الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحوار الديمقراطي الأساس الصلب في توحيد الشيوعيين السوريين

باسم عبدو

2006 / 8 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


يقف الشيوعيون على أرضية انقسامية منذ أكثر من ثلاثة عقود. وبعد كل انقسام ترفع الفصائل أو المجموعات الشيوعية في مؤتمراتها شعار (وحدة الشيوعية، والعلم الأحمر والمنجل والمطرقة) وكأنّ من يرفع الراية الحمراء سيكون أكثر ثورية من غيره.
وكأنّ من يردد الطقوس اللينينية ويُصلّي أمام الهيكل صباح مساء لانتصار الطبقة العاملة ودكتاتورية البروليتاريا سيكون الطليعة. وعلى هذه القاعدة يجري السباق لدخول جنّة الاشتراكية.
وأكثر السنوات صعوبة في القرن العشرين، كانت في العقد السابع، ووصلت الأمور بين رفاق الحزب الواحد إلى المهاترات والنزاعات. ومن أكثرهم حماسة واندفاعاً من أراد أن يُعيدنا ألف ميل إلى الصحراء العربية. ولا تأتي الحلول إلاّ من (المنبع)، والاصطفافات تأتي من هنا. و(الشاطر) من يلملم أشلاءه، ويُعيد تركيبها بأي شكل، ويُدبّج المقالات والبيانات والقراءات الحداثية والدراسات على أساس أنه الصراط المستقيم انطلاقاً من الأرثوذكسية، وأنه رضع من حليب الماركسية ـ اللينينية، ولم يستخدم أي نوع من حليب (البودرة).
وهكذا درّبنا على قذف الشيوعية الأوربية بالشتائم، وحفظنا أخطاء (تيتو وانعزالية الصين الماوية) وخروجها عن الخط الشيوعي، وتحدّيها للسوفييت. وتعلّمنا كيف نواجه (المناشفة) و(الخطر التروتسكي) علماً أن التروتسكية لم تنبت في تربتنا ولم تقتحم تقاليدنا الثورية وعاداتنا الاجتماعية ومكوّناتنا الفكرية، ليس لسبب، بل لأن السوفييت لا يعترفون بأي حزب خارج إطار دائرتهم.
ومن يَعُد إلى تاريخ ستالين الأسود، فسيقرأ أو يكتشف أن تروتسكي (المرحوم) ثوري ومفكّر كبير وعنيد خطّأه ستالين وسحقه مع المئات أو الآلاف من رفاقه.
إن سبعينيات القرن الماضي وأواسط الثمانينيات كانت من أعقد وأصعب المراحل في تاريخ الحزب الشيوعي السوري، فتمرّغت مرارة الانقسامات والتشرذمات في حلوق ألوف الشيوعيين وأصدقائهم، عدا التشويهات والاتهامات والدعوات المغرضة والاصطفافات على أساس عائلي وقومي وفردي، أو تمثلاً بهذا القائد الفذ أو ذاك المنتمي إلى الطبقة العاملة أو المتحدّر من طبقة الفلاحين الفقراء، وفي كل ما حصل، وعلى مدى التاريخ الطويل نسبياً، كان البلل يطول المثقفين (من الذين يعرفون القراءة والكتابة إلى الكتاب والمبدعين والباحثين والمحامين والأطباء وسواهم). والاتهام الجاهز أنهم من البورجوازية الصغيرة، لذلك يجب عزلهم، ليتم إضعاف تأثيرهم السلبي على الطبقة العاملة والكادحين. وبيّنت الأحداث والتاريخ المكتوب والشفهي أنّ نسبة (البورجوازية الصغيرة) أعلى بكثير من نسبة العمال والفلاحين، وإلى هذا التاريخ ما يزال دورهم وتأثيرهم أكبر من دور بقية الطبقات.
إنّ العقلية التسلّطية الفردية التي سادت زمناً طويلاً، لم تنمُ في بلادنا فقط، بل في بلدان العالم الثالث والمجتمعات المتخلفة. وعندما عجزت الستالينية أن تُربي مثيلاً لها في أوربا الصناعية، في الأحزاب الشيوعية، اختلقت الأسباب واتهمتها بأنها (أحزاب خوارج).
وعلى الرغم من سلبية الانقسامات والنفور منها، إلا أنها كانت تجربة جديدة في حياة الشيوعيين، فتحت أذهانهم على أمور لم تكن في الحسبان، وكشفت عن المستور والمخبّأ في دواخل الناس. وهذه التجربة في التعددية التنظيمية أطلق عليها اسم (الحركة الشيوعية السورية) فقد وصل عدد التنظيمات إلى سبع أو ثماني منظمات صغيرة وكبيرة نسبياً، لم تستطع أن تتعايش مع بعضها من جهة، وخلقت هوّة بينها وبين الواقع، بينها وبين الناس والجماهير من جهة ثانية.
ونتيجة لمجموعة من العوامل، تلاشى البعض ولم يَعْدله أثر يُذكر، وبقي الأقوى يواجه صعوبات جمّة، وفي حالة تنافسية صراعية، وبقدر ما كان هذا أو ذاك يقترب من السوفييت ينال وسام الاعتراف، وبشكل طبيعي كان الأقرب إلى النظام السياسي أو (السلطة) في سورية.
واتخذ النضال التوحيدي للشيوعيين بُعداً آخر، وغدت الفصائلية محملة بالأضرار أكثر من المنافع، وانعكست سلباً من النواحي الوطنية والحزبية والتحالفية والجماهيرية. وبدأ الاعتراف بالواقع يشقّ طريقه نحو الصواب، وإن جاء متأخراً، فشمعة تبدّد الظلام أفضل من البقاء في العتمة.
وبرز للأزمة وجهان: الأول، أن التشرذم لا يساعد على النضال من أجل تحقيق الأهداف التكتيكية والاستراتيجية، والثاني الوصول إلى القناعة أن التوحيد من خلال التوافق على مشاريع سياسية تتحوّل إلى برامج عمل هو الطريق الأقصر لإعادة بناء الحزب الشيوعي السوري.
وهكذا أنتج الحوار الديمقراطي الذي امتد لسنوات عملية توحيدية شكّلت نقطة مضيئة في تاريخ الشيوعيين في العام 1991. وجاءت قوة هذا التوحيد أو الوحدة من الظروف الاستثنائية، عشية فشل التجربة الاشتراكية وانهيار الاتحاد السوفييتي.
وبعد هذا السرد المكثف للحالة الشيوعية في سورية، وبعد زجّ عشرات الأقلام، وعشرات المقالات والآراء المتفقة أو المختلفة في تصوراتها التوحيدية، أرى أن هناك رغبة جامحة عند التنظيمات الشيوعية، وخاصة في الكوادر القاعدية والوسطى عند بعض الأطراف. وأجمع المؤتمر العاشر على قرار توحيد الشيوعيين، ولكن كيف؟ هل يمكن الاستفادة من تجربتي 1987 و1991، أم هناك وخطة جديدة على ضوء الواقع الجديد؟ هذا ما نتركه للمستقبل القريب!
إن الحاضر يحثّنا على توحيد صفوفنا، لأن الوطن بحاجة إلى حزب شيوعي قوي يقف إلى جانب كل القوى التقدمية لمواجهة الأخطار الخارجية، والانتقال بالبلاد إلى مرحلة الديمقراطية والتخلّص من الفساد المستشري، ورفع مستوى معيشة المواطنين.
ومن هنا أرى أن مرتكزات توحيد الشيوعيين تقوم على الأسس التالية:
أولاً: إعادة تدريب وتثقيف الشيوعيين كما كانوا أيام زمان على الحبّ والود ونفض غبار التشتت، وترك المصالح الفردية جانباً، وكسر حواجز الجليد، وإعادة الروح الطيبة للقلوب، وترويض النفوس بما يخدم ويحقّق مصلحة الوطن والشعب والحزب.
ثانياً: تشكيل لجان من جميع التنظيمات ومن الشيوعيين التاركين الراغبين في المساهمة في العملية التوحيدية، في مناطق وجودهم، والاتفاق على خطة، والعمل على أساسها، تعتمد القضايا الفكرية والسياسية والمطلبية الجماهيرية.
ثالثاً: اعتماد الحوار الديمقراطي، ومبدأ اختلاف الرأي، للوصول إلى الاتفاق أو التوافق على المسائل المطروحة، وتقديمها على شكل أوراق عمل للقواعد ومناقشتها واتخاذ القرارات الجماعية بشأنها.
رابعاً: توفير أجواء نقية صافية للتنسيق والأعمال المشتركة، في القضايا المطلبية الجماهيرية، والانتخابات البرلمانية والعمالية والمهنية والطلابية والفلاحية.
خامساً: الانتقال بعد مرور عام أو أكثر إلى مرحلة أخرى متقدمة، وذلك بعقد ندوات ثقافية وسياسية واسعة، يحضرها ممثلون من اللجان على مستوى المدينة أو المحافظة.
سادساً: تقديم خلاصة الحوار والتنسيق والأعمال المشتركة إلى اللجنة القيادية لدراستها والمساهمة في دفع العملية التوحيدية إلى الأمام، والوصول إلى المرحلة التوافقية التي تؤهل الشيوعيين للانتقال إلى مرحلة تنظيمية تجريبية في المنظمات الأكثر تقارباً وانصهاراً.
سابعاً: إصدار بيان أو إعلان مشترك يحدّد الأسس التي أدّت إلى التوحيد، ومعالم المرحلة القادمة بجميع جوانبها السياسية والتنظيمية والفكرية.
ثامناً: عقد مؤتمر توحيدي استثنائي توافقي تتحقق فيه مصلحة الجميع حسب لائحة تنظيمية. وبهذا يكون الشيوعيون قد أنجزوا هدفاً كبيراً، وسيكون الحزب الشيوعي السوري الموحد أداة فاعلة ومؤثرة في العملية السياسية، ونموذجاً يحتذى به في الحركة الشيوعية العربية، يدفع الحراك السياسي في البلاد نحو وحدة وطنية راسخة تعتمد الحوار الوطني، واحترام الآراء المتغايرة، والنضال السلمي، والعمل على تقدم الوطن وازدهاره. ويكون الشيوعيون السوريون قد أنجزوا مهمة كبيرة في التاريخ المعاصر.
ملاحظة: المقالة تُعبّر عن رأي كاتبها فقط

--------------------------------------------------------------------------------
النور- العدد 257 (9/8/2006)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا تحظى سيارة بيك أب بشعبية كبيرة؟ | عالم السرعة


.. -بقنابل أمريكية تزن 2000 رطل-.. شاهد كيف علق حسام زملط على ت




.. عودة مرتقبة لمقتدى الصدر إلى المشهد السياسي| #الظهيرة


.. تقارير عن خطة لإدارة إسرائيلية مدنية لقطاع غزة لمدة قد تصل إ




.. قذائف تطلق من الطائرات المروحية الإسرائيلية على شمال غزة