتفاحةِ اللّعينة وطردِنا من الجنّةِ حتى اليوم، لعبتْ المرأةُ دورَ الشّيطانِ باحتراف. لا شُغلَ لها إلا إستهلاك أرواحِنا وجلب الفضائح. ما عدا النساء الفاضلات طبعاً. قد نختلف، مثل أيّ عائلةٍ طبيعيةٍ، وفي الأخير نتفق. فالرّجلُ عليهِ الرّضوخ إنْ لم يكن عن طريقِ البكاءِ والزّعلِ فالنعالُ موجود. أمزح! بمعنى النساءُ قوارير وفي أيةِ لحظةٍ تنكسرُ قارورتُكَ إذا نسيتَ المُداراةَ عليها. خلّي بالَك منها، إياكَ أن تُغمض عينيك! نصيحتي: أيّ إبتعادٍ عن الزّوجة سيؤدي إلى الخيانة، وهي نائمة بقربِكَ على السّرير. الزّوجة غير المستقرّة أقصد. فالتقنياتُ الحديثةُ وفّرتْ سهولةً في الإنحلالِ والتهتكِ لا مثيلَ لها في التاريخ. تبقى النّساء العفيفاتُ أقلّ من أصابعِ اليدِ من كلّ مليون. كذلك الأولاد، راقبْهم جيداً. إنزعْ عنهم سلاحَ الإنحراف. إعملْ بوليس ألكتروني على أصدقائهم والمواقعِ التي يزورونها، وإلا سينحدرونَ في حَلَقةِ السّفالةِ التي لا تنتهي. حين تشاهدُ إبنتَكَ قد أغلقتْ على غرفتِها بالمفتاح ووضعتْ كلماتِ السرّ في تلفونِها، فتأكد أنها ستعرضُ اللحمَ الأبيض على خلقِ اللهِ جميعاً. سيراكَ الناسُ ويتهامسونَ عليك. كم مرة رأيتُ سيدةً مُحتشمةً وقورةً وبنتً ناس، وعلّق من يرافقني: فضحوها بصورٍ خلاعية، جسدُها المخفي تحتَ الثياب أبيض! حفظنا الله وحفظكم من غرائبِ هذا الزّمنِ الخسيس.
(اليوبيل الفضي)
بعضُ المشاهدين يتساءلُ عن سرّ غيابِ زوجتي وبناتي لفترةٍ طويلة. ماذا أفعل، ذهبوا للسّياحة في سويسرا وتركوني وحيداً. في السّابق، قبل الخدم والحشم، لا تُفارقني المدام أبداً. من يملأُ الفراشَ ومن يُغرّدُ في المطبخ إذا كانت بعيدةً عني؟ لكم أن تتصوروا ماذا يحدثُ في البيتِ بعد غيابها: مزبلة بكلّ ما تحملُهُ الكلمةُ من روائح. حالياً، لو غابتْ هي والبنات سنة، فإن الخادمة تسدُّ الشّاغر وتقومُ بالمطلوب. وهذا شيءٌ إيجابيّ وسلبيّ في الوقتِ نفسِه. إيجابيّ أنكَ تستمتعُ بوسائل الرّاحة والرّفاه؛ وسلبيّ أنهُ يفسّخُ العائلة. بالنسبةِ لي ولبناتي، نحن عائلةٌ متماسكةٌ جداً؛ بصرفِ النظرِ عن بعضِ الخصام. مصارينُ البطنِ تتقاتل. اليوم، جهّزتُ لكم مفاجئتين. الأولى: رجعت العائلة. (تدخل الزّوجة والبنات في صخب وضحك مبالغ فيه) والمفاجأة الثانية: يصادفُ الآن إيقاد الشّمعةِ الأولى للتواصل بيني وبينَكم. إنها ذكرى الحلقةِ الأولى، قبل 10 سنوات، من برنامجي: ترفكلايت!
(يهتف الجميع. تنطلق البالونات. تظهر كيكة الإحتفال. يخفت الضوء شيئاً فشيئاً ولا يبقى في المكان إلا إرتعاشة ضوء الشموع، التي تحوّل وجوههم إلى أشباح)
إنتهت
................
(من كتاب مونودراما سيصدر قريبا)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث