الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس من الفتنة الكبرى ونهاية الحوكمة الرشيدة

حاتم بن رجيبة

2021 / 9 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


كل الإستنتاجات والأفكار التالية مستوحاة من كتاب المؤرخ الجليل هشام جعيط،، الفتنة،،.

- أولا يمثل سبب الفتنة ألا وهو مقتل عثمان بن عفان الخليفة الثالث بعد الرسول محمد مؤسس الدين والحضارة الإسلامية درسا. لقد قتل عثمان من طرف القراء وهم مختصون بحفظ القرآن وفهمه وشرحه ، منهم نشأ الخوارج لاحقا. قتلوه لأنه مارس المحسوبية والمحاباة و اقتصاد الأصهار أي منح أفراد عائلته امتيازات على باقي المسلمين أو باقي المواطنين بتعبير عصري. ثارت نخبة مثقفة وثورية على السلطة بجيوشها وقوتها وهيبتها. هذه النخبة تصرفت بدافع أخلاقي غيري، أي أنها ضحت بحياتها ، أعز ماتملك، لشعورها بالظلم تجاه الأمة، تجاه المسلمين. إذن الدرس الأول هو أن السلطة السياسية يجب أن تكون متخلقة ونزيهة وعادلة لا يشوب تصرفها شائبة وإلا أصبحت محل شك وستواجه المقاومة إن آجلا أم عاجلا.

- الدرس الثاني هو العاقبة الوخيمة للتطرف في التصرف. فقد قام القراء حينما شكوا في نزاهة توبة عثمان عن سلوكه الشائن بقتله وشنعوا به. أولا لم يقدم عثمان الآثم لمحاكمة علنية تقودها أطراف عدة. بل حاكمته فرقة واحدة: القراء. أما العقاب بالقتل فلم يكن واردا لا بالقرآن أو السنة اللذان يبيحان القتل كعقاب على القتل أو الردة أو الزنا فقط: القصاص . أي أنه كان عقابا آحاديا من سلطة غير قضائية مشروعة وجائر وفظيع : القتل والتنكيل.

مهما كان الإثم فظيعا فعلى المعاقب خاصة إن ادعى التخلق والعدل مثل الدولة أو الجماهير الثائرة أو الأحزاب أو رجال الدين... وكل سلطة أخلاقية أن تسم بالحلم والإعتدال والتريث وعدم المغالاة. التطرف يظهر ثانية في تصرف عائشة والزبير وطلحة فقط تطرفوا في القصاص لعثمان فهم لم يكتفوا بالقصاص من قتلى عثمان بالذات أي من طعنه وأجهض عليه بل تعداه لكل القراء الذين كانوا بالمدينة زمن القتل من قتل و من لم يقتل من شارك و من لم يشارك ! لم يشف غليلهم أن قتلوا 600 نفرا منهم بل أرادوا قتل الكل أي قرابة 1600 قارئ!!!! كذلك معاوية بن أبي سفيان لم يكن ال600 مقتولا من القراء كافيا!!! الغلو والتطرف جعل الحل السلمي أو بأقل ضرر ممكن مستحيلا: أي التعجيز كان النتيجة و منه كانت الحروب: حرب ،، الجمل،، و حرب صفين !! كذلك الخوارج كانوا مثالا على الغلو والتطرف فكل من لا يشاركهم آراهم يقتل!!! لا وجود لمعارضة. والإدعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة و هو مثال للحكم الشمولي مثل الشيوعية و النازية و الفاشية الإسلامية . ورثهم الإخوان والدواعش بكل أصنافهم من جبهة النصرة والقاعدة وبوكو حرام ألخ هذا التفكير: من لا يشاركني أفكاري فهو كافر ويجب قتله!! فهم خوارج عصرنا الحديث.

-الدرس الثالث نستنتجه من قبول علي منصب الخلافة دون مراعاة كل بروتولات العصر: عدم انتظار انتصاب مجلس الشورى. علي كان المرشح الأقوى، بايعه الكثيرون لكن السنة أو العرف السائد آنذاك تقتضي أن ينعقد مجلس الشورى الذي يضم وجهاء القوم وهذا لم يحدث مما سبب نشأة زمرة رفضت بيعة علي، من أبرزهم معاوية والي الشام، من سيكون منازع علي ومن سيفتك السلطة من بعده. لا يستطيع أي كان خرق ناموس وقوانين قومه دون دافع أخلاقي قوي. وإلا كانت العواقب وخيمة. فالقوانين تسير على الكل ووجب احترامها إلا إذا كان هناك سبب قاهر وهو ما فقد في حال تنصيب علي الخلافة، فأتاح لخصومه التشكيك في شرعيته، أي أتاح لهم ثغرة كادت تتسب في هلاك العرب آنذاك كما تسببت في زوال مبدأ الشورى واختيار الخليفة على أساس الكفاءة لتنتصب الملكية المعادية للديمقراطية والحوكمة الرشيدة.

-رابعا: من ارتكب إثما وجب أن يعاقب . علي لم يعاقب من قتل عثمان وسمح بالهروب من العقاب لذلك كانت المطالب مشروعة بالقصاص من قتلة عثمان. ومنه كانت محاربة علي لأرملة محمد عائشة والصحابة طلحة والزبير في موقع ،،الجمل،، ومحاربته معاوية في حرب،، صفين،، خطأ وظلما لأن مطالب أعدائه كانت مشروعة: أرادوا معاقبة القتلة كما أراد معاوية أن ينعقد مجلس الشورى لتعيين الخليفة. فلا هروب من العقاب في دولة القانون والعدل.

ماذا كان جواب علي لعدم القصاص من القتلة؟ أنهم أقوى من الدولة؟؟ أنهم بنفوذهم أو قوة عشائرهم لا يعاقبون؟؟؟؟ العدل والمساواة أساس الحكم .

-خامسا: يجب أن يختار الحاكم لكفاءته من أخلاق حسنة وعرض وسلوك وعلم وقدرات ذهنية وليس على أساس آخر مثل النسب أو المال أو العرق أو الجنس أو الحيلة... فتمييز القريشيين على غيرهم إثم. وتمييز آل محمد وآل علي أو عائلة الأمويين إثم . وهو مطلب استمات القراء ومن بعدهم الخوارج في المطالبة به. كما هو حق من حقوق الإنسان الكونية المعاصرة: لا فرق بين إنسان وآخر على أساس غير الكفاءة: لا عرق ولا دين أو لغة أو فكر أو لون...

- سادسا: يجب على الدولة أن تمتلك جيشا وأجهزة مسلحة قوية ومخلصة. دونها لا يمكن لها أن تحكم. فقد عجز علي الخليفة الشرعي في نظر الأغلبية على هزم المنشق معاوية لأن جيش المنافس ينافس جيشه ويتفوق عليه لاحقا. لم يكن لعلي جيشا مخلصا بل كان يتوسل للأشراف وللقراء والخوارج خاصة من عرب العراق حتى يسخرون له الجيوش. الخليفة علي لم يكن له جيش!!! لذلك كانت الهزيمة حتمية!! نفس الشيء نلاحظه في لبنان مثلا فجيش حزب الله يضاهي الجيش الرسمي في العدد والتسليح لذلك أصاب هذا الأخير الشلل ، أو في دول جنوب الصحراء مثل مالي والنيجر أين تصول عصابات القاعدة و داعش وتجول ولولا الجنود الفرنسيون لافتكوا السلطة بسهولة...

على الدولة أن تكون قوية بأجهزتها الرادعة والمسلحة وبقوانينها العادلة والمعتدلة غير المغالية ولا المتطرفة و على ساستها أن يكونوا قدوة في احترام القانون والإعتدال والحلم والمساواة . كما وجب أن تمتلك الدولة أجهزة مراقبة لتصرفات الساسة وأهل النفوذ في الإدارة والجيش والأمن مثلما كان القراء ضمير الأمة زمن خلافة عثمان فأنبوه وحاكموه وعاقبوه. هذه الأجهزة غائبة في كل الدول الغير ديمقراطية .

لقد كانت الفتنة كارثة على الديمقراطية الإسلامية الناشئة . بانتصار معاوية واستتباب مبدأ التوريث في الحكم انتهت تجربة فريدة في اختيار حاكم الإمبراطورية على أساس التشاور والكفاءة والإمتياز في العلم والسلوك والأخلاق... وطمست المعارضة مجسمة في حزب القراء الذي حارب تغطرس عثمان ومروقه عن مبادئ الحوكمة الرشيدة.كما ظهرت فرق متطرفة دموية وارهابية مثل الخوارج ومن بعدهم القاعدة وداعش والإخوان المسلمون أو فرقة الشيعة بمبادئهم الغريبة والعجيبة: حكم الأئمة الإثني عشر والمهدي المنتظر والعديد من الخزعبلات والتراهات...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر


.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.




.. غزيون يبحثون عن الأمان والراحة على شاطئ دير البلح وسط الحرب


.. صحيفة إسرائيلية: اقتراح وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب حماس ب




.. البنتاغون: بدأنا بناء رصيف بحري في غزة لتوفير المساعدات