الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما كنا نحيا بالمسرح

فاضل خليل

2021 / 9 / 14
الادب والفن


الثابت تاريخيا في مسيرة المسرح العراقي أنهم أول من عرفوا ستانسلافسكي عن طريق القادمين من الدراسة في خارج العراق. اللذين نبهوا إلى دروسه في التمثيل والمسرح، وعرفوا الدارسين والعاملين في المسرح العراقي بنظامه [الطريقة كما يطلق عليه في العراق]. وذلك بعد عودتهم من البعثات الدراسية حاملين معهم دروس المخرجة والمربية الأمريكية سونيا مور: إحدى الأمريكيات الدارسات لفن المسرح على يد ستانسلافسكي _حسب الادعاء_ الذي لم يؤكده الروس حين عرفوا بطلاب ستانسلافسكي المهمين في وثائقهم وكتبهم. المهم إنهم عرفونا بستانسلافسكي وهو ما لمسناه بوضوح من خلال أعمالهم الإخراجية وعملهم مع طلابهم وممثليهم.
دربونا على الثقة بالتعامل الحياتي مع النص حين تتحول معانيه إلى واقع اجتماعي محلي ولايهم في ذلك أن يكون النص الذي يتم الاشتغال عليه محليا، عربيا، أو أجنبيا. اذكر جيدا يوم كنت طالبا كيف أن المعاني كانت تنطلق وفق تحويل الحوار من لغته العربية الفصحى إلى مرادفها بالمفهوم الشعبي المحلي المتداول في الحياة الاعتيادية لكي نبعده عن آليته التي تفرضها أحكام اللغة الفصحى، التي تقربه غالبا من الخطابة بما يثقل نطقه على الممثل وسماعه عند الجمهور، لتصبح لغة أخرى غريبة على السامع، بعيدة عن القبول، قريبة من الرطانة كما في اللغات البعيدة عن فهم المتفرج. فأصبحت اعمل قدر الإمكان في أن يكون إلقائي للجملة وكأنها ابنة الواقع العراقي، أجاهد كي أكون قريبا منها لتكون بالتالي قريبة من المتلقي. أن التعامل مع الحوار بهذه الطريقة سيسهل من مهمة وصولها إلى الناس. إن العناية البالغة بالمعاني المستترة في جمل النصوص مع تضمينها معاني أخرى تختلف عنها أو تحملها معاني أخرى غير معانيها، إنما ينطلق بذلك من الإيمان بالكلمة التي لاتحمل معناها المجرد وحسب، وإنما تخفي خلفها مجموعة كبيرة من المعاني القريبة والبعيدة عن معنى الكلمة أو الجملة المجرد. ولا مانع أن تحمل المعاني الجديدة استتارا لتلميحات، تتضمن الخبث أو التلميحات الجنسية أو السياسية. وهو ما يطلق عليه ستانسلافسكي اصطلاحا بـ [ما وراء الكلمة].
إن ميلنا الواضح للأدب والشعر جعلنا نهتم كثيرا بالتفسير والتحليل وإعادة التركيب بما يلائم تأويل المشهد المسرحي وفق قراءته الإبداعية التي نعمل على تجسيدها، ولم نكن لنستغني أبدا عن مناقشات [ الدائرة المستديرة ] التي يؤكد عليها كثيرا ستانسلافسكي، والتي بواسطتها يتم اكتشاف الكثير من الخافي على المخرجين وعلى فريق العمل، فينكشف الكثير من الغموض الذي يضبب رؤية المخرجين. كنا ندخل في ابسط التفاصيل الحياتية وأدقها في حياة المسرحية و الشخصيات وحياة الممثلين. وكنا بواسطتها كمن يعمل [ مقاصة= موازنة ] بين ما يحمله النص وما يريده المخرج وبين ما تحمله الشخصية وما يحمله الممثل من صفات خاصة ومزايا في مختلف الجوانب، الطبيعية، والاجتماعية. والنفسية، كنا نبقي على ما يتمتع به الاثنان [الممثل والدور] عبر التماهي بينهما، وكنا نزيل منها ما لا يتفق مع الدور. وبواسطة التمرين والتمرين المستمر، نتوصل إلى تقمص الصفات التي تمتلكها الشخصية [الدور] والتي ليست من صفاتنا الخاصة.
هذه الدقة المبالغ فيها أحيانا أوقعتنا و بعض الممثلين حين ألبستنا لبوس الشخصيات و[ تقمصها ] فلازمت البعض منا وجعلت من أدوارهم التالية [ كلائش ] للدور الذي اشتغلوه، فلم ترق جهودهم التي تلت إلى الإبداع الذي يطمحون إليه في المسرح.
إن الصفة التحليلية _ التركيبية جعلتنا نبتكر السبل في الاختيار والتنوع التي بواسطتها تمكنا من إيصال المعلومة بدقة. وأذكر يوما حين طلب منا، أن نقرأ بإمعان [سورة نوح] ليتسنى لنا شرحها وتفسيرها باعتبارها درسا هاما في كيفية العمل على كتابة سيناريو العرض المسرحي وحتى السينمائي. وفعلا قمنا بقراءتها واجبا عمليا و تمعنا بها جيدا، فوجدنا فيها درسا غاية في السهولة من حيث تسلسل الأحداث وما يصاحبها من تطور وتأزم وصولا إلى الذروة التي أعطيناها أهمية اكبر من بقية الأحداث الصغيرة المساعدة في الوصول إلى النتائج، وكانت في مقاييس النظام الستانسلافسكي ما يطلق عليها بـ [الهدف الأعلى]، ووفق منطق الأدب بـ [الذروة]. وكنا هنا قد قدمنا شكلا متقدما من أشكال الإدراك المنطقي في تسلسل الأحداث وتتاليها كما يتطلبه المسرح أو السينما ، لما تحمله من الوضوح الذي يقرب الفهم للدارسين والمهتمين بالفنون، وفي كيفية التعامل مع النصوص التي تحتاج إلى وضع السيناريو [ التسلسل المنطقي ] لها لأيماننا بأن المجربين هم أكثر الناس وعيا بالموروث. وحين بدأنا نفسر المواضيع وفق المواصفات الأكاديمية، من بدايتها أو وسطها كنا نلمس بأنها فعلا كانت تقدم التسلسل المطلوب في الإدراك [المنطقي، الذي يحمل التبرير، والهدف] في كافة ما حملته من صور ومعان وتفسيرات. من خلال تحليلها وتفكيكها ومن ثم في إعادة تركيبها. كنا نتعامل مع الأشياء على أنها الأنموذج ذو المستوى العالي، لما نسعى إليه في التعريف بالـ [ السكر بت ] أو [ السيناريو ] مسرحيا وسينمائيا. في البداية – وبحكم المشاكسة التي نحملها - لم نأخذ الأمور على محمل الجد كما يجب، حتى أواخر أيامنا حين فكرنا جيدا وبعد نضوج مبكر ومعذب، عندما أدركنا أهمية اللعبة، ورحنا نعيد التفكير بما قدمنا فوجدنا أننا كنا على حق وان المثل الذي احتذينا به كان يحمل معان كبيرة وسامية، تؤدي أغراضها بدقة ووضوح تام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع


.. سر اختفاء صلاح السعدني عن الوسط الفني قبل رحيله.. ووصيته الأ




.. ابن عم الفنان الراحل صلاح السعدني يروي كواليس حياة السعدني ف


.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على




.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا