الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في المفهوم الثابت لليساري و اليسار

حازم العظمة

2006 / 8 / 19
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


كثيراً ما يُمتدح في " المبادىء" الثبات .. ، و من هذا "الثبات "، رغم أن صنوفاً منه حتماً جميلة و نبيلة ، ما هو غبي و عنيد بلا طائل و يذكرك ببعض الجنود الذين رفضوا أن يقبلوا بهزيمة ما و اختبؤوا في الغابة و ظلوا يزيتون و يلمعون أسلحتهم القديمة مع أن تلك الحرب التي خاضوها كانت قد انتهت منذ عشرات سنين .. !

و ثمة من هم يساريون هكذا بسبب " الثبات " ، هذا النوع من الثبات ، و الأفكار التي يدافعون عنها غدت بالتقادم رجعية و متأخرة و هم بذلك يسيئون من حيث لا يقصدون إلى " اليسار" الذي ينافحون عنه

لا بد أن أشير ، من البداية ، إلى أن مفهوم " يسار " و " يمين" مثلها مثل الكثير من الكلمات و خاصة " الثنائيات" إن هي إلا مفاهيم نسبية و أنها تكون مفيدة طالما أنها تقدم " اختصاراً " ما أو " تركيزاً " لفكرة ما أو لموضوعة ما ، إلا أننا كثيراً ما نقع في حرفية الكلمات و ننسى معناها الأصلي و بالأحرى دلالاتها التاريخية الملموسة

ما كان يسارياً بالأمس قد يبقى يصر على أنه يساري اليوم ، فيما مفاهيمه تتآكل و التاريخ مضى أميالاً كثيرة بعيداً عن المكان الذي توقف عنده

و بالمقابل في العديد من الحالات لا يكون مفهوماً كيف أن اليسار و الموقف " اليساري " يتبدل في مرحلة ما و كيف أن "خطوط التماس" بين اليسار و اليمين تتداخل ، و لكنها ، هذه الخطوط ، بطبيعتها متبدلة

من البديهي أن أنظمة معينة و أحزاباً معينة تبقى دائماً " يمينية" من كل وجهة نظر و من كل زاوية شئت أن تنظر إليها ، نظام النازية و الفكر النازي مثلاً ( بالمناسبة حزب هذا النظام كان يسمي نفسه بـ القومي الإشتراكي .. )

نظام النازية الألمانية هذا انتهى ، و هكذا أيضاً انتهى نظام العنصرية -الأبارتيد – في جنوب أفريقيا ، على الأقل تفكك كبنية سياسية معلنة و مكرسة

كذلك الحركة الصهيونية التي نشأت من الفكر العنصري و الإستيطاني المستمد من كولونيالية القرن التاسع عشر ، نشأت من اليمين و ستبقى كذلك إلى أن تنتهي و تصبح جزء ً من التاريخ ، من تاريخ الكولونيالية الفاشية و العنصرية الأشد إظلاماً *

أنظمة الإستبداد و الإستعباد و الإستغلال و تقسيم النوع البشري إلى " مهيمنين " و " مهيمن عليهم" إلى بشر من طبقة أولى " و بشر من " طبقة ثانية " أو "عاشرة " إلى مواطنين من درجة " أولى" و غيرهم من درجة " صفر" ... ، الأنظمة التي تقوم على جلد الشعوب و خنق الفكر و الرأي لن تكون في يوم من الأيام أنظمة " تقدمية " مهما تزينت بالكلمات و النعوت و الإدعاءات ، منظومات سياسية و فكرية كهذه لن تكون " يسارية " في يوم ما و لن تجد لها مهما جهدت في أن تبحث لها عن" لون" يساري ما

نظام عبد الناصر في المنطقة العربية هو الذي بدأ أول من بدأ بالتأسيس لأنظمة المخابرات و السجون من الطراز " القومي" و تبعته في ذلك الأنظمة " البعثية" و هو خلال ذلك كله كان نظاماً إستبدادياً و نزلاء سجونه كانوا عموماً من كافة الآراء و الإتجاهات ، إلا أن معظمهم كانوا من الشيوعيين و من اليسار ، هذا النظام لا بد أن تصنفه ، في المحصلة العامة ( إن كان هذا التصنيف ضرورياً ) من اليمين ..

إلا أن موقف عبد الناصر حين أمم قناة السويس كان موقفاً يسارياً ، ربما أهم ما حدث لمصر في تاريخها الحديث ، و لكن هذا لا يعطي لعبد الناصر صفة " يساري" إلى الأبد ، هذا الموقف المحدد أعطاه هذه الصفة بصورة عابرة في هذه اللحظة و لم يعطه إياها إلى ما بعدها بالضرورة


أحياناً في حركة ما ، في اتجاه ما ثمة عناصر يسارية و يمينية على مستوى الفكر تتداخل ، المنظمات اليسارية التي بعضها ينشر هنا في " الحوار المتمدن " ، مثلاً ، ربما أتفق معها في رأي ما أو أعارضها ... في أشياء عديدة و لكن ما يلفتني شخصياً أن لها رموزاً صنمية
أعني صور ماركس و لينين و ماوتسي تونغ أحياناً و أحياناً تروتسكي أو – بالعكس- ستالين ، هذه الصور و الرايات التي تستخدمها كرموز أو ( لوغو) ...
كيف يمكن أن تكون يسارياً و ثورياً و تدعو إلى الصنمية و لك " بطاركة" و "آباء" و " شيوخ" ... ،

في هذه الحالة " الصنمية" هذه تنتمي إلى موقف " يميني " في الفكر ، ماركس نفسه ربما أنه من أبرز من انتقد بلا هوادة الصنمية و الجمود و الأفكار الثابتة و " الآباء" و " المرشدين" و " الأنبياء "

مفهوم اليسار نفسه يتبدل ، لم يعد مقبولاً ، ربما لم يكن مقبولاً في يوم ما ، مفهوم " اليسار الإستبدادي" ... !!! و مفهوم " ديكتاتورية البروليتاريا " غدا من التاريخ

اليسار المعاصر في العالم ، الذي ينهض من جديد قوياً و نضراً ، يصر على أن الديموقراطية مفهوم أصيل في كل فكر يساري ، اليسار العالمي الآن يستمد من الأفكار الأصلية لـ"ماركس" جذوة الحرية ، و أفكاره التي تتحدث عن " إلغاء الدولة " و مفهوم أن الدولة – كل دولة – أداة للإستبداد ، اليسار العالمي تخلص من إرث الإستبداد الستاليني ، انتهى اليسار من تركة و عقدة الإستبداد الستاليني و أتم تصفيتها

اليسار من طبيعته التبدل و التطور و الذهاب إلى الأمام ، ما كان " تقدمياً " بالأمس يمكن أن يغدو اليوم أو غداً " رجعياً " و متأخراً ، ما كان في العلم " إكتشافاً " يصبح و أحياناً خلال سنين قليلة عائقاً و " فكرة ثابتة" تخنق و تئد أي تقدم جديد

في الكثير من الأحيان الخطوط ، بين يسار و يمين ، تتداخل ... ، كيف لنا أن نفسر أو أن نفهم أن الشيوعيين العراقيين ، بعض هؤلاء على الأقل ، يؤيدون بالفعل بقاء الإحتلال الأمريكي ...

و كيف نفهم أن اليسار في العالم كله وقف ضد الإحتلال الأمريكي ، و في نفس الوقت ، و بدون أي لبس ، أدان و ندد بنظام صدام الفاشي ، فيما "اليسار " العراقي أيد هذا الإحتلال ، و ما يزال ...

ربما أفهم الشيوعيين العراقيين ، في أنه ما كان من مخرج أمامهم و أمام العراق ، في حينه ، إلا أن يؤيدوا هذا الإحتلال - " التحرير" ، و لكن الآن فيما أصبح مرئياً لكل ذي عقل و لكل ذي بصيرة كيف أن هذا الإحتلال –" التحرير" طالما استمر لن يأتي للعراق إلا بالقتل الطائفي و التقسيم و الطائفي و الإثني ، و خاصة أنه ما يزال يأتي للعراق بأسفل أنواع المتأسلمين و المتمذهبين و اللصوص و المافيات و الإقطاعيات الإثنية و الطائفية ...
و أنه عن سابق تصميم يردّ العراق فعلاً إلى القرون الوسطى و يغرقه في المذابح و القتل ..
ما لا أفهمه أنه بعد هذا كله الآن الشيوعيون العراقيون ما زالوا يترددون في موقفهم من هذا الإحتلال و ما زالوا " يبحثون" في " فوائده" المحتملة ...

هل نستنتج من هذا أن الحزب الشيوعي العراقي " يميني" ...

و كيف لي أن أفهم ، و كيف لنا أن نفهم ، أن " إسلاميين " مثل المقاومة الوطنية اللبنانية يصبحون ، في هذه اللحظة على الأقل ، من اليسار .. ، العربي و العالمي .. و أن هذه المقاومة الآن تجد نفسها و يجدها العالم في مقدمة الجبهة المعادية للنظام الإمبراطوري الأمريكي ، و فرعه الإسرائيلي و هي هكذا في اليسار ...

و كيف لنا أن نفهم أن نظاماً يساريا ً مثل النظام الفنزويلي يسحب سفيره في تل أبيب ، تأييداً للمقاومة اللبنانية فيما " يساريون رسميون" عرب ينددون بـ "حزب الله" و بالمقاومة ...




* ربما أن بعض النظريين في الأربعينات و الخمسينات وجدوا لإسرائيل صفة يسارية ما قبل و أثناء إنشائها ، و من وجهات نظر ، بكل تأكيد ، استشراقية و مليئة بنظرة متعالية على العرب متأثرة بـ " إشتراكية" الكيبوتزات الإسرائيلية و التي انكشفت سريعأ بعد إنشائها عن نموذج كلاسيكي للكولونيالية في نسختها اليهودية و العنصرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا


.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2




.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع


.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم




.. كلمات ادريس الراضي وخديجة الهلالي وعبد الإله بن عبد السلام.