الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين الخيال العلمي العربي؟

زياد عبد المنعم عبيد

2021 / 9 / 16
الادب والفن


ظللت أبحث في طيات الثقافة العربية وإبداعات المثقفين العرب عن عمل أدبي مستوحى من العلوم على وزن قصص "رحلة إلى باطن الأرض" أو "عشرين ألف فرسخ تحت البحر" للكاتب الفرنسي الشهير "جول فيرن". وقد لاحظت اختفاء هذا المكون (الخيال العلمي) من الأدب العربي علي مدار قرون طويلة لم أجد فيها ما يشبع الخيال سوى كتابات "ألف ليلة وليلة" الرائعة وما أحاطها من أساطير وقصص.
وقد بدر في ذهني تساؤلات عديدة حول أسباب عدم الاستفادة من التراث العلمي لإثراء أعمالنا الثقافية و حضارتنا الأدبية. ولماذا لم نستفيد أو نطور إبداعات مبنية على الثقافة العلمية؟ وقد لاحظت أن مجمل الأعمال الأدبية العربية تدور في مسارح الواقع التاريخي أو في أحداث الحاضر بمعزل كامل عن أي مكون علمي أو خيالي. وهو ما قد يفسره البعض بأنه انعكاس للواقع العربي الفعلي الذي مازال الجهل يسري في أروقته وشوارعه، ويحرك فيه الدجالين والدراويش وغيرهم من العرافين والدلالين الجماهير المنساقة.
وقد يرى البعض الآخر أسبابا تتعلق بالتأثير الديني العميق على مجتمعنا الذي آثر أن يقبل بتفسير واحد لجميع الظواهر والأحداث، والترفع عن المعرفة الدقيقة والبحث عن المعلومات بحجة الإرادة الإلهية ومعرفة الخالق بجميع تفاصيل الكون، وهو ما ينفي الحاجة لأن نعلم بأنفسنا أو أن نفكر بعمق أو حتى السماح لخيالنا بأن ينمو خوفا من أن نسيء للذات الإلهية أو التقليل من الاعتماد على تفسير مشيئة الله. وقد يرى البعض أن هذا الموضوع هو مجرد تفاهات تثني البشر عن التفكير في الحياة اليومية والالتزامات المتلاحقة التي تستوجب منا التركيز في ما يدور من حولنا من أحداث فلا وقت إذا للخيال أو لصناعه.


فلماذا إذاً الخيال العلمي وكيف يمكن تعريفه؟
سطرت الأساطير التاريخية قصص لوحوش وكائنات مروعة كانت ترمز لمخاوف البشر في العصور المختلفة، فكان الخيال موجه نحو المجهول. لقد أدى خوف الإنسان من المجهول أن نطلق العنان لمخيلتنا في محاولة لوضع أبعاد مفهومة لما يسبب لنا هذه المخاوف. أن "الأوديسة" للكاتب اليوناني التاريخي هوميروس كانت من أوائل الأساطير الإغريقية التي امتزج بها الخيال بالواقع وعكس رهبة البشر في تلك الحقبة من البحر والترحال ومن مواجهة المجهول.
وفي أنحاء متفرقة من الكوكب ظهرت أساطير خيالية عديدة تحاكي مخاوفنا ورهبتنا من المجهول ورغبتنا في التغلب على الطبيعة، لكن التطور الحقيقي في صناعة الخيال حدث في أعقاب الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، عندما بدأت تظهر الآلات والمعدات الميكانيكية وبدأت التطبيقات العملية للعلوم الأساسية تأتي أُكلها. حينها اشتعلت المخيلة الإنسانية وبدأت مرحلة جديدة تماماً من الأدب المرتبط بالثقافة العلمية. وتحول أدب خيال (الخوف من المجهول) إلى أدب خيال (آفاق العلوم والتطبيقات الا محدودة) وهو الأدب الذي فتح المجال على مصراعيه للاختراعات العلمية والابتكارات الخلاقة.
لقد أصبح الخيال العلمي المركبة التي تحرك الابتكارات والاختراعات والوقود لشغف التطور والتحديث والبحث عن الأفضل والتطلع للتغلب على مشكلات الماضي والحاضر. والخيال العلمي ليس ترف للمجتمعات الغنية إنما هو نتيجة منهج ثقافي واجتماعي احتضن العلوم وسعى أن يوسع الإدراك بأدق تفاصيل الطبيعة والكون المحيط بدون التوجس من الارتطام بالمسلمات الدينية، فالعلوم لا تدار في سبيل إثبات الأديان إنما هي مجرد لاكتشاف الحقائق والمعلومات المجردة، والخيال العلمي هو رؤيا بعيدة المدى تستشرف الاحتياجات البشرية و تسعى لتحقيقها من خلال الاستفادة بالفكر العلمي في تعبئة الموارد المتاحة لتتخطي الحدود و الآفاق لتصنع واقعا جديدا.
المراقبة الدقيقة لكل تفاصيل الطبيعة ومحاكاة الأنظمة الطبيعية
وساهم في تنوع المنتجات الأدبية للخيال العلمي ذلك الجهد المضني والرائع في مراقبة الطبيعة. وباستخدام المنهج العلمي أصبح في الإمكان فك أسرار الطبيعة والوصول لتفسير الرموز والشفرات الخاصة بالكائنات المختلفة. وقد أضاف هذا الوعي والفهم الدقيق للطبيعة بعدا جديدا للخيال الأدبي افرز إبداعات ما زالت تدهشنا. وكانت لتفسير ظاهرة الجاذبية الأرضية من خلال تخيل العالم البريطاني السير إسحاق نيوتن لأسباب سقوط الفاكهة من على الأشجار، اكبر اثر علمي على العالم، حيث تم تفسير احد الألغاز التي ظلت تحير البشر لآلاف السنين.
وتلت هذه الاكتشافات اختراقات علمية تحاكي الطبيعة من كل جوانبها ما زالت تذهلنا، ابتكر الكثير منها باستخدام المخيلة العلمية والبحث العميق والدقيق، وقد تمكن البشر لاحقا من إضاءة الكوكب بالطاقة الكهربائية الخفية والتي ساهم في اكتشافها وتطبيقها العالم الشهير "ثوماس اديسون". وكيف خطى إنسان خطوة صغيرة على القمر وقفزت البشرية قفزة هائلة، واليوم فقد أصبحنا جميعا نتواصل عبر القارات والمحيطات بفضل مبدعين أمثال" بيل جيتس و ستيف جوبز" وكثيرين غيرهم ممن شكلوا الواقع الذي نحياه الآن من وحي مخيلتهم العلمية الفذة.
وشخصيا اعتقد أن ظاهرة انعدام الخيال العلمي العربي ترجع إلى الأسباب السالف ذكرها بالإضافة إلى التراجع الهائل في المجالات العلمية جميعا حتى التي برع فيها علمائنا السابقين من الرياضيات والفلك وغيرها. وفي هذا السياق كان أكثر ما أثار فضولي هو اختفاء تطلعات الأطفال نحو المستقبل خاصة داخل المدارس، نتيجة لمنظومة تعتمد على تعليم القطعان أو التعليم الكمي وليس النوعي. وأكاد اجزم بان وباء تقلص الأحلام والتطلعات قد أصاب المجتمع ككل، فلا يوجد متسع من الوقت لدينا حتى للتفكير العميق فما بالك بان نتيح لأطفالنا المحيط أو البيئة المناسبة لان يطلقوا العنان لمخيلتهم.
ويتحمل المجتمع مسؤولية مباشرة لتحفيز النشاط العلمي في المدارس والعمل على حث الأساتذة والمدرسين ومعدي المناهج الدراسية بضرورة إبراز دور العلوم وتشجيع الاختراع العلمي و التقني والنظر لتحديات المستقبل برؤيا متفائلة قادرة على تجاوز العقبات والمحن.
المؤسف إننا ما زلنا نأسر طلابنا وتلاميذنا في المساحات الضيقة للحفظ بدون السماح لهم للتفكير والتساؤل والاستجواب، و هو ما يستوجب منا بالضرورة الخروج إلى الآفاق الرحبة والممتدة للمخيلة البشرية. وبلداننا العربية ومجتمعاتنا الآن في أمس الحاجة للخيال العلمي والإبداع المبني على المعرفة والعمل على تكريس المنهج العلمي على جميع الأبعاد، خاصة في مناهج التعليم.
وإذ أوجه نداء لكل من المهتمين بتطوير الثقافة العربية من منظمات ومؤسسات وأفراد بما في ذلك القائمين على التربية والتعليم والعلماء وأساتذة العلوم بإنشاء أول آلية لدعم تنشيط الخيال العلمي العربي والاهتمام الشديد بالارتقاء بالابتكار والاختراع وجميع أنشطة الخيال العلمي بما فيها الأدب والسينما والعلوم المستقبلية والفضاء وعمل مسابقة عربية سنوية تقدم جائزة مجزية للبحث عن أفضل منتجات الخيال العلمي في موضوعات المياه والغذاء والطاقة المتجددة والمستدامة ومشكلات المواصلات والإسكان وتحفز المبدعين والمكتشفون والمخترعون العرب على التطور.
ولعل الأطفال هم اكبر المتضررين من فقدان الخيال العلمي والقدرة على الإبداع الفكري والذهني والذي يعد السبيل إلى التطوير والتحديث والابتكار واستبصار المستقبل وما سيأتي به من مفاجاءت ومفارقات لعالمنا العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??