الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيف القدس وتقنية الجيل الرابع 4G

عصمت منصور

2021 / 9 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


أثار اللقاء الذي عقده الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في رام الله، موجة من ردود الأفعال، سواء داخل اسرائيل وأقطاب حكومتها وسياسييها، من خلال محاولة التنصل منه وتفريغه من أي مضمون سياسي، وإضفاء الصفة الشكلية الإجرائية الأمنية عليه. أو على المستوى الفلسطيني، بين الهجوم الحاد على اللقاء وعلى خيارات السلطة، أو التقليل من أهميته وأهمية ما نتج عنه، وبين من اعتبره بداية انطلاق قاطرة الحل الاقتصادي وبدء تطبيق فكرة (تقليص الصراع)، أي جعل هذا الصراع غير مرئي للمواطن الفلسطيني العادي في حياته اليومية قدر الإمكان، وتقليل الاحتكاك بين المواطنين الفلسطينيين وسلطات الاحتلال، بإعطاء الفلسطينيين هامشا لإدارة حياتهم، من دون تدخلات إسرائيلية فجة أو ظاهرة، ضمن المناطق التي يسيطرون عليها.
غداة اللقاء نشر وزير الشؤون المدنية الفلسطيني حسين الشيخ، وهو عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح، والمسؤول عن إدارة الاتصالات مع سلطات الاحتلال الاسرائيلي عدة تغريدات، تحدث فيها عن (إنجازات) مرتقبة تمس حياة المواطنين مثل خدمة الجيل الرابع ( G4 ( للهواتف الذكية، ومعاملات لم الشمل، بالإضافة الى الموافقة (نظريا) على البناء في المناطق المصنفة (ج) التي تسيطر عليها إسرائيل أمنيا وإداريا في الضفة المحتلة.
التغير في السلوك والموقف الاسرائيلي، لا يعد جديدا ولا مفاجئا، خاصة أنه يتزامن مع حدثين مهمين هما تولّي حكومة اسرائيلية لا يقودها نتنياهو الذي تبنى سياسة تقوم على قاعدة إضعاف السلطة واستبدال الحل السياسي القائم على أساس مبدأ حل الدولتين بمشروع الضم والسلام الإقليمي القائم على المصالح المتبادلة ومواجهة الخطر الإيراني وليس مبدأ الأرض مقابل السلام، لأول مرة من 12عاما، ودخول رئيس امريكي ديمقراطي للبيت الأبيض، بديلا عن ترامب الذي تطابقت مواقفه مع نتنياهو بل وقف على يمينه.
التغييران المذكوران لم يكونا كافيين للوصول إلى هذه اللحظة التي يأتي فيها وزير دفاع الاحتلال الى رام الله ويقدم هذه (التسهيلات) لولا وقوع حدث آخر، شكل الصاعق الذي حركهما، ألا وهو معركة سيف القدس التي اندلعت في أيار/ مايو الماضي.
فهذه المعركة وما رافقها من مواجهات شاملة في الضفة بما فيها القدسن وفي الداخل المحتل عام 1948 وإلى جانب ما حققته من معادلات، كشفت وبشكل سافر عن مدى هشاشة السلطة، ودرجة الضعف التي وصلت اليها، ومدى انفصالها عن الشارع، وعدم قدرتها على إدارته (إلا من خلال العنف والقمع كما حدث ما بعد مقتل الناشط نزار بنات)، وأن شرعية هذه السلطة باتت تتآكل وتتراجع من الناحيتين القانونية والشعبية، بعد ان قررت بشكل منفرد ومخالف لمواقف معظم القوى والحراكات والقوائم الانتخابية، إلغاء الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في ذات الشهر الذي وقعت فيه معركة "سيف القدس"، وهو ما دفع الإدارة الامريكية الجديدة والمنظومة الأمنية في اسرائيل، إلى بحث سبل إنعاشها وتمكينها، في ضوء السيناريو المرعب المتمثل في انهيارها وعدم قدرتها على أداء وظيفتها، وحالة عدم الاستقرار التي قد تنجم عن ذلك.
في لقائهما الأول الذي خيم عليه شبح نتنياهو والخشية من عودته، عبّر الرئيس الامريكي جو بايدن المنشغل بمجموعة من الملفات الشائكة وأبرزها الملف الافغاني ومواجهة تفشي كورونا في الولايات المتحدة، فضلا عن الملف الايراني ، لضيفه الاسرائيلي، عن حرصه على استمرار حكومة نفتالي بينت- لابيد مع ما يساوره من قلق على مصير السلطة، ما يستدعي بذل ما أمكن من جهود، تحديدا في الجوانب الإنسانية والاقتصادية، من أجل تعزيز مكانتها وتقويتها دون تحميل الحكومة الاسرائيلية (ما لا طاقة لها به والمخاطرة بانهيارها).
بينت ورغم خلفيته الاستيطانية وتشدده، ولكونه يقود حكومة هشة، ومتناقضة، وغير مستقرة، وجد في الطرح الأمريكي خشبة خلاص، ليس لإنقاذ اللقاء الأول مع الرئيس الامريكي من خطر الفشل، بل ولاسترضاء تيار اليسار/ وسط في حكومته، وعدم الدخول في مواجهة مع جمهوره الأصلي(اليمين)، كما أن هذا الطرح يشكل نقطة التقاء لبناء ثقة تضعضعت بين دولة الاحتلال والإدارات الديمقراطية في عهد نتنياهو، على قاعدة تأجيل القضية الفلسطينية وإيلاء الأولوية القصوى للملف الايراني.
الضلع الثالث في هذه اللحظة التي تتقاطع فيها الرغبة الامريكية مع الإرادة الإسرائيلية، هو السلطة الفلسطينية، التي وعلى الرغم من عدم قناعتها بإمكانية تحصيل أي إنجاز سياسي من حكومة نفتالي بينت، اكتشفت هي الأخرى حجم العزلة التي تعيشها، وضيق هامش المناورة أمامها في ظل استمرار حالة الانقسام بين الضفة وغزة، وتعطيل او تأجيل الانتخابات التي كان يمكن لها من خلالها أن تجدد شرعيتها ودماءها. كل هذا مع أزمة مالية خانقة، وإدارة امريكية منشغلة عنها، بحيث لم يبق أمام هذه السلطة سوى استقبال غانتس وقبول (التسهيلات) التي ستمنحها بعض الأوكسجين، لكسب بعض الوقت أملا في أن تنجح في ترميم صورتها وقدرتها على الصمود.
ستدرك السلطة متأخرا ان الدخول في نفق (التسهيلات) انما يمنح الوقت لنفتالي بينت وليس لها، لأنه سيزيد من تهميش القضية الفلسطينية، ويبهّت حضورها كقضية سياسية، وسيفرض أمرا واقعا يصعب الفكاك منه.
ان محاولات إنعاش السلطة، مع تقزيم دورها ووظيفتها المبنية على أرضية رخوة، لن تصمد امام التصعيد القادم إذا ما اندلع مع غزة "وهو ما تلوح نذره في الأفق"، بالإضافة الى أنها ستعمق عزلة السلطة وتضعف أسس شرعيتها، لتستعيض عنها بالدعم والاسناد الخارجيين، وإبر التخدير وهو ما ينذر بكارثة وطنية شديدة الخطورة، يمكن تفاديها فقط من خلال العودة الى الشعب عبر الانتخابات ورأب الصدع الداخلي وتعزيز المقاومة الشعبية ضد الاحتلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام