الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نساء أمل -1-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 9 / 17
الادب والفن


تقول أمل: أنا كل النساء، وكلّ النساء هنّ أنا، تختلف حياة في نظرتها فتردّ على أمل :
"الحقيقة ليست كما تقول أمل ، فهناك بعض النسوة يعشن حياة طبيعية ، و البعض يعيش بمعاناة قليلة ، لكن لا شكّ أن هناك معاناة اسمها " معاناة النساء" ، وهذا ما ترصده أمل عندما تتحدّث عن النساء ، تجمع القصص من نساء الحي، أو الباص ، أو النزهة ، وتنسب الموضوع لها فتتحدث تارة عن المعاناة، و أخرى عن الحياة ، لكنها تعترف بأن هؤلاء النساء الذين كتبت عنهن تحت توقيع أمل ليس جميعهن أمل . "
تقول أمل :
صديقتي حياة أصابها البطر . لديها زوج ، وسيارة ، و أولاد ، وهي ربّة منزل ، زوجها يدعم أسرته ، تعتقد أن جميع النساء مثلها . صحيح أنّني أتحدّث عن معاناة النّساء ، لكنّني أبكي على الرّجل أيضاً، فهو إضافة إلى أنّه لايجد رغيف الخبز ، لكن كونه رجل يحتّم عليه أن يقوم بالدّفاع عن الله، وحماية الدّين من الأعداء، وقتل النّساء . الرجال الذين يمتلكون ثمن الطّعام كزوج حياة ، يمارسون بعض الدين إرضاء المجتمع، ويتسترون على قصصهم الشخصيّة ، وبعضهم يعتبرها حرية شخصيّة .
أمل -1-
يجمّلون اسم المرأة فيسمونها أنثى، أعتقد أنه يجب أن نقول عنها بضمير الغائب أنثى الإنسان كما نقول عن أنثى الحيوان .
في يوم ولادتي لم أصرخ الصرخة الأولى
كانوا يرغبون أن لا أصرخ لولا أنّ الدّاية سارعت بضربي
كأنّني أرى أمّي حزينة ، تتلقى التّعازي بقدومي
لم أرها بعد
كات مشغولة بأخي الصّغير
الجميع كانوا مشغولين به
و أنا لا أبكي، لا أصرخ، لا أتفاعل
لا حول ولا قوة لي في أيّ قرار، أو أيّ خيار ، بل يتشاور الجميع حولي وحول جميع الأشياء كأنني غير موجودة ، أقصد بالجميع رجال العائلة ، أو ذكورها . كانت أمي تجلس في زاوية بعيدة عندما يجتمعون لاتخاذ القرارات . حتى القرارات التي تخصّها بيدهم ، كانت تعتقد أنه سوف يكون لها شأن بينهم كونها أم الصّبيان . لم يحصل هذا.
من أنت يا أمل ؟
كيف أغيّر عالمي وقد أصبحت في الرّابعة عشر من عمري، ولا أتجرّأ على دخول الغرفة، هي غرفة وحيدة نجلس، وننام فيها . أحياناً يكون الجو بارداً و أرغب أن أجلس في الدّاخل، لكن ذلك ممنوع ، فأختفي خلف قنّ الدجاج ، أحتمي به ، أبكي بصمت ، لا أعرف لماذا أبكي . كانت أوقات البكاء تترافق مع الدّورة الشّهرية، أشعر بالعيب ، بالذل، و بالخجل ، أختبئ منّي . لا أعرف كيف أمنع الدّم من النزول ، أتصرف بغباء ، المهم أن لا يعرف أحد بذلك السّر الخطير .
ليس في داخلي ثورة، و لا أرغب بالتّغيير ، فقط أرغب في الاختباء ، أو الاختفاء . حاولت مرات عديدة أن أقول لأمي أن تضعني بحضنها ، لكنّني كنت أعرف أنها مشغولة عنّي بأخي الصغير، و أخي الكبير . عندما أجلس قربها تحدّثني بالسّوء عن جدتي و أبي ، تقول لي أنّه بلا شخصية ويخضع لأمّه -أي جدتي-كنت في الثالثة من عمري ، لم أكن أفهم ما تقول ، فقط كنت أعتقد أن جدتي تحبني قليلاً ، فهي تسمح لي أن أمشّط شعرها وأن أجلس على سريرها الموضوع في غرفة المونة ، وهي تمتلك فقط هذا السّرير ، وصرة ثياب صغيرة وصندوق صغير هو صندوق عرسها . ربما كنت أحبّ جدتي لأنني أعرفها أكثر من أمي ، وهي تحدثني بلطف، لكنها مثلي منبوذة ، تداري نفسها من الجميع.
سألت جدتي مرّة : لماذا لم تنجبي غير أبي ؟ أجابتني لأنّ زوجها مات ، وكنت في عمر أربع سنوات . حدّثتني عن الظلم الذي تلقته على يد عائلة زوجها حتى استطاعت أن تربي ابنها الذي هو أبي . جدتي لا تجيد صنع الطّعام لأنّها لم تكن ربّة أسرة. تقول : إذا مات الزوج لا يبقى لك حماية ضمن العائلة فتذلين من أجل تربية ابنك. يمكنك الخروج من العائلة بسهولة ، لكن لوحدك ، لكنّ الزواج غير مضمون ، و تقول أيضاً كنت جميلة ، لكنّني لم أفكر مرّة بنفسي و أنه يمكن أن ألتقي بشخص آخر . هنا يمكن أن يطلبوا مني أن أموت فكيف بقيت على قيد الحياة بينما مات زوجي.
كأنّ جدتي أكثر فهماً من الجميع . تدافع عن نفسها بالهروب من جو الأسرة ، و الجلوس على زاوية الشّارع مع بعض رجال الحيّ، أو زيارة إخوتها ، فهي لا تأتي إلا على موعد الطّعام.
سوف أتحدّث كثيراً عن ولادتي
شرح لنا معلم الدّين عن و أد البنات قبل الإسلام
يالها من فكرة!
لو أن عائلتي و أدتني
لما كنت اليوم على هذه الحال
يبدو أنّ المعلم قال نصف الحقيقة
لم يئد الأغنياء بناتهم ، بل ألبسوهن الحرير.
. . .
لم أكن راضية عن طفولتي وشبابي ، لا زلت غير راضية عن حياتي بعد، لكن دون وعيّ مني أصبحت أمارس نفس عادات عائلتي في التهميش . كأنّ في داخلي دكتاتور ، مع أنني أتلقى الصفعة تلو الأخرى من زوجي ، مع هذا أنظر إلى نفسي كعظيمة و أنني أفضل منه ، وعندما يذلّني أقبل قدميه ، وهذا لا يعني أن الدكتاتور لا يعيش في داخلي ، هو فقط ينتهز الفرصة ليتاح له الحكم وسوف يخرّب الدنيا.
اليوم زارتني جارتنا أم أحمد . شعرت أنها تلمّح أنني بسيطة ، و لا أهتم بنفسي من أجل أن لا ينظر زوجي إلى النساء . إنني حساسة إلى درجة كبيرة . سوف أكف عن زيارة أم محمد ، لا أحتاج من يؤذيني بشخصي . لا زلت في الثلاثين ، ولا زلت جميلة . بعد أن خرجت أم أحمد ذهبت إلى المرآة . لم أر نفسي منذ زمن بعيد ، لكنّ المرآة تقول لي أنت جميلة و إن كانت عين زوجك تزوغ، فليس هذا من اختصاصك. ألا يكفي أنني تزوجته؟ لا أحترم خياري في الزواج ، لكن هذا هو أفضل من تقدم لي، أو ربما لم يتقدم لي غيره، و أنا أرغب بعائلة و أولاد و أن لا أصبح عانساً . حتى لو كان يشبه إنسان نياتردال بإمكاننا أن نعيش الحبّ ، و التفاهم، وبخاصة بعد أن رزقنا بابننا وسيم ، فقد اكتملت حياتي . لدي زوج وعائلة وطفل ذكر. نعم طفل ذكر . لو كانت أنثلى لما كان لنا قيمة-أعني أنا وهي-. أرى نفسي صورة طبق الأصل عن أمي . بل ربما أمي أكثر انفتاحاً .
على وشك أن يتهمونني بالزنا . أمّ زوجي ألفت عنّي حكاية أكدتّها عندما قالت بأنه ليس لدي غشاء بكارة، وكذلك زوجي، لكن زوجي قال لي أنه سوف يتزوجني كنوع من العطف ، وكي لا تقتلني عائلتي، وسوف يطلقني متى شاء، لكنني اليوم أم لطفل، و الاتّهام حاضر . ربما أموت اليوم أو غداً ، أو بعد عشر سنوات، فجريمة الزنا لا تغتفر. كنت أفتّش ذهني كي أجد الزاني فقد صدّقت مقولتهم ، ثم أقنعت نفسي أن أحدهم قد مارس الجنس معي دون أن أدري، قدد يكون جنّياً. نعم هناك جنّ يتزوجون بالنساء من البشر. مهمتي اليوم أن أعرف مكان إقامة الجنيّ كي أبسمل ، و أطرده من حياتي، أتمنى أن يكون ذلك قبل أن أرجم ، أو أذبح. أفضل لو يطلقون عليّ النّار ، لكن لا يستطيعون ، عليهم تطبيق حكم الشّرع . إذاً سوف يجلدونني. لا. الموت أحسن. في منطقتنا لا يوجد جلد فقط موت ، و أنا مستعدة لذلك اليوم.
هذا هو النّدب قبل اتّخاذ القرار . إذا لم تعرف واقعك لن تستطيع الخلاص منه .
عليّ أن أملك المال . المال فقط هو الذي يجعل المرأة امرأة طاهرة . سوف أسرق زوجي ، سوف أعمل أي عمل أكسب من خلاله المال .
أتسلل في الليل على أطراف أصابع قدمي إلى غرفة الجلوس، يكون زوجي قد ثمل ونام أمام التلفاز. أمد يدي على جيبه ، أعدّ مامعه من مال ، و آخذ بعضه :تلك المئة ثمن اللحم، وتلك من أجل الوفر، وتلك لأجل أدوات التّجميل. لم أعد أطلب منه ، وهو لا يعرف مقدار ماعنده لأنه يلتقي بأكثر من امرأة . ألا يمكن أن تكون صبوحة مثلاً هي التي سرقته ؟ صبوحة كانت صديقتي ، و اليوم هي صاحبة زوجي.
ذهبت اليوم لأشتري بعض الحاجات من السمّان. رحب بي ، وبطريقة عفوية مرّر يده فوق صدري. فهمت نيته . عندما حاسبته : حلف أنّه لن يأخذ قرشأً واحداً . قال لي: فقط اسمحي لي أن أقبلك قبلة عميقة. هذا ليس ممنوعاً في الشّرع . ضمّني أليه، قبلني من فمي . أمر جيد . استطعت أن أشتري حاجة يومي بقبلة. ليس بالضرورة أن أشعر بالذنب . أرغب أن أشعر أنني على قيد الحياة، الطعام و الشراب وحده لا يشعرك بذلك .
كيف يصل الرّجل إلى مكانة محترمة؟ هذا هو السّؤال الذي كان يشغل تفكيري . كنت أسأل : لماذا لا أساوي الرّجل . لا شكّ أنّ عليّ أن أدفع ثمناً، وكنت مستعدة لدفعه، فلن أبقى نكرة أتعرّض للإذلال .
هل وصل الأمر بي إلى درجة أنني أسمح لسمّان الحيّ بتقبيلي من أجل ثمن الطعام؟ كنت لا أحترم المرأة الخائنة حتى لو كان زوجها خائناً. هناك شيء ما تغيّر في مخّي. قد يكون أحد الشرايين قد أدخل تلوّثاً إليه ، لكن بعد أن أصبحت أطبخ من حساب السّمّان مقابل قبلة . بدأ زوجي يحسن معاملته معي رغم أنني أسرقه. أسأل عن الوصايا العشر : هل هي للمظلومين فقط. سوف أفعل كل الأخطاء . أبحث عن رجل يرفعني دون أن أتخلى عن عائلتي فقد أصبح لدي بنت جميلة أيضاً . لدي الآن وسيم، ووسام.
لا شيء بالصدفة . سجلت في رحلة نسائية أنا و أولادي ، كانت الرّحلة ممتعة، دعتني المشرفة إلى الانتساب للحزب . قالت لي : هناك فوائد كثيرة ، فالحزب هو الذي يحكم . طبعاً لم أصدّق فبعد قبلة السّمان الأولى عرفت أن كلّ ما يقال عار عن الحقيقة، لكنني سوف أنتسب للحزب ، و أعرف من هو المسؤول. لا زلت في الثلاثين وجميلة . في اجتماع الفرقة الحزبية طلب مني المسؤول أن أتبعه إلى مكتبه، قال لي أن أصبح سكرتيرته ، ثم قبّل يدي و اختلى بي في غرفة صغيرة خلف المكتب فيها سرير. أغمضت عيني و أنا أشعر بالقرف ، لكن ذلك كان ثمن الاستقرار العائلي ، وثمن احترام زوجي لي .قال لي : سوف أزوركم في المنزل . خفت أن يتهمني زوجي، وقلت له أخاف . أجابني. زوجك يسعى ليكون مسؤولاً ، سوف أقرّبه منّي ، ونسهر معاً في بيتك مرّة في الأسبوع . هو لا يمانع ، أعرفه لا يؤمن بالشرف ، وكل ما يقوله حول الشرف هراء .
الثمن الذي أدفعه ثمناً باهظاً ، لكنّ زوجي اليوم يحبّني و أولادي أيضاً . لم أعد أسرق من زوجي ، بل هو من يعطيني المال من أجل طبخة، أرفض، أقول له: لست خادمة، فيطبخ. لا أهتم إن كان أبناء جيلي يحسدونني أم يتحدثون بالسّوء عنّي .
عائلتي اليوم تحبني ، و إخوتي يهتمون لشأن أولادي ، و أنا أدفع لأنني عرفت أن المال يشتري الحبّ أيضاً . فرصتي قد تكون قليلة، فقد قاربت على الأربعين ، فكرت بالثمن الذي يجب أن تدفعه ابنتي وهي تكبر بسرعة . وضع المسؤول اسمي ضمن وفد سوف يرسل إلى لاهاي ، طلبت أن آخذ أولادي معي . كانت زيارتنا لمدة أسبوع . أخفيت نفسي بعدها في فندق حتى أقلعت الطائرة ، ثم سلمت نفسي للبوليس ، طلبت اللجوء . لم أكن أطمح في الحياة سوى لعيش كريم ، لكنّ العيش الكريم كان ثمنه باهظاً. لن تضطر ابنتي إلى دفعه.
بدأت حياة جديدة ، أفكّر في العمل الحقيقي ، فخلال عملي كسكرتيرة للمسؤول الحزبي لم يكن لدي عمل إلا لتلبية رغباته ، حتى أنه عندما أرسلني في مهمة كان لديه سكرتيرة " أدربها"-حسب ما قال لي -وعندما تكون جاهزة سوف يرسلني إلى قسم الأرشيف. السكرتيرة كانت مدرّبة جيداً لدرجة أنها تجلس في حضنه في مكتبه ، و أمام الجميع . طموحها أكبر من طموحي قالت لي أنها سوف تتزوجه كزوجة ثانية ، وسوف يكون مهرها كبيراً ، لكن فقط عندما تستطيع السيطرة عليه ، تقول أيضاً أن أمها نصحتها بذلك ، وقالت لها أن تنجبي منه طفلاً يرثه ، و أنت ترثين المال واسم العائلة ، وعندما يموت تشترين شاباً يحمل شهادة جامعية ، لكنه لا يستطيع أن يكوّن أسرة . لم أفهم الفكرة إلا بعد أن توفي المسؤول ، و التقيت بها مع ابنتين وشاب وسيم يعمل طبيباً . فوجئت بأنها قد لجأت مثلي إلى الغرب ، لكن بطريقة أخرى . قالت لي أن بناتها هما بنات المسؤول. و أنها تحب زوجها الحالي ويحبها . سألتها عن والدتها . سألتني هل تعرفينها ؟ أجبتها : لا فقط من خلالك . أعتقد أن والدتك كانت عرّافة . أجابت: أمي حياتي خطفها الموت منّي لولاها لما استطعت العيش بطريقة كريمة .
تعتقد أنها عاشت بطريقة كريمة بينما أعتبر نفسي قد عشت بطريقة ذليلة مع أن عملنا كان واحداً . سوف أجد العذر لنفسي، و لن أبقى سجينة الماضي. . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا