الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشتعال -الجزء الأخير -

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 9 / 16
الادب والفن


أما عن وصمة التوحد وفرط الحركة في بلادنا ، فقد أعلنت السويد قبل أيام أنه سوف يقبلون في البوليس .
لا شيء غير طبيعي هنا، وكل شيء مستهجن في بلادي . أحاول أن أعوّد ذهني على القبول بالواقع، لكن هل أستطيع؟ هنا هو السّؤال .
هنا في بيتي بداية الكون . الشعور بالبدء، كأنّ الحياة كانت نائمة، وربما مسافرة .
في بيتي يرقص الأشباح عندما أتوعّك ، يجعلونني في حال أفضل، لا أحد رقيب علي . سوف تكون تلك الأحداث التي مرّت معي محطّة ليس بالضرورة أن تسجّل حضوراً في حياتي ، فأنا سريعة التأقلم في الأماكن شريطة أن يكون لديّ أربعة جدران وسقف . يمكنني أن أغلق باب بيتي، و أحضِر العالم إليّ.
ولكن! آخ . . .
لم ينته الأمر . . . قد لا ينته
لا زالت آثار الحريق تتعبني
فإذا كان ظهري من الخارج بلون الفحم . كيف سوف يكون من الدّاخل؟
أرغب أن ألتحف على الصوفا في المطبخ، و أمامي الكمبيوتر، وفنجان القهوة الذي لا أشربه على الأغلب ، أنزل الطاقية على عيني ، و أضع على إذاعة البي بي سي على الكمبيوتر الذي وضعته على طاولة مربعة تكاد تقع من كثرة ما لعب فوقها أحفادي ، فهي المكان المفضل لهم ليقفوا فوقها، ويتفرجوا على الشارع .
في الماضي كنت أجلس هنا بعد الرابعة صباحاً ، وتأخذني غفوة لذيذة. الغفوات القصيرة الممتعة رحلت إلى غير رجعة، أستيقظ من الغفوة اليوم ، وكأنني كنت في معركة.
كان لي لقاء مع الطبيب قبل عودتي ، وكالعادة قال لي بعد أن أنهى حديثه: هل لديك أسئلة ؟ ابتسمت ، و أنا أعرف أنّه لن يزيد على ما قاله ، بل سوف يعيده . لقد قال لي : انتهى علاجك هنا الآن. لا أعرف نتيجة العلاج ، سوف يجرون لك التقييم ، و التقييم يعني عملية تعذيب جديدة بدءاً من الرنين المغناطيسي ، و انتهاء بالطبيب الأساسي ، وبعد ثلاثة أشهر سوف يكون تقييم نتيجة العلاج ، يبدو أنهم لن يستطيعوا تقديم علاج جديد ضمن فترة زمنية معينة .
مضى تقريباً عام و أنا أروح و أجيء إلى هذا المستشفى وذاك. حفظت الطّريق .يقع بيتي على حدود الحبّ، و الاستقلال ، أتفقد الشرفة ، أشعر أنّ الحياة مقيمة مع النّسيم ، هو في الحقيقة لا يوجد نسيم فكل شيء هادئ، لكنّ الجوّ يميل إلى البرودة التي أحبها.
كلما ضاق عليّ المكان سوف أغيّره حتى لو كان هذا المكان الذي يدفئني الآن .
هذا الكون الواسع هو لنا جميعاً ، وحتى لو منعنا من استعماله بحرية، فسوف نجد وسيلة نستطيع من خلالها نتجاوز الحظر.
تقول لي ابنتي في كندا . . أصابني الملل
تجاوزت عياري في المكان
فأنا ملولة ، لي زمن، بعدها يبدأ المارد يسحبني
ما رأيك في أمريكا؟
-لا أعرفها إلا من خلال النت.
-أعرف نيويورك . أزورها كل عام ، وأشتري ثيابنا منها . تعلّق قلبي بها.
-يبدو أنّك بطرت . الناس تموت من الجوع في سورية ، و أنت لم تعد كندا ترضيك.
-لم أقل ذلك. قلت فقط أحبّ التغيير ، لكن كأنّك نسيت ما أصابنا في سورية. ألم نعش نفس المعاناة ؟ لقد كان الجميع يتجشأ عندما نلتقي به.
ألا تذكرين أننا غادرنا منذ زمن طويل . لم نأخذ موقعنا ، لكن ليس هذا السبب الذي غادرنا من أجله . لقد غادرنا عندما حاربتنا المعارضة الحالية التي كانت حليفة السلطة في ذلك الوقت.
-أغلقي على الموضوع. لا تعيديني إلى كوابيسي . كان الأنذال أبطالاً في كل مراحل الحياة التي مرّرت بها . يمكنني أن أعدّهم بالأسماء، لكنني أفضّل تجاهلهم ، فالماضي مضى .
-كيف تجدين نفسك؟
-ممتازة!
-يالك من كذّابة!
-و أنت قليلة أدب .
-هناك مطعم شاورما فتح قريباً من منزلي . عندما تأتين سوف نذهب لنأكل به. و سوف نذهب إلى نيويورك لثلاثة أيام نحجز بالفندق، وسوف نذهب إلى مطعم أورشليم لنحضر حفلة عربية ، و سوف. . .
قد تكون تعدّ ذلك من أجلي ، لكن في الحقيقة هذا هو طبعها، تحبّ السفر معي، أو بدوني ، وتبتكر المناسبات كي تذهب إلى المطعم، ثم تقول لي : أدفع للمطعم من أجل أن يشعر أولادي أننا لا ننتمي إلى الفقر.
لا زلت ملتحفة تحدثني ابنتي و أحفادي ، فالوقت مبكر عندي ، ومتأخر عندهم.
لا أستطيع التخلي عن متعة التلّحف الآن، لكن في الثامنة سوف أذهب إلى السوبر ماركت القريب لأتسوق .
سوف أضع موسيقى ، و أستسلم للدفء ، لا أحب سماع الأغنيات في الصباح ، ربما لم أتعود على فيروز، ولا تمثّل لي الكثير ، و لماذا تمثّل لي هي أو غيرها ؟ هل الموضوع طقوس عبادة؟
أحياناً أحاول الابتعاد عن قراءة وسماع العظماء
لدّي شكّ!
كيف ، متى ، لعلّ . . .
أخشى أن أقرأ الحقيقة فألوم نفسي لأنني بجلتهم.
ربما ليس هذا ، ولا ذاك ، فأنا لا أحب الانتماء إلا إلى نفسي.
لن أعكّر مزاج الصّباح بالغناء ، فجوقة الطيور ، و البرودة المتسربة من الخارج ، وفنجان قهوتي البارد ، ومطبخي جميعهم أغنية تملآ عالمي بموسيقا لا تنتمي إلى الأسماء . إنّني الآن في الجنّة، و الجنّة هي منزلي ، وفي هذه اللحظة هي الصوفا التي أتمدد عليها ملتحفة، و النافذة المفتوحة التي ترسل لي إيحاءاتها من الطبيعة، تحمسني على الحياة .
لا شيء يمنع الإنسان أن يعيش حياته حتى المرض. خلال رحلتي لمدة عام مع السرطان اكتشفت أنّه مرض مؤلم كبقية الأمراض ، ومرض مزمن أيضاً ، فقد يعاودك حتى لو شفيت منه . قرأت بعض القصص التي كتبها مرضى، بعضهم كان في المرحلة الأخيرة، وشفي فجأة . لا زال هناك بعض الأنواع من المرض مستعصية ، لكن الاكتشافات العلمية تضعها أمام الحل.
عندما تم تشخيصي بالسرطان كان في المرحلة الثالثة، وقطر الورم 8 سم أي أنه كبير جداً ، امتد إلى الرئتين ، ومع العلاج الكيماوي اختفى الورم من الرئتين ، ونقص في عنق الرحم ، ثم بدأ في النمو ثانية ، وكانت جلسات الأشعة .
في لقائي الأول مع طبيب الأشعة قال لي: " أتمنى لك الشفاء، لكنّني سوف أقول لك أنه في هذه المرحلة قد لا يختفي الورم، ولا نعرف مدى تجاوبه مع الأشعة ، لكن من المؤكد أننا سوف نعمل على تحسين حياتك ، وتخفيف الورم قدر الإمكان ، ثم متابعته ، كي نسيطر عليه . " طبعاً هناك أنواع أخرى من العلاج كالعلاج المناعي ، لكن حتى الآن لم يتم تحويلي له.
أعرف مكان الورم و ألمسه أحياناً. لا زال يعانقني ، لكن بطريقة أقل ، وربما تصبح حياتي أفضل . تلك الرحلة السياحية في العلاج جعلتني أغير مفاهيمي في الحياة، أقول أنها رحلة سياحيّة لآنني كنت الطّرف الذي لا يقود الرحلة ، فهمت من خلال ذلك أنه مادام هناك من يقود رحلتي أن الموت ليس بهذا السّوء أيضاً .
أهم الأشياء التي فهمتها في رحلة العلاج هي موضوع التعاطف الإنساني، و معنى المهنة الإنسانيّة، فعندما تقابلك جميع الممرضات اللواتي يشرفن عليك بنفس كلمات التعاطف ، وعندما يجيبك الأطباء بصدق عن حالتك بطريقة غير مخيفة تعلم أنّ هذا الموضوع ليس موقفاً شخصياً بل هو علم ودراسة تعلموه ، وهم مرغمون على تطبيقه لدرجة أنّه أصبح عادة، هنا لا يوجد طبيب إنساني و آخر جشع ، فمرتب الطبيب عال جداً . حتى الطبيب الذي أساء تشخيص مرضي ، و اتهمته عندما طلبوا مني الحديث عن عدم اهتمامه بالأمر كان إنسانياً في تعامله ، وعندما سئلت قلت لهم: لأنني امرأة، ولآنني غير سويدية، ولأنني كبيرة بالسّن فإنّه لم يعاين بشكل دقيق مع أنني شرحت له، والجميع هنا يعاني من طبيب العائلة، لكنني لم أقم دعوى عليه، تحمس ابني لإقامة دعوى ، قلت له: هل سوف أشفى لو أقمتها؟ قال: لا . قلت لا أرغب بذلك .
التعاطف الإنساني هو علم، و المهنة الإنسانية لا تعني أن يعاينك الطبيب مجاناً فهو يتقاضى مرتباً ضخماً، وقد يعاين في اليوم ثلاثة مرضى مثلاً، لكن المهنة نفسها تخدم الإنسانية . كم كنت عاطفية لا أفرق بين العلم و المشاعر!
العالم اليوم يهتم بالذكاء العاطفي ، وهذا يعني أنّ الأداء المدرسي قد لا يكون مرتبطاً بأداء اجتماعي جيد، أو العكس ، فلكل شخص مسار حياة يقرّره بعد تجربة مسارات كثيرة حيث أصبح الإنسان يعمل على شخصه منذ الطفولة إذا كان محاطاً برعاية عائلية ، و الرعاية العائلية تعني الذكاء العاطفي أي اهتمام الآباء بأبنائهم بشكل يومي ، و تسجيلهم في نشاطات تقضي على فراغهم ، و النشاطات متنوعة ، وقد رأيت عندما كنت مع ابنتي في كندا كيف كان الأهل ينتظرون أولادهم ساعة كاملة حتى يخرجوا من درس " الكاديت" وهو نشاط ، وقد استطاعت حفيدتي تعلم قيادة الطائرة مجاناً من خلال هذا النشاط، ونالت الحزام الأسود في الكارتيه، وبطلة سباحة، هذا كله قبل الثانوية، أما بعد الثانوية فمطلوب منك أن تقوم على مشاريع تثبت نجوميتك، وتحافظ على هذه النجومية، وهي تقوم بتلك المشاريع، لم تعد بحاجة لمساعدة العائلة حتى مادياً ، و أنا أتي بمثل حفيدتي ليس من أجل التفاخر، مع أنه أمر طبيعي، لكنني كوني مصاحبة لما تفعله ، و آخر مافعلته أنها اشترت من حسابها الشخصي كمبيوتراً لأخيها الذي حرق كمبيوتره لسبب ما. هي لا زالت في السنين الأولى من الجامعة، لكن لديها دخل جيد من العمل.
قوانين العالم الحالي في الغرب ، ووسط هذا التنافس القوي في كل الأشياء هو أنه عليك أن تأخذ القرارات الصحيحة في سنّ مبكر ، و إلا خسرت كل شيء ، و القرار الصحيح يحتاج إلى ذكاء عاطفي.
أحياناً أضع نفسي على مقياس الذكاء العاطفي فأنال صفراً . كنت متفوّقة في الدراسة ، لكنّني لم اتّخذ القرار الصّحيح في العشرين، وهي السن الحاسمة، أو أتحدث عن الموضوع بطريقة أخرى: عشت في مجتمع تعادل فيه الفتاة الدّابة. الكثير سوف يعترض، لكنني أعرف بنات جيلي ، وربما الوضع هو أفضل من اليوم على كل الأصعدة، فقد كنا نثور على وضعنا بطرق خاطئة .
أحمّل نفسي مسؤولية الفشل في أيّ أمر ، فأنا لست مع نظرية المؤامرة ،لكنّني أحمّل نفسي مسؤليتي عن تطبيع ذهني وفق قيم المجتمع، و الصراع الداخلي الذي مرّرت به . كان الأمر بسيطاً : إن كنت تعاني من المكان ، وتستطيع مغادرته غادر بأسرع وقت، وهذا ماحدث معي فقد عانيت، وكنت أستطيع المغادرة ، فقد عرضت علي الدراسة الحزبية عدة مرات ، لكنّني لم أكن أؤمن بها ، كان عليّ أن أقبل ، وهذا ليس انتهازية، فقد كنت منهم ، وهي ليست منحة بل دراسة حزبية ، لو قبلت لاختصرت الكثير من المعاناة لأنّ موسكو رغم أنها ترزح تحت الدكتاتورية، لكنها أوروبية، الكثير ذهبوا إلى موسكو ، ثم أوروبا ، و لم يعودوا لا أتحدث كنوع من الندم، فأنا لا أندم على أمر في مسيرة حياتي .
أما الموت من أجل الوطن فقضية أخرى ، فإلى وقت قريب كنت أؤمن أنّه لا بأس أن يموت الإنسان من أجل الوطن، وعندما حاولت تحليل النّص تبين أنّه لا شيء يستحق الموت، و إذا كنت حرّة في اختياره ، فليس من حقي أن أخضع أولادي للتجربة ، ثم اكتشفت أن من ينادون بالقضية هم الأغنياء، و من يتبناها هم الفقراء ، و الحروب هي لمصلحة الأغنياء دائماً، أو بكلمة مختصرة : لأصحاب المال و السّلطة، الكرة الأرضية هي وطن صغير بالنسبة لهذا العالم الواسع.
لا أحمل اليوم هم قضيّة ما ، فقط قضيتي مع المرّض لقد تحرّرت من فكري نعم حرّرني المرض ، وحرّرتني تلك الرّحلة السياحية مع المرض . كانت مدرسة غيّرت في تفكيري ، لدرجة أنّني قد لا أعرف نفسي لو قابلتها قبل المرض.
تكتب الصحف السويدية الشهيرة اليوم عن " العنصرية" ، وكما نعلم أن في الصحافة تنافس أيضاً ، و للمقال شيء من المصداقية ، لكن هناك وجه آخر له. لا شكّ أن العنصرية ، وكره المختلف موجود في كل الأزمنة و الأمكنة ، لكن القانون هو الحكم . أرسل لي المستشفى استبياناً طلب فيه أن أجيب على أسئلة، ومن بين الأسئلة : هل شعرت بالعنصرية؟ هل أعطاك الطبيب الاهتمام ، و أجاب على جميع أسئلتك؟ هل كانت الممرضات متعونات ، ومتعاطفات؟ مئة سؤال كان على المريض أن يجيب عليها، وهي تؤخذ على محمل الجدّ. لماذا أهتم بآراء أشخاص مادام القانون ينصفني؟
. . .
بعد ثلاثة أشهر من نهاية العلاج الإشعاعي بدأت أشعر أن هناك بدء في التحسن في أمعائي ، التي كنت أشكو منها على مدى أعوام. الورم ليس في الأمعاء لكنه في عنق الرحم وقد تأثر به الكولون . لغة الجسد هي التي تحدّد مدى تعافيك، ولغة جسدي اليوم تقول بأنني أحسن حالاً من قبل عشر سنوات حيث بدأ المرض دون أن أدري . لا زلت أتناول المهدئات ، لكنني نمت اليوم ست ساعات متقطعة، وكنت في كلّ ساعتين أعود للنوم بعمق ، وهذا حدث جديد .
عندما يبدأ الجسم في التّعافي يفضح عن نفسه ، تقوم بأعمالك اليزمية بنفس مفتوحة، رغم أن السرطان لم ينته ، لكنه أصبح صغيراً ، و تأثيره ليس كبيراً .
لست سعيدة لأنني لم أمت ، بل لأنّ الألم أصبح أقل ، أستطيع أن أقوم بجميع أعمالي الطبيعية ، وهو شيء جيد بالنسبة لي .
أسوأ ما في المرض هو الانتظار ، و أسوأ مافي الانتظار هو انتظار الأحبة .
الحياة مستمرة ، وكلّ مشغول بحياته . لا تتوقع التّعاطف سوى ببعض الدّموع. أنت مريض لا تحتاج دموع أحد . لا تحتاج أن يجلس قربك أحد ، كأنّه جالس على جمر، وقد ترك وراءه مصالحه .
فكرت في إجابا ت على أسئلتي في خلال مرضي. كان الجواب الشامل بأنني لن أعتب على أحد، سوف أتماسك حتى لحظة أفقد بها كل شيئ ، فأستسلم .
اليوم أشعر بالحاجة للبكاء كالعادة . حاجتي له كحاجتي في العودة إلى الشباب وتصحيح مساري.
لم أهتم يوماً أن يخلّد اسمي بعد الموت
رغبت دائماً أن أعيش الحياة
في كلّ مرة يكون هناك شخص يقف لي بالمرصاد
شخص يستحوذ على طاقتي
شخص يبكيني ، ولا أستطيع العتاب
شخص ينتهك كرامتي، فأجثو على قدميه كي يستمر
ما أنا سوى ذلك الكائن المهزوم
أقف كحائط في وجه نوائب الزمان كي لا تعبر لهم
لو كان الأمر بيدي لا شتريت لهم السعادة
لا أتحدّث عن غريزة الأمومة ، بل عن العطاء
العالم بخيل ، و أنا أنتظر بين الحفر تكريماً
. . .
أشعر بالعجز رغم الشّعور بالتّعافي
عجزي عن أعبّر عن نفسي ، وعن وجود شخص أعبّر له دون أن يقذفني بحذاء .
عجزي أن أحتفل بنفسي بعد النجاة
ماذا لو عاد السرطان؟
هو لم ينته حتى يعود ، هو جاهز للنهوض ، لا أعرف إن كنت سوف أمنحه الدّعم ، أو أمنع عنه الوقود. العذر فيّ أنا. قلبي المضطرب أبداً زادت دقاته ، ولهب يحرقني ، يأس ، قلة حيلة .
لكنّني لا زلت على قيد الحياة

كيف سوف أكون غداً ؟ لا أدري ! كل شيء برسم الأيّام .
لم أكن أدرك أنّني لم أفهمني إلى أن حلّت الكارثة ، عندما تمّ الكشف عن إصابتي بما يدعى المرض الخبيث لم أكن مبالية كثيراً ، فلا زال الألم كامناً ، و أنا بطبعي أخشى الألم ولا أخشى الموت . نظرت إليّ في المرآة . لا زلت أعرف نفسي حتى الآن ، بل ربما لم أتغيّر كثيراً بفعل الزمان . ماذا لو ولدت من جديد ، و أتيحت لي حياة أخرى ؟ كنت في الماضي أقول أنني سوف أختار حياتي ، فقد كانت تناسبني ، لكنني اليوم أقول بأنني لن أختار نفس الحياة .
خلقت كي أعيش ، وليس من أجل أن أكون مثلاً في التضحية ، و العطاء . لو ولدت ثانية لما عملت بنفس الحماس ، بل ربما لما عملت إلا في المنزل ، فليست الوظيفة شيئاً جميلاً ، المنزل مملكة كاملة شريطة أن يكون هناك أسرة حقيقيّة ورجل يحمل العبء المادّي . هناك ألف وسيلة للترويح عن الذّات بل حتى للتّطور لو كان الوضع العائلي مريحاً . عمل المرأة لا يحقق المساواة بل يزيد الغبن في بلادنا . لم أكن أعيش في الغرب ، بل في سورية حيث لا حقوق للمرأة حتى في القانون .
لو قدّر لي أن أولد من جديد لما قبلت بفكرة سوف نكافح معاً ، وفكرة الحب يعمل المستحيل ، فما رأيت حباً عمل حتى الممكن . فلتكافح أنت ، و أكون أنا مركز العائلة أعطي المشورة ، أتشدّد في التنفيذ .
أو لو قدر لي أن أولد ثانية لهربت من البيئة، من الطائفة، ومن الوطن . في داخلي رفض لما كنت عليه . المرآة تقول لي أنه ليس ما جرى كان هو الخيار. . .
لم أكن مشغولة بالمرض قدر انشغالي بمن كنت، ولماذا كنت كذلك. السّرطان مرض صديق إن صادقته، أو داء مزمن ، و أنا بيئة خصبة للداء من أي نوع كان.
ليس مهماً كم أعيش ، المهم هو كيف أعيش ؟
أذهب إلى تسوّق الطّعام ، أتعامل مع الموضوع، كأن لي أطفالاً عليّ أن أوفر لهم ، فعندما أشتهي الفطر الذهبي مثلاً لا أنظر إلا إلى السّعر فأحيد نظري ، أشتري الفطر العادي . لا أعرف أحياناً لماذا أوفّر ، و لدي دخل يكفيني، بل إن باستطاعتي أن أحصل على دخل كبير ، لكنّه قرار داخلي بأنني لن أكتب في الصحف و المواقع الألكترونية ، والتي كنت أحصل منها على دخل يعيل أسرة ، و ربما أردت أن أجرّب الحسم في القرار . هناك آلاف الطرق لتحصيل المال ، ومنها اليوتيوب ، وليس الأمر مستحيلاً ، لكنّه قرار داخلي.
أعود إلى السّرطان . ذلك الضيف المزعج ، لكنّه صديق. بكيت كثيراً خلال رحلة علاجي ، لم أكن أبكي المرض . كنت أبكي الإنسان في داخلي الذي تنازل طوعاً عن أشياء يحبّها من أجل العطاء، عندما أعطيت لم أكن أنتظر العرفان بالجميل ، بالعكس تماماً ، فهناك بعض أنواع العرفان بالجميل تشوّه ذلك العطاء .
اليوم وقتي مليء ، بل إن اليوم لا يكفي لجميع مشاريعي ، أصبحت أكثر حريّة ، فكّرت ببداية جديدة ليس للمرض فيها ذكر حتى لو استوطن فيّ.
أرغب أن أبدأ اليوم دون تأجيل
لست في أرزل العمر ، فمصطح الأرزل هذا لا يعجبني
لا زلت ضمن الزّمن ، لا زال ذهني يضيء
لدي الكثير لأفعله ، لآقوله ، لا زال لدّي أجمل الأقوال
في الغد سوف أغنّي للقمر
سوف أشرب قهوتي على ضفاف الشمس
في الغد سوف يصارحني حبيب
نلتف على بعضنا كا الأفاعي على شاطئ بحر بعيد
صوت أمواج البحر يطربنا
تحسدنا الحيتان، و النوارس
في الغد سوف نسرد حكايتنا في الحبّ
نركب قارباً بلا ربان
يقودنا الموج ، يختفي القارب
تبقى آثارنا على ذلك الشاطئ البعيد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أستاذة نادية
ماجدة منصور ( 2021 / 9 / 16 - 08:38 )
أسعدني إشتعالك
لندع الإشتعال يحرقنا و ينثر رمادنا كي نخلق من جديد...لكن ليس في سوريا بل في مكان آخر لا يشبهها.0
ستنصرين على السرطان و ستعيشين عمرا أجمل و ستكتبين كثيرا و سنقرأك دائما فمثلك شعلة لا تنطفئ.0
شكرا لك


2 - السيدة الفاضلة نادية خلوف
بارباروسا آكيم ( 2021 / 9 / 16 - 13:10 )
السيدة الفاضلة نادية خلوف
لقد أَحزنتني سلسلتك حقاً
و لكن نصيحة من محب
لا تدعي الأوجاع تتغلب عليكي


أتمنى لك الشفاء العاجل و دوام الصحة
و أن تكوني العام المقبل بأفضل حال
تحياتي و تقديري وقبلاتي سيدتي الفاضلة


3 - تحية لك ماجدة
نادية خلوف ( 2021 / 9 / 16 - 14:55 )
سوف نشتعل دائماً في كل الأمكنة كي يشتعل الزهر . محبتي واحترامي


4 - شكرا لتعاطفك
نادية خلوف ( 2021 / 9 / 16 - 15:02 )
تحية لك بارباروسا . سوف أسمع نصيحتك و أنسى .. أنا ضعيفة أمام مشاعرك الجميلة . كل الحب و التقدير


5 - السيدة المبدعة نادية
عبد الفادي ( 2021 / 9 / 16 - 16:56 )
حتى وأنتِ تعانين من المرض لكن لا تزالين تتربعين على عرش الأبداع في التعبير والكتابة وهذا يدل على قوة الأرادة والعزيمة وستظلين كالشجرة الشامخة التي تقف بوجه الريح ، استمري في الوقوف ضد المرض ايتها المعلمة الفاضلة فكثيرين هزموه وانتصروا عليه بقوة ارادتهم وعدم الأستسلام . لكِ مني باقة ورد وتمنياتي لكِ بالشفاه العاجل فأنتِ من قلتِ هذه الكلمات الجميلة: (أحبّ الطبيعة المكتظة بالبشر، بالحيوانات، بالطيور، و الأشجار) فتشبثي بالحياة ولا تستسلمي فالطبيعة تناديك بكل طيورها الجميلة وكل المعجبين بكتاباتك


6 - تحية لك
نادية خلوف ( 2021 / 9 / 17 - 22:23 )
تحية لك أستا1 عبد الفادي . أعتز أنك تقرأ لي. كل الحب و الاحترام

اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع